أُعاتِبُ فيكَ الدّهرَ لو أعتبَ الدّهرُ | |
|
| وأستنجِدُ الصّبرَ الجميلَ ولا صَبرُ |
|
وأسألُ عن نَهجِ السُّلُوِّ وقد بَدا | |
|
| لعَينَيَّ إلاّ أنّ مسلَكه وَعرُ |
|
وكيف التَّسلِّي والحوادثُ جمَّةٌ | |
|
| إذا ما انقَضى أمرٌ يسوءُ أتى أمرُ |
|
رمَتْنِيَ في عشْرِ الثّمانينَ نكبةٌ | |
|
| من الثُّكل يُوهي حملُها مَن له عَشْرُ |
|
على حين أفْنى الدّهرُ قَومي ولم تزلْ | |
|
| لهم ذِروةُ العلياءِ والعَدَدُ الدَّثْرُ |
|
إذا حاربُوا فالأسْدُ تحمي عَرينَها | |
|
| وإن سالَموا كان التَّبتُّلُ والذِّكرُ |
|
تُبيحُ وتَحمي منذ كانت سُيوفُهُم | |
|
| يُباحُ بها ثَغْرٌ ويُحمى بها ثَغْرُ |
|
مَضَوْا وانطَوَتْ دُنياهُمُ وتَصَرّمَتْ | |
|
| كأنَّهُمُ ما عُمِّرُوا ولَها نَشْرُ |
|
فلم يَبقَ إلاّ ذكرُهم وتأسُّفي | |
|
| عليهم ولَن يبقى التأسُّفُ والذِّكرُ |
|
وأصبحتُ لا آلٌ يُلبُّون دعوتي | |
|
| ولا وطنٌ آوي إليهِ ولا وَفْرُ |
|
كأنّيَ مَن غير التُّرابِ فليسَ لي | |
|
| من الأَرضِ ذاتِ العرضِ دونَ الوَرى شِبرُ |
|
رُزئتُ أبا بكرٍ على شَغَفي بهِ | |
|
| فيا لَهْفَتا ماذا جَني الحادِثُ البِكْرُ |
|
لِسبعٍ مَضتْ من عُمرهِ غالَه الرّدى | |
|
| وكنتُ أُرجِّي أن يطولَ به العُمْرُ |
|
وقلتُ عتيقٌ من خُطوبِ زَمانِهِ | |
|
| عتيقٌ بهذا يخبرُ الفأْلُ والزَّجْرُ |
|
فعاجلَه قَبلَ التَّمام حِمامُهُ | |
|
| ولا عجبٌ قد يُخْضَدُ الغُصُنُ النَّضْرُ |
|
ويأمُرني فيه الأخِلاّء بالأُسى | |
|
| وهَيهاتَ مالي بالأُسى بَعده خُبْرُ |
|
يَقولون كَم هَذا البكاءُ ولو بَدا | |
|
| ضَميرُ الّذي بي رَقَّ لي وبَكى الصّخْرُ |
|
وكنتُ أظنُّ الدّمعَ يُبْرِدُ غُلَّتِي | |
|
| إلى أن بَدا لي أنّ دمعَ الأسى جَمْرُ |
|
أبا بَكر ما وجدي عليك بمنْقَضٍ | |
|
| طَوالَ اللّيالي ما انقَضى اليومُ والشَّهرُ |
|
أطلْتَ عليَّ اللّيلَ حتَّى كأنَّما | |
|
| زَمانيَ ليلٌ كلُّه مالَه فَجرُ |
|
وإنّي لأسْتَدعي الكَرى وهْو نافرٌ | |
|
| به من جُفوني أن يُلِمَّ بها ذُعرُ |
|
لعلَّ خَيالاً منك يَطرقُ مضجَعي | |
|
| فأشكو إليه ما رَماني به الدَّهرُ |
|
تُمثِّلُكَ الأفكارُ لي كلَّ لَيلةٍ | |
|
| وتُؤنِسُني أشباهُكَ الأنجمُ الزُّهرُ |
|
إذا لجَّ بي شوقٌ أتيتُكَ زائراً | |
|
| فأرجِعُ كالمخبولِ دَلَّهَهُ السِّحرُ |
|
وما القُربُ من قبرٍ أجَنَّكَ نَافِعي | |
|
| إذا كانَ فيما بَينَنا للثَّرى سِترُ |
|
أقولُ لنفسي حينَ جدَّ نِزاعُها | |
|
| عليكِ بِحُسنِ الصَّبرِ إنْ أمكنَ الصَّبرُ |
|
ألسنا بَني المَوتى إليهم مآلُنا | |
|
| بلا مِرْيَةٍ والفرعُ يَجذبُه النَّجْرُ |
|
فنحن كَسَفْرٍ عرَّسوا ووَراءَهم | |
|
| رِفاقٌ إذا وافَوْهُمُ رحَلَ السّفْرُ |
|
من الأرضِ أُنْشِئْنا وفيها مَعادُنا | |
|
| ومِنها يكون النّشْرُ والبعثُ والحَشرُ |
|
هي الأُمُّ لا بِرَّ لديها وردَّنا | |
|
| إلى بطنها بعد الوِلادِ هو البِرُّ |
|
ثَكولٌ ولا دمعٌ لها إثرَ هالكٍ | |
|
| وكلُّ رَقوبٍ ثاكلٍ دمعُها هَمْرُ |
|
أضلَّ الورى حبُّ الحياةِ فحازِمٌ | |
|
| خبيرٌ سواءُ في الضَّلالةِ والغِرُّ |
|
فَلا يأمنَنْ غَدْرَ اللياليَ آمِنٌ | |
|
| وإن أمْهَلَتْه إنَّ إِمْهالَها خَتْرُ |
|
تُعيرُ وبالقَسرِ العنيفِ ارتجاعُها | |
|
| ولا خَيرَ في عاريَّةٍ ردَّها القَسْرُ |
|
ونحنُ عليها عاكِفون وليسَ في | |
|
| مواهِبِها عُقبى تَسرُّ ولا يُسرُ |
|
فما بالُنا في سَكرةٍ من طِلابِها | |
|
| ومَنْ نالَها مِنَّا يَزيدُ بهِ السُّكرُ |
|
مَضى من مَضى مِمَّن حَبَتْهُ فأكثرَتْ | |
|
| وراحَتُه من كلِّ ما جَمَعت صِفْرُ |
|
وما نالَ أيَّامَ الحياةِ من الغِنى | |
|
| عن الفقْرِ في يومِ المَعادِ هو الفَقْرُ |
|
يُحاسَبُ عن قِطميرِه ونَقيرِهِ | |
|
| ولم يَتَّبِعْهُ منه كُثرٌ ولا نَزْرُ |
|
وهذا هو الخُسرُ المبينُ فما لنا | |
|
| حِراصٌ على أمرٍ عَواقِبهُ خُسْرُ |
|
وقد كان في آبائِنا زاجرٌ لنا | |
|
| يُبصِّرُنا لو كان يردعُنا الزَّجرُ |
|
تفانَوْا فبطنُ الأرضِ مِن بعدِ وحشَةٍ | |
|
| بهم آهِلٌ مستأنِسٌ وخَلا الظَّهرُ |
|
وقد دَرَسَتْ آثارُهم وقبورُهم | |
|
| كما دَرسوا فيها فليسَ لها أُثْرُ |
|
فهل ليَ في هَذي المواعِظِ واعِظٌ | |
|
| يُبَرِّدُ ما يُخفي من الكَمَدِ الصّدرُ |
|
يَحُثُّ على الصّبرِ الجميلِ فإِنَّه | |
|
| يُنالُ به حُسنُ المعوضَةِ والأجرُ |
|
ومَن نَزعَتْ أيدي المنيةِ مِن يَدي | |
|
| هو الذُّخرُ لي في يومِ يَنْفَعُني الذُّخرُ |
|