إبلاغ عن خطأ
ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك
ادخل الكود التالي:
انتظر إرسال البلاغ...
|
أيّها الناسُ: |
لقد أصبحتُ سُلطاناً عليكمْ |
فاكسروا أصنامكم بعدَ ضلالٍ، |
واعبدوني .. |
إنّني لا أتجلّى دائماً |
فاجلسوا فوقَ رصيفِ الصبرِ، |
حتّى تبصروني . |
أتركوا أطفالكم من غيرِ خُبزٍ .. |
واتركوا نِسوانَكم من غيرِ بعلٍ |
واتبعوني .. |
إحمدوا اللهَ على نعمتهِ |
فلقد أرسلني كي أكتبَ التاريخَ، |
والتاريخُ لا يُكتَبُ دوني . |
إنّني يوسفُ في الحُسنِ، |
ولم يخلقِ الخالقُ شعراً ذهبيّاً مثلَ شعري |
وجبيناً نبويّاً كجبيني .. |
وعيوني .. |
غابةٌ من شجرِ الزيتونِ واللّوزِ، |
فصلّوا دائماً .. كي يحفظَ اللهُ عيوني . |
أيّها الناسُ: |
أنا مجنونُ ليلى |
فابعثوا زوجاتكم يحملنَ منّي |
وابعثوا أزواجَكم كي يشكروني .. |
شرفٌ أن تأكلوا حنطةَ جسمي |
شرفٌ أن تقطفوا لَوزي .. وتيني |
شرفٌ أن تشبهوني .. |
فأنا حادثةٌ ما حدثتْ |
منذُ آلافِ القرونِ .. |
أيّها الناسُ: |
أنا الأوّلُ، والأعدَلُ، |
والأجملُ، من بينِ جميعِ الحاكمينْ |
وأنا بدرُ الدُجى، وبياضُ الياسمينْ |
وأنا مخترعُ المشنقةِ الأولى .. |
وخيرُ المرسلينْ |
كلّما فكّرتُ أن أعتزلَ السُّلطةَ، |
ينهاني ضميري .. |
مَن تُرى يحكمُ بعدي هؤلاءِ الطيّبينْ؟ |
مَن سيشفي بعديَ .. |
الأعرجَ .. |
والأبرصَ .. |
والأعمى .. |
ومَن يحيي عظامَ الميّتينْ؟ |
مَن تُرى يخرِجُ من معطفهِ |
ضوءَ القمرْ؟ |
مَن يا تُرى يرسلُ للناسِ المطرْ؟ |
مَن يا تُرى؟ |
يجلدهم تسعينَ جلدهْ .. |
من يا تُرى؟ |
يصلبُهم فوقَ الشجرْ .. |
مَن تُرى يرغمُهم |
أن يعيشوا كالبقرْ؟ |
ويموتوا كالبقرْ؟ |
كلّما فكّرتُ أن أتركَهم |
فاضتْ دموعي كغمامهْ |
وتوكّلتُ على اللهِ .. |
وقرّرتُ بأن أركبَ الشعبَ .. |
من الآنَ .. إلى يومِ القيامهْ .. |
أيّها الناسُ: |
أنا أملكُكمْ |
مثلما أملكُ خيلي .. وعبيدي .. |
وأنا أمشي عليكم |
مثلما أمشي على سجّادِ قصري .. |
فاسجدوا لي في قيامي |
واسجدوا لي في قعودي |
أوَلمْ أعثرْ عليكم ذاتَ يومٍ |
بينَ أوراقِ جدودي؟ |
حاذروا أن تقرأوا أيَّ كتابٍ |
فأنا أقرأُ عنكمْ .. |
حاذروا أن تكتبوا أيَّ خطابٍ |
فأنا أكتبُ عنكمْ .. |
حاذروا أن تسمعوا فيروزَ بالسرِّ |
فإنّي بنواياكمْ عليمْ |
حاذروا أن تُنشدوا الشعرَ أمامي |
فهو شيطانٌ رجيمْ |
حاذروا أن تدخلوا القبرَ بلا أذني، |
فهذا عندَنا إثم عظيمْ |
والزَموا الصمتَ إذا كلّمتُكمْ |
فكلامي هوَ قرآنٌ كريمْ .. |
أيّها الناسُ: |
أنا مَهديكم، فانتظروني! |
ودمي ينبضُ في قلبِ الدوالي .. |
فاشربوني . |
أوقفوا كلَّ الأناشيدِ التي ينشدُها الأطفالُ |
في حبِّ الوطنْ |
فأنا صرتُ الوطنْ ... |
إنّني الواحدُ .. |
والخالدُ .. ما بينَ جميعِ الكائناتِ |
وأنا المخزونُ في ذاكرةَ التفّاحٍ، |
والنايِ، وزُرقِ الأغنياتِ |
إرفعوا فوقَ الميادينِ تصاويري |
وغطّوني بغيمِ الكلماتِ .. |
واخطبوا لي أصغرَ الزوجاتِ سنّاً .. |
فأنا لستُ أشيخْ .. |
جسدي ليسَ يشيخْ .. |
وسجوني لا تشيخْ .. |
وجهازُ القمعِ في مملكتي ليسَ يشيخْ .. |
