يا نهر، لولا مُنحَناكَ وما يشابكُ من فروعِ
|
ما كانت البسماتُ في عينيّ تُطفأ بالدموعِ
|
حجَّبتَ، بالشأو البعيد تسدُّ بابَيه الظِّلالُ،
|
وجهاً تلاقى في مُحياه الوداعةُ والجمالُ
|
مرآتُك الخضراء، منذ جَلَوْتَها تحتَ السماءِ
|
ما لاح فيها مثلُ ذاك الوجه .. في ذاك الصفاء
|
إنْ أوقدَ الليلُ العميقُ نجومه في جانبَيك
|
لمَّاحةَ الأضواء تغمر بالأشعَّة ضفّتيك
|
ناشدتَ ألحاظَ الكواكب وهي خترقُ الظلامْ
|
الاَّ يَنَمنَ وإن تشهَّين الكرى حتى تنام:
|
أنتنّ أسعدُ ما أظلّ الكونُ يا زهْرَ النجومِ
|
أنتنّ أبصرتنَّ ذاك الوَجْهَ في الليل البهيم!
|
حتى إذا ما رنح النجم الأخير سنا الصباحِ
|
فانقضَّ تحت القُبةِ الزرقاء، مقصوصَ الجناحِ
|
أصبحتُ فوق المعبر المهجور أرقبُ منحناك
|
فأبوح بالشكوى .. وتسكت عن شكاتي ضفتاك
|
الفتنةُ السمراءُ تسرقها مياهُك بعد حينْ:
|
الشَّعرَ، والعينين والثَّغرَ المنضَّرَ والجبين
|
فإذا الهجيرة أطلقتها زُرْقةُ الأفقِ البعيد
|
فالظلُّ مقصوص الجناح يفرُّ من عودٍ لعود ..
|
سارت إليكَ بطيئة الخطوات ذابلةَ الشفاه،
|
جاءتك ظمأى، بالبنان الرخص تغترف المياه
|
كم عُدُتُ مخمورَ الفؤاد بموعد المدّ القريبِ
|
جذلانَ أقتحم الظهيرةَ بالتطلع والوثوبِ
|
التوت فوق الشاطئ الغربي، والسَّعَفُ الصموتُ
|
لا يجهلان تنهُّداتي، وهي بينهما تموت .
|
والغاب ساعتي الحبيبةُ من ظلالٍ عقرباها
|
كم أنبآني أن طرفي بعد حينٍ قد يراها
|
واليوم يسقي مدُّك العاتي أواخرَ كل جَزرِ
|
لا ذاك يجلوها، ولا هذا بما أرجوه يجري
|
واليوم إن سكر الخريرُ وعاد يحتضنُ الجرارا
|
لم ألقَ عذرائي .. فكيف الصَّبرُ يا نهر العذارى؟!
|