ما الذي تريدُ أن تراه بَعْدُ |
أكثرَ من كلِّ هذا الذي... رأيتهُ |
ها قد انتصفَ الليلُ وأقفرتِ المحطة |
واختفى آخرُ بائع سجائر |
وآخر بائعة حب |
وآخرُ شرطيٍّ |
بