إبلاغ عن خطأ
ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك
ادخل الكود التالي:
انتظر إرسال البلاغ...
|
نهارَ الثُّلاثاء والجوُّ صافٍ أَسيرُ |
علي شارعٍ جانبيّ مُغَطّى بسقف من |
الكستناء... أسير خفيفاً كأني |
تبخَّرتُ من جسدي وكأني علي موعد |
مع إحدى القصائد. أنظر في ساعتي |
شارداً. أتصفَّحُ أوراق غيم بعيد |
تدوِّن فيه السماءُ خواطرَ عليا أُقلِّبُ |
أحوال قلبي علي شجر الجوز: خال ٍ |
من الكهرباء ككوخ صغير علي شاطىء |
البحر. أسْرَعَ أبطأَ أسرعَ أمشي. |
أحدِّق في اللافتات علي الجانبين... |
ولا أحفظ الكلمات. أدندن لحناً |
بطيئاً كما يفعل العاطلون عن العمل: |
النهر كالمهر يجري إلى حتفه البحرِ |
والطيرُ تختطف الحَبَّ من كتِفِ النهر |
أَهجس، أَهمس في السرّ: عِشْ |
غدك الآن! مهما حَييتَ فلن تبلغ |
الغَدَ.... أرضَ للغد، واحلُمْ |
ببطء فمهما حلمت ستدرك أنَّ |
الفراشة لم تحترق لتضيئك |
أَمشي خفيفاً خفيفاً. وأَنظر حولي |
لعلِّي أرى شَبَهاً بين أوصاف نفسي |
وصفصاف هذا الفضاء فلا أَتبيّن |
شيئاً يشير إليَّ |
إذا لم يُغَنَّ الكناريُّ |
يا صاحبي لَكَ... فاعلمْ |
بأنك سجان نفسك، إن |
لم يُغَنّ الكناريُّ |
لا أَرضَ ضيِّقةً كأصيص الورود |
كأرضك أنتَ... ولا أرضَ واسعةً |
كالكتاب كأرضك أنت.. ورؤياك |
منفاك في عالم لا هُويَّة للظلّ |
فيه، ولا جاذبيّة |
تمشي كأنك غيرك |
لو أستطيع الحديث إلى أَحد في |
الطريق لقُلْتُ: خصوصيِّتي هي ما |
لا يدلُّ عليَّ، وما لا يُسَمِّى |
من الموت حلماً، ولا شيء أكثر |
لو أستطيع الحديث إلى امرأة |
في الطريق لقلتُ: خصوصيتي لا |
تثير انتباهاً: تكلُّسُ بعض الشرايين |
في القدمين، ولا شيء أكثر، فامشي |
الهوينى معي مثل مشي السحابة |
لا هي رَيْثٌ... ولا عجل ... |
لو أستطيع الحديث إلى شبح الموت |
خلف سياج الأضاليا لقلتُ: وُلدنا |
معاً توأمين، أَخي أنت يا قاتلي، |
يا مهندس دربي على هذه الأرض... |
أمي وأمِّك، فارمِ سلاحكَ |
لو أستطيع الحديث إلى الحُبِّ، بعد |
الغداء، لقلت له: حين كنا |
فَتيَّين كنا لُهَاثَ يدين على زَغَب |
المفردات، وكُنْتَ قليل الصفات، كثيرَ |
الحراك، وأوضحَ: فالوجه وَجْهُ |
ملاكٍ يجيء من النوم، والجسم |
كَبْشٌ بقُوَّة حُمَّى. وكنت تُسمَّى |
كما أَنت حباً فيُغْمى علينا |
ويُغمى على الليل |
أمشي خفيفاً، فأكبر عَشْرَ دقائقَ، |
عشرين، ستِّين... أَمشي وتنقص |
قيَّ الحياةُ على مهلها كسُعالٍ خفيف. |
أفكِّر: ماذا لو أني تباطأتُ، ماذا |
لو أني توقّفْتُ؟ هل أوقف الوقت؟ |
هل أربك الموت؟ أسخر من فكرتي، |
ثم أسأل نفسي: إلى أين تمشين |
أيتها المطمئنة مثل النعامة؟ أَمشي |
كأن الحياة تعدِّل نقصانها بعد حين. |
ولا أتلفت خلفي، فلن أستطيع |
الرجوع إلى أي شيء، ولا أستطيع |
التماهي |
ولو أستطيع الحديث إلى الربِّ قلت: |
إلهي إلهي! لماذا تخليتَ عني؟ |
ولستُ سوى ظلِّ ظلك في الأرض، |
كيف تخلَّيْتَ عني، وأَوقعتني في |
فخاخ السؤال: لماذا خلقت البعوض |
إلهي إلهي؟ |
وأَمشي بلا موعدٍ، خالياً من |
وعود غدي. أَتذكِّرُ أني نسيتُ، |
وأنسى كما أَتذكِّرُ: |
أنسى غراباً على غصن زيتونةٍ |
أتذكِّر يُقْعَةَ زيتٍ على الثوبِ |
