أَلا هَلْ رأَتْ عَيْناكَ لِلْحَيِّ أَظْعانَا | |
|
| بَعَثْنَ لَنا يَوْمَ التَّفَرُّقِ أَشْجانَا |
|
ظَعائِنَ لا زالَتْ تُكِنُّ سُتُورُها | |
|
| جَآذِرَ بِيضاً كانِساتٍ وَغِزْلانَا |
|
تَحَمَّلْنَ مِنْ أَطْلالِهِنَّ الَّتِي حَوَتْ | |
|
| مَعاهِدُها مِنْ نازِلِ الحَيِّ قُطَّانَا |
|
مَنازِلُ عَنْها لَيْسَ نَسْلُو بِغَيْرِها | |
|
| رُبُوعٍ وَلَمْ نُنْكِرْ لَها قَطُّ عِرْفانا |
|
فَقَدْ طالَما ذُبْنا وَذابَتْ قُلُوبُنا | |
|
| وَزِدْنا لَها بَعْدَ الأَحِبَّةِ تَحْنانا |
|
وَكَمْ قَدْ رأَيْنا قَبْلُ فِي مِلَّةِ الهَوَى | |
|
| زِيارَتَها فَرْضاً عَلَيْنا وَأَدْيانَا |
|
وَلَوْلا اخْتِلاساتُ الوَداعِ لأَهْلِها | |
|
| غَداةَ النَّوَى وَالبَيْنِ ما كانَ ما كانَا |
|
سَقاها مُلِثَّ القَطْرِ كُلُّ مُجَلْجِلٍ | |
|
| وَسَحَّ عَلَيْها مَدْمَعُ الغَيْثِ هَتَّانا |
|
وَلا زالَ مِنْها رَوْضُها كُلَّما سَرَى | |
|
| نَسِيمُ الصَّبا يُولِيهِ شِيحاً وَحَوْذانا |
|
لَعَمْرِي لَئِنْ بانَ الفَرِيقُ فَما نَأَى | |
|
| هُنالِكَ مِنْ سَوْداءِ قَلْبِي وَلا بانَا |
|
وَإِنْ نَزَحَتْ أَوْطانُ سُعْدَى وَأَهْلِها | |
|
| فإِنَّ لَها بَيْنَ الجَوانِحِ أَوْطانَا |
|
مُهَفْهَفَةٌ تَسْبِي العُقُولَ بِلَحْظِها | |
|
| إِذا رَقْرَقَتْ مِنْها لِحاظاً وَأَجْفانا |
|
ثَنَى عِطْفَها سُكْرُ الشَّبابِ وَهَزَّهُ | |
|
| كَما هَزَّ سُكْرُ الخَمْرِ فِي البُرْدِ نَشْوانَا |
|
إِذا خَطَرَتْ فِي المَشْيِ ماسَتْ وَأَخْجَلَتْ | |
|
| بِلُطْفِ تَثَنِّيها مِنَ البانِ أَغْصانَا |
|
شَكَتْ أُزْرُها أَرْدافَها مِثْلَما شَكَتْ | |
|
| خَلاخِلُها كَعْباً مِنَ السَّاقِ رَيَّانَا |
|
مَحاسِنُها تُبْدِي مِنَ الحُسْنِ نَرْجَساً | |
|
| وَوَرْداً وَتُفَّاحاً وَطَلْعاً وَرُمَّانَا |
|
وَلَمْ أَنْسَ يَوْمَ البَيْنِ عَهْداً وَمَوْقِفاً | |
|
| لَبِثْتُ بِهِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ حَيْرانَا |
|
تُوادِعُنِي يَوْمَ الرَّحِيلِ وَدَمْعُها | |
|
| يُساقِطُ فِي الخَدَّيْنِ دُرًّا وَمَرْجانا |
|
إِذا ما مَنَعْنا الوَجْدَ لَفْظاً وَمَنْطِقاً | |
|
| جَعَلْنا مَسِيلَ الدَّمْعِ نُطْقاً وَعُنْوانَا |
|
وَيا حَبَّها إِذْ يَغْسِلُ الدَّمْعُ كُحْلَها | |
|
| وَقَدْ بَلَّ مِنْها الدَّمْعُ حَلْياً وَأَرْدانا |
|
تَقُولُ أَيُنْسِيكَ التَّرَحُّلُ عَهْدَنا | |
|
| وَيُسْلِيكَ عَنَّا البَيْنُ حِيناً وَأَحْيانَا |
|
وَتَهْجُرُ ذاكَ الرَّمْلَ وَالبانَ راحِلاً | |
|
| وَتَسْلُو وَلا رَمْلاً تَزُورُ وَلا بَانا |
|
فَقُلْتُ فَما وَاللهِ لَمْ تَكُ رِحْلَتِي | |
|
| لِتُحْدِثَ لِي عَنْكُمْ فَراغاً وَسُلْوانَا |
|
وَلَكِنْ رأَيْتُ الدَّهْرَ يَصْرِفُ نابَهُ | |
|
| وَيَعْرُقُ مِنِّي العَظْمَ جَوْراً وَعُدْوانَا |
|
وَكُلُّ صَدِيقٍ كُنْتُ مُتَّثِقاً بِهِ | |
