إبلاغ عن خطأ
ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك
انتظر إرسال البلاغ...
|
مرثية رجل عظيم |
كان يريد أن يرى النظام في الفوضى |
وأن يرى الجمال في النظام |
وكان نادرَ الكلام |
كأنه يبصر بين كل لفظتين |
أكذوبة ميّتة يخاف أن يبعثها كلامُهُ |
ناشرة الفودين مرخاة الزمام |
وكان في المسا يطيل صحبةَ النجوم |
ليبصر الخيط الذي يلمُّها |
مختبئا خلف الغيوم |
ثم ينادي اللهَ قبل أن ينام |
الله هب لي المقلة التي ترى |
خلف تشَتُّتِ الشكول و الصور |
تغيُّر الألوان و الظلال |
خلف اشتباه الوهم و المجاز و الخيال |
وخلف ما تسدله الشمس على الدنيا |
وما ينسجه القمر |
حقائقَ الأشياء و الأحوال |
وتسألونني: أكان صاحبي؟ |
هل صحبة تقوم بين سيدٍ عظيم |
وخادمٍ محتال؟ |
مرثية صديق كان يضحك كثيرا |
كان صديقي |
حين يجىء الليل |
حتى لا يتعطَّن كالخبز المبتل |
يتحول خمرا |
تتلامس ضحكته الأسيانة في ضخكته الفرحانة |
طينا لمَّاعاً أسود |
أو بلورا |
ويخشخش في صوت الضحكات المرسَل |
صوت كتكسُّر قشر الجوز المثقل |
كنا نتلاقى |
أو بالأحرى نتوحد كل مساء |
في قاع الحانة |
كالأكواخ المتقاربة المنهارة |
والريح من الشباك المترب للشباك المترب |
تتسكّع بين فراغات الأشياء |
يتنحَّى كلٌّ منا عن موضعه للجار الأقرب |
لا عن أدب و حياء |
بل خوفا أن تختل الدورة |
إذ نتصادم أو نتلاقى |
كلمات أو أذرعة أو آلاما أو أهواء |
حذرا أن نهتز و نتفتَّح |
يتقارب كلٌّ منا في داخله كالأجَمِ الفارغ |
فإذا مال تنحنح |
كان صديقي في ساعات الليل الأولى |
يتجول في بلدتهِ |
كانت بلدتُه ساعات الليل الأولى |
ويجمِّع من مهجته المنثورة |
أو من بهجته المكسورة |
ما ذاب نهارا في أسفلت الطرقات |
يترشَّفُه قطرات...قطرات |
حتى يمتلىء كما تمتلىء القارورة |
يتعمَّمُ بالختم الطينيِّ اللمَّاع على عينيه الطيبتين |
ينقش فوق نداوته المحبورة |
صورةَ كون فياض بالضحكات |
يتدحرج نحو الحانة |
يتعثَّر في أيدينا مختارا |
يهوي مسفوحا |
يتأرَّج عطرا ريحا روحا |
يجعلنا أحيانا نضحك كالخمر الصفراء |
إذ ندرك أان الأشياء المبذولة مبذولة |
والأشياء العادية عادية |
والأشياء الملساء مجرد أشياء ملساء |
يجعلنا أحيانا نضحك إذ يضحك كالخمر السوداء |
إذ يبصر في ورق الشجر المتهاوي |
موتَ البذرة |
أو يتحسَّسُ بلسان الحكمة و اللامعنى |
حين يمصُّ ثنايا امرأة في قُبلتها الأولى |
جدرانَ الجمجمة النخِرة |
كنا و صديقي في آخر ساعات الليل |
نتحول عاصفة مخمورة |
تتخدد فوق ملامحنا |
تجعلنا نهتزُّ و نتفتَّح |
تجعلنا نتكسَّر |
حتى نبدو كتلا متشابهة متكررة متآلفةً |
من إنسان فرد متكثِّر |
مات صديقي أمس |
إذ جاء إلى الحانة لم يُبصر منا أحدا |
أقعى في مقعدهِ مختوما بالبهجة |
حتى انتصف الليل |
لم يُبصر منا أحدا |
سالت من ساقيهِ البهجة |
وارتفعت حكمته حتى مسَّت قلبَه |
فتسمَّم بالحكمة |
غاب الندماء فلم يقدر أن يتحول خمرا |
وتفتَّت مثل رغيف الخبز |