
|
ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك
ادخل الكود التالي:
انتظر إرسال البلاغ...
|

| المومس العمياء . |
| الليل يطبق مرة أخرى، فتشربه المدينه |
| والعابرون، إلى القرارة... مثل أغنية حزينه. |
| وتفتحت كأزاهر الدفلي، مصابيح الطريق، |
| كعيون ميدوزا، تحجر كل قلب الضغينه، |
| وكأنها نذر تبشر أهل بابل بالحريق |
| من أي غاب جاء هذا الليل؟ من أي الكهوف |
| من أي وجر للذئاب؟ |
| من أي عش في المقابر دف أسفع كالغراب؟ |
| قابيل أخف دم الجريمة بالأزاهر والشفوف |
| وبما تشاء من العطور أو ابتسامات النساء |
| ومن المتاجر والمقاهي وهي تنبض بالضياء |
| عمياء كالخفاش في وضح النهار، هي المدينة، |
| والليل زاد لها عماها. |
| والعابرون: |
| الأضلع المتقوسات على المخاوف والظنون، |
| والأعين التعبى تفتش عن خيال في سواها |
| وتعد آنية تلألأ في حوانيت الخمور: |
| موتى تخاف من النشور |
| قالوا سنهرب، ثم لاذوا بالقبور من القبور! |
| أحفاد أوديب الضرير ووارثوه المبصورن. |
| جوكست أرملة كأمس، وباب طيبة ما يزال |
| يلقي أبو الهول الرهيب عليه، من رعب ظلال |
| والموت يلهث في سؤال |
| باق كما كان السؤال، ومات معناه القديم |
| من طول ما اهترأ الجواب على الشفاه. |
| وما الجواب؟ |
| أنا قال بعض العابرين... |
| وانسلت الأضواء من باب تثاءب كالجحيم |
| يبحثن في النيران عن قطرات ماء... عن رشاش. |
| لا تنقلن خطاك فالمبغى علائي الأديم: |
| أبناؤك الصرعى تراب تحت نعلك مستباح، |
| يتضاحكون ويعولون. |
| أو يهمسون بما جناه أب يبرؤه الصباح |
| مما جناه، ويتبعون صدى خطاك إلى السكون |
| الحارس المكدود يعبر متعبات، |
| النون في أحداقهن يرف كالطير السجين، |
| وعلى الشفاه أو الجبين |
| تترنح البسمات والأصباغ ثكلى، باكيات، |
| متعثرات بالعيون وبالخطى والقهقهات، |
| أوصال جندي قتيل كللوها بالزهور، |
| وكأنها درج إلى الشهوات، تزحمه الثغور |
| حتى تهدم أو يكاد. سوى بقايا من صخور. |
| جيف تستر بالطلاء، يكاد ينكر من رآها |
| أن الطفولة فجرتها ذات يوم بالضياء |
| كالجدول الثرثار أو أن الصباح رأى خطاها |
| في غير هذا الغار تضحك للنسائم والسماء، |
| ويكاد ينكر أن شقا لاح من خلل الطلاء |
| قد كان حتى قبل أعوام من الدم والخطيئة |
| ثغرا يكركر، أو يثرثر بالأقاصيص البريئه |
| لأب يعود بما استطاع من الهدايا في المساء: |
| لأب يقبل وجه طفلته الندي أو الجبين |
| أو ساعدين كفرختين من الحمائم في النقاء. |
| ما كان يعلم أن ألف فم كبئر دون ماء |
| ستمص من ذاك المحيا كل ماء للحياء |
| حتى يجف على العظام وأن عارا كالوباء |
| يصم الجباه فليس تغسل منه إلا بالدماء |
| سيحل من ذاك الجبين به ويلحق بالبنين |
| والساعدين الأبيضين، كما تنور في السهول |
| تفاحة عذراء، سوف يطوقان مع السنين |
| كالحيتين، خصور آلاف الرجال المتعبين |
| الخارجين خروج آدم، من نعيم في الحقول |
