إبلاغ عن خطأ
ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك
ادخل الكود التالي:
انتظر إرسال البلاغ...
|
عصافيرُ أم صبيةٌ تمرحُ؟ |
عليها سناً من غدٍ يلمحُ؟ |
وأقدامها العاريه... |
محارٌ يصلصلُ في ساقيه. |
لأذيالهم رفَّةُ الشمألِ |
سرتْ عبرَ حقلٍ من السنبلِ |
وهسهسةُ الخبزِ في يومِ عيدْ |
وغمغمة الأمِّ باسمِ الوليدْ |
تناغيهِ في يومهِ الأوّلِ. |
كأنّي أسمعُ خفقَ القلوعْ |
وتصخابَ بحّارةِ السندبادْ.. |
رأى كنزهُ الضخمَ بينَ الضلوعْ |
فما اختار إلاهُ كنزاً وعادْ |
وكم من أبٍ آيبٍ في المساءْ |
إلى الدارِ من سعيهِ الباكرِ.. |
وقد زمَّ من ناظريهِ العناءْ |
وغشّاهما بالدمِ الخاثرِ |
تلقّاهُ في البابِ طفلٌ شرودْ |
يكركرُ بالضحكةِ الصافيه |
فتنهلَّ سمحاءُ ملءَ الوجودْ |
وتزرعُ آفاقهُ الداجيه |
نجوماً وتنسيهِ عبءَ القيودْ |
عصافيرُ؟ أم صبيةٌ تمرحُ؟ |
أمِ الماءُ من صخرةٍ ينضحُ |
ولكن على جثةٍ داميه؟ |
وقبرةٍ تصدحُ |
ولكن على خربةٍ باليه؟ |
عصافير؟! |
بل صبيةٌ تمرحُ |
وأعمارُها في يدِ الطاغية؟ |
وألحانُها الحلوةُ الصافيه |
تغلغلَ فيها نداءٌ بعيد: |
حديد عتيق |
رصاص |
حديد |
وكالظلِّ من باشقٍ في الفضاء |
إذا اجتاحَ، كالمديةِ الماضيه |
عصافيرَ تشدو على رابيه |
ترامى إلى الصبيةِ الأبرياء |
نداءٌ تنشّقتُ فيهِ الدماء |
حديدٌ عتيق.. حديدٌ عتيق! رصا..ص |
فحتّى كأنَّ الهواءَ |
رصاص، وحتّى كأنَّ الطريقَ |
حديدٌ عتيق. |
وينقضُّ كالمعولِ الحافر |
صدىً راعبٌ من خطى التاجر. |
لهُ الويلُ.. ماذا يريد؟ |
حديدٌ عتيق.. رصاص.. حديد! |
لكَ الويلُ من تاجرٍ أشأمِ |
ومن خائضٍ في مسيلِ الدمِ |
ومن جاهلٍ أنَّ ما يشتريه |
لدرءِ الطوى والردى عن بنيه |
قبورٌ يوارونَ فيهِ بنيه! |
حديدٌ عتيق |
رصا..ص |
حديد... |
حديدٌ عتيق لموتٍ جديد! |
حد..يدٌ |
لمن كلُّ هذا الحديد؟ |
لقيدٍ سيُلوى على معصمٍ |
ونصلٍ على حلمةٍ أو وريد |
وقفلٍ على البابِ دونَ العبيد |
وناعورةٍ لاغترافِ الدمِ |
رصا..صٌ |
لمن كلُّ هذا الرصاص؟ |
لأطفالِ كوريّةَ البائسين؟ |
وعمّالِ مرسيليةَ الجائعين؟ |
وأبناءِ بغدادَ والآخرين؟ |
إذا ما أرادوا الخلاص |
حديد |
رصاص |
رصاص |
رصاص! |
حديدٌ |
وأصغي إلى التاجرِ |
وأصغي إلى الصبيةِ الضاحكين |
وكالنصلِ قبلَ انتباهِ الطعين |
وكالبرقِ ينفضُّ في خاطري |
ستار، وكالجرحِ إذ ينزف |
أرى الفوهاتَ التي تقصف |
تسدُّ المدى واللظى والدماء |
وينهلُّ كالغيثِ ملءَ الفضاء |
رصاصٌ ونار، ووجهُ السماء |
عبوسٌ لما اصطكَّ فيهِ الحديد |
حديدٌ ونار، حديدٌ ونار |
وثمَّ ارتطامٌ وثمَّ انفجار |
ورعدٌ قريب، ورعدٌ بعيد |
وأشلاءُ قتلى وأنقاضُ دار! |
حديدٌ عتيق لغزوٍ جديد |
حديدٌ.. ليندكَّ هذا الجدار |
بما خطَّ في جانبيهِ الصغار |
وما استودعوا من أمانٍ كبار |
سلام |
حديدٌ .. رصاصٌ... حديدٌ عتيق |
ليخلوَ هذا الطريق |
من الضحكةِ الثرّةِ الصافيه |
وخفقِ الخُطى والهُتافِ الطروب |
فمن يملأُ الدارَ عندَ الغروب؟ |
بدفءِ الضحى واخضلالِ السهوب؟ |
لظى الحقدِ في مقلةِ الطاغيه |
ورمضاءُ أنفاسهِ الباقيه |
يطوفانِ بالدارِ عندَ الغروب |
وأطلالها الباليه! |
حديدٌ عتيق.. نحاسٌ عتيق |
وأصداءُ صفارةٍ للحريق! |
ومن يفهُم الأرضَ أنَّ الصغار |
يضيقونَ بالحفرةِ البارده؟ |
إذا استنزلوها وشطَّ المزار |
فمن يتبعُ الغيمةَ الشارده؟ |
ويلهو بلقطِ المحار؟ |
ويعدو على ضفةِ الجدولِ؟ |
ويسطو على العشِّ والبلبلِ؟ |
ومن يتهجّى طوالَ النهار |
ومن يلثغُ الراءَ في المكتبِ؟ |
ومن يرتمي فوقَ صدرِ الأبِ؟ |
ومن يؤنسُ الأمَّ في كلِّ دار؟ |
أسىً موجعٌ أن يموتَ الصغار |
أسىً ذُقتُ منه الدموعَ، الدموع |
أجاجاً ومثلَ اللظى بالفمِ، |
وأحسستُ فيه اشتعالَ الدمِ |
حديدٌ عتيق.. ورعبٌ جديد! |
حديدٌ، رصا..ص لأنَّ الطغاه |
يريدونَ ألا تتمَّ الحياه |
مداها، وألا يحسَّ العبيد |
بأنَّ الرغيفَ الذي يأكلون |
أمرُّ منَ العلقمِ |
وأنَّ الشرابَ الذي يشربون |
أجاجٌ بطعمِ الدمِ |
وأن الحياةَ حياةُ انعتاق، |
وأن ينكروا ما تراهُ العيون: |
فلا بيدرٌ في سهولِ العراق، |
ولا صبيةٌ في الضحى يلعبون |
ولا همسُ طاحونةٍ من بعيد، |
ولا يطرقُ البابَ ساعي البريد |
ببشرى، ولا منزلُ |
يضيءُ الدجى منهُ نورٌ وحيد |
سخيٌّ كما استضحكَ الجدولُ، |
ولا هدهداتٌ، ولا جلجلُ |
يرنُّ بساقِ الوليد |
بأقدامِ أطفالنا العاريه |
يميناً، وبالخبزِ والعافيه: |
إذا لم نعفّر جباهَ الطغاه |
على هذهِ الأرجلِ الحافيه |
وإن لم نذوّب رصاصَ الغزاه |
حروفاً هي الأنجمُ الهاديه |
فمنهنّ في كلِّ دارٍ كتاب |
ينادي: قفي واصدأي يا حراب |
وإن لم تضوِّ القرى الداجيه |
ولم نُخرسِ الفوهاتِ الغضاب |
ونجلِ المغيرينَ عن آسيه.. |
فلا ذكرتنا بغيرِ السِّباب |
أو اللعنِ أجيالنا الآتيه! |
سلامٌ على العالمِ الأرحبِ |
على الحقلِ، والدارِ، والمكتب |
على معملٍ للدُّمى والنسيج، |
على العشِّ والطائرِ الأزغب |
ولولا الذي كدّسوا من نضار |
به يستضيئونَ دونَ النهار |
تجوعُ الملايينُ عن جانبيه |
وينحطَّ في كلِّ يومٍ عليه |
دمٌ من عروقِ الورى أو نُثار |
كذرِّ الغبار |
لما هزتِ الأمهاتُ المهود |
على هوةٍ من ظلامِ اللحود |
ولم تذرفِ الدمعَ عبرَ البحار |
وعبر الصحارى، نساءُ الجنود |
ولم يبكِ صرعى بنيه الأبُ |
جزوعاً بأن يثكلَ الآخرين |
ولا ساءلَ الأمَّ طفلٌ غرير: |
ألا بلدةٌ ليسَ فيها سماء؟ |
فلا قاذفاتُ المنايا تغير |
ولا من شظايا تسدُّ الفضاء |
ولا اختضَّ في الصرصرِ اللاجئون |
ولألاءُ يافا تراهُ العيون |
وقد حالَ من دونه الغاصبون |
بما أشرعوا من عطاشِ الحراب |
وما استأجروا من شهودٍ كِذاب |
وما صفّحوا بالردى من حصون |
سلامٌ على العالمِ الأرحب |
على مشرقٍ منهُ أو مغرب |
عصافيرُ؟ أم صبيةٌ تمرح؟ |
أمِ الماءُ من صخرةٍ ينضح؟ |
وأقدامها العاريه |
مصابيحُ ملءَ الدُّجى تلمح، |
هتكنا بها مكمنَ الطاغيه |
وظلماءَ أوجاره الباليه |
علينا لها: إنها الباقيه |
وأنَّ الدواليبَ في كلِّ عيد |
سترقى بها الريحُ.. جذلى تدور |
ونرقى بها من ظلامِ العصور |
إلى عالمٍ كلُّ ما فيهِ نور |
رصاصٌ، رصاصٌ، رصاصٌ، حديدٌ، حديدٌ عتيق |
لكونٍ جديد |