دَهَمَ الوَرى نبأٌ عظيمٌ مُؤلِمُ | |
|
| أَضحَى لهُ في كلِّ نادٍ مأتَمُ |
|
حالَت بِهِ الأَكوَانُ فَهيَ حوالِكٌ | |
|
| وَاللَيلُ أَليَلُ والنَهارُ مُسَهَّمُ |
|
وَالأرضُ ثَكلَى والسَماءُ مَريضَةٌ | |
|
| هَذِي تَسُحُّ دَماً وهَذِي تُرزِمُ |
|
يا بَدرُ مَن أَنباكَ أَنَّ أَخَاكَ قَد | |
|
| أَخنَى عليهِ يَومُهُ المُتَحَتِّمُ |
|
حتَّى غدَوتَ مُحَادِداً لِفراقِهِ | |
|
| وَمِن الكسوفِ عليكَ ثوبٌ أَسحَمُ |
|
أجهلتَ أم نُسِّيتَ مِن فَرطِ الجَوى | |
|
| أَنَّ الحِدادَ على الرِجالِ مُحَرَّمُ |
|
واهاً لَهُ مِن حادِثٍ جَلَلٍ دَهى | |
|
| خطبٌ تكادُ لهُ الجِبالُ تَحَطَّمُ |
|
نَهَشَت بِهِ سُودُ الرُقُومِ قُلُوبَنا | |
|
| فكأنَّما في كلِّ رقمٍ أَرقَمُ |
|
ظلنا حيَارى والعُيونُ تَسُحُّ وال | |
|
| أَفوَاهُ خُرسٌ والقلوبُ تَكلَّمُ |
|
وفَشا النِزاعُ مِن التَأَسِّي والأَسى | |
|
| كلٌّ يُرِيدُ هُوَ الذي يَتَقَدَّمُ |
|
والدَمعُ في أَجفانِهِ مُتَحَيِّرٌ | |
|
| وَالشَرعُ يَقضي بِالَّتي هِيَ أَقوَمُ |
|
وَإِذا الأَسى لم يُجدِ شَيئاً فَالعَزَا | |
|
| بالحُرِّ أَحرى والتَأَسِّي أَحزَمُ |
|
سلِّم أُمُورَكَ لِلمُهَيمِنِ كلَّها | |
|
| فَاللَهُ يفعَلُ ما يَشاءُ وَيَحكُمُ |
|
للّهِ أَن يَقضِي بِما شا في الوَرى | |
|
| وَعَلى الوَرى الصَبرُ الجَمِيلُ مُحَتَّمُ |
|
لا تَجزَعَنَّ فليسَ يُدرِكُ فائِتاً | |
|
| جَزَعٌ وَلا تَبقى بإِنسٍ أَنعُمُ |
|
ماذا عَسى يَقضِي المُصابُ مِنَ الأَسى | |
|
| الخَطبُ أَكبرُ والمُصِيبَةُ أَعظَمُ |
|
لِلّهِ أَبيضُ مفردٌ في حُسنه | |
|
| مِنّا أُصِيبَ بهِ السَوادُ الأَعظَمُ |
|
عَلَمٌ بِبَطن الأَرض أَصبحَ مُضمَراً | |
|
| فَسَما وَمِثلُكَ بالإِشارةِ يَفهَمُ |
|
حَبرٌ بهِ حَسُنَ الزَمانُ لِأَهلِهِ | |
|
| فكأَنَّهُ في الدَهرِ ثَغرٌ يَبسمُ |
|
سَهلُ اللِقا طَلقُ المُحَيّا إِنَّما | |
|
| أَدَباً عَلى الأَبناءِ قَد يَستَهجِمُ |
|
سَلبَ العقولَ بحُسنِ خُلقٍ باهِرٍ | |
|
| وَجَميلِ خَلقٍ والمَحاسِنُ أَسهُمُ |
|
عمَّت فواضلُهُ وأَقنَعَ فَضلُهُ | |
|
| فَبكى عَلَيهِ مُقَنَّعٌ ومُعَمَّمُ |
|
فبِكلِّ جارِحَةٍ عَلَيهِ جِراحَةٌ | |
|
| وبكلِّ عَينٍ فيهِ عَينٌ تَسجُمُ |
|
قالُوا وقد سَالَت عَلى وَجَنَاتِهِم | |
|
| حُمُرُ الدُمُوعِ كَأَنَّهُنَّ العندَمُ |
|
لا يسلمُ الشَرَفُ الرفيعُ من الأَذى | |
|
| حتى يُرَاقُ عَلى جَوانِبِه الدَمُ |
|
تَبكي عَلَيهِ مَدَارِسٌ وَمَسَاجِدٌ | |
|
| ومجالسٌ بِمدَامِعٍ لا تُفهَمُ |
|
فَالمِنبَرُ الشَرعِيُّ فيهِ قَد انبَرى | |
|
| وَجداً يَنُوحُ أَسىً عَلَيهِ وَيَلطمُ |
|
شينا بقَاهُ ورَبُّهُ اختَارَ اللِقا | |
|
| واللَهُ مِنّا بالمَصالحِ أَعلَمُ |
|
أَنِسَت بمقدَمِهِ القُبُورُ وأَوحَشَت | |
|
| مِنهُ القُصُورُ بل الصُدُورُ الهُيَّمُ |
|
أَضحَى عَلى الأَشهَادِ يُنشَرُ فَضلُهُ | |
|
| وَوِدَادُهُ بينَ الجَوانحِ يُختَمُ |
|
أَهوَى بَقَاهُ وهوَ في عَيني وَفي | |
|
| سَمعِي وَقَلبي واللِسَانُ مُخَيِّمُ |
|
فإِذا نَظَرتُ فَشَخصُهُ مُتَخَيَّلٌ | |
|
| وإِذا أَصَختُ فَصَوتُهُ مُتَوَهَّمُ |
|
وإِذا صَمتُّ فَحُسنُهُ مُتَصَوَّرٌ | |
|
| وإِذا نَطَقتُ فَذِكرُهُ مُتَقَدِّمُ |
|
لا عارَ أَن فَلَّت شَبَاهُ يَدُ الرَدى | |
|
| فَالرُمحُ يُكسَرُ وَالمُهَنَّدُ يُثلَمُ |
|
لم يَخلُ في ذا الدَارِ خَلقٌ مِن بِلىً | |
|
| حتّى اشتَكى قمرانها وَالأَنجُمُ |
|
ما هَذِهِ الأَرواحُ في أَشبَاحِها | |
|
| إِلّا وَدَائعُ في غَدٍ سَتُسَلَّمُ |
|
وإِذا أَتى المَرءُ الحِمَامُ فَما لَهُ | |
|
| مُتَأخرٌ عنهُ وَلا مُتَقَدَّمُ |
|
وَالناسُ سَفرٌ والزَمان مَطِيَّةٌ | |
|
| وَالعُمرُ بِيدٌ وَالقُبورُ مُخَيَّمُ |
|
هَذا قُصارى مَبلغِ الدُنيا فكُن | |
|
| يَقِظاً ولا يَغرُركَ مِنها مَبسَمُ |
|
وَالعمرُ ثوبٌ وَالصِفاتُ رقومُهُ | |
|
| فاختَر بأَيّ الوصفِ ثَوبَكَ ترقُمُ |
|
والعُمرُ رأسُ المالِ فاحفَظهُ فَما | |
|
| قَد ضاعَ مِن عُمرِ الفَتى لا يُغرَمُ |
|
جَدَّ الزَمانُ وأَنتَ بعدُ لَهازِلٌ | |
|
| لاهٍ يُغِيرُ بِكَ الزَمانُ وَيُتهِمُ |
|
واعمَل لِنَفسِكَ صَالِحاً تُجزَى بِهِ | |
|
| يَومَ الحِسَابِ فإِنَّ عُمرَكَ مَوسِمُ |
|
واجعَل مِنَ العِلمِ الشَريفِ المُرتَضَى | |
|
| علماً يَدُلُّكَ أَنَّ دَهرَكَ مُظلِمُ |
|
أَطِعِ الإِلهَ وَلا تُضِع أَحكامَهُ | |
|
| إِنَّ المُطيعَ على المُضيعِ مُقَدَّمُ |
|
يا أَيُّها الشَيخُ المصدَّعُ قَلبُهُ | |
|
| اللَهُ يمنَحُكَ العَزاءَ وَيُعظِمُ |
|
وَيمُدُّ في أَنفاسِ عُمرِكَ لِلوَرى | |
|
| فإِذا وُجِدتَ فليسَ شَيءٌ يُعدَمُ |
|
حاشا لِمِثلِكَ أَن يُرى مُتَخَشِّعاً | |
|
| لِمُلِمَّةٍ أَو يَعتريكَ تَظَلُّمُ |
|
إِن كانَ قد جَلَّ المُصَابُ عَنِ العَزَا | |
|
| فمِنَ الأَسى والحُزنِ قَدرُكَ أَفخَمُ |
|
فلئِن بَكَيتَ فرحمةٌ ورِعايةٌ | |
|
| ولئِن صَبرتَ فحِسبةٌ وَتكرُّمُ |
|
مَلأت محبَّتُكَ القلوبَ فإِنَّما | |
|
| تَبكي بأحداقِ الأَنَامِ وتَسجُمُ |
|
وَلأَنتَ بَحرٌ نحنُ مِنكَ جَدَاوِلٌ | |
|
| مُدَّت وبدرٌ نَحنُ حولَكَ أَنجُمُ |
|
إِن كانَ لي أَصلٌ كرِيمٌ قد ذَوى | |
|
| فلَقد نَمَا لي مِنكَ أَصلٌ أَكرَمُ |
|
أَبتي ليَهنِكَ أَن غَدَوتَ مُجاوِراً | |
|
| رَبّاً كريماً جارُهُ لا يُهضَمُ |
|
عجباً تُسَقِّيكَ الغُيوثَ مَحاجِرِي | |
|
| وَضَمائِري لِلِقاكَ هِيمٌ حُوَّمُ |
|
إِنّي لتأخُذُني لِذِكرِكَ رَعشَةٌ | |
|
| حتّى تَكاد مَفاصِلِي تَتَقَصَّمُ |
|
مَن لي بِمسكٍ مِن ثَرَاكَ أَشُمُّهُ | |
|
| أَو نَفحةٍ من عَرفهِ تتَنَسَّمُ |
|
كلُّ الثَرى لما نَزَلتَ بأَذرُعٍ | |
|
| مِنهُ حَبِيبٌ لِلفُؤادِ مُعَظَّمُ |
|
صَعبٌ عَلَيَّ وَقَد حَوَاكَ بأَنني | |
|
| أَمشي عليهِ أَو يَطَاهُ مِنسَمُ |
|
لَولا إِمامُ هُدىً أَضاءَ بهِ المَلا | |
|
| ومَشايِخٌ بالمكرمُاتِ تَعَمَّمُوا |
|
نادَيتُ كلُّ الأَرضِ بَعدَكَ بَلقَعٌ | |
|
| وَالعَيشُ مُرٌّ والبَقاءُ مُذَمَّمُ |
|
فَسَقَى ضَرِيحَكَ وابِلٌ مِن رَحمَةٍ | |
|
| برضاً وغفرانٍ وعفوٍ يَسجُمُ |
|
قَد كانَ لي أَملٌ طَويلٌ فيكَ ل | |
|
| كِن حَلَّ آمالي القَضَاءُ المُبرَمُ |
|
لكِنَّ لي في اللَهِ جلَّ جَلالُهُ | |
|
| أَملٌ قَويُّ الحَبلِ لا يَتَصَرَّمُ |
|
يا رَبِّ إِنَّ الأَمرَ جلَّ كَما ترَى | |
|
| وَالصَبرُ قلَّ وَأَنتَ مِنّا أَرحَمُ |
|
أَفرِغ عَلَى قلبي الحَزينِ مِنَ الجَوى | |
|
| صَبراً جَميلاً فَهوَ نِعمَ المَرهَمُ |
|
وارزُقنِيَ العِلمَ الشَريفَ فإِنَّهُ | |
|
| لِصُعُودِ أُفقِ المَجدِ نِعمَ السُلَّمُ |
|
وقِني وعِترتِيَ الخُطوبَ وأَولِنا | |
|
| رِزقاً حلالاً واسِعاً يا مُنعِمُ |
|
وأَقِل عِثَاري واعفُ عَنِّي واحيِنِي | |
|
| عُمراً طَويلاً بِالسَعادَةِ يُختَمُ |
|
وَصَلاةُ رَبِّي وَالسَلامُ عَلى الرِّضا | |
|
| والآلِ ما بَرقٌ بَدا يَتنَسَّمُ |
|