| تفاحة الدم والرغيف وجرعتان من الكحول |
| والحية الرقطاء ظل من سياط الظالمين |
| أتريد من هذا الحطام الآدمي المستباح |
| دفء الربيع وفرحة الحمل الغرير مع الصباح |
| ودواء ما تلقاه من سأم وذل واكتداح |
| المال، شيطان المدينه |
| إبر تسل بها خيوط من وشائع في الحنايا |
| وتظل تنسج، بينهن وبين حشد العابرين، |
| شيئا كبيت العنكبوت يخضه الحقد الدفين: |
| حقد سيعصف بالرجال |
| والأخرىات، النائمات هناك في كنف الرجال |
| والساهرات على المهود وفي بيوت الأقربين |
| حول الصلاء بلا اطراح للثياب ولا اغتسال |
| في الزمهرير، ودون عد لليالى والسنين! |
| ويمر عملاق يبيع الطير، معطفه الطويل |
| حيران تصطفق الرياح بجانبيه، وقبضتاه |
| تتراوحان: فللرداء يد وللعبء الثقيل |
| يد، وأعناق الطيور مرنحات من خطاه |
| تدمي كأثداء العجائز يوم قطعها الغزاه |
| خطواته العجلي، وصرخته الطويلة يا طيور |
| هذي الطيور، فمن يقول تعال... |
| أفزعها صداه |
| عمياء تطفئ مقلتاها شهوة الدم في الرجال. |
| وتحسسته كأن باصرة تهم ولا تدور |
| في الراحتين وفي الأنامل وهي تعثر بالطيور، |
| وتوسلته: فدى لعينك خلني. بيدي أراها. |
| ويكاد يهتك ما يغلف ناظريها من عماها |
| قلب تحرق في المحاجر واشرأب يريد نور! |
| وتمس أجنحة مرقطة فتنشرها يداها، |
| وتظل تذكر وهي تمسحهن أجنحة سواها |
| كانت تراها وهي تخفق... ملء عينيها تراها: |
| سرب من البط المهاجر، يستحث إلى الجنوب |
| أعناقه الجذلى... تكاد تزيد من صمت الغروب |
| صيحاته المتقطعات، وتضمحل على السهوب |
| بين الضباب، ويهمس البريد بالرجع الكئيب |
| ويرج وشوشة السكون |
| طلق... فيصمت كل شيء... ثم يلغط في جنون. |
| هي بطة فلم انتفضت؟ وما عساها أن تكون؟ |
| ولعل صائدها أبوك، فإن يكن فستشبعون. |
| وتخف راكضة حيال النهر كي تلقى أباها: |
| هو خلف ذاك التل يحصد. سوف يغضب إن رآها. |
| مر النهار ولم تعنه... وليس من عون سواها |
| وتظل ترقى التل وهي تكاد تكفر من أساها. |
| ........... |
| يا ذكريات علام جئت على العمى وعلى السهاد؟ |
| لا تمهليها فالعذاب بأن تمري في اتئاد. |
| قصي عليها كيف مات وقد تضرج بالدماء |
| هو والسنابل والمساء |
| وعيون فلاحين ترتجف المذلة في كواها |
| والغمغمات: رآه يسرق... واختلاجات الشفاه |
| يخزين ميتها، فتصرخ يا إلهي، يا إلهي |
| لو أن غير الشيخ، وانكفأت تشد على القتيل |
| شفتين تنتقمان منه أسى وحبا والتياعا |
| وكأن وسوسة السنابل والجداول والنخيل |
| أصداء موتى يهمسون رآه يسرق في الحقول |
| حيث البيادر تفصد الموتى فتزداد اتساعا |
| ....... |
| وتحس بالدم وهو ينزف من مكان في عماها |
| كالماء من خشب السفينة، والصديد من القبور، |
| وبأدمع من مقلتيها كالنمال على الصخور |
| أو مثل حبات الرمال مبعثرات في عماها |
| يهوين منه إلى قرارة قلبها آها فآها. |
| ومن الملوم وتلك أقدار كتبن على الجبين؟ |
| حتم عليها أن تعيش بعرضها، وعلى سواها |
| من هؤلاء البائسات وشاء رب العالمين |
| ألا يكون سوى أبيها بين آلاف أباها |
| وقضى عليه بأن يجوع |
| والقمح ينضج في الحقول من الصباح إلى المساء |
| وبأن يلص فيقتلوه... وتشرأب إلى السماء |
| كالمستغيثة وهي تبكي في الظلام بلا دموع |
| والله عز الله شاء |
| أن تقذف المدن البعيدة والبحار إلى العراق |
| آلاف آلاف الجنود ليستبيحوا، في زقاق |
| دون الأزقة أجمعين |
| ذاك اسم جارتها الجديد، فليتها كانت تراها |
| هل تستحق اسما كهذا: ياسمين وياسمين؟ |
| يا ليت حمالا تزوجها يعود مع المساء |
| بالخبز في يده اليسار وبالمحبة في اليمين. |
| لكن بائسة سواها حدثتها منذ حين |
| عن بيتها وعن ابنتيها، وهي تشهق بالبكاء |
| كالغيمة السوداء تنذر بالمجاعة والرزايا، |
| أزراره المتألقات على مغالق كل باب |
| مقل الذئاب الجائعات ترود غابا بعد غاب |
| وخطاه مطرقة تسمر، في الظلام، على البغايا |
| أبوابهن، إلى الصباح فلا تجاهر بالخطايا |
| ويظل يخفرهن من شبع وينثر في الرياح |
| أغنية تصف السنابل والأزاهر والصبايا، |
| وتظل تنتظر الصباح وساعديه مع الصباح |
| تصغى وتحتضن ابنتيها في الظلام إلى النباح |
| وإلى الريح تئن كالموتى وتعول كالسبايا |
| وتجمع الأشباح من حفر الخرائب والكهوف |
| ومن المقابر والصحاري بالمئات وبالألوف.. |
| فتقف من فزع وتحجب مقلتيها بالغطاء، |
| ويعود والغبش الحزين يرش بالطل المضاء |
| سعف النخيل... يعود من سهر يئن ومن عياء |
| كالغيمة اعتصرت قواها في القفار، وترتجيها |
| عبر التلال قوي تجوع لكي ينام إلى المساء: |
| عيش أشق من المنية، وانتصار كالفناء |
| وطوى يعب من الدماء وسم أفعى في الدماء |
| وعيون زان يشتهيها، كالجحيم يشع فيها |
| سخر وشوق واحتقار، لاحقتها كالوباء |
| والمال يهمس أشتريك وأشتريك فيشتريها |
| ........ |
| ........ |
| يا ليتها إذن انتهى أجل بها فطوى أساها! |
| لو أستطيع قتلت نفسي.. همسة خنقت صداها |
| أخرى توسوس: والجحيم؟ أتبصرين على لظاها؟ |
| وإذا اكفهر وضاق لحدك، ثم ضاق، إلى القرار |
| حتى تفجر من أصابعك الحليب رشاش نار |
| وتساءل المكان فيم قتلت نفسك يا أثيمه؟ |
| وتخطفاك إلى السعير تكفرين عن الجريمه. |
| أفتصرخين أبي فينفض راحتيه من الغبار |
| ويخف نحوك وهو يهتف قد أتيتك يا سليمه؟ |
| حتى اسمها فقدته واستترت بآخر مستعار |
| هي منذ أن عميت صباح... |
| فأي سخرية مريره! |
| أين الصباح من الظلام تعيش فيه بلا نهار |
| وبلا كواكب أو شموع أو كوى وبدون نار؟ |
| أو بعد ذلك ترهبين لقاء ربك أو سعيره؟ |
| القبر أهون من دجاك دجى وأرفق، يا ضريره |
| يا مستباحة كالفريسة في عراء يا أسيره |
| تتلفتين إلى الدروب ولا سبيل إلى الفرار؟ |
| ........... |
| وتحس بالأسف الكظيم لنفسها: لم تستباح؟ |
| ألهر نام على الأريكة قربها... لم تستباح؟ |
