إبلاغ عن خطأ
ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك
ادخل الكود التالي:
انتظر إرسال البلاغ...
|
قال لي صاحبي، والضبابُ كثيفٌ |
على الجسر: |
هل يُعْرَفْ الشيءُ من ضدّهِ؟ |
قلت: في الفجر يتِّضحُ الأمرُ |
قال: وليس هنالك وفتٌ أَشدّ |
التباساً من الفجر |
فاترك خيالك للنهر |
في زرقة الفجر يُعْدَمُ في |
باحة السجن أو قرب حرش الصنوبر |
شابٌ تفاءل بالنصر |
في زرقة الفجر ترسم رائحةُ الخبز |
خارطةً للحياة ربيعيَّةَ الصيف |
في زرقة الفجر يستيقظ الحالمون |
خفافاً ويمشون في ماء أَحلامهم |
مرحين |
إلى أَين يأخذنا الفجرُ والفجر |
جِسْرٌ إلى أَين يأخذنا؟ |
قال لي صاحبي: مكاناً |
لأُدفَنَ فيه. أريد مكاناً لأَحيا |
وأَلعنَهُ إن أردتُ |
فقلت له والمكان يمرُّ كإيماءة |
بيننا: ما المكان؟ |
فقال: عُثُورُ الحواسِّ على موطىء |
للبديهة، |
ثم تنهد: |
يا شارعاً ضيقاً كان يحملني |
في المساء الفسيح إلى بيتها |
في ضواحي السكينةْ |
أما زلت تحفظ قلبيَ |
عن ظهر قلب، |
وتنسى دخان المدينة؟ |
قلت له: لا تراهن على الواقعىّ |
فلن تجد الشيء حياً كصورته في |
انتظارك.... |
إنَّ الزمان يُدجِّن حتى الجبال |
فتصبح أَعلى وتصبح أوطأ مما عرفت. |
إلى أَين يأخذنا الجسرُ؟ |
قال: وهل كان هذا الطريقُ |
طويلاً إلى الجسرِ؟ |
قلت: وهل كان هذا الضبابُ |
كثيفاً على دَرَج الفجرِ؟ |
كم سنةً كُنْتَ تشبهني؟ |
قال: كم سَنَةً كُنْتَ أَنتَ أَنا؟ |
قلتُ: لا أَتذكَّرُ |
قال: ولا أتذكر أني تذكرت |
غير الطريق |
وغنَّى: |
على الجسر في بلد آخرٍ |
يعلن الساكسفونُ انتهاءَ الشتاء |
على الجسر يعترف الغرباء |
بأخطائهم، عندما لا يشاركهم |
أَحَدٌ في الغناء |
وقلت له: منذ كم سنة نَسْتَحِثُّ |
الحمامة: طيري إلى سدرة المنتهى، |
تحت شباكنا يا حمامة طيري وطيري |
فقال: كأني نسيت شعوري |
وقال: وعما قليل نقلِّد أَصواتنا |
حين كنا صغيرين . نلثغ بالسين واللام. |
نغفو كزوجي يمام على حالها خلف |
صورتها في مخيلتي . والسماءُ القديمةُ |
صافية اللون والذهن، إن لم |
يَخُنّي الخيال، تظلُّ على حالها |
مثل صورتها في مخيّلتي، والهواء |
الشهيُّ النقيّ البهيّ يظل على |
حاله في انتظاري.. يظلُّ على حاله. |
قلت: يا صاحبي أَفْرَغتني الطريقُ |
الطويلة من جسدي. لا أحس بصلصاله. |
لا أحسُّ بأحواله. كلما سرت طرت. |
خطايَ رؤاي. وأَماأنا ي، فقد |
لَوَّحَتْ من بعيد: |
إذا كان دربُكَ هذا |
طويلاً |
فلي عَمَلٌ في الأساطير |
أيدٍ إلهيَّةٌ دَرَّبيتنا على حفر أسمائنا |
في فهارس صفصافة. لم نكن واضحين |
ولا غامضين . ولكنَّ أسلوبنا في |
عبور الشوارع من زمنٍ نحو آخرَ |
كان يثير التساؤل: مَنْ هؤلاءِ |
الذين إذا شاهدوا نخلةً وقفوا |
صامتين وخرّوا على ظلِّها ساجدين؟ |
ومن هؤلاء الذين إذا ضحكوا أزعجوا |
الآخرين؟ |
على الجسر في بلد آخر، قال لي |
يُعْرَفُ الغرباءُ من النَّظَر المتقطِّع في الماء |
أو يُعْرَفُون من الانطواء وتأتأة المشي. |
فابنُ البلاد يسير إلى هدفٍ واضحٍ |
مستقيمَ الخطى . والغريب يدور على |
نفسه حائراً |
