إبلاغ عن خطأ
ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك
ادخل الكود التالي:
انتظر إرسال البلاغ...
|
هذا هُوَ اسمُكَ |
قالتِ امرأةٌ، |
وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ |
أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . |
ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ |
طُفُولَةٍ أَخرى . ولم أَحلُمْ بأني |
كنتُ أَحلُمُ . كُلُّ شيءٍ واقعيٌّ . كُنْتُ |
أَعلَمُ أَنني أُلْقي بنفسي جانباً |
وأَطيرُ . سوف أكونُ ما سأَصيرُ في |
الفَلَك الأَخيرِ . |
وكُلُّ شيء أَبيضُ، |
البحرُ المُعَلَّقُ فوق سقف غمامةٍ |
بيضاءَ . والَّلا شيء أَبيضُ في |
سماء المُطْلَق البيضاءِ . كُنْتُ، ولم |
أَكُنْ . فأنا وحيدٌ في نواحي هذه |
الأَبديَّة البيضاء . جئتُ قُبَيْل ميعادي |
فلم يَظْهَرْ ملاكٌ واحدٌ ليقول لي: |
ماذا فعلتَ، هناك، في الدنيا؟ |
ولم أَسمع هُتَافَ الطيِّبينَ، ولا |
أَنينَ الخاطئينَ، أَنا وحيدٌ في البياض، |
أَنا وحيدُ |
لاشيء يُوجِعُني على باب القيامةِ . |
لا الزمانُ ولا العواطفُ . لا |
أُحِسُّ بخفَّةِ الأشياء أَو ثِقَلِ |
الهواجس . لم أَجد أَحداً لأسأل: |
أَين أَيْني الآن؟ أَين مدينةُ |
الموتى، وأَين أَنا؟ فلا عَدَمٌ |
هنا في اللا هنا في اللازمان، |
ولا وُجُودُ |
وكأنني قد متُّ قبل الآن |
أَعرفُ هذه الرؤيا، وأَعرفُ أَنني |
أَمضي إلى ما لَسْتُ أَعرفُ . رُبَّما |
ما زلتُ حيّاً في مكانٍ ما، وأَعرفُ |
ما أُريدُ |
سأصيرُ يوماً ما أُريدُ |
سأَصيرُ يوماً فكرةً . لا سَيْفَ يحملُها |
إلى الأرضِ اليبابِ، ولا كتابَ |
كأنَّها مَطَرٌ على جَبَلٍ تَصَدَّعَ من |
تَفَتُّح عُشْبَةٍ، |
لا القُوَّةُ انتصرتْ |
ولا العَدْلُ الشريدُ |
سأَصير يوماً ما أُريدُ |
سأصير يوماً طائراً، وأَسُلُّ من عَدَمي |
وجودي . كُلَّما احتَرقَ الجناحانِ |
اقتربتُ من الحقيقةِ، وانبعثتُ من |
الرمادِ . أَنا حوارُ الحالمين، عَزَفْتُ |
عن جَسَدي وعن نفسي لأُكْمِلَ |
رحلتي الأولى إلى المعنى، فأَحْرَقَني |
وغاب . أَنا الغيابُ . أَنا السماويُّ |
الطريدُ . |
سأَصير يوماً ما أُريدُ |
سأَصير يوماً كرمةً، |
فَلْيَعْتَصِرني الصيفُ منذ الآن، |
وليشربْ نبيذي العابرون على |
ثُرَيَّات المكان السُكَّريِّ! |
أَنا الرسالةُ والرسولُ |
أَنا العناوينُ الصغيرةُ والبريدُ |
سأَصير يوماً ما أُريدُ |
هذا هُوَ اسمُكَ |
قالتِ امرأةٌ، |
وغابتْ في مَمَرِّ بياضها . |
هذا هُوَ اسمُكَ، فاحفظِ اسْمَكَ جَيِّداً! |
لا تختلفْ مَعَهُ على حَرْفٍ |
ولا تَعْبَأْ براياتِ القبائلِ، |
كُنْ صديقاً لاسمك الأُفُقِيِّ |
جَرِّبْهُ مع الأحياء والموتى |
ودَرِّبْهُ على النُطْق الصحيح برفقة الغرباء |
واكتُبْهُ على إحدى صُخُور الكهف، |
يااسمي: سوف تكبَرُ حين أَكبَرُ |
سوف تحمِلُني وأَحملُكَ |
الغريبُ أَخُ الغريب |
سنأخُذُ الأُنثى بحرف العِلَّة المنذور للنايات |
يا اسمي: أَين نحن الآن؟ |
قل: ما الآن، ما الغَدُ؟ |
ما الزمانُ وما المكانُ |
وما القديمُ وما الجديدُ؟ |
سنكون يوماً ما نريدُ |
لا الرحلةُ ابتدأتْ، ولا الدربُ انتهى |
لم يَبْلُغِ الحكماءُ غربتَهُمْ |
كما لم يَبْلُغ الغرباءُ حكمتَهمْ |
ولم نعرف من الأزهار غيرَ شقائقِ النعمانِ، |
فلنذهب إلى أَعلى الجداريات: |
أَرضُ قصيدتي خضراءُ، عاليةُ، |
كلامُ الله عند الفجر أَرضُ قصيدتي |
وأَنا البعيدُ |
أَنا البعيدُ |
في كُلِّ ريحٍ تَعْبَثُ امرأةٌ بشاعرها |
خُذِ الجهةَ التي أَهديتني |
الجهةَ التي انكَسَرتْ، |
وهاتِ أُنوثتي، |
لم يَبْقَ لي إلاّ التَأمُّلُ في |
تجاعيد البُحَيْرَة . خُذْ غدي عنِّي |
وهاتِ الأمس، واتركنا معاً |
لا شيءَ، بعدَكَ، سوف يرحَلُ |
أَو يَعُودُ |
وخُذي القصيدةَ إن أَردتِ |
فليس لي فيها سواكِ |
خُذي أَنا كِ . سأُكْملُ المنفى |
بما تركَتْ يداكِ من الرسائل لليمامِ . |
فأيُّنا منا أَنا لأكون آخرَها؟ |
ستسقطُ نجمةٌ بين الكتابة والكلامِ |
وتَنْشُرُ الذكرى خواطرها: وُلِدْنا |
في زمان السيف والمزمار بين |
التين والصُبَّار . كان الموتُ أَبطأَ . |
كان أَوْضَح . كان هُدْنَةَ عابرين |
على مَصَبِّ النهر . أَما الآن، |
فالزرُّ الإلكترونيُّ يعمل وَحْدَهُ . لا |
قاتلٌ يُصْغي إلى قتلى . ولا يتلو |
وصيَّتَهُ شهيدُ |
من أَيِّ ريح جئتِ؟ |
قولي ما اسمُ جُرْحِكِ أَعرفِ |
الطُرُقَ التي سنضيع فيها مَرّتيْنِ! |
وكُلُّ نَبْضٍ فيكِ يُوجعُني، ويُرْجِعُني |
إلى زَمَنٍ خرافيّ . ويوجعني دمي |
والملحُ يوجعني ويوجعني الوريدُ |
في الجرّة المكسورةِ انتحبتْ نساءُ |
الساحل السوريّ من طول المسافةِ، |
واحترقْنَ بشمس آبَ . رأيتُهنَّ على |
طريق النبع قبل ولادتي . وسمعتُ |
صَوْتَ الماء في الفخّار يبكيهنّ: |
عُدْنَ إلى السحابة يرجعِ الزَمَنُ الرغيدُ |
قال الصدى: |
لاشيء يرجعُ غيرُ ماضي الأقوياء |
على مِسلاَّت المدى ذهبيّةٌٌ آثارُهُمْ |
ذهبيّةٌٌ ورسائلِ الضعفاءِ للغَدِ، |
أَعْطِنا خُبْزَ الكفاف، وحاضراً أَقوى . |
فليس لنا التقمُّصُ والحُلُولُ ولا الخُلُودُ |
قال الصدى: |
وتعبتُ من أَملي العُضَال . تعبتُ |
من شَرَك الجماليّات: ماذا بعد |
بابلَ؟ كُلَّما اتَّضَحَ الطريقُ إلى |
السماء، وأَسْفَرَ المجهولُ عن هَدَفٍ |
نهائيّ تَفَشَّى النثرُ في الصلوات، |
وانكسر النشيدُ |
خضراءُ، أَرضُ قصيدتي خضراءُ عالية ٌ |
تُطِلُّ عليَّ من بطحاء هاويتي |
غريبٌ أَنتَ في معناك . يكفي أَن |
تكون هناك، وحدك، كي تصيرَ |
قبيلةً |
غَنَّيْتُ كي أَزِنَ المدى المهدُورَ |
في وَجَع الحمامةِ، |
لا لأَشْرَحَ ما يقولُ اللهُ للإنسان، |