أنسى نداء الغزال إلى زَوْجِه |
أتذكِّرُ خط النمال على الرملِ |
أنسى حنيني إلى نجمةٍ وقعتْ من يدي |
أتذكِّرُ فَرْوَ الثعالبِ |
أنسى الطريق القديم إلى بيتنا |
أتذكِّرُ عاطفةً تشبه المندرينةَ |
أنسى الكلامَ الذي قُلْتُهُ |
أتذكِّر ما لم أَقل بعد |
أنسى روايات جدي وسيفاً على حائطٍ |
أتذكِّر خوفي من النومِ |
أنسى شفاهَ الفتاة التي امتلأت عنباً |
أتذكر رائحة الخسِّ بين الأصابعِ |
أنسى البيوت التي َدوِّنت سيرتي |
أتذكر رَقْمَ الهُويِّةِ |
أنسى حوادث كبرى وهزِّةَ أرض مدمِّرةً |
أتذكِّر تبغ أبي في الخزانة |
أَنسى دروب الرحيل إلى عَدَمٍ ناقصٍ |
أتذكر ضوء الكواكب في أطلس البدو |
أنسى أزيز الرصاص على قرية أَقفرت |
أتذكر صوت الجداجد في الحرش |
أَنسى كما أتذكر، أو أتذكر أني نسيت |
ولكنني |
أتذكر |
هذا النهار، |
نهار الثلاثاء |
والجوُّ صافٍ |
وأَمشي على شارع لا يؤدي إلى |
هدف . رُبَّما أرشدتني خُطَايَ إلى |
مقعد شاغر في الحديقة، أو |
أرشدتني إلى فكرة عن ضياع الحقيقة |
بين الجماليّ والواقعي. سأجلس وحدي |
كأني على موعد مع إحدى نساء |
الخيال. تخيِّلتُ أني انتظرت طويلاً، |
وأني ضجرت من الانتظار، وأني انفجرت: |
لماذا تأخِّرتِ؟ تكذب: كان الزحامُ |
شديداً على الجسر. فاهدأْ. سأهدأُ |
حين تداعب شعري. سأََشعر أنَّ |
الحديقة غرفتنا والظلالَ ستائرُ |
إن لم يُغَنِّ الكناريُّ |
يا صاحبي لَكَ... فاعلم |
بأنك أفرطتَ في النوم |
إن لم يغنِّ الكناريُّ |
وتسأل: ماذا تقول؟ |
أقول لها: لم يغنّ الكناريُّ لي |
هل تذكُّرتِني يا غريبةُ؟ هل أُشبه |
الشاعر الرعويَّ القديَم الذي توَّجَتْهُ |
النجومُ مليكاً على الليل، ثم تنازل |
عن عرشه حين أَرسلته راعياً |
للغيوم؟ تقول: وهل يشبه اليومُ أَمسِ، |
كأنك أَنتَ... |
هناك، على المقعد الخشبي المقابلِ |
بنتٌ يُفتٍّتُها الانتظار |
وتبكي، |
وتشرب كأس عصير... |
تُلمّع بلّور قلبي الصغير |
وتحمل عني عواطف هذا النهار |
وأسألها: كيف جئتِ؟ |
تقول: أتيتُ مصادفةً. كنت أمشي |
على شارع لا يؤدي إلى هدفٍ. |
قلت: أمشي كأني على موعد... |
ربما أرشدتني خُطَايَ إلى مقعد شاغر |
في الحديقة، أو أرشدتني إلى فكرة |
عن ضياع الحقيقة بين الخياليِّ والواقعيّ |
وهل أنت تذكرني يا غريب؟ |
وهل أُشبه امرأةً الأمس، تلك الصغيرةَ، |
ذات الضفيرةِ، والأغنيات القصيرةِ |
عن حبنا بعد نوم طويل |
أقول: كأنَّكِ أنتِ.. |
هناك فتىً يدخل الآن |
باب الحديقة، |
يحمل خمساً وعشرين زنبقةً |
للفتاة التي انتظرته |
ويحمل عني فُتُوَّة هذا النهار |
صغير هو القلب... قلبي |
كبير هو الحب... حُبيّ |
يسافر في الريح، يهبطُ |
يفرطُ رُمَّانةًً، ثم يسقطُ |
في تيه عينين لوزيتين |
ويصعد من فجر غمَّازتين |
وينسى طريق الرجوع إلى بيته واسمه |
صغير هو القلب... قلبي |
كبير هو الحب.. |
هل كان الذي كُنْتُهُ هُو؟ |
أم كان ذاك الذي لم أكنه أَنا؟ |
تقول: لماذا تحكُّ الغيومُ أَعالي الشجرْ؟ |
أقول: لتلتصق الساقُ بالساق |
تحت رذاذ المطرْ |
تقول: لماذا تحملق بي قطَّة خائفةْ؟ |
أقول: لكي توقفني العاصفةْ |
تقول: لماذا يحنُّ الغريب إلى أَمسِهِ |
أَقول: ليعتمد الشعر فيه على نفِسهِ |
تقول: لماذا تصير السماءُ رماديَّة اللون |
