هوَ الحبُّ فَليشقَ المحبّونَ بالذّكِرْ | |
|
| ورُبَّ شفاءٍ مِن بكاءٍ على الأثَرْ |
|
فكم في بقاياهُ شؤُوناً وكم لها | |
|
| شجوناً وفي نورِ الهوى بانَ ما استتَرْ |
|
هَدتني إليها نفحَةٌ قد ألِفتُها | |
|
| فأثبَتَها قلبي وأنكَرها البَصَر |
|
فيا لكَ قلباً لا يَملُّ مِنَ الهوى | |
|
| ويا لكِ عيناً لا تَملُّ من النَّظر |
|
لآثارِ ذاكَ العهدِ بتُّ مُقَبِّلاً | |
|
| فلم أَكُ إِلا راهِباً قبَّلَ الصُّوَر |
|
فيا حبّذا تَقبيلُها من قتيلها | |
|
| أنا العاشقُ العاني الذي دَمَهُ هَدَر |
|
بَكى آدمُ الجنّاتِ قَبلي وإنما | |
|
| نَظرتُ إِلى رَسم الدّيارِ وما نَظر |
|
فلم يكُ في بَلواهُ مِثلي وهكذا | |
|
| بما شَهيَت حوّاؤهُ شقي البَشر |
|
وبينَ حنايا الصَّدرِ صوتُ حَبيبتي | |
|
| رنيمُ هزارٍ في ليالي الهوى صَفَر |
|
لقد مَحَتِ الأيامُ آثارَ حبِّنا | |
|
| فيا حبّذا لو جَمّدَ الزمنُ العِبر |
|
لأنظمَها عقداً يَليقُ بجيدِها | |
|
| ولكنَّ ما في القلبِ أغلى من الدُّرَر |
|
أحبّت مِنَ الأزهارِ زَهرَ بَنفسجٍ | |
|
| لها عطرُهُ واللونُ في عينها استَقر |
|
فكم باقةٍ منهُ جَنَيتُ لِصدرِها | |
|
| وكانت كغُصنٍ مُزهرٍ في يَدي انهصر |
|
وإني لأهواها وأهوى بَنَفسَجاً | |
|
| ذوى بينَ نهدَيها وفي مُهجتي نضر |
|
وما زالَ عِندي باقةٌ هي بَعدَها | |
|
| كَجِسمي وقلبي الذابلينِ من الكدَر |
|
أَلا رُبَّ ليلٍ خِلتُها تحتَ بَدرهِ | |
|
| ضَميمةَ أزهارٍ جَناها الذي صَبر |
|
فَقبَّلتُ جيداً فيهِ نفحَةُ زَنبقٍ | |
|
| مساءَ وَعَينا سقمها يَبعَثُ الخَدر |
|
كأني وقد أغمَضتُ بالفمِ جَفنها | |
|
| بنورٍ سماويٍّ على مُهجَتي انحدَر |
|
كذلكَ في حرِّ الضُّحى نفَسُ الصَّبا | |
|
| يُذبِّلُ أجفانَ الأزاهِرِ والخضر |
|
لعمرُكَ ما في جنَّةِ الوَردِ نفحَةٌ | |
|
| كنَفحةِ شعرٍ في يَدي انحلَّ وانتشر |
|
فقلتُ لها واللّيلُ قد رَقَّ ثوبُهُ | |
|
| فأصبَحَ خفّاقاً على نفَسِ السّحر |
|
وقد ذبُلَت كالياسمينِ جُفونُها | |
|
| وإن تَفترِ العينانِ فالقلبُ ما فَتر |
|
مللتُ نعيماً لم أكن لأَملّهُ | |
|
| فيا حبّذا لو هكذا عيشُنا عَبر |
|
يمينَ الهوى لو دامَ أو طالَ ليلُنا | |
|
| لكُنتُ على رغمِ العدى أسعَد البَشر |
|
أغابةَ بالرْمَ الكثيفةَ ردّدي | |
|
| حديثاً عن العُشّاقِ في ليلةِ السّمر |
|
عَشيَّةَ بتنا بينَ ماءٍ وخضرَةِ | |
|
| نرى الموتَ في الإغفاءِ والعَيشَ في السَهر |
|
وقارِبُنا يَسري على مائِكِ الذي | |
|
| عَليهِ فؤادي ذابَ والمدمَعُ انتَثر |
|
فعانَقتُها حَيثُ الغُصونُ تَعانقَت | |
|
| وقَبَّلتُها حيثُ النَّسيمُ لنا زَفر |
|
فيا لكِ قُبلاتٍ لها انهزَمَ الدُّجى | |
|
| ويا لكِ ضمّات لها ارتجَفَ الشَّجَر |
|
لشِدَّةِ ما عانَقتُها انحلَّ عقدُها | |
|
| فخُلتُ ظلامَ اللّيلِ من نورِه نفَر |
|
وإذ جَمعَت حبّاتِه خِلتُ كفَّها | |
|
| مُنوَّرَةً رَيّا عَليها النَّدى قَطَر |
|
فقالت كذا نثَّرتَ عقدي مُخاطِراً | |
|
| فقلتُ لها في الحبّ ما أهون الخَطر |
|
أليسَ لقَلبي في هواكِ شَفاعةٌ | |
|
| وأكبرُ ذنبٍ في المحبّةِ يُغتفَر |
|
فَتَحتَ يدِ الجنّانِ يَنتثرُ النَّدى | |