| شبعان أغفى، وهي جائعة تلم من الرياح |
| أصداء قهقهة السكارى في الأزقة، والنباح |
| وتعد وقع خطى هنا وهناك: ها هو |
| هو ذا يجيء وتشرأب، وكاد يلمس ... ثم راح |
| وتدق في أحد المنازل ساعة... لم تستباح؟ |
| الوقت آذن بانتهاء والزبائن يرحلون. |
| كالدرب تذرعه القوافل والكلاب إلى الصباح؟ |
| الجوع ينخر في حشاها، والسكارى يرحلون، |
| مروا عليها في المساء وفي العشية ينسجون |
| حلما لها هي والمنون: |
| عصبات مهجتها سداه وكل عوق في العيون، |
| والآن عادوا ينقضون |
| خيطا فخيطا من قرارة قلبها ومن الجراح |
| ما ليس بالحلم الذي نسجوا ما لا يدركون ... |
| شيئا هو الحلم الذي نسجوا وما لا يعرفون، |
| هو منه أكثر: كالحفيف من الخمائل والرياح، |
| والشعر من وزن وقافية ومعنى، والصباح |
| من شمسه الوضاء... وانصرفوا يضحكون! |
| ستعيش للثأر الرهيب |
| والداء في دمها وفي فمها. ستنفث من رداها |
| في كل عرق من عروق رجالها شبحا من الدم والل |
| شبحا تخطف مقلتيها أمس، من رجل أتاها |
| سترده هي للرجال، بأنهم قتلوا أباها |
| وتلقفوها يعبثون بها وما رحموا صباها، |
| لم يبتغوها للزواج لأنها امرأة فقيره، |
| واستدرجوها بالوعود لأنها كانت غريره، |
| وتهامس المتقولون فثار أبناء العشيره |
| متعطشين على المفارق والدروب إلى دماها. |
| وكأن موجة حقدها ورؤى أساها. |
| كانت تقرب من بصيرة لبها صورا علاها |
| صدأ المدينة وهي ترقد في القرارة من عماها: |
| كل الرجال؟ وأهل قريتها؟ أليسوا طيبين؟ |
| كانوا جياعا مثلها هي أو أبيها بائسين، |
| هم مثلها وهم الرجال ومثل آلاف البغايا |
| بالخبز والأطمار يؤتجرون، والجسد المهين |
| هو كل ما يتملكون، هم الخطاة بلا خطايا |
| ليس الذين تغصبوها من سلالة هؤلاء: |
| كانوا مقطبة الجباه من الصخور |
| ثمتص من فزع الضحايا زهوها ومن الدماء |
| متطلعين إلى البرايا كالصواعق من علاء! |
| وتحس، في دمها، كآبة كل أمطار الشتاء |
| من خفق أقدام السكارى، كالأسير وراء سور |
| يصغي إلى قرع الطبول يموت في الشفق المضاء. |
| هي والبغايا خلف سور، والسكارى خلف سور، |
| دميت أصابعهن: تحفر والحجارة لا تلين، |
| والسور يمضغهن ثم يقيئهن ركام طين: |
| وطلول مقبرة تضم رفات هابيل الجنين! |
| سور كهذان حدثوها عنه في قصص الطفوله: |
| يأجوج يغرز فيه، من حنق أظافره الطويله |
| ويعض جندله الأصم، وكف مأجوج الثقيله |
| تهوي، كأعنف ما تكون على جلامده الضخام. |
| والسور باق لا يثل... وسوف يبقي ألف عام، |
| ... الطفل شاب وسورها هي ما يزال كما رآه |
| من قبل يأجوج البرايا توأم هو للسعير! |
| لص الحجارة من منازل في السهول وفي الجبال |
| يتواثب الأطفال في غرفاتها ويكركرون... |
| والأمهات يلدن والآباء للغد يبسمون، |
| لم يبق من حجر عليها فهي ريح أو خيال. |
| وأدار من خطم البلاد رحى، وساط من البطون |
| ما ترتعيه رحاه من لحم الأجنة والعظام، |