عند العشيةْ؟ |
أقول: لأنك لم تسكبي الماء في المزهريّْة |
تقول: لماذا تبالغ في السخريةْ؟ |
أقول: لكي تأكل الأغنيةْ |
قليلاً من الخبز ما بين حين وحين |
تقول: لماذا نحبّ، فنمشي على طُرُقٍ خاليةْ؟ |
أقول: لنقهر الموت كثيرا بموت أَقلّ |
وننجو من الهاويةْ |
تقول: لماذا حلمتُ بأني رأيت سُنوُنُوَّة ًفي يدي؟ |
أقول: لأنك في حاجةٍ لأَحدْ |
تقول: لماذا تذكِّرني بغد لا أراه |
معك؟ |
أقول: لأنك إحدى صفات الأبدْ |
تقول: ستمضي إلى نَفَقِ الليل وحدك |
بعدي |
أقول: سأمضي إلى نفق الليل بعدك |
وحدي |
.. وأَمشي ثقيلاً ثقيلاً، كأني على موعد |
مع إحدى الخسارات. أَمشي وبي شاعر |
يستعدّ لراحته الأبديّةِ في ليل لندن. |
يا صاحبي في الطريق إلى الشام! لم نبلغ |
الشام بعد، تمهّل تمهّل، ولا تجعل |
الياسمينة ثكلى، ولا تمتحنّي، بمرثيَّة: |
كيف أحمل عبء القصيدة |
عنك وعني؟ |
قصيدةُ من لا يُحبُّونَ وَصْفَ الضباب |
قصيدتُهُ |
معطفُ الغيم فوق الكنيسة |
معطفُهُ |
سرّ قلبين يلتجئان إلى بََردى |
سرّهُ |
نخلة السومرية، أمِّ الأناشيد |
نخلتُهُ |
ومفاتيحُ قرطبةٍ في جنوب الضباب |
مفاتيحُهُ |
لايُذَيِّل أشعاره باُسمه |
فالفتاة الصغيرة تعرفُهُ |
إن أحسَّتْ بوخز الدبابيس |
والملح في دمها. |
هو، مثلي، يطارده قلبُهُ |
وأنا، مثله، لا أُذيّل باسمي الوصيَّة |
فالريح تعرف عنوان أهلي الجديد |
على سفح هاوية في جنوب البعيد |
وداعاً، صديقي، وداعاً وسلّم على الشام |
لَستُ فتياً لأحمل نفسي |
على الكلمات، ولست فتيّاً |
لأكمل هذي القصيدةَ |
أَمشي مع الضاد في الليل |
تلك خصوصيتي اللغويةُ أمشي |
مع الليل في الضاد كهلاً يحثّ |
حصاناً عجوزاً على الطيران إلى برج |
إيفل. يا لغتي ساعديني على الاقتباس |
لأحتضن الكون. في داخلي شُرْفَةٌ لا |
يَمُرّ بها أَحَدٌ للتحيَّة. في خارجي عالم |
لا يردُّ التحيُّة. يا لغتي! هل أكون |
أنا ما تكونين؟ أم أنت يا لغتي |
ما أكون؟ ويا لغتي دربيني على |
الاندماج الزفافيّ بين حروف الهجاء |
وأعضاء جسمي أَكن سيّدأ لا صدى. |
دَثّريني بصوفك يا لغتي، ساعديني |
على الاختلاف لكي أبلغ الائتلاف. لِدِيني |
أَلِدْك. أنا ابنك حيناً، وحيناً أبوك |
وأمك. إن كنتِ كنتُ، وإن كُنْتُ |
كنتِ. وسمّي الزمان الجديد بأسمائه |
الأجنبّيةِ يا لغتي، واستضيفي الغريب |
البعيد ونَثْرَ الحياة البسيطَ لينضج |
شعري. فَمَنْ إن نطقتُ بما ليس |
شعراً سيفهمني؟ من يكَلّمني |
عن حنينٍ خفيِّ إلى زمن ضائع إن |
نطقتُ بما ليس شعراً؟ ومن إن |
نطقت بما ليس شعراً سيعرف |
أرض الغريب؟ |
سجا الليل، واكتمل الليل، فاُسْتَيقََظََتْ |
زهرةٌ للتنفس عند سياج الحديقة. |
قلتُ: سأشهد أنَي َما زلت حياً، |
ولو من بعيد. وأني حلمت بأن الذي |
كان يحلم، مثلي، أنا لا سواي... |
وكان نهاري، نهار الثلاثاء رحباً طويلاً، |
وليلي وجيزاً كفصلٍ قصيرٍ أُضيف |
إلى المسرحية بعد نزول الستارة. لكنني |
لن أُسيء إلى أحد... |
إن أضَفْتُ: وكان نهاراً جميلاً، |
كقصةِ حُبٍّ حقيقيةٍ في قطار سريع |
إذا لم يغنِّ الكناريّ |
يا صاحبي، |
لا تَلُمء غير نفسك. |
إن لم يُغَنِّ الكناريُّ |
يا صاحبي لَكَ |
غنِّ له أَنت ... غَنِّ له |