لَسْتُ أَنا النبيَّ لأَدَّعي وَحْياً |
وأُعْلِنَ أَنَّ هاويتي صُعُودُ |
وأَنا الغريب بكُلِّ ما أُوتيتُ من |
لُغَتي . ولو أخضعتُ عاطفتي بحرف |
الضاد، تخضعني بحرف الياء عاطفتي، |
وللكلمات وَهيَ بعيدةٌ أَرضٌ تُجاوِرُ |
كوكباً أَعلى . وللكلمات وَهيَ قريبةٌ |
منفى . ولا يكفي الكتابُ لكي أَقول: |
وجدتُ نفسي حاضراً مِلْءَ الغياب . |
وكُلَّما فَتَّشْتُ عن نفسي وجدتُ |
الآخرين . وكُلَّما فتَّشْتُ عَنْهُمْ لم |
أَجد فيهم سوى نَفسي الغريبةِ، |
هل أَنا الفَرْدُ الحُشُودُ؟ |
وأَنا الغريبُ . تَعِبْتُ من درب الحليب |
إلى الحبيب . تعبتُ من صِفَتي . |
يَضيقُ الشَّكْلُ . يَتّسعُ الكلامُ . أُفيضُ |
عن حاجات مفردتي . وأَنْظُرُ نحو |
نفسي في المرايا: |
هل أَنا هُوَ؟ |
هل أُؤدِّي جَيِّداً دَوْرِي من الفصل |
الأخيرِ؟ |
وهل قرأتُ المسرحيَّةَ قبل هذا العرض، |
أَم فُرِضَتْ عليَّ؟ |
وهل أَنا هُوَ من يؤدِّي الدَّوْرَ |
أَمْ أَنَّ الضحيَّة غَيَّرتْ أَقوالها |
لتعيش ما بعد الحداثة، بعدما |
انْحَرَفَ المؤلّفُ عن سياق النصِّ |
وانصرَفَ المُمَثّلُ والشهودُ؟ |
وجلستُ خلف الباب أَنظُرُ: |
هل أَنا هُوَ؟ |
هذه لُغَتي . وهذا الصوت وَخْزُ دمي |
ولكن المؤلِّف آخَرٌ |
أَنا لستُ مني إن أَتيتُ ولم أَصِلْ |
أَنا لستُ منِّي إن نَطَقْتُ ولم أَقُلْ |
أَنا مَنْ تَقُولُ له الحُروفُ الغامضاتُ: |
اكتُبْ تَكُنْ! |
واقرأْ تَجِدْ! |
وإذا أردْتَ القَوْلَ فافعلْ، يَتَّحِدْ |
ضدَّاكَ في المعنى |
وباطِنُكَ الشفيفُ هُوَ القصيدُ |
بَحَّارَةٌ حولي، ولا ميناء |
أَفرغني الهباءُ من الإشارةِ والعبارةِ، |
لم أَجد وقتاً لأعرف أَين مَنْزِلَتي، |
الهُنَيْهةَ، بين مَنْزِلَتَيْنِ . لم أَسأل |
سؤالي، بعد، عن غَبَش التشابُهِ |
بين بابَيْنِ: الخروج أم الدخول |
ولم أَجِدْ موتاً لأقْتَنِصَ الحياةَ . |
ولم أَجِدْ صوتاً لأَصرخَ: أَيُّها |
الزَمَنُ السريعُ! خَطَفْتَني مما تقولُ |
لي الحروفُ الغامضاتُ: |
ألواقعيُّ هو الخياليُّ الأَكيدُ |
يا أيها الزَمَنُ الذي لم ينتظِرْ |
لم يَنْتَظِرْ أَحداً تأخَّر عن ولادتِهِ، |
دَعِ الماضي جديداً، فَهْوَ ذكراكَ |
الوحيدةُ بيننا، أيَّامَ كنا أَصدقاءك، |
لا ضحايا مركباتك . واترُكِ الماضي |
كما هُوَ، لا يُقَادُ ولا يَقُودُ |
ورأيتُ ما يتذكَّرُ الموتى وما ينسون |
هُمْ لا يكبرون ويقرأون الوَقْتَ في |
ساعات أيديهمْ . وَهُمْ لايشعرون |
بموتنا أَبداً ولا بحياتهِمْ . لا شيءَ |
ممَّا كُنْتُ أو سأكونُ . تنحلُّ الضمائرُ |
كُلُّها . هو في أنا في أَنت . |
لا كُلٌّ ولاجُزْءٌ . ولا حيٌّ يقول |
لميِّتٍ: كُنِّي! |
.. وتنحلُّ العناصرُ والمشاعرُ . لا |
أَرى جَسَدي هُنَاكَ، ولا أُحسُّ |
بعنفوان الموت، أَو بحياتيَ الأُولى . |
كأنِّي لَسْتُ منّي . مَنْ أَنا؟ أَأَنا |
الفقيدُ أَم الوليدُ؟ |
الوقْتُ صِفْرٌ . لم أُفكِّر بالولادة |
حين طار الموتُ بي نحو السديم، |
فلم أكُن حَيّاً ولا مَيْتاً، |
ولا عَدَمٌ هناك، ولا وُجُودُ |
تقولُ مُمَرِّضتي: أَنتَ أَحسَنُ حالا ً. |
وتحقُنُني بالمُخَدِّر: كُنْ هادئاً |
وجديراً بما سوف تحلُمُ |
عما قليل |
رأيتُ طبيبي الفرنسيَّ |
يفتح زنزانتي |
ويضربني بالعصا |
يُعَاونُهُ اثنانِ من شُرْطة الضاحيةْ |
رأيتُ أَبي عائداً |
من الحجِّ، مُغمىً عليه |
مُصَاباً بضربة شمسٍ حجازيّة |
يقول لرفِّ ملائكةٍ حَوْلَهُ: |
أَطفئوني! |
رأيتُ شباباً مغاربةً |
يلعبون الكُرَةْ |
ويرمونني بالحجارة: عُدْ بالعبارةِ |
واترُكْ لنا أُمَّنا |
يا أَبانا الذي أخطَأَ المقبرةْ! |
رأيت ريني شار |
يجلس مع هيدغر |
على بُعْدِ مترين منِّي، |
رأيتهما يشربان النبيذَ |
ولا يبحثان عن الشعر |
كان الحوار شُعَاعاً |
وكان غدٌ عابرٌ ينتظرْ |
رأيتُ رفاقي الثلاثَةَ ينتحبونَ |
وَهُمْ |
يَخيطونَ لي كَفَناً |
بخُيوطِ الذَّهَبْ |
رأيت المعريَّ يطرد نُقَّادَهُ |
من قصيدتِهِ: |
لستُ أَعمى |
لأُبْصِرَ ما تبصرونْ، |
فإنَّ البصيرةَ نورٌ يؤدِّي |
إلى عَدَمٍ . أَو جُنُونْ |
رأيتُ بلاداً تعانقُني |
بأَيدٍ صَبَاحيّة: كُنْ |
جديراً برائحة الخبز . كُنْ |
لائقا ً بزهور الرصيفْ |
فما زال تَنُّورُ أُمِّكَ |
مشتعلاً، |
والتحيَّةُ ساخنةً كالرغيفْ! |
خضراءُ، أَرضُ قصيدتي خضراءُ . نهرٌ واحدٌ يكفي |
لأهمس للفراشة: آهِ، يا أُختي، ونَهْرٌ واحدٌ يكفي لإغواءِ |
الأساطير القديمة بالبقاء على جناح الصَّقْر، وَهْوَ يُبَدِّلُ |
الراياتِ والقممَ البعيدةَ، حيث أَنشأتِ الجيوشُ ممالِكَ |
النسيان لي . لاشَعْبَ أَصْغَرُ من قصيدته . ولكنَّ السلاحَ |
يُوَسِّعُ الكلمات للموتى وللأحياء فيها، والحُرُوفَ تُلَمِّعُ |
السيفَ المُعَلَّقَ في حزام الفجر، والصحراء تنقُصُ |
بالأغاني، أَو تزيدُ |
لاعُمْرَ يكفي كي أَشُدَّ نهايتي لبدايتي |
أَخَذَ الرُّعَاةُ حكايتي وتَوَغَّلُوا في العشب فوق مفاتن |
الأنقاض، وانتصروا على النسيان بالأَبواق والسَّجَع |
المشاع، وأَورثوني بُحَّةَ الذكرى على حَجَرِ الوداع، ولم |
يعودوا |
رَعَويَّةٌ أَيَّامنا رَعَويَّةٌ بين القبيلة والمدينة، لم أَجد لَيْلاً |
خُصُوصِيّاً لهودجِكِ المُكَلَّلِ بالسراب، وقلتِ لي: |
ما حاجتي لاسمي بدونكَ؟ نادني، فأنا خلقتُكَ |
عندما سَمَّيْتَني، وقتلتَني حين امتلكتَ الاسمَ |
كيف قتلتَني؟ وأَنا غريبةُ كُلِّ هذا الليل، أَدْخِلْني |
إلى غابات شهوتك، احتضنِّي واعْتَصِرْني، |
واسفُك العَسَلَ الزفافيَّ النقيَّ على قفير النحل . |
بعثرني بما ملكتْ يداك من الرياح ولُمَّني . |
فالليل يُسْلِمُ روحَهُ لك يا غريبُ، ولن تراني نجمةٌ |
إلاّ وتعرف أَنَّ عائلتي ستقتلني بماء اللازوردِ، |
