إبلاغ عن خطأ
ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك
ادخل الكود التالي:
انتظر إرسال البلاغ...
|
أَنا هُوَ، يمشي أَمامي وأَتبعُهُ |
لا أَقول له: ههنا، ههنا |
كان شيء بسيط لنا: |
حَجَرٌ أَخضَرٌ، شَجَرٌ. شارعٌ |
قَمَرٌ يافعٌ. واقعٌ لم يعد واقعاً. |
هو يمشي أمامي |
وأمشي على ظلِّه تابعاً .. |
كلما أسرع ارتفَعَ الظلُّ فوق التلال |
وغطَّى صنَوْبرةً في الجنوب |
وصفصافةً في الشمال، |
ألم نفترق؟ قلتُ، قال: بلى. |
لك مني رجوعُ الخيال إلى الواقعيّ |
ولي منك تُفَّاحة الجاذبيَّهِ |
قلت: إلى أَين تأخذني؟ |
قال: صوب البداية، حيث ولِدْتَ |
هنا، أنت واُسمك |
لو كان لي أَن أُعيد البداية لاخترتُ |
لاسمي حروفاً أَقلَّ |
حروفاً أخفَّ على أُذُن الأجنبيّة |
آذار شهر العواصف والشبق العاطفيّ. |
يطلُّ الربيع كخاطرةٍ في مسامرة اثنين |
بين شتاء طويل وصيف طويل. ولا |
أتذكِّر إلاّ المجاز، فما كدتُ أُولَدُ |
حتى انتبهتُ إلى شَبَهٍ واضح بين |
عُرْفِ الحصان وبين ضفائر أُمّي |
دع الاستعارة، واُمشِ الهوينى |
على زغب الأرض قال، فإن الغروب |
يعيد الغريب إلى بئره، مثل أُغنية |
لا تُغَنَّى، وإن الغروب يُهيِّجُ فينا |
حنيناً إلى شغف غامض |
ربما .... ربما. كل شيء يُؤوِّلُ عند |
الغروب . وقد توقظ الذكريات نداء |
شبيهاً بإيماءة الموت عند الغروب، |
وإيقاع أُغنية لا تغنّى إلى أَحد |
على شجر السرو |
شرق العواطف، |
غيمٌ مُذَهَّبْ |
وفي القلب سمراء كالكستناء |
وشفافة الظل كالماء تُشْرَبْ |
تعال لنلعب |
تعالي لنذهب |
إلى أيّ كوكبْ |
أَنا هو، يمشي عليِّ، وأَسأله: |
هل تذكرتَ شيئاً هنا؟ |
خَفِّف الوطءَ عند التذكُّر، |
فالأرض حبلى بنا. |
قال: إني رأيتُ هنا قمراً ساطعاً |
ناصع الحزن كالبرتقالة في الليل، |
يرشدنا في البراري إلى طرق التيه... |
لولاه، لم تلتقِ الأمهاتُ بأطفالهنَّ |
ولولاه، لم يقرأ السائرون على |
الليل أسماءهم فجأة: لاجئين |
ضيوفاً على الريح |
كان جناحي صغيراً على الريح عامئذٍ... |
كُنْتُ أحسب إنَّ المكان يُعَرَّفُ |
بالأُمَّهات ورائحة المريميَّة. لا أَحَدٌ |
قال لي إن هذا المكان يُسَمَّى بلاداً |
وإن وراء البلاد حدوداً وأن وراء |
الحدود مكاناً يُسمَّى شتاتاً ومنفى |
لنا لم أَكن بَعْدُ في حاجةٍ للهويّة |
لكنهم... هؤلاء الذين يجيئوننا فوق |
دبابة ينقلون المكان على الشاحنات |
إلى جهة خاطفةْ |
المكان هو العاطفةْ |
تلك آثارنا، مثل وَشْمِ يدٍ في |
معلقة الشاعر الجاهليّ، تمر بنا |
ونمرُّ بها قال من كنتُهُ يوم لم |
أعرف المفرداتِ لأعرف أسماء أشجارنا... |
وأُسمِّي الطيورَ التي تتجمَّع فيَّ بأسمائها |