| وكشاطئين من النجوم على خليج من ظلام |
| يتحرقان ولا لقاء ويخمدان سوى ركام |
| شق الرجال عن النساء سلالتين من الأنام |
| تتلاقيان مع الظلام وتفصلان مع الشروق: |
| لو يقطعون الليل بحثا والنهار على سواها |
| في حسنها هي؟ في غضارة ناهديها أو صباها |
| وبسعرها هي؟ أي شيء غير هذا يبتغون؟ |
| عمياء أنت وحظك المنكود أعمى يا سليمه. |
| .... وتلوب أغنية قديمه |
| في نفسها وصدى يوشوش: يا سليمه، سليمه |
| نامت عيون الناس. آه... فمن لقلبي كي ينيمه؟ |
| ويل الرجال الأغبياء، وويلها هي، من عماها! |
| لم أصبحوا يتجنبون لقاءها؟ |
| عيونها، فيخلفوها وحدها إذ يعلمون |
| بأنها عمياء؟ فيم يكابرون ومقلتاها |
| أدري وتعرف أي شيء في البغايا يشتهون |
| بنظرة قمراء تغصبها من الروح الكسيره |
| لترش أفئدة الرجال بها، وكانوا يلهثون |
| في وجهها المأجور، أبخرة الخمور، ويصرخون |
| كالرعد في ليل الشتاء |
| ولعل غيره ياسمين وحقدها سبب البلاء |
| فهي التي تضع الطلاء لها وتمسح بالذرور |
| وجها تطفأت النواظر فيه.... |
| كيف هو الطلاء؟ |
| وكيف أبدو؟ |
| وردة ... قمر... ضياء! |
| زور.. وكل الخلق زور، |
| والكون مين وافتراء |
| لو تبصر المرآة لمحة مقلتيها لو تراها |
| لمح النيازك ثم تغرق من جديد في عماها! |
| برق ويطفأ... ثم تحكم فرقها بيد، وفاها |
| بيد، وترسم بالطلاء على الشفاه لها شفاها |
| شفتاك عارية وخدك ليس خدك يا سليمه، |
| ماذا تخلف منك فيك سوى الجراحات القديمه؟ |
| وتضم زهرة قلبها العطشى على ذكرى أليمه: |
| تلك المعابثة اللعوب... كأنها امرأة سواها! |
| كالجدولين تخوض ماءهما الكواكب مقلتاها، |
| والشعر يلهث بالرغائب والطراوة والعبير |
| وبمثل أضواء الطريق نعسن في ليل مطير، |
| تقتات بالعسل النقي وترتدي كسل الحرير. |
| ليت النجوم تخر كالفحم المطفأ والسماء |
| ركام قار أو رماد، والعواصف والسيول |
| تدك راسية الجبال ولا تخلف في المدينة من بناء! |
| أن يعجز الإنسان عن أن يستجير من الشقاء |
| حتى بوهم أو برؤيا، أن عيش بلا رجاء... |
| أو ليس ذاك هو الجحيم؟ أليس عدلا أن يزول؟ |
| شبع الذباب من القمامة في المدينة، والخيول |
| سرحن من عرباتهن إلى الحظائر والحقول، |
| والناس ناموا |
| هذا الذي عرضته كالسلع القديمة: كالحذاء، |
| أو كالجرار الباليات، كأسطوانات الغناء... |
| هذا الذي يأبي عليها مشتر أن يشتريه |
| قد كان عرضا يوم كان ككل أعراض النساء! |
| كان الفضاء يضيق عن سعة، وترتخص الدماء |
| إن رنق النظر الأثيم عليه. كان هو الإباء |
| والعزة القعساء والشرف الرفيع. فشاهديه |
| يا أعين الظلماء، وامتلئي بغيظك وارجميه |
| بشواظ عارك واحتقارك يا عيون الأغبياء! |
| للموت جوعا، بعد موتي ميتة الأحياء عارا. |
| لا تقلقوا.. فعماي ليس مهابة لي أو وقارا. |
| مازلت أعرف كيف أرعش ضحكتي خلل الرداء |
| كالقمح لونك يا ابنة العرب، |
| كالفجر بين عرائش العنب |