|
| تَغَيَّرَ عَمَّا قَدْ عَهِدْتُ وَ قَدْ خانَا |
|
وَرُبَّ رَحِيلٍ أَحْدَثَ اليُسْرَ لِلْفَتَى | |
|
| فأَصْبَحَ مِنْهُ بِاليَسارَةِ جَذْلانَا |
|
سأَبْذُلُ دُونَ النَّاسِ نَفْسِي لِمَطْلَبِي | |
|
| وَأَذْخَرُ مِنْهُمْ أَصْدِقاءً وَإِخْوانَا |
|
فَما حَكَّ جِلْدِي غَيْرُ ظُفْرِي وَلَمْ تَكُنْ | |
|
| أَرَتْنِي سِوَى عَيْنِي مِنَ الخَلْقِ أَلْوانَا |
|
فَقالَتْ إِذا ما كانَ لا بُدَّ مِنْ نَوَى | |
|
| لِتُدْرِكَ بَعْدَ العُسْرِ يُسْراً وَإِمْكانَا |
|
فَزُرْ سَيِّدَ الأَزْدِ الَّذِي فِي أُمُورِهِ | |
|
| تَكَهَّلَ مِنْ قَبْلِ الكُهُولَةِ كَهْلانَا |
|
فَجاءَتْ بِخَيْرِ الأَكْرَمِينَ شَمائِلاً | |
|
| وَأَسْمَحِهِمْ كَفًّا وَأَعْظَمِهِمْ شانَا |
|
فَتىً فِي العُلا وَالفَخْرِ يَنْسُبُ يَشْجُباً | |
|
| وَيَنْسُبُ عُثْماناً وَيَنْسُبُ نَبْهانَا |
|
وَيَنْسُبُ أُخْلُوداً وَيَنْسُبُ يَعْرُباً | |
|
| وَيَنْسُبُ أُخْنُوخاً وَيَنْسُبُ قَحْطانَا |
|
فَمَنْ ذا يُبارِيهِ إِلَى الفَضْلِ مَنْهَجاً | |
|
| وَمَنْ ذا يُجارِيهِ إِلَى المَجْدِ مَيْدانَا |
|
فَلا جارُهُ يَخْشَى مَدَى الدَّهْرِ زَلَّةً | |
|
| وَلا وَفْدُهُ يَخْشَى مَدَى الدَّهْرِ حِرْمانا |
|
سَمَا مَجْدُهُ فَوْقَ السَّماواتِ رُتْبَةً | |
|
| فَعَقَّبَ بَهْراماً وَعَقَّبَ كَيْوانَا |
|
لَهُ زُهْدُ عِيسَى فِي سَماحَةِ حاتِمٍ | |
|
| وَبَطْشُ كَلِيمِ اللهِ مُوسَى بنِ عِمْرانَا |
|
أَجَلُّ مِنَ القَعْقاعِ فِي جُلَسائِهِ | |
|
| وَأَكْبَرُ مِنْ كِسْرَى بنِ كِسْرَى وَخاقانَا |
|
وَلَوْلا التُّقَى مِنْ حَيْثُ كَيَّفْتُ شأْنَهُ | |
|
| لَقُلْتُ لَهُ سُبْحانَ سُبْحانَ سُبْحانَا! |
|
أَلا أَيُّها القَرْمُ الَّذِي زانَ مُلْكُهُ | |
|
| بِهِ مِثْلَما بِالمُلْكِ فِي عَصْرِهِ زانَا |
|
وَمَنْ قَدْ كَساهُ اللهُ بُرْداً مِنَ الثَّنا | |
|
| وَصَيَّرَ مِنْهُ العَدْلَ فِي المُلْكِ بُرْهانَا |
|
كأَنَّ عَلَى يُمْناهُ سَيْحانَ إِنْ عَطَى | |
|
| وَيُسْراهُ فِيها إِنْ تأَمَّلْتَ جَيْحانا |
|
حَباكَ إِلهُ العَرْشِ يا بَدْرَ يَشْجُبٍ | |
|
| مِنَ المَجْدِ ما لَمْ يُعْطِ سَيْفاً وَحَسَّانَا |
|
وَلَوْ كَيَّفَ الرَّحْمَنُ لِلْمَجْدِ صُورَةً | |
|
| لَكُنْتَ لَهُ رأْساً وَعَيْناً وَإِنْسانَا |
|
فَيا لَكَ مِنْ غَيْثٍ تَبَعَّقَ مُزْنُهُ | |
|
| لِشائِمِهِ العافِي لُجَيْناً وَعِقْيانا |
|
وَمِنْ أَسَدٍ إِنْ بارَزَ الأُسْدَ أَصْبَحَتْ | |
|
| فَرائِسُهُ مِنْ أُسْدِ خَفّانَ فُرْسانا |
|
وَدُونَكَ هذا السِّحْرَ لا سِحْرَ بابِلٍ | |
|
| فَصاحَتُهُ تُنْسِيكَ قُسًّا وَسَحْبانا |
|
إِذا ما شَداهُ فِي المَجالِسِ ناشِدٌ | |
|
| تَمَلَّكَ مَعْناهُ عُقُولاً وَأَذْهانا |
|
بِهِ يَتَغَنَّى الطَّارِقُونَ لَدَى السُّرَى | |
|
| وَيُنْشِدُهُ الرُّكْبانُ فِي البِيدِ رُكْبانا |
|