لم أكن أحفظ الكلمات لأحمي المكان |
من الانتقال إلى اسم غريب يَُسيِّجه |
الأكاليبتوس. واللافتات تقول لنا: |
لم تكونوا هنا. |
تهدأ العاصفة |
والمكان هو العاطفة |
تلك آثارنا قال من كنته.. |
ههنا يلتقي زمنان ويفترقان، فمن |
أنت حضرة الآن؟ |
قلتُ: أنا أنت لولا دخان المصانعِ |
قال: ومن أنت في حضرة الأمس؟ |
قلتُ: أنا نحن لولا تطفُّلُ فَعْلِ |
المضارعِ |
قال: ومن أنت في حضرة الغد؟ |
قلتُ: قصيدة حب ستكتبها حين |
تختار، أنت بنفسك أسطورة الحبِّ |
حنطيَّةٌ كأغاني الحصاد القديمة |
سمراءُ من لسعة الليل |
بيضاءُ من فرط ما ضحك الماءُ |
حين اقتربتِ من النبع... |
عيناك لوزيّتان |
وجرحان من عَسَلٍ شفتاك |
وساقاك يرجان من مرمر |
ويداك عل كتفي طائران |
ولي منك روح ترفرف |
حول المكان |
دع الاستعارة، وامشِ معي. هل |
ترى أثراً للفراشة في الضوء؟ |
قُلْتُ: أراك هناك أراك تمرُّ |
كخاطرةٍ من خواطر أسلافنا |
قال لي: هكذا تستعيد الفراشةُ |
أشغالها الشاعريَّةَ: أُغنيةً لا |
يُدَوِّنُها الفلكيون إلاّ دليلاً على |
صحة الأبديَّة |
أَمشي الهوينى على نفسي ويتبعني |
ظلِّي وأَتبعه، لا شيء يرجعني |
لا شيء يرجعُهُ |
كأنني واحدٌ مني يودِّعني |
مستعجلاً غَدَهُ: لا تنتظر أحداً |
لا تنتظرني، ولكن لا أُودِّعُهُ |
كأنَّهُ الشعرُ: فوق التل تخدعني |
سحابةٌ غزلت حولي هُويتها |
وأَورثتني مداراً لا أضيِّعُهُ |
للمكان روائحه، |
للغروب تباريحه، |
للغزالة صيّادها، |
للسلاحف درع الدفاع عن النفس، |
للنمل مملكةٌ، |
للطيور مواعيدُ، |
للخيل أسماؤها، |
للسنابل عيدٌ، |
وأمَّا النشيد، نشيد الختام السعيد |
فليس له شاعرٌ |
في الهزيع الأخير من العمر نُصْغي |
إلى أيّ صوت بدون اكتراث، |
ويوقظنا وَجَعٌ في المفاصل من نومنا، |
أو بَعُوضٌ يطن كأستاذ فلسفةٍ... |
في الهزيع الأخير، نُحسُّ بآلام |
ساقين مقطوعتين، كأن الشعور |
تأخر. لم ننتبه حين كنا صغاراً |
إلى جرحنا الداخليِّ، فقد كان |
كالرسم بالزيت ناراً تؤجِّجُ أَلوان |
أعلامنا، وتهيِّج ثور أناشيدنا. |
في الهزيع الأخير من العمر لا |
يبزغ الفجر إلاَّ لأنَّ ملائكةً طيّبين |
يُؤَدُّون واجبهم صاغرين... |
أنا هو، حوذيُّ نفسي |
ولا خيل تصهل في لغتي |
قال: نمشي ولو في الهزيع الأخير |
من العمر، نمشي ولو خذلتنا الدروب |
نطير، كما يفعل المتصوف، في الكلمات.. |
نطير إلى أيِّ أَين! |
على تلَّة بارتفاع يدين سماويتين صعدنا. |
مشينا على إبر الشوك والسنديان، |
التحفنا بصوف النبات اليتيم، أتحدنا |
بمعجم أسماءنا. هل تحس بوخز الحصى |
وبمكر القطا؟ قال لي: لا أُحسّ |