|
| وتحتَ يدِ النبّالِ يَنقطعُ الوَتر |
|
وأنشَدتُها شِعرَ الصَّبابةِ فانحنَت | |
|
| وقالت ألا تُبقي عليّ ولا تَذر |
|
لِشِعرِكَ سالت مُهجتي في مَدامِعي | |
|
| فإنشَادُكَ الشّاجي يذُوب له الحَجر |
|
فقلتُ جُروحي في البلاءِ كثيرةٌ | |
|
| فيا حبّذا جرحٌ بهِ الباسلُ افتخر |
|
بَكيتُ على قلبي ليشفيهِ مَدمعي | |
|
| وبعدَ ذُبولِ الغصن لا ينفعُ المَطر |
|
لقد مَلكت قلبي عِراقيَّةٌ لها | |
|
| محاسنُ بَغدادَ التي ظرفُها اشتهر |
|
أقولُ لها أن شاقني مجدُ أُمةٍ | |
|
| مناقِبُها غرٌّ وأبناؤها غُرَر |
|
أيا بنتَ عميّ حبُّ أرضِكِ واصلٌ | |
|
| بقلبك قَلبي هكذا شرفي أَمَر |
|
يلوحُ على هذا المحيَّا جَلالها | |
|
| فأهزأُ بالدَّهرِ اللئيمِ إذا غدَر |
|
لأجلكِ أهواها وأهوى لأجلها | |
|
| مُحيَّاكِ إنَّ الحبَّ بَينَهُما انشَطر |
|
لنا أمة نأسَى عَليها وسَيفُها | |
|
| على طولِ ما أبلى بأعدائها انكسر |
|
ولكنَّهُ قد عادَ أبيَضَ مُرهَفاً | |
|
| وكوكبُها بَينَ الكواكبِ قد زَهر |
|
سَتُرجعُ من تجريده العزَّ والعُلى | |
|
| وتجمَعُ تحتَ الرَّايةِ البدوَ والحضر |
|
لعينَينِ مثل الفرقدينِ تفتّحت | |
|
| سماءُ فؤادٍ للهُدى نورُهُ ظهر |
|
لكِ النّظَرُ الهاوي إليهِ كما هوى | |
|
| الى البَحر ذيّاكَ الشّهابُ الذي استَعر |
|
وكان وداعُ بعدهُ ضاعَتِ المُنى | |
|
| كما ضاع دمعٌ من محاجرنا انهمر |
|
بكيتُ غريباً من بكاء غريبة | |
|
| وقلتُ لها لا تغلبُ القدَرةُ القَدر |
|
فباتت تُريني نفسها في دُموعها | |
|
| وبتُّ على وجهي أذكّرُها العِبر |
|
فحيّا الحيا والنورُ والطَّيرُ والشَّذا | |
|
| محيّاً عَليهِ الروضُ من زَهرهِ نثر |
|
لها الخيرُ إنّي حافظٌ لجميلِها | |
|
| كفاني بها أنسٌ على وَحشةِ السَفر |
|
ألم ترَ كيفَ النورُ يَبسمُ للدُّجى | |
|
| وكيفَ حِجابُ الغَيمِ يَرفعُهُ القَمر |
|
لقد فاحَ من شِعري هواها وذكرُها | |
|
| كما فاحَ عطرُ الوَردِ من ألطَفِ الصرر |
|
ألا أيّها الطَّيفُ المذوّبُ للفَتى | |
|
| كذلكَ تُشقي من أَحبُّ ومن ذكر |
|
أراكَ رفيقاً في نديٍّ وخلوةٍ | |
|
| تريني خراباً من نَعيمي الذي دَثر |
|
أغرَّكَ مني أنَّني اليومَ شاعِرٌ | |
|
| على وَتري أبكي وقد ذهبَ الوَطر |
|
وأنّ لقَلبي الذلُّ يَحلوُ فَلم يَزَل | |
|
| لهُ في الهَوى ذلٌّ وفي غيرهِ ظفَر |
|
فما الحبُّ إِلا أن يعفّ إذا خَلا | |
|
| وما الحلمُ إِلا أن يكفَّ إذا انتَصر |
|
ويا أيُّهذا المدّعي الشّعرَ والهوى | |
|
| أعندك ما عِندي من الخِبرِ والخَبَر |
|
أتعروكَ حُمّى الشِّعرِ والزُّهرُ قد رَنَت | |
|
| من القُبَّةِ الزَّرقاءِ والموجُ قد هَدر |
|
وقلبُكَ خفّاقٌ ورأَسُكَ مُثقَلٌ | |
|
| فتَضطِربُ الدُّنيا لما منهما انفَجَر |
|
هو الصوتُ فاسمَعهُ وأعرض عن الصَّدى | |
|
| وعِش خالياً واطرَب لأنغامِ من شَعَر |
|
فرُبَّ ليالٍ كالحدادِ همُومُها | |
|
| طوالٍ وعُمرُ الأكرمينَ على قِصَر |
|
تتابَعَتِ الأشباحُ فيها وأقبلت | |
|
| هواجسُ شتّى تُثقِلُ الرأس بالفكر |
|
إذا انفَتَحت عَيني على ظُلُماتِها | |
|
| تَطايَرَ مِن جَفنيَّ ما هوَ كالشَّرر |
|