فهاتِني ليكونَ لي وأَنا أُحطِّمُ جَرَّتي بيديَّ |
حاضِريَ السعيدُ |
هل قُلْتَ لي شيئاً يُغَيِّر لي سبيلي؟ |
لم أَقُلْ . كانت حياتي خارجي |
أَنا مَنْ يُحَدِّثُ نفسَهُ: |
وَقَعَتْ مُعَلَّقتي الأَخيرةُ عن نخيلي |
وأَنا المُسَافِرُ داخلي |
وأَنا المُحَاصَرُ بالثنائياتِ، |
لكنَّ الحياة جديرَةٌ بغموضها |
وبطائرِ الدوريِّ |
لم أُولَدْ لأَعرفَ أَنني سأموتُ، بل لأُحبَّ محتوياتِ ظلِّ |
اللهِ |
يأخُذُني الجمالُ إلى الجميلِ |
وأُحبُّ حُبَّك، هكذا متحرراً من ذاتِهِ وصفاتِهِ |
وأِنا بديلي |
أَنا من يُحَدِّثُ نَفْسَهُ: |
مِنْ أَصغر الأشياءِ تُولَدُ أكبرُ الأفكار |
والإيقاعُ لا يأتي من الكلمات، |
بل مِنْ وحدة الجَسَدَيْنِ |
في ليلٍ طويلٍ |
أَنا مَنْ يحدِّثُ نَفْسَهُ |
ويروِّضُ الذكرى أَأَنتِ أَنا؟ |
وثالثُنا يرفرف بيننا لا تَنْسَيَاني دائماً |
يا مَوْتَنا! خُذْنَا إليكَ على طريقتنا، فقد نتعلَّمُ الإشراق |
لا شَمْسٌ ولا قَمَرٌ عليَّ |
تركتُ ظلِّي عالقاً بغصون عَوْسَجَةٍ |
فخفَّ بِيَ المكانُ |
وطار بي روحي الشَّرُودُ |
أَنا مَنْ يحدِّثُ نفسَهُ: |
يا بنتُ: ما فَعَلَتْ بكِ الأشواقُ؟ |
إن الريح تصقُلُنا وتحملنا كرائحة الخريفِ، |
نضجتِ يا امرأتي على عُكَّازَتيَّ، |
بوسعك الآن الذهابُ على طريق دمشق |
واثقةً من الرؤيا . مَلاَكٌ حارسٌ |
وحمامتان ترفرفان على بقيَّة عمرنا، والأرضُ عيدُ |
الأرضُ عيدُ الخاسرين ونحن منهُمْ |
نحن من أَثَرِ النشيد الملحميِّ على المكان، كريشةِ النَّسْرِ |
العجوز خيامُنا في الريح . كُنَّا طيِّبين وزاهدين بلا تعاليم |
المسيح . ولم نكُنْ أَقوى من الأعشابِ إلاّ في ختام |
الصَيْفِ، |
أَنتِ حقيقتي، وأَنا سؤالُكِ |
لم نَرِثْ شيئاً سوى اسْميْنَا |
وأَنتِ حديقتي، وأَنا ظلالُكِ |
عند مفترق النشيد الملحميِّ |
ولم نشارك في تدابير الإلهات اللواتي كُنَّ يبدأن النشيد |
بسحرهنَّ وكيدهنَّ . وكُنَّ يَحْمِلْنَ المكانَ على قُرُون |
الوعل من زَمَنِ المكان إلى زمان آخرٍ |
كنا طبيعيِّين لو كانت نجومُ سمائنا أَعلى قليلاً من |
حجارة بئرنا، والأَنبياءُ أَقلَّ إلحاحاً، فلم يسمع مدائحَنا |
الجُنُودُ |
خضراءُ، أرضُ قصيدتي خضراءُ |
يحملُها الغنائيّون من زَمَنٍ إلى زَمَنٍ كما هِيَ في |
خُصُوبتها . |
ولي منها: تأمُّلُ نَرْجسٍ في ماء صُورَتِهِ |
ولي منها وُضُوحُ الظلِّ في المترادفات |
ودقَّةُ المعنى |
ولي منها: التَّشَابُهُ في كلام الأَنبياءِ |
على سُطُوح الليلِ |
لي منها: حمارُ الحكمةِ المنسيُّ فوق التلِّ |
يسخَرُ من خُرافتها وواقعها |
ولي منها: احتقانُ الرمز بالأضدادِ |
لا التجسيدُ يُرجِعُها من الذكرى |
ولا التجريدُ يرفَعُها إلى الإشراقة الكبرى |
ولي منها: أَنا الأُخرى |
تُدَوِّنُ في مُفَكِّرَة الغنائيِّين يوميَّاتها: |
إن كان هذا الحُلْمُ لا يكفي |
فلي سَهَرٌ بطوليٌّ على بوابة المنفى |
ولي منها: صَدَى لُغتي على الجدران |
يكشِطُ مِلْحَهَا البحريَّ |
حين يخونني قَلْبٌ لَدُودُ |
أَعلى من الأَغوار كانت حكمتي |
إذ قلتُ للشيطان: لا . لا تَمْتَحِنِّي! |
لا تَضَعْني في الثُّنَائيّات، واتركني |
كما أَنا زاهداً برواية العهد القديم |
وصاعداً نحو السماء، هُنَاكَ مملكتي |
خُذِ التاريخَ، يا ابنَ أَبي، خُذِ |
التاريخَ واصنَعْ بالغرائز ما تريدُ |
وَلِيَ السكينةُ . حَبَّةُ القمح الصغيرةُ |
سوف تكفينا، أَنا وأَخي العَدُوّ، |
فساعتي لم تَأْتِ بَعْدُ . ولم يَحِنْ |
وقتُ الحصاد . عليَّ أَن أَلِجَ الغيابَ |
وأَن أُصدِّقَ أوَّلاً قلبي وأتبعَهُ إلى |
قانا الجليل . وساعتي لم تأتِ بَعْدُ . |
لَعَلَّ شيئاً فيَّ ينبُذُني . لعلِّي واحدٌ |
غيري . فلم تنضج كُرومُ التين حول |
ملابس الفتيات بَعْدُ . ولم تَلِدْني |
ريشةُ العنقاء . لا أَحَدٌ هنالك |
في انتظاري . جئْتُ قبل، وجئتُ |
بعد، فلم أَجد أحداً يُصَدِّق ما |
أرى . أنا مَنْ رأى . وأَنا البعيدُ |
أَنا البعيدُ |
مَنْ أَنتَ، يا أَنا؟ في الطريقِ |
اثنانِ نَحْنُ، وفي القيامة واحدٌ . |
خُذْني إلى ضوء التلاشي كي أَرى |
صَيْرُورتي في صُورَتي الأُخرى . فَمَنْ |
سأكون بعدَكَ، يا أَنا؟ جَسَدي |
ورائي أم أَمامَكَ؟ مَنْ أَنا يا |
أَنت؟ كَوِّنِّي كما كَوَّنْتُكَ، ادْهَنِّي |
بزيت اللوز، كَلِّلني بتاج الأرز . |
واحملني من الوادي إلى أَبديّةٍ |
بيضاءَ . عَلِّمني الحياةَ على طريقتِكَ، |
اختَبِرْني ذَرَّةً في العالم العُلْوِيِّ . |
ساعِدْني على ضَجَر الخلود، وكُنْ |
رحيماً حين تجرحني وتبزغ من |
شراييني الورودُ |
لم تأت ساعتُنا . فلا رُسُلٌ يَقِيسُونَ |
الزمانَ بقبضة العشب الأخير . هل استدار؟ ولا ملائكةٌ |
يزورون المكانَ ليتركَ الشعراءُ ماضِيَهُمْ على الشَّفَق |
الجميل، ويفتحوا غَدَهُمْ بأيديهمْ . |
فغنِّي يا إلهتيَ الأثيرةَ، ياعناةُ، |
قصيدتي الأُولى عن التكوين ثانيةً |
فقد يجدُ الرُّوَاةُ شهادةَ الميلاد |
للصفصاف في حَجَرٍ خريفيّ . وقد يجدُ |
الرعاةُ البئرَ في أَعماق أُغنية . وقد |
تأتي الحياةُ فجاءةً للعازفين عن |
المعاني من جناح فراشةٍ عَلِقَتْ |
بقافيةٍ، فغنِّي يا إلهتيَ الأَثيرةَ |
يا عناةُ، أَنا الطريدةُ والسهامُ، |
أَنا الكلامُ . أَنا المؤبِّنُ والمؤذِّنُ |
والشهيدُ |
ما قلتُ للطَّلَلِ: الوداع . فلم أَكُنْ |
ما كُنْتُ إلاّ مَرَّةً . ما كُنْتُ إلاّ |
مرَّةً تكفي لأَعرف كيف ينكسرُ الزمانُ |
كخيمة البدويِّ في ريح الشمال، |
وكيف يَنْفَطِرُ المكانُ ويرتدي الماضي |
نُثَارَ المعبد المهجور . يُشبهُني كثيراً |
كُلُّ ما حولي، ولم أُشْبِهْ هنا |
شيئاً . كأنَّ الأرض ضَيِّقَةٌ على |