| أو كالفرات، على ملامحه |
| دعة الثرى وضراوة الذهب. |
| عربية أنا: أمتى دمها |
| خير الدماء... كما يقول أبي. |
| تجري دماء الفاتحين. فلوثوها، يا رجال |
| أواه من جنس الرجال... فأمس عاث بها الجنود |
| الزاحفون من البحار كما يفور قطيع دود |
| يا ليت للموتى عيونا من هباء في الهواء |
| ترى شقائي |
| إلا العفاة المفلسين. |
| أنا زهرة المستنقعات، أعب من وحل وطين |
| وأشع لون ضحى... |
| وذكرا بجعجعة السنين |
| سعالها. ذهب الشباب!! |
| ذهب الشباب!! فشيعيه مع السنين الأربعين |
| ومع الرجال العابرين حيال بابك هازئين. |
| وأتي المشيب يلف روحك بالكآبة والضباب، |
| فاستقبليه على الرصيف بلا طعام أو ثياب، |
| يا ليتك المصباح يخفق ضوءه القلق الحزين |
| في ليل مخدعك الطويل، وليت أنك تحرقين |
| دما يجف فتشترين |
| سواه: كالمصباح والزيت الذي تستأجرين. |
| عشرون عاما قد مضين، وشبت أنت، وما يزال |
| يذرذر الأضواء في مقل الرجال. |
| لو كنت تدخرين أجر سناه ذاك على السنين |
| أثريت.. |
| ها هو ذا يضيء فأي شيء تملكين؟ |
| ويح العراق! أكان عدلا فيه أنك تدفعين |
| سهاد مقتلك الضريره |
| ثمنا لملء يديك زيتا من منابعه الغزيره؟ |
| كي يثمر المصباح بالنور الذي لا تبصرين؟ |
| عشرون عاما قد مضين، وأنت غرثى تأكلين |
| بنيك من سغب، وظمأى تشربين |
| حليب ثديك وهو ينزف من خياشيم الجنين! |
| وكزارع له البذور |
| وراح يقتلع الجذور |
| من جوعه، وأتى الربيع فما تفتحت الزهور |
| ولا تنفست السنابل فيه... |
| ليس سوى الصخور |
| سوى الرمال، سوى الفلاه |
| خنت الحياة بغير علمك، في اكتداحك للحياه! |
| كم رد موتك عنك موت بنيك. إنك تقطعين |
| حبل الحياة لتنقضيه وتضفري حبلا سواه، |
| حبلا به تتعلقين على الحياة: تضاجعين |
| ولا ثمار سوى الدموع، وتأكلين، |
| وتسهرين ولا عيون، وتصرخين ولا شفاه، |
| وغدا. وأمس ... وألف أمس كأنما مسح الزمان |
| حدود ما لك فيه من ماض وآت |
| ثم دار، فلا حدود |
| ما بين ليلك والنهار، وليس، ثم، سوى الوجود.... |
| سوى الظلام، ووطء أجساد الزبائن، والنقود، |
| ولا زمان، سوى الأريكة والسرير، ولا مكان! |
| لم تسحبين ليالى السأم المسهدة الرتيبه؟ |
| ما العمر؟ ما الأيام؟ عندك، ما الشهور؟ وما |
| السنين؟ |
| ماتت رجاء فلا رجاء ثكلت زهرتك الحبيبه! |
| بالأمس كنت إذا حسبت فعمرها هي تحسبين. |
| كانت عزاءك في المصيبه، |
| وربيع قفرتك الجديبه. |
| كانت نقاءك في الفجور، ونسمة لك في الهجير، |
| وخلاصك الموعود، والغبش الكبير! |
| ما كان حكمه أن تجيء إلى الوجود وأن تموت؟ |
| ألتشرب اللبن المرنق بالخطيئة واللعاب: |
| أو شال ما تركته في ثدييك أشداق الذئاب؟ |
| ............. |
| مات الضجيج وأنت، بعد، على انتظارك |
| تتنصتين، فتسمعين |
| رنين أقفال الحديد يموت، في سأم، صداه: |
| الباب أوصد |
| ذاك ليل مر... |
| فانتظري سواه. |