أيّها الناسُ: |
أنا الحجّاجُ، إن أنزعْ قناعي، تعرفوني |
وأنا جنكيزُخانٍ جئتُكمْ .. |
بحرابي .. |
وكلابي .. |
وسجوني .. |
لا تضيقوا أيّها الناسُ ببطشي |
فأنا أقتلُ كي لا تقتلوني .. |
وأنا أشنقُ كي لا تشنقوني .. |
وأنا أدفنكم في ذلك القبرِ الجماعيِّ |
لكيلا تدفنوني .. |
أيّها الناسُ: |
اشتروا لي صحفاً تكتبُ عنّي .. |
إنها معروضةٌ مثلَ البغايا في الشوارعْ |
إشتروا لي .. |
ورقاً أخضرَ مصقولاً كأعشابِ الربيعْ |
ومِداداً .. ومطابعْ .. |
كلُّ شيءٍ يُشترى في عصرنا |
حتّى الأصابعْ .. |
إشتروا فاكهةَ الفكرِ .. |
وخلّوها أمامي . |
واطبخوا لي شاعراً |
واجعلوهُ، بينَ أطباقِ طعامي .. |
أنا أمّيٌّ .. |
وعندي عقدةٌ مما يقولهُ الشعراءْ |
فاشتروا لي شعراءً يتغزّلونَ بحُسني .. |
واجعلوني نجمَ كلِّ الأغلفهْ |
فنجومُ الرقصِ والمسرحِ، |
ليسوا أبداً أجملَ منّي .. |
إشتروا لي كلَّ ما لا يُشترى |
في أرضنا أو في السّماءْ |
إشتروا لي .. |
غابةً من عسلِ النحلِ .. |
ورطلاً من نساءْ .. |
فأنا بالعملةِ الصعبةِ أشْري ما أريدْ |
أشتري ديوانَ بشّارِ بنَ بُردٍ |
وشفاهَ المتنبّي .. |
وأناشيدَ لَبيدْ .. |
فالملايينُ التي في بيتِ مالِ المسلمينْ |
هيَ ميراثٌ قديمٌ لأبي |
فخُذوا من ذهبي |
واكتبوا في أمّهاتِ الكتبِ |
أن عصري .. |
عصرُ هارون الرشيدْ ... |
يا جماهيرَ بلادي: |
يا جماهيرَ الشعوبِ العربيّهْ |
إنّني روحٌ نقيٌّ .. جاءَ كي يغسلكمْ من غبارِ الجاهليّهْ |
سجّلوا صوتي على أشرطةٍ .. |
إنَّ صوتي أخضرُ الإيقاعِ كالنافورةِ الأندلسيّهْ |
صوِّروني .. باسماً مثلَ الجوكوندا |
ووديعاً مثلَ وجهِ المجدليّهْ .. |
صوّروني .. |
بوقاري، وجلالي، وعصايَ العسكريّهْ |
صوّروني .. |
وأنا أقطعُ كالتفّاحِ أعناقَ الرعيّهْ .. |
صوّروني |
وأنا أصطادُ وعلاً .. أو غزالاً |
صوّروني .. |
وأنا أفترسُ الشِّعرَ بأسناني |
وأمتصُّ دماءَ الأبجديّهْ |
صوّروني .. |
عندما أحملُكم فوقَ أكتافي لدارِ الأبديّهْ! |
يا جماهيرَ بلادي .. |
يا جماهيرَ الشعوبِ العربيّهْ .. |
أيّها الناسُ: |
أنا المسؤولُ عن أحلامكمْ، إذ تحلُمونْ |
وأنا المسؤولُ عن كلِّ رغيفٍ تأكلونْ |
وعن الشّعرِ الذي |
من خلفِ ظهري تقرأونْ |
فجهازُ الأمنِ في قصري |
يوافيني بأخبارِ العصافيرِ .. |
وأخبارِ السنابلْ |
ويوافيني بما يحدثُ في بطنِ الحواملْ! |
أيّها الناسُ: |
أنا سجّانُكم، وأنا مسجونُكم .. |
فلتعذروني |
إنّني المنفيُّ في داخلِ قصري |
لا أرى شمساً .. ولا نجماً .. |
ولا زهرةَ دِفلى .. |
منذ أن جئتُ إلى السُّلطةِ طِفلا |
ورجالُ السّيركِ يلتفّونَ حولي |
واحدٌ ينفخُ ناياً .. |
واحدٌ يضربُ طبلا .. |
واحدٌ يمسحُ جوخاً .. |
واحدٌ يسمحُ نعلا .. |
منذُ أن جئتُ إلى السّلطةِ طفلا .. |
لم يقلْ لي مستشارُ القصرِ: كلاّ |
لم يقلْ لي وزرائي أبداً لفظةَ كلاّ |
لم يقلْ لي سفرائي أبداً في الوجهِ كلاّ |
إنّهم قد علّموني أن أرى نفسي إلهاً .. |
وأرى الشعبَ من الشرفةِ رملا .. |
فاعذروني .. إن تحوّلتُ لهولاكو جديدٍ |
أنا لم أقتلْ لوجهِ القتلِ يوماً .. |
إنّما أقتلُكم .. كي أتسلّى .. |