إذا ما اِمتَطَيتُ الفُلكَ مقتحمَ البَحرِ | |
|
| وَولَّيتُ ظَهري الهندَ مُنشرح الصَدرِ |
|
فَما لمليكِ الهِند إِن ضاقَ صَدرُهُ | |
|
| عليَّ يَدٌ تَقضي بنهيٍ ولا أَمرِ |
|
أَلَم يُصغِ للأَعداءِ سَمعاً وقد غدت | |
|
| عقاربُهم نحوي بكيدِهمُ تَسري |
|
فأوترَ قوسَ الظُلم لي وهو ساخِطٌ | |
|
| وَسدَّد لي سَهمَ التغطرُسِ والكبرِ |
|
وَسَدَّ عليَّ الطُرقَ من كُلِّ جانِبٍ | |
|
| وهمَّ بما ضاقَت به ساحة الصَبرِ |
|
إِلى أَن أَرادَ اللَهُ إِنفاذَ أَمرِهِ | |
|
| على الرَغم منه في مَشيئته أَمري |
|
فَرَدَّ عليه سهمَهُ نحوَ نحرِهِ | |
|
| وَقلَّد بالنَعماءِ من فضله نَحري |
|
وأَركبني فُلكَ النَجاةِ فأَصبحَت | |
|
| على ثَبج الدأماءِ سابحةً تَجري |
|
فأَمسَيتُ من تلك المخاوفِ آمناً | |
|
| وَعادَت أُموري بعد عُسرٍ إِلى يُسرِ |
|
وَكَم كاشِحٍ قد راشَ لي سِهم كَيدِهِ | |
|
| هناك فأَضحى لا يَريشُ ولا يَبري |
|
وما زالَ صُنعُ اللَه ما زالَ واثِقاً | |
|
| به عَبدُهُ يُنجيهِ من حَيثُ لا يَدري |
|
كأَنّي بفُلكي حين مَدَّت جَناحَها | |
|
| وَطارَت مطارَ النسر حَلَّق عن وكرِ |
|
أَسفَّت على المَرسى بشاطئِ جُدَّةٍ | |
|
| فجدَّدَتِ الأَفراحَ لي طَلعةُ البَرِّ |
|
وَهَبَّ نَسيمُ القُرب من نحو مكَّة | |
|
| وَلاحَ سَنى البَيتِ المحرَّم والحِجرِ |
|
وَسارَت رِكابي لا تَمَلُّ من السُرى | |
|
| إِلى مَوطنِ التَقوى وَمُنتجَعِ البِرِّ |
|
إِلى الكَعبَةِ البيتِ الحرام الَّذي عَلا | |
|
| عَلى كُلِّ عالٍ من بناءٍ ومن قَصرِ |
|
فَطفتُ به سَبعاً وَقبَّلتُ رُكنَه | |
|
| وأَقبلتُ نحو الحِجر آوي إِلى حِجرِ |
|
وَقَد ساغَ لي من ماءِ زمزمَ شَربةٌ | |
|
| نقعتُ بها بَعد الصَدى غُلَّة الصَدرِ |
|
هنالك أَلفيتُ المسرَّةَ والهَنا | |
|
| وَفزتُ بما أَمَّلتُ في سالفِ الدَهرِ |
|
وَقُمتُ بفرض الحَجِّ طوعاً لمن قَضى | |
|
| على الناس حجَّ البيتِ مُغتَنم الأَجرِ |
|
وَسِرتُ إِلى تلك المشَاعِر راجياً | |
|
| من اللَه غُفرانَ المآثم والوِزرِ |
|
وَجئتُ مِنىً وَالقَلبُ قد فازَ بالمُنى | |
|
| وما راعَني بالخَيفِ خَوفٌ من النَفرِ |
|
وَباكرتُ رميي لِلجِمار وإِنَّما | |
|
| رَميتُ بها قَلب التَباعُدِ بالجَمرِ |
|
أَقمنا ثَلاثاً ليتَها الدَهر كلَّه | |
|
| إِلى أَن نَفرنا من مِنىً رابعَ العَشرِ |
|
فأبتُ إِلى البَيتِ العَتيق مودِّعاً | |
|
| له ناوياً عَودي إليه مَدى العُمرِ |
|
ووجَّهتُ وَجهي نحو طَيبةَ قاصِداً | |
|
| إِلى خير مَقصودٍ من البرِّ والبَحرِ |
|
إِلى السيِّد البَرِّ الَّذي فاض بِرُّهُ | |
|
| فوافيتُ مِن بحرٍ أَسيرُ إِلى برِّ |
|
إِلى خيرَة اللَه الَّذي شَهِدَ الوَرى | |
|
| له أَنَّه المُختارُ في عالَمِ الذَرِّ |
|
فقبَّلتُ من مَثواهُ أَعتابَه الَّتي | |
|
| أَنافَت على هام السِماكَين والنَسرِ |
|
وعفّرتُ وَجهي في ثَراهُ لوجهِهِ | |
|
| وَطابَ لي التَعفيرُ إِذ جئتُ عن عُفرِ |
|
فَقُلتُ لِقَلبي قد برئتَ من الجوى | |
|
| وَقُلتُ لِنَفسي قد نجوتِ من العُسرِ |
|
وَقُلتُ لعيني شاهِدي نورَ حضرَةٍ | |
|
| أَضاءَت به الأَنوارُ في عالَم الأَمرِ |
|
أَتَدرينَ ما هَذا المَقامُ الَّذي سَما | |
|
| عَلى قِممِ الأَفلاك أَم أَنتِ لم تَدري |
|
مَقامُ النبيِّ المُصطَفى خير من وَفى | |
|
| محمَّدٍ المحمود في مُنزَلِ الذِكرِ |
|
رَسولِ الهُدى بحرِ النَدى منبعِ الجدا | |
|
| مبيدِ العِدى مُروي الصَدى كاشِف الضُرِّ |
|
هو المُجتَبى المُختارُ من آلِ هاشِمٍ | |
|
| فَيا لك من فرع زَكيٍّ ومن نَجرِ |
|
به حازَت العَليا لؤيُّ بن غالبٍ | |
|
| وَفازَ به سَهما كنانة وَالنَضرِ |
|
قَضى اللَه أَن لا يجمع الفضلَ غيرُهُ | |
|
| فَكانَ إِليه مُنتهى الفَضلِ وَالفَخرِ |
|
وأَرسلَه الرحمنُ للخلق رحمةً | |
|
| فأنقذهم بالنور من ظلمةِ الكُفرِ |
|
وأَودَعهُ العَلّامُ أَسرارَ علمهِ | |
|
| فَكانَ عليها نعمَ مُستودَع السِرِّ |
|
وأَسرى به في لَيلةٍ لسَمائِهِ | |
|
| فَعادَ وَجَيبُ اللَيل ما شُقَّ عن فَجرِ |
|
وأَوحى إليه الذكرَ بالحَقِّ ناطِقاً | |
|
| بما قد جَرى في عِلمهِ وبما يَجري |
|
فأَنزلَه في لَيلةِ القَدر جُملَةً | |
|
| بِعِلمٍ وما أَدراك ما لَيلَةُ القَدرِ |
|
ولقَّنهُ إِيّاهُ بعدُ مُنَجَّماً | |
|
| نُجوماً تُضيءُ الأفق كالأَنجُم الزُهرِ |
|
مفصَّل آياتٍ حَوَت كلَّ حِكمةٍ | |
|
| وَمحكم أَحكامٍ تجلُّ عن الحَصرِ |
|
وأَنهضَه بالسَيف للحَيفِ ماحياً | |
|
| وأَيَّده بالفَتح منه وَبالنَصرِ |
|
فَضاءَت به شَمسُ الهداية واِنجلَت | |
|
| عَن الدين وَالدُنيا دُجى الغيِّ في بَدرِ |
|
له خُلقٌ لَو لامَسَ الصَخرَ لاِغتدى | |
|
| أَرَقَّ من الخَنساءِ تَبكي عَلى صَخرِ |
|
وجودٌ لو اِنَّ البَحرَ أُعطي معينَه | |
|
| جَرى ماؤُهُ عَذباً يمدُّ بِلا جَزرِ |
|
إِذا عبَّس الدَهرُ الضَنينُ لبائِسٍ | |
|
| تَلقّاه منه بالطَلاقة والبِشرِ |
|
وإِن ضَنَّ بالغيث السحابُ تَهلَّلت | |
|
| سحائبُ عَشرٌ من أَنامِله العَشرِ |
|
فَفاضَت على العافين كفُّ نَواله | |
|
| فَكَم كفَّ من عُسرٍ وكم فَكَّ من أَسرِ |
|
وَكَم للنَبيِّ الهاشميِّ عوارِفٌ | |
|
| يَضيق نطاقُ الحمد عنهنَّ وَالشكرِ |
|
إِليك رَسولَ اللَه أَصبحتُ خائضاً | |
|
| بحاراً يَغيض الصَبرُ في لُجِّها الغمرِ |
|
على ما براني من ضنىً صحَّ برؤه | |
|
| وَلَيسَ سوى رُحماك من رائِدٍ يَبري |
|
فأَنعِم سَريعاً بالشِفاءِ لمُسقَمٍ | |
|
| تقلِّبُه الأَسقامُ بطناً إلى ظَهرِ |
|
وَخذ بنجاتي يا فديتُك عاجِلاً | |
|
| من الضرِّ والبَلوى ومن خطر البَحرِ |
|
عليك صَلاةُ اللَه ما اِخضرَّت الرُبى | |
|
| وَماست غصونُ الروض في حللٍ خُضرِ |
|
وآلِك أَربابِ الطَهارة والتُقى | |
|
| وَصَحبِكَ أَصحابِ النَزاهة والطُهرِ |
|