قال لي: كُلُّ جسرِ لقاء ... على |
الجسر أدخل في خارجي وأسلم |
قلبي إلى نَحْلَةٍ أو سُنُونُوَّةٍ |
قلت: ليس تماماً. على الجسر أمشي |
إلى داخلي، وأروِّض نفسي على |
الانتباه إلى أمرها . كُلُّ جسرٍ فصام |
فلا أنت كما كنت قبل قليل، |
ولا الكائنات هي الذكريات |
أنا اثنان في واحد |
أم أنا |
واحدٌ يتشظى إلى اثنين |
يا جسْرُ يا جسرُ |
أيّ الشَّتِيتَيْنِ منا أَنا؟ |
مشينا على الجسر عشرين عاما |
مشينا على الجسر عشرين مترا |
ذهاباً إياباً |
وقلت: ولم يبقَ إلاّ القليل |
وقال: ولم يبقَ إلاّ القليل |
وقلنا معاً وعلى حدة حالمين: |
سأمشي خفيفاً خُطَايَ على الريحِ |
قوسٌ تدغدغ أرضَ الكمان |
سأسمعُ نبض دمي في الحصى |
وعُرُوق المكان |
سأسندُ رأسي إل جذع خَرُّ وبٍة |
هي أُمِّي ولو أنْكَرَتْني |
سأغفو قليلاً ويحملني طائران صغيران |
أعلى وأعلى .... إلى نجمةٍ شرّ دَتْني |
سأُوقظُ روحي على وَجَعٍ سابق |
قادم كالرسالة من شرفة الذاكرةْ |
سأهتف: ما زلتُ حيّاً، للأنيَ |
أَشعر بالسهم يخترق الخاصرةْ |
سأنظر نحو اليمين إلى جهة الياسمين |
هناك تعلَّمْتُ أُولى أغاني الجسدْ |
سأنظر نحو اليسار إلى جهة البحر |
حيث تعلَّمتُ صَيْدَ الزَّبَدْ |
سأكذب مثل المراهق: هذا الحليب |
على بنطلوني ثُمَاَلةُ حُلْمٍ تحرَّ ش بي.. وانتهى |
سأنكر أني أُقلِّدُ قيلولة الشاعر |
الجاهليِّ الطويلةَ بين عيون المها |
سأشرب من حَنَفيَّة ماء الحديقة حفنةَ |
ماء. وأَعطش كالماء شوقاً إلى نفسِهِ |
سأسأل أوّل عابر درب: أَشاهدتَ |
شخصاً على هيئة الطيف مثلى، يُفتِّش |
عن أَمسِه؟ |
سأحمل بيتي على كتفيَّ... وأَمشي |
كما تفعل السلحفاة البطيئةْ |
سأصطاد نسراً بمكنسة ثم أسأل: |
أَين الخطيئة؟ |
سأبحث في الميثولوجيا وفي الأر كيولوجيا |
وفي كل جيم عن اسمي القديم |
ستنحازُ إحدى إلهات كَنْعَانَ لي ثُمَّ |
تحلف بالبرق: هذا هو ابني اليتيم |
سأُثني على امرأةٍ أنجبتْ طفلةً |
في الأنابيب. لكنها لا تمتُّ إليها بأيِّ شَيَهْ |
سأبكي على رجل مات حين انتَبهْ |
سآخذ سطر المَعَرّيّ ثم أُعدِّلُه: |
جَسَدي خرقَةٌ من تراب فيا خائطَ |
الكون خِطْني! |
سأكتب: يا خالقَ الموت دعني |
قليلاً.... وشأني! |
سأوقظ موتايَ: نحن سواسيةٌ أيها |
النائمون أما زلتُم مثلنا تحملون |
بيوم القيامةْ؟ |
سأجمع ما بعثرته الرياحُ من الغَزَل |
القُرْ طُبيَّ،وأكملُ طَوْقَ الحمامةْ |
سأختار من ذكرياتي الحميماتِ |
وَصْفَ الملائم: رائحة الشرشف المتجعّد |
بعد الجِماع كرائحة العشب بعد المطرْ |
سأشهد كيف سيخضرُّ وجه الحجرْ |
سيلسعُني وَرْدُ آذارَ حيث وُلدتُ |
للأوّل مَرّةْ |
ستحمل بي زهرةُ الجُلَّنار وأُولَدُ منها |
لآخر مَرَّةْ! |
سأَنأى عن الأمس حين أُعيد |
له إرثه: الذاكرةْ |
سأدنو من الغد حين أطارد قُبَّرةً |
ماكرةْ |
سأعرف أَني تأخَّرْتُ عن موعدي |
وسأعرف أنَّ غدي |
مَرَّ مَرَّ السحابِة منذ قليل |
ولم ينتظرني |
سأعلم أن السماء ستمطر بعد قليل |
عليَّ |
وأَنّي |
أَسير على الجسر |
هل نطأ الآن أرض الحكاية؟ قد |
لا تكون كما نتخيّلُ لا هي سَمْنٌ |
ولا عَسَلٌ والسماء رماديَّةُ اللون. |
والفجر ما زال أزرقَ ملتبساً. ما |
هو الزمن الآن؟ جسرٌ يطول |
ويقصُرُ.. فجر يطول ويمكر. ما |
الزمن الآن؟ |
تغفو البلادُ القديمةُ خلف قلاع |
سياحيّةٍ . والزمان يهاجر في نجمة |
أحرقت فارساً عاطفياً. فيا أيها |
النائمون على إبر الذكريات! أَلا |
تشعرون بصوت الزلازل في حافر الظبي؟ |
قلت له: هل أَصابتك حُمَّى؟ |
فتابع كابوسه: أَيها النائمون!ألا |
تسمعون هسيس القيامة في حبة |
الرمل؟ |
قلت له: هل تكلمني؟ أم تكلِّم |
نفسك؟ |
قال: وصلتُ إلى آخر الحلم... |
شاهدتُ نفسي عجوزاً هناك |
وشاهدتُ قلبي يطارد كلبي هناك |
وينبحُ.. شاهدتُ غرفةَ نومي |
تُقَهْقِهُ: هل أنتَ حيّ؟ تعال |
لأحمل عنك الهواء وعكازك الخشبيَّ |
المرصَّع بالصدف المغربيِّ!! فكيف |
أُعيد البداية يا صاحبي من أَنا؟ |
من أنا دون حُلْم ورفقة أُنثى؟ |
فقلت: نزور فتات الحياة الحياة |
كما هي ولنتدرَّبْ على حُبّ أشياء |
كانت لنا وعلى حُبّ أشياء ليست |
لنا... ولنا إن نظرتا إليها معاً من |
علٍ كسقوط الثلوج على جَبَلٍ |
قد تكون الجبال على حالها |
والحقول على حالها |
والحياة بديهية ومشاعاً |
فهل ندخل الآن أرض الحكاية يا |
صاحبي؟ |
قال لي: لا أُريد مكاناً لأُدفن فيه |
أريد مكاناً لأحيا وألعنه لو أردت... |
وحملق في الجسر: هذا هو الباب. |
باب الحقيقة. لا نستطيع الدخول ولا |
نستطيع الخروج |
ولا يُعْرَفُ الشيء من ضدِّهِ |
ألممرات مُغْلَقَةٌ |
والسماءُ رماديَّةُ الوجه ضَيِّقَةٌ |
ويدُ الفجر ترفع سروال جنديّةٍ |
عالياً عالياً... |
وبقينا على الجسر عشرين عاماً |
أكلنا الطعام المعلّب عشرين عاماً |
لبسنا ثياب الفصول |
استمعنا إلى الأغنيات الجديدة |
جَيِّدةِ الصنع |
من ثكنات الجنود |
تزوَّج أولادنا بأميرات منفى |
وغيَّرن أسماءهم |
وتركنا مصائرنا لهواة الخسائر |
في السينما |
وقرأنا على الرمل آثارنا |
لم نكن غامضين ولا واضحين |
كصورةِ فجرٍ كثيرِ التثاؤُبِ |
قلت: أما زال يجرحك الجرح يا |
صاحبي؟ |
قال لي: لا أُحسُّ بشيْ |
فقد حوَّلت فكرتي جسدي دفتراً للبراهين |
لا شيء يثبت أَني أنا |
غَيْرُ موتٍ صريحٍ على الجسر |
أَرنو إلى وردة في البعيد |
فيشتعل الجمر |
أرنو إلى مسقط الرأس خلف البعيد |
فيتسع القبرًُ |
قلت: تمهل و لا تَمُتِ الآن . إنَّ الحياةَ |
على الجسر ممكنةٌ . والمجاز فسيح المدى |
ههنا بَرْزَخٌ بين دنيا و آخرةٍ |
بين منفى وأرضٍ مجاورةٍ... |
قال لي والصقور تحلق من فوقنا: |
خُذِ اسمي رفيقاً وحدِّثْهُ عني |
وعش أنت حتى يعود بك الجسر |
حياً غدا |
لا تقل: إنه مات أو عاش |
قرب الحياة سدى! |
قل: أطلَّ على نفسه من علٍ |
ورأى نفسه ترتدي شجراً واكتفى |
بالتحيَّةِ: |
إن كان هذا الطريق طويلاً |
فلي عَمَلٌ في الأساطير |
كنت وحيداً على الجسر في ذلك |
اليوم، بعد اعتكاف المسيح على |
جبل في ضواحي أريحا ... وقبل القيامة. |
أمشي و لا أستطيع الدخول ولا أستطيع |
الخروج ... أدور كزهرة عبَاد شمسٍ |
وفي الليل يوقظني صوت حارسة الليل |
حين تغنّي لصاحبها: |
لا تَعِدْني بشيء |
ولا تُهدِني |
وردةً من أريحا! |