بشيء، كأن الشعور رفاهيَّةٌ. وكأنِّي |
هنا صفة من صفات الغياب الكثيرة. |
ليست حياتي معي... تركتني كما تترك |
المرأةُ الرجل الشَّبَحَ، انتظرتني |
وملِّت من الانتظار، ودلَّت سواي |
على كنزها الأنثويِّ |
إذا كان لا بُدَّ من قمرٍ |
فليكن كاملاً كاملاً |
لا كقرنٍ من الموز |
قلت: ستحتاج وقتاً لتعرف نفسك، |
فاجلسْ على برزخ بين بين، |
فلا كيف كيف، ولا أَين أَين |
على صخرتين سماويتين انتظرنا غروب |
الغزالة... عند الغروب يحسّ الغريب |
بحاجته لعناق الغريب، وعند الغروب |
يحسّ الغريبان أن هنالك، بينهما، |
ثالثاً يتدخل في ما يقولان أو لا |
يقولان... |
قولا وداعاً لما كان |
قولا وداعاً لما سيكون |
وداعاً لقافية النون |
في اسم المُثَنىّ |
وفي بلد الأرجوان! |
أقول له: مَنْ هو؟ |
يقول صدى من بعيد: هو الواقعيُّ |
هنا. صوت أَقدارنا هُوَ. سائقُ |
جرّافةٍ عدَّلتْ عفوية هذا المكان، |
وقصت جدائل زيتوننا لتناسب قصِّة |
شعر الجنود، وتفتح شعْباً لبغل |
نبي قديم. هو الواقعيُّ، مُروِّضُ |
أُسطورة. ثالث الجاِلسَيْن على صخرتين |
سماويتين، ولكنه لا يرانا كما نحن: |
شيخاً تأبط طفلاً، وطفلاً توَّرط |
في حكمة الشيخ |
قلنا: سلام على الإنْسِ والجنّ |
من حولنا |
قال: لا أفهم الاستعارة |
قلنا: لماذا تغلغلت في ما نقول |
وفي ما نحس؟ |
فقال: طريقة ظلّكما في ارتداء الحصى |
والقطا أَفزعتني |
سألناه: مَّمِ تخاف؟ |
فقال: من الظلّ... للظلّ رائحة الثوم |
حيناً ورائحةُ الدم حيناً |
سألناه: من أين جئتَ؟ |
فقال: من اللامكان، فكُلُّ مكانٍ |
بعيدٍ عن الله أَو أَرضه هو منفى. |
ومن أَنتما؟ |
فقلنا له: نحن أحفاد روح المكان. |
وُلدنا هنا... وهنا سوف نحيا إذا |
بقي الربُّ حيّاً. وكل مكانٍ بعيدٍ |
عن الله أو أَرضه هو منفى |
فقال: طريقة ظلِّكما في ارتداء المكان |
تثير الشكوك |
سألناه: فيم تشكّ؟ |
فقال: بظلِّ ينازع ظلاًّ |
فقلنا له: أَلأَنَّ المسافة ما بين أَمس |
وحاضرنا لم تزل خَصْبَةً لثلاثيَّةِ الوقت؟ |
قال: قتلتكما أَمس |
قلنا: عفا الموت عنا |
فصاح: أَنا حارس الأبدية |
قولا: وداعاً لما سيكون |
وما كان |
قولا وداعاً لرائحة الثوم |
والدم في ظلّ هذا المكان |
الشيء معنىً هنا، والشيء يصنعني |
ذاتاً تعيد إلى المعنى ملامحه |
فكيف أُولد من شيء... وأصنعُهُ |
أَمتدُّ في الشجر العالي فيرفعني |
إلى السماء، وأَعلو طائراً حَذِراً |
لا شيء يخدعه، لا شيء يصرعُهُ |
في كُلّ شيء أرى روحي ويوجعني |
ما لا أُحس به، أو لا يحسّ |
بروحي حين توجعُهُ |
أَنا وأَنا لا نصدِّق هذا الطريق الترابيِّ |
لكننا سائران على أَثَر النمل إنَّ |
القيافة خارطةُ الحَدْس لا الشمس |
غابت تماماً، ولا القمر البرتقاليُّ ضاءَ |
أَنا وأَنا لا نصدِّق أَنَّ البداية |
تنتظر العائدين إليها، كأمّ على |
دَرَج البيت. لكننا سائران ولو |
خذلتنا السماء |
أَنا وأنا لا نصدِّق أن الحكاية |
عادت بنا شاهدين على ما فعلنا: |
نسيتكَ مثل قميصي المُبقّع بالتوت |
حين ركضت الى غابة وندمت... |
وأَمَّا انا فنسيتك حين احتفظت |
بريشةِ عنقاءَ لي... وندمت |
ألا نتصالحُ؟ قلتُ |
فقال: تريِّثْ. هناكَ على عبد مترين |
مدرستي، فتعال نخلِّصْ حروف الهجاء |
من العنكبوت، ونتركْ له أحرف العلّة |
الباكيات! |
تذكرتُها: حائطانِ قديمانِ من دون |
سقف كحرفين من لغة شهوَّتها الرمالُ |
وهزَّةُ ارض سدوميَّةٌ. بقراتٌ سمانٌ |
تنام على الأبجدية. كَلْبٌ يُحَرِّك ذيل |
الرضا والفكاهة. ليل صغيرٌ يرتِّبُ |
أشياءه لنشاط الثعالب |
قال: الحياة تواصل روتينها بعدنا. |
يا لها! يا لها من إباحيَّة لا تفكَّر إلاّ |
بإشباع شهوتها |
قلتُ: هل نتصالح كي نتقاسَمَ هذا |
الغياب. فنحن هنا وحدنا في القصيدة؟ |
قال: تريَّثْ . هناك على حافة التلِّ، |
من جهة الشرق، مَقْبَرَة ُالأهل. فلنمضِِ |
قبل هبوط الظلام على الميتين |
سلام على النائمين |
سلام على الحالمين |
ببستان فردوسهم آمنين |
سلام على الصاعدين خفافاً |
على سُلَّم الله |
في حضرة الموت لا نتشبث |
إلاّ بصحِّة أسماءنا... |
عَبَثٌ ماجنٌ. لم نجد حجراً واحداً |
يحمل اسم الضحية، لا أسمي ولا |
اسمك |
مَنْ مات منا، سألت، أَنا أم |
أنا؟ |
قال: لا أعرف الآن |
قلت: ألا نتصالح؟ |
قال: تريّث! |
فقلت: أتلك هي العودة المشتهاة؟ |
فقال: وملهاة إحدى إلهاتنا العابثات، |
فهل أَعجبتك الزيارة؟ |
قلت: أتلك نهاية منفاك؟ |
قال: وتلك بداية منفاك |
قلت: وما الفرق؟ |
قال: دَهَاءُ البلاغةِ |
قلت: البلاغةُ ليست ضروريّة للخسارةِ |
قال: بلى، فالبلاغةُ تقنع أرملةً |
بالزواج من السائح الأجنبيِّ، وتحمي |
ورود الحديثة من عَبَثِ الريحِ |
قلت: أَلا نتصالَحُ؟ |
قال: أذا وقَّع الحيُّ والميت، في |
جسد واحد، هدنةًً |
قلت: هذا إنا الميت والحيّ |
قال: نسيتك، من أنت؟ |
قلت: إنا نسخة عن أنا ك التي انتبهت لكلام |
الفراشة لي: يا أَخي في الهشاشة... |
قال: ولكنها احترقت |
قلت: لا تحترق مثلها |
والتفتُّ إليه، فلم أَره، فصرخت |
بكُلِّ قوايَ: اُنتظرني! وخذ كل شيء |
سوى الاسم |
لم ينتظرني، وطار... وأَدركني الليل |
فاستدرجت صرختي شبحاً عابراً |
قلت: من أنت؟ |
قال: السلام عليك، فقلت: عليك السلام |
فمن أنت؟ |
قال: أنا سائح أجنبي أحب أساطيركم |
وأحب الزواج بأرملةٍ من بنات عناة! |