المرضى الغنائيِّين، أَحفادِ الشياطين |
المساكين المجانين الذين إذا رأوا |
حُلْماً جميلاً لَقَّنُوا الببغاءَ شِعْر |
الحب، وانفتَحتْ أَمامَهُمُ الحُدُودُ |
وأُريدُ أُن أُحيا |
فلي عَمَلٌ على ظهر السفينة . لا |
لأُنقذ طائراً من جوعنا أَو من |
دُوَارِ البحر، بل لأُشاهِدَ الطُوفانَ |
عن كَثَبٍ: وماذا بعد؟ ماذا |
يفعَلُ الناجونَ بالأرض العتيقة؟ |
هل يُعيدونَ الحكايةَ؟ ما البدايةُ؟ |
ما النهايةُ؟ لم يعد أَحَدٌ من |
الموتى ليخبرنا الحقيقة |
أَيُّها الموتُ انتظرني خارج الأرض، |
انتظرني في بلادِكَ، ريثما أُنهي |
حديثاً عابراً مَعَ ما تبقَّى من حياتي |
قرب خيمتكَ، انتظِرْني ريثما أُنهي |
قراءةَ طَرْفَةَ بنِ العَبْد . يُغْريني |
الوجوديّون باستنزاف كُلِّ هُنَيْهَةٍ |
حريةً، وعدالةً، ونبيذَ آلهةٍ |
فيا مَوْتُ! انتظرني ريثما أُنهي |
تدابيرَ الجنازة في الربيع الهَشّ، |
حيث وُلدتُ، حيث سأمنع الخطباء |
من تكرار ما قالوا عن البلد الحزين |
وعن صُمُود التينِ والزيتونِ في وجه |
الزمان وجيشِهِ . سأقول: صُبُّوني |
بحرف النون، حيث تَعُبُّ روحي |
سورةُ الرحمن في القرآن . وامشوا |
صامتين معي على خطوات أَجدادي |
ووقع الناي في أَزلي . ولا |
تَضَعُوا على قبري البنفسجَ، فَهْوَ |
زَهْرُ المُحْبَطين يُذَكِّرُ الموتى بموت |
الحُبِّ قبل أَوانِهِ . وَضَعُوا على |
التابوتِ سَبْعَ سنابلٍ خضراءَ إنْ |
وُجِدَتْ، وبَعْضَ شقائقِ النُعْمانِ إنْ |
وُجِدَتْ . وإلاّ، فاتركوا وَرْدَ |
الكنائس للكنائس والعرائس |
أَيُّها الموت انتظر! حتى أُعِدَّ |
حقيبتي: فرشاةَ أسناني، وصابوني |
وماكنة الحلاقةِ، والكولونيا، والثيابَ . |
هل المناخُ هُنَاكَ مُعْتَدِلٌ؟ وهل |
تتبدَّلُ الأحوالُ في الأبدية البيضاء، |
أم تبقى كما هِي في الخريف وفي |
الشتاء؟ وهل كتابٌ واحدٌ يكفي |
لِتَسْلِيَتي مع اللاَّ وقتِ، أمْ أَحتاجُ |
مكتبةً؟ وما لُغَةُ الحديث هناك، |
دارجةٌ لكُلِّ الناس أَم عربيّةٌ |
فُصْحى |
.. ويا مَوْتُ انتظرْ، ياموتُ، |
حتى أستعيدَ صفاءَ ذِهْني في الربيع |
وصحّتي، لتكون صيَّاداً شريفاً لا |
يَصيدُ الظَّبْيَ قرب النبع . فلتكنِ العلاقةُ |
بيننا وُدّيَّةً وصريحةً: لَكَ أنَتَ |
مالَكَ من حياتي حين أَملأُها .. |
ولي منك التأمُّلُ في الكواكب: |
لم يَمُتْ أَحَدٌ تماماً، تلك أَرواحٌ |
تغيِّر شَكْلَها ومُقَامَها |
يا موت! ياظلِّي الذي |
سيقودُني، يا ثالثَ الاثنين، يا |
لَوْنَ التردُّد في الزُمُرُّد والزَّبَرْجَدِ، |
يا دَمَ الطاووس، يا قَنَّاصَ قلب |
الذئب، يا مَرَض الخيال! اجلسْ |
على الكرسيّ! ضَعْ أَدواتِ صيدكَ |
تحت نافذتي . وعلِّقْ فوق باب البيت |
سلسلةَ المفاتيح الثقيلةَ! لا تُحَدِّقْ |
يا قويُّ إلى شراييني لترصُدَ نُقْطَةَ |
الضعف الأَخيرةَ . أَنتَ أَقوى من |
نظام الطبّ . أَقوى من جهاز |
تَنَفُّسي . أَقوى من العَسَلِ القويّ، |
ولَسْتَ محتاجاً لتقتلني إلى مَرَضي . |
فكُنْ أَسْمَى من الحشرات . كُنْ مَنْ |
أَنتَ، شفَّافاً بريداً واضحاً للغيب . |
كن كالحُبِّ عاصفةً على شجر، ولا |
تجلس على العتبات كالشحَّاذ أو جابي |
الضرائبِ . لا تكن شُرطيّ سَيْرٍ في |
الشوارع . كن قويّاً، ناصعَ الفولاذ، واخلَعْ عنك أَقنعةَ |
الثعالب . كُنْ |
فروسياً، بهياً، كامل الضربات . قُلْ |
ماشئْتَ: من معنى إلى معنى |
أَجيءُ . هِيَ الحياةُ سُيُولَةٌ، وأَنا |
أكثِّفُها، أُعرِّفُها بسُلْطاني وميزاني .. |
ويامَوْتُ انتظرْ، واجلس على |
الكرسيّ . خُذْ كأسَ النبيذ، ولا |
تفاوِضْني، فمثلُكَ لا يُفاوِضُ أَيَّ |
إنسانٍ، ومثلي لا يعارضُ خادمَ |
الغيبِ . استرح فَلَرُبَّما أُنْهِكْتَ هذا |
اليوم من حرب النجوم . فمن أَنا |
لتزورني؟ أَلَدَيْكَ وَقْتٌ لاختبار |
قصيدتي . لا . ليس هذا الشأنُ |
شأنَكَ . أَنت مسؤولٌ عن الطينيِّ في |
البشريِّ، لا عن فِعْلِهِ أو قَوْلِهِ |
هَزَمَتْكَ يا موتُ الفنونُ جميعُها . |
هزمتك يا موتُ الأغاني في بلاد |
الرافدين . مِسَلَّةُ المصريّ، مقبرةُ الفراعنةِ، |
النقوشُ على حجارة معبدٍ هَزَمَتْكَ |
وانتصرتْ، وأِفْلَتَ من كمائنك |
الخُلُودُ |
فاصنع بنا، واصنع بنفسك ما تريدُ |
وأَنا أُريدُ، أريدُ أَن أَحيا |
فلي عَمَلٌ على جغرافيا البركان . |
من أَيام لوط إلى قيامة هيروشيما |
واليبابُ هو اليبابُ . كأنني أَحيا |
هنا أَبداً، وبي شَبَقٌ إلى ما لست |
أَعرف . قد يكون الآن أَبعَدَ . |
قد يكونُ الأمس أَقربَ . والغَدُ الماضي . |
ولكني أَشدُّ الآن من يَدِهِ ليعبُرَ |
قربيَ التاريخُ، لا الزَّمَنُ المُدَوَّرُ، |
مثل فوضى الماعز الجبليِّ . هل |
أنجو غداً من سرعة الوقت الإلكترونيّ، |
أَم أَنجو غداً من بُطْء قافلتي |
على الصحراء؟ لي عَمَلٌ لآخرتي |
كأني لن أَعيش غداً. ولي عَمَلٌ ليومٍ |
حاضرٍ أَبداً . لذا أُصغي، على مَهَلٍ |
على مَهَل، لصوت النمل في قلبي: |
أعينوني على جَلَدي . وأَسمع صَرْخَةَ |
الحَجَر الأسيرةَ: حَرِّروا جسدي . وأُبصرُ |
في الكمنجة هجرةَ الأشواق من بَلَدٍ |
تُرَابيّ إلى بَلَدٍ سماويّ . وأَقبضُ في |
يد الأُنثى على أَبَدِي الأليفِ: خُلِقتُ |
ثم عَشِقْتُ، ثم زهقت، ثم أَفقتُ |
في عُشْبٍ على قبري يدلُّ عليَّ من |
حينٍ إلى حينٍ . فما نَفْعُ الربيع |
السمح إن لم يُؤْنِس الموتى ويُكْمِلْ |
بعدهُمْ فَرَحَ الحياةِ ونَضْرةَ النسيان؟ |
تلك طريقةٌ في فكِّ لغز الشعرِ، |
شعري العاطفيّ على الأَقلِّ . وما |
المنامُ سوى طريقنا الوحيدة في الكلام |
وأَيُّها الموتُ التَبِسْ واجلسْ |
على بلَّوْرِ أَيامي، كأنَّكَ واحدٌ من |
أَصدقائي الدائمين، كأنَّكَ المنفيُّ بين |
الكائنات . ووحدك المنفيُّ . لا تحيا |
حياتَكَ . ما حياتُكَ غير موتي . لا |
تعيش ولا تموت . وتخطف الأطفالَ |
من عَطَشِ الحليب إلى الحليب . ولم |
تكن طفلاً تهزُّ له الحساسينُ السريرَ، |
ولم يداعِبْكَ الملائكةُ الصغارُ ولا |
قُرونُ الأيِّل الساهي، كما فَعَلَتْ لنا |
نحن الضيوفَ على الفراشة . وحدك |
المنفيُّ، يا مسكين، لا امرأةٌ تَضُمُّك |
بين نهديها، ولا امرأةٌ تقاسِمُك |
الحنين إلى اقتصاد الليل باللفظ الإباحيِّ |
المرادفِ لاختلاط الأرض فينا بالسماءِ . |
ولم تَلِدْ وَلَداً يجيئك ضارعاً: أَبتي، |
أُحبُّكَ . وحدك المنفيُّ، يا مَلِكَ |
الملوك، ولا مديحَ لصولجانكَ . لا |
صُقُورَ على حصانك . لا لآلئَ حول |
تاجك . أَيُّها العاري من الرايات |
والبُوق المُقَدَّسِ! كيف تمشي هكذا |
من دون حُرَّاسٍ وجَوْقَةِ منشدين، |
كَمِشْيَة اللصِّ الجبان . وأَنتَ مَنْ |
أَنتَ، المُعَظَّمُ، عاهلُ الموتى، القويُّ، |
وقائدُ الجيش الأَشوريِّ العنيدُ |
فاصنع بنا، واصنع بنفسك ما تريدُ |
وأَنا أُريدُ، أُريد أَن أَحيا، وأَن |
أَنساك . أَن أَنسى علاقتنا الطويلة |
لا لشيءٍ، بل لأَقرأ ما تُدَوِّنُهُ |
السماواتُ البعيدةُ من رسائلَ . كُلَّما |
أَعددتُ نفسي لا نتظار قدومِكَ |
ازددتَ ابتعاداً . كلما قلتُ: ابتعدْ |
عني لأُكمل دَوْرَةَ الجَسَدَيْنِ، في جَسَدٍ |
يفيضُ، ظهرتَ ما بيني وبيني |
ساخراً: لا تَنْسَ مَوْعِدَنا |
متى؟ في ذِرْوَة النسيان |
حين تُصَدِّقُ الدنيا وتعبُدُ خاشعاً |
خَشَبَ الهياكل والرسومَ على جدار الكهف، |
حيث تقول: آثاري أَنا وأَنا ابنُ نفسي . أَين موعدُنا؟ |
أَتأذن لي بأن أَختار مقهىً عند |
باب البحر؟ لا . لا تَقْتَرِبْ |
يا ابنَ الخطيئةِ، يا ابن آدمَ من |
حدود الله! لم تُولَدْ لتسأل، بل |
لتعمل . كُن صديقاً طَيِّباً يا |
موت! كُنْ معنىً ثقافياً لأُدرك |
كُنْهَ حكمتِكَ الخبيئةِ! رُبَّما أَسْرَعْتَ |
في تعليم قابيلَ الرمايةَ . رُبَّما |
أَبطأتَ في تدريب أَيُّوبٍ على |
الصبر الطويل . وربما أَسْرَجْتَ لي |
فَرَسا ً لتقتُلَني على فَرَسي . كأني |
عندما أَتذكَّرُ النسيانَ تُنقِذُ حاضري |
لُغَتي . كأني حاضرٌ أَبداً . كأني |
طائر أَبداً . كأني مُذْ عرفتُكَ |
أَدمنتْ لُغَتي هَشَاشَتَها على عرباتك |
البيضاءِ، أَعلى من غيوم النوم، |
أَعلى عندما يتحرَّرُ الإحساس من عبء |
العناصر كُلّها . فأنا وأَنتَ على طريق |
الله صوفيَّانِ محكومان بالرؤيا ولا يَرَيَان |
عُدْ يا مَوْتُ وحدَكَ سالماً، |
فأنا طليق ههنا في لا هنا |
أو لا هناك . وَعُدْ إلى منفاك |
وحدك . عُدْ إلى أدوات صيدك، |
وانتظرني عند باب البحر . هَيِّئ لي |
نبيذاً أَحمراً للاحتفال بعودتي لِعِيادَةِ |
الأرضِ المريضة . لا تكن فظّا ً غليظ |
القلب! لن آتي لأَسخر منك، أَو |
أَمشي على ماء البُحَيْرَة في شمال |
الروح . لكنِّي وقد أَغويتَني أَهملتُ |
خاتمةَ القصيدةِ: لم أَزفَّ إلى أَبي |
أُمِّي على فَرَسي . تركتُ الباب مفتوحاً |
لأندلُسِ الغنائيِّين، واخترتُ الوقوفَ |
على سياج اللوز والرُمَّان، أَنفُضُ |
عن عباءة جدِّيَ العالي خُيُوطَ |
العنكبوت . وكان جَيْشٌ أَجنبيٌّ يعبر |
الطُرُقَ القديمةَ ذاتها، ويَقِيسُ أَبعادَ |
الزمان بآلة الحرب القديمة ذاتها |
يا موت، هل هذا هو التاريخُ، |
صِنْوُكَ أَو عَدُوُّك، صاعداً ما بين |
هاويتين؟ قد تبني الحمامة عُشَّها |
وتبيضُ في خُوَذ الحديد . وربما ينمو |
نباتُ الشِّيحِ في عَجَلاتِ مَرْكَبَةٍ مُحَطَّمةٍ . |
فماذا يفعل التاريخُ، صنوُكَ أو عَدُوُّكَ، |
بالطبيعة عندما تتزوَّجُ الأرضَ السماءُ |
وتذرفُ المَطَرَ المُقَدَّسَ؟ |
أَيها الموت، انتظرني عند باب |
البحر في مقهى الرومانسيِّين . لم |
أَرجِعْ وقد طاشَتْ سهامُكَ مَرَّةً |
إلاّ لأُودِعَ داخلي في خارجي، |
وأُوزِّعَ القمح الذي امتلأتْ به رُوحي |
على الشحرور حطَّ على يديَّ وكاهلي، |
وأُودِّعَ الأرضَ التي تمتصُّني ملحاً، وتنثرني |
حشيشاً للحصان وللغزالة . فانتظرني |
ريثما أُنهي زيارتي القصيرة للمكان وللزمان، |
ولا تُصَدِّقْني أَعودُ ولا أَعودُ |
وأَقول: شكراً للحياة! |
ولم أكن حَيّاً ولا مَيْتاً |
ووحدك، كنتَ وحدك، يا وحيدُ! |
تقولُ مُمَرِّضتي: كُنْتَ تهذي |
كثيراً، وتصرخُ: يا قلبُ! |
يا قَلْبُ! خُذْني |
إلى دَوْرَة الماءِ |
ما قيمةُ الروح إن كان جسمي |
مريضاً، ولا يستطيعُ القيامَ |
بواجبه الأوليِّ؟ |
فيا قلبُ، يا قلبُ أَرجعْ خُطَايَ |
إليَّ، لأَمشي إلى دورة الماء |
وحدي! |
نسيتُ ذراعيَّ، ساقيَّ، والركبتين |
وتُفَّاحةَ الجاذبيَّةْ |
نسيتُ وظيفةَ قلبي |
وبستانَ حوَّاءَ في أَوَّل الأبديَّةْ |
نسيتُ وظيفةَ عضوي الصغير |
نسيتُ التنفُّسَ من رئتيّ . |
نسيتُ الكلام |
أَخاف على لغتي |
فاتركوا كُلَّّ شيء على حالِهِ |
وأَعيدوا الحياة إلى لُغَتي!.. |
تقول مُمَرِّضتي: كُنْتَ تهذي |
كثيراً، وتصرخ بي قائلا ً: |
لا أُريدُ الرجوعَ إلى أَحَدِ |
لا أُريدُ الرجوعَ إلى بلدِ |
بعد هذا الغياب ألطويل |
أُريدُ الرجوعَ فَقَطْ |
إلى لغتي في أقاصي الهديل |
تقولُ مُمَرِّضتي: |
كُنْتَ تهذي طويلا ً، وتسألني: |
هل الموتُ ما تفعلين بي الآنَ |
أَم هُوَ مَوْتُ اللُغَةْ؟ |
خضراءُ، أَرضُ قصيدتي خضراءُ، عاليةٌ |
على مَهَلٍ أُدوِّنُها، على مَهَلٍ، على |
وزن النوارس في كتاب الماءِ . أَكتُبُها |
وأُورِثُها لمنْ يتساءلون: لمنْ نُغَنِّي |
حين تنتشرُ المُلُوحَةُ في الندى؟ |
خضراءُ، أكتُبُها على نَثْرِ السنابل في |
كتاب الحقلِ، قَوَّسَها امتلاءٌ شاحبٌ |
فيها وفيَّ . وكُلَّما صادَقْتُ أَو |
آخَيْتُ سُنْبُلةً تَعَلَّمْتُ البقاءَ من |
الفَنَاء وضدَّه: أَنا حَبَّةُ القمح |
التي ماتت لكي تَخْضَرَّ ثانيةً . وفي |
موتي حياةٌ ما |
كأني لا كأنّي |
لم يمت أَحَدٌ هناك نيابةً عني . |
فماذا يحفظُ الموتى من الكلمات غيرَ |
الشُّكْرِ: إنَّ الله يرحَمُنا |
ويُؤْنِسُني تذكُّرُ ما نَسِيتُ مِنَ |
البلاغة: لم أَلِدْ وَلَدا ً ليحمل مَوْتَ |
والِدِهِ |
وآثَرْتُ الزواجَ الحُرَّ بين المُفْرَدات . |
سَتَعْثُرُ الأُنثى على الذَّّكَر المُلائِمِ |
في جُنُوح الشعر نحو النثر . |
سوف تشُّبُّ أَعضائي على جُمَّيزَةٍ، |
ويصُبُّ قلبي ماءَهُ الأَرضيَّ في |
أَحَدِ الكواكب مَنْ أَنا في الموت |
بعدي؟ مَنْ أَنا في الموت قبلي |
قال طيفٌ هامشيٌّ: كان أوزيريسُ |
مثْلَكَ، كان مثلي . وابنُ مَرْيَمَ |
كان مثلَكَ، كان مثلي . بَيْدَ أَنَّ |
الجُرْحَ في الوقت المناسب يُوجِعُ |
العَدَمَ المريضَ، ويَرْفَعُ الموتَ المؤقَّّتَ |
فكرةً . |
من أَين تأتي الشاعريَّةُ؟ من |
ذكاء القلب، أَمْ من فِطْرة الإحساس |
بالمجهول؟ أَمْ من وردةٍ حمراءَ |
في الصحراء؟ لا الشخصيُّ شخصيُّ |
ولا الكونيُّ كونيٌّ |
كأني لا كأني |
كلما أَصغيتُ للقلب امتلأتُ |
بما يقول الغَيْبُ، وارتفعتْ بِيَ |
الأشجارُ . من حُلْم إلى حُلْمٍ |
أَطيرُ وليس لي هَدَفٌ أَخيرٌ . |
كُنْتُ أُولَدُ منذ آلاف السنين |
الشاعريَّةِ في ظلامٍ أَبيض الكتّان |
لم أَعرف تماماً مَنْ أَنا فينا ومن |
حُلْمي . أَنا حُلْمي |
كأني لا كأني |
لم تَكُنْ لُغَتي تُودِّعُ نَبْرها الرعويَّ |
إلاّ في الرحيل إلى الشمال . كلابُنا |
هَدَأَتْ . وماعِزُنا توشَّح بالضباب على |
التلال . وشجَّ سَهْمٌ طائش وَجْهَ |
اليقين . تعبتُ من لغتي تقول ولا |
تقولُ على ظهور الخيل ماذا يصنعُ |
الماضي بأيَّامِ امرئ القيس المُوَزَّعِ |
بين قافيةٍ وقَيْصَرَ |
كُلَّما يَمَّمْتُ وجهي شَطْرَ آلهتي، |
هنالك، في بلاد الأرجوان أَضاءني |
قَمَرٌ تُطَوِّقُهُ عناةُ، عناةُ سيِّدَةُ |
الكِنايةِ في الحكايةِ . لم تكن تبكي على |
أَحَدِ، ولكنْ من مَفَاتِنِها بَكَتْ: |
هَلْ كُلُّ هذا السحرِ لي وحدي |
أَما من شاعرٍ عندي |
يُقَاسِمُني فَرَاغَ التَخْتِ في مجدي؟ |
ويقطفُ من سياج أُنوثتي |
ما فاض من وردي؟ |
أَما من شاعر يُغْوي |
حليبَ الليل في نهدي؟ |
أَنا الأولى |
أَنا الأخرى |
وحدِّي زاد عن حدِّي |
وبعدي تركُضُ الغِزلانُ في الكلمات |
لا قبلي ولا بعدي |
سأحلُمُ، لا لأُصْلِحَ مركباتِ الريحِ |
أَو عَطَباً أَصابَ الروحَ |
فالأسطورةُ اتَّخَذَتْ مكانَتَها المكيدةَ |
في سياق الواقعيّ . وليس في وُسْعِ القصيدة |
أَن تُغَيِّرَ ماضياً يمضي ولا يمضي |
ولا أَنْ تُوقِفَ الزلزالَ |
لكني سأحلُمُ، |
رُبَّما اتسَعَتْ بلادٌ لي، كما أَنا |
واحداً من أَهل هذا البحر، |
كفَّ عن السؤال الصعب: مَنْ أَنا؟ |
هاهنا؟ أَأَنا ابنُ أُمي؟ |
لا تساوِرُني الشكوكُ ولا يحاصرني |
الرعاةُ أو الملوكُ . وحاضري كغدي معي . |
ومعي مُفَكِّرتي الصغيرةُ: كُلَّما حَكَّ |
السحابةَ طائرٌ دَوَّنتُ: فَكَّ الحُلْمُ |
أَجنحتي . أنا أَيضاً أطيرُ . فَكُلُّ |
حيّ طائرٌ . وأَنا أَنا، لا شيءَ |
آخَرَ |
واحدٌ من أَهل هذا السهل |
في عيد الشعير أَزورُ أطلالي |
البهيَّة مثل وَشْم في الهُوِيَّةِ . |
لا تبدِّدُها الرياحُ ولا تُؤبِّدُها |
وفي عيد الكروم أَعُبُّ كأساً |
من نبيذ الباعة المتجوِّلينَ خفيفةٌ |
روحي، وجسمي مُثْقَلٌ بالذكريات وبالمكان |
وفي الربيع، أكونُ خاطرةً لسائحةٍ |
ستكتُبُ في بطاقات البريد: على |
يسار المسرح المهجور سَوْسَنَةٌ وشَخْصٌ |
غامضٌ . وعلى اليمين مدينةٌ عصريَّةٌ |
وأَنا أَنا، لا شيء آخَرَ |
لَسْتُ من أَتباع روما الساهرينَ |
على دروب الملحِ . لكنِّي أسَدِّدُ نِسْبَةً |
مئويَّةً من ملح خبزي مُرْغَماً، وأَقول |
للتاريخ: زَيِّنْ شاحناتِكَ بالعبيد وبالملوك الصاغرينَ، ومُرَّ |
لا أَحَدٌ يقول |
الآن: لا . |
وأَنا أَنا، لا شيء آخر |
واحدٌ من أَهل هذا الليل . أَحلُمُ |
بالصعود على حصاني فَوْقَ، فَوْقَ |
لأَتبع اليُنْبُوعَ خلف التلِّ |
فاصمُدْ يا حصاني . لم نَعُدْ في الريح مُخْتَلِفَيْنِ |
أَنتَ فُتُوَّتي وأَنا خيالُكَ . فانتصِبْ |
أَلِفاً، وصُكَّ البرقَ . حُكَّ بحافر |
الشهوات أَوعيةَ الصَدَى . واصعَدْ، |
تَجَدَّدْ، وانتصبْ أَلفاً، توتَّرْ يا |
حصاني وانتصبْ ألفا ً، ولا تسقُطْ |
عن السفح الأَخير كرايةٍ مهجورةٍ في |
الأَبجديَّة . لم نَعُدْ في الريح مُخْتَلِفَيْنِ، |
أَنت تَعِلَّتي وأَنا مجازُكَ خارج الركب |
المُرَوَّضِ كالمصائرِ . فاندفِعْ واحفُرْ زماني |
في مكاني يا حصاني . فالمكانُ هُوَ |
الطريق، ولا طريقَ على الطريق سواكَ |
تنتعلُ الرياحَ . أَُضئْ نُجوماً في السراب! |
أَضئْ غيوماً في الغياب، وكُنْ أَخي |
ودليلَ برقي يا حصاني . لا تَمُتْ |
قبلي ولا بعدي عَلى السفح الأخير |
ولا معي . حَدِّقْ إلى سيَّارة الإسعافِ |
والموتى لعلِّي لم أَزل حيّاً |
سأَحلُمُ، لا لأُصْلِحَ أَيَّ معنىً خارجي . |
بل كي أُرمِّمَ داخلي المهجورَ من أَثر |
الجفاف العاطفيِّ . حفظتُ قلبي كُلَّهُ |
عن ظهر قلبٍ: لم يَعُدْ مُتَطفِّلاً |
ومُدَلّلاً . تَكْفيهِ حَبَّةُ أَسبرين لكي |
يلينَ ويستكينَ . كأنَّهُ جاري الغريبُ |
ولستُ طَوْعَ هوائِهِ ونسائِهِ . فالقلب |
يَصْدَأُ كالحديدِ، فلا يئنُّ ولا يَحِنُّ |
ولا يُجَنُّ بأوَّل المطر الإباحيِّ الحنينِ، |
ولا يرنُّ ّكعشب آبَ من الجفافِ . |
كأنَّ قلبي زاهدٌ، أَو زائدٌ |
عني كحرف الكاف في التشبيهِ |
حين يجفُّ ماءُ القلب تزدادُ الجمالياتُ |
تجريداً، وتدَّثرُ العواطف بالمعاطفِ، |
والبكارةُ بالمهارة |
كُلَّما يَمَّمْتُ وجهي شَطْرَ أُولى |
الأغنيات رأيتُ آثارَ القطاة على |
الكلام . ولم أَكن ولداً سعيداً |
كي أَقولَ: الأمس أَجملُ دائماً . |
لكنَّ للذكرى يَدَيْنِ خفيفتين تُهَيِّجانِ |
الأرضَ بالحُمَّى . وللذكرى روائحُ زهرةٍ |
ليليَّةٍ تبكي وتُوقظُ في دَمِ المنفيِّ |
حاجتَهُ إلى الإنشاد: كُوني |
مُرْتَقى شَجَني أَجدْ زمني ولستُ |
بحاجةٍ إلاّ لِخَفْقَةِ نَوْرَسِ لأتابعَ |
السُفُنَ القديمةَ . كم من الوقت |
انقضى منذ اكتشفنا التوأمين: الوقتَ |
والموتَ الطبيعيَّ المُرَادِفَ للحياة؟ |
ولم نزل نحيا كأنَّ الموتَ يُخطئنا، |
فنحن القادرين على التذكُّر قادرون |
على التحرُّر، سائرون على خُطى |
جلجامشَ الخضراءِ من زَمَنٍ إلى زَمَنٍ |
هباءٌ كاملُ التكوينِ |
يكسرُني الغيابُ كجرَّةِ الماءِ الصغيرة . |
نام أَنكيدو ولم ينهض . جناحي نام |
مُلْتَفّاً بحَفْنَةِ ريشِهِ الطينيِّ . آلهتي |
جمادُ الريح في أَرض الخيال . ذِراعِيَ |
اليُمْنى عصا خشبيَّةٌ . والقَلْبُ مهجورٌ |
كبئرٍ جفَّ فيها الماءُ، فاتَّسَعَ الصدى |
الوحشيُّ: أنكيدو! خيالي لم يَعُدْ |
يكفي لأُكملَ رحلتي . لا بُدَّ لي من |
قُوَّةٍ ليكون حُلْمي واقعيّاً . هاتِ |
أَسْلِحتي أُلَمِّعْها بمِلح الدمعِ . هاتِ |
الدمعَ، أنكيدو، ليبكي المَيْتُ فينا |
الحيَّ . ما أنا؟ مَنْ ينامُ الآن |
أنكيدو؟ أَنا أَم أَنت؟ آلهتي |
كقبض الريحِ . فانهَضْ بي بكامل |
طيشك البشريِّ، واحلُمْ بالمساواةِ |
القليلةِ بين آلهة السماء وبيننا . نحن |
الذين نُعَمِّرُ الأرضَ الجميلةَ بين |
دجلةَ والفراتِ ونحفَظُ الأسماءَ . كيف |
مَلَلْتَني، يا صاحبي، وخَذَلْتَني، ما نفْعُ حكمتنا بدون |
فُتُوّةٍ ما نفعُ حكمتنا؟ على باب المتاهِ خذلتني، |
يا صاحبي، فقتلتَني، وعليَّ وحدي |
أَن أرى، وحدي، مصائرنا . ووحدي |
أَحملُ الدنيا على كتفيَّ ثوراً هائجاً . |
وحدي أَفتِّشُ شاردَ الخطوات عن |
أَبديتي . لا بُدَّ لي من حَلِّ هذا |
اللُغْزِ، أنكيدو، سأحملُ عنكَ |
عُمْرَكَ ما استطعتُ وما استطاعت |
قُوَّتي وإرادتي أَن تحملاكَ . فمن |
أَنا وحدي؟ هَبَاءٌ كاملُ التكوينِ |
من حولي . ولكني سأُسْنِدُ ظلَّّك |
العاري على شجر النخيل . فأين ظلُّكَ؟ |
أَين ظلُّك بعدما انكسرَتْ جُذُوعُك؟ |
قمَّةُ |
الإنسان |
هاويةٌ |
ظلمتُكَ حينما قاومتُ فيكَ الوَحْشَ، |
بامرأةٍ سَقَتْكَ حليبَها، فأنِسْتَ |
واستسلمتَ للبشريِّ . أَنكيدو، ترفَّقْ |
بي وعُدْ من حيث مُتَّ، لعلَّنا |
نجدُ الجوابَ، فمن أَنا وحدي؟ |
حياةُ الفرد ناقصةٌ، وينقُصُني |
السؤالُ، فمن سأسألُ عن عبور |
النهر؟ فانهَضْ يا شقيقَ الملح |
واحملني . وأَنتَ تنامُ هل تدري |
بأنك نائمٌ؟ فانهض .. كفى نوما ً! |
تحرَّكْ قبل أَن يتكاثَرَ الحكماءُ حولي |
كالثعالب: كُلُّ شيء باطلٌ، فاغنَمْ |
حياتَكَ مثلما هِيَ برهةً حُبْلَى بسائلها، |
دَمِ العُشْب المُقَطَّرِ . عِشْ ليومك لا |
لحلمك . كلُّ شيء زائلٌ . فاحذَرْ |
غداً وعشِ الحياةَ الآن في امرأةٍ |
تحبُّكَ . عِشْ لجسمِكَ لا لِوَهْمِكَ . |
وانتظرْ |
ولداً سيحمل عنك رُوحَكَ |
فالخلودُ هُوَ التَّنَاسُلُ في الوجود . |
وكُلُّ شيءٍ باطلٌ أو زائل، أو |
زائل أو باطلٌ |
مَنْ أَنا؟ |
أَنشيدُ الأناشيد |
أم حِكْمَةُ الجامعةْ؟ |
وكلانا أَنا |
وأَنا شَاعرٌ |
ومَلِكْ |
وحكيمٌ على حافّة البئرِ |
لا غيمةٌ في يدي |
ولا أَحَدَ عَشَرَ كوكباً |
على معبدي |
ضاق بي جَسَدي |
ضاق بي أَبدي |
وغدي |
جالسٌ مثل تاج الغبار |
على مقعدي |
باطلٌ، باطلُ الأباطيل باطلْ |
كُلُّ شيء على البسيطة زائلْ |
أَلرياحُ شماليَّةٌ |
والرياحُ جنوبيَّةٌ |
تُشْرِقُ الشمسُ من ذاتها |
تَغْرُبُ الشمسُ في ذاتها |
لا جديدَ، إذاً |
والزَمَنْ |
كان أَمسِ، |
سُدىً في سُدَى . |
ألهياكلُ عاليةٌ |
والسنابلُ عاليةٌ |
والسماءُ إذا انخفضت مَطَرتْ |
والبلادُ إذا ارتفعت أَقفرت |
كُلُّ شيء إذا زاد عن حَدِّهِ |
صار يوماً إلى ضدِّهِ . |
والحياةُ على الأرض ظلٌّ |
لما لا نرى . |
باطلٌ، باطلُ الأباطيل باطلْ |
كلُّ شيء على البسيطة زائلْ |
مركبة |
وفرس |
تحمل اسمي المُذَهَّبَ من |
زَمَنٍ نحو آخر |
عشتُ كما لم يَعِشْ شاعرٌ |
مَلكاً وحكيماً |
هَرِمْتُ، سَئِمْتُ من المجدِ |
لا شيءَ ينقصني |
أَلهذا إذاً |
كلما ازداد علمي |
تعاظَمَ هَمِّي؟ |
فما أُورشليمُ وما العَرْشُ؟ |
لا شيءَ يبقى على حالِه |
للولادة وَقْتٌ |
وللموت وقتٌ |
وللصمت وَقْتٌ |
وللنُّطق وقْتٌ |
وللحرب وقْتٌ |
وللصُّلحِ وقْتٌ |
وللوقتِ وقْتٌ |
ولا شيءَ يبقى على حالِهِ |
كُلُّ نَهْرٍ سيشربُهُ البحرُ |
والبحرُ ليس بملآنَ، |
لاشيءَ يبقى على حالِهِ |
كُلُّ حيّ يسيرُ إلى الموت |
والموتُ ليس بملآنَ، |
لا شيءَ يبقى سوى اسمي المُذَهَّبِ |
بعدي: |
سُلَيمانُ كانَ |
فماذا سيفعل موتى بأسمائهم |
هل يُضيءُ الذَّهَبْ |
ظلمتي الشاسعةْ |
أَم نشيدُ الأناشيد |
والجامعةْ؟ |
باطلٌ، باطلُ الأباطيل باطلْ |
كُلُّ شيء على البسيطة زائلْ |
مثلما سار المسيحُ على البُحَيْرَةِ، |
سرتُ في رؤيايَ . لكنِّي نزلتُ عن |
الصليب لأَنني أَخشى العُلُوَّ،ولا |
أُبَشِّرُ بالقيامةِ . لم أُغيِّرْ غَيْرَ |
إيقاعي لأَسمَعَ صوتَ قلبي واضحاً . |
للملحميِّين النُّسُورُ ولي أَنا: طوقُ |
الحمامةِ، نجمةٌ مهجورةٌ فوق السطوح، |
وشارعٌ مُتَعرِّجُ يُفْضي إلى ميناءِ |
عكا ليس أكثرَ أَو أَقلَّ |
أُريد أَن أُلقي تحيَّاتِ الصباح عليَّ |
حيث تركتُني ولداً سعيدا لم |
أَكُنْ ولداً سَعيدَ الحظِّ يومئذٍ، |
ولكنَّ المسافةَ، مثلَ حدَّادينَ ممتازينَ، |
تصنَعُ من حديدٍ تافهٍ قمراً |
أَتعرفني؟ |
سألتُ الظلَّ قرب السورِ، |
فانتبهتْ فتاةُ ترتدي ناراً، |
وقالت: هل تُكَلِّمني؟ |
فقلتُ: أُكَلِّمُ الشَبَحَ القرينَ |
فتمتمتْ: مجنونُ ليلى آخرٌ يتفقَُّّد |
الأطلالَ، |
وانصرفتْ إلى حانوتها في آخر السُوق |
القديمةِ |
ههنا كُنَّا . وكانت نَخْلَتانِ تحمِّلان |
البحرَ بعضَ رسائلِ الشعراءِ |
لم نكبر كثيراً يا أَنا . فالمنظرُ |
البحريُّ، والسُّورُ المُدَافِعُ عن خسارتنا، |
ورائحةُ البَخُور تقول: ما زلنا هنا، |
حتى لو انفصَلَ الزمانُ عن المكانِ . |
لعلَّنا لم نفترق أَبداً |
أَتعرفني؟ |
بكى الوَلَدُ الذي ضيَّعتُهُ: |
لم نفترق . لكننا لن نلتقي أَبداً |
وأَغْلَقَ موجتين صغيرتين على ذراعيه، |
وحلَّّق عالياً |
فسألتُ: مَنْ منَّا المُهَاجِرُ؟ |
قلتُ للسّجَّان عند الشاطئ الغربيّ: |
هل أَنت ابنُ سجّاني القديمِ؟ |
نعم! |
فأين أَبوك؟ |
قال: أَبي توفِّيَ من سنين. |
أُصيبَ بالإحباط من سَأَم الحراسة . |
ثم أَوْرَثَني مُهمَّتَهُ ومهنته، وأوصاني |
بان أَحمي المدينةَ من نشيدكَ |
قُلْتُ: مُنْذُ متى تراقبني وتسجن |
فيَّ نفسَكَ؟ |
قال: منذ كتبتَ أُولى أُغنياتك |
قلت: لم تَكُ قد وُلِدْتَ |
فقال: لي زَمَنٌ ولي أَزليَّةٌ، |
وأُريد أن أَحيا على إيقاعِ أمريكا |
وحائطِ أُورشليمَ |
فقلتُ: كُنْ مَنْ أَنتَ . لكني ذهبتُ . |
ومَنْ تراه الآن ليس أنا، أنا شَبَحي |
فقال: كفى! أَلسْتَ اسمَ الصدى |
الحجريِّ؟ لم تذهَبْ ولم تَرْجِعْ إذاً . |
ما زلتَ داخلَ هذه الزنزانة الصفراءِ . |
فاتركني وشأني! |
قلتُ: هل ما زلتُ موجودا ً |
هنا؟ أَأَنا طليقٌ أَو سجينٌ دون |
أن أدري . وهذا البحرُ خلف السور بحري؟ |
قال لي: أَنتَ السجينُ، سجينُ |
نفسِكَ والحنينِ . ومَنْ تراهُ الآن |
ليس أَنا . أَنا شَبَحي |
فقلتُ مُحَدِّثاً نفسي: أَنا حيٌّ |
وقلتُ: إذا التقى شَبَحانِ |
في الصحراء، هل يتقاسمانِ الرملَ، |
أَم يتنافسان على احتكار الليل؟ |
المقطع قبل الأخير |
كانت ساعَةُ الميناءِ تعمَلُ وحدها |
لم يكترثْ أَحَدٌ بليل الوقت، صَيَّادو |
ثمار البحر يرمون الشباك ويجدلون |
الموجَ . والعُشَّاقُ في ال ديسكو . |
وكان الحالمون يُرَبِّتُون القُبَّراتِ النائماتِ |
ويحلمون |
وقلتُ: إن متُّ انتبهتُ |
لديَّ ما يكفي من الماضي |
وينقُصُني غَدٌ |
سأسيرُ في الدرب القديم على |
خُطَايَ، على هواءِ البحر . لا |
امرأةٌ تراني تحت شرفتها . ولم |
أملكْ من الذكرى سوى ما ينفَعُ |
السَّفَرَ الطويلَ . وكان في الأيام |
ما يكفي من الغد . كُنْتُ أصْغَرَ |
من فراشاتي ومن غَمَّازتينِ: |
خُذي النُّعَاسَ وخبِّئيني في |
الرواية والمساء العاطفيّ |
وَخبِّئيني تحت إحدى النخلتين |
وعلِّميني الشِعْرَ قد أَتعلَّمُ |
التجوال في أنحاء هومير قد |
أُضيفُ إلى الحكاية وَصْفَ |
عكا أقدمِ المدنِ الجميلةِ، |
أَجملِ المدن القديمةِ علبَةٌ |
حَجَريَّةٌ يتحرَّكُ الأحياءُ والأمواتُ |
في صلصالها كخليَّة النحل السجين |
ويُضْرِبُونَ عن الزهور ويسألون |
البحر عن باب الطوارئ كُلَّما |
اشتدَّ الحصارُ وعلِّميني الشِعْرَ |
قد تحتاجُ بنتٌ ما إلى أُغنية |
لبعيدها: خُذْني ولو قَسْراً |
إليكَ، وضَعْ منامي في |
يَدَيْكَ . ويذهبان إلى الصدى |
مُتَعانِقَيْنِ كأنَّني زوَّجتُ ظبياً |
شارداً لغزالةٍ وفتحتُ أبوابَ |
الكنيسةِ للحمام وعَلِّميني |
الشِعْرَ مَنْ غزلتْ قميصَ |
الصوف وانتظرتْ أمام الباب |
أَوْلَى بالحديث عن المدى، وبخَيْبَةِ |
الأَمَلِ: المُحاربُ لم يَعُدْ، أو |
لن يعود، فلستَ أَنتَ مَن |
انتظرتُ |
ومثلما سار المسيحُ على البحيرة |
سرتُ في رؤيايَ . لكنِّي نزلتُ عن |
الصليب لأنني أَخشى العُلُوَّ ولا |
أُبشِّرُ بالقيامة . لم أُغيِّر غيرَ إيقاعي |
لأَسمع صوتَ قلبي واضحاً |
للملحميِّين النُسُورُ ولي أَنا طَوْقُ |
الحمامة، نَجْمَةٌ مهجورةٌ فوق السطوح، |
وشارعٌ يُفضي إلى الميناء |
هذا البحرُ لي |
هذا الهواءُ الرَّطْبُ لي |
هذا الرصيفُ وما عَلَيْهِ |
من خُطَايَ وسائلي المنويِّ لي |
ومحطَّةُ الباصِ القديمةُ لي . ولي |
شَبَحي وصاحبُهُ . وآنيةُ النحاس |
وآيةُ الكرسيّ، والمفتاحُ لي |
والبابُ والحُرَّاسُ والأجراسُ لي |
لِيَ حَذْوَةُ الفَرَسِ التي |
طارت عن الأسوار لي |
ما كان لي . وقصاصَةُ الوَرَقِ التي |
انتُزِعَتْ من الإنجيل لي |
والملْحُ من أَثر الدموع على |
جدار البيت لي |
واسمي، إن أخطأتُ لَفْظَ اسمي |
بخمسة أَحْرُفٍ أُفُقيّةِ التكوين لي: |
ميمُ المُتَيَّمُ والمُيتَّمُ والمتمِّمُ ما مضى |
حاءُ الحديقةُ والحبيبةُ، حيرتانِ وحسرتان |
ميمُ المُغَامِرُ والمُعَدُّ المُسْتَعدُّ لموته |
الموعود منفيّاً، مريضَ المُشْتَهَى |
واو الوداعُ، الوردةُ الوسطى، |
ولاءٌ للولادة أَينما وُجدَتْ، وَوَعْدُ الوالدين |
دال الدليلُ، الدربُ، دمعةُ |
دارةٍ دَرَسَتْ، ودوريّ يُدَلِّلُني ويُدْميني |
وهذا الاسمُ لي |
ولأصدقائي، أينما كانوا، ولي |
جَسَدي المُؤَقَّتُ، حاضراً أم غائباً |
مِتْرانِ من هذا التراب سيكفيان الآن |
لي مِتْرٌ و سنتمتراً |
والباقي لِزَهْرٍ فَوْضَويّ اللونِ، |
يشربني على مَهَلٍ، ولي |
ما كان لي: أَمسي، وما سيكون لي |
غَدِيَ البعيدُ، وعودة الروح الشريد |
كأنَّ شيئا ً لم يَكُنْ |
وكأنَّ شيئاً لم يكن |
جرحٌ طفيف في ذراع الحاضر العَبَثيِّ |
والتاريخُ يسخر من ضحاياهُ |
ومن أَبطالِهِ |
يُلْقي عليهمْ نظرةً ويمرُّ |
هذا البحرُ لي |
هذا الهواءُ الرَّطْبُ لي |
واسمي |
وإن أخطأتُ لفظ اسمي على التابوت |
لي . |
أَما أَنا وقد امتلأتُ |
بكُلِّ أَسباب الرحيل |
فلستُ لي . |
أَنا لَستُ لي |
أَنا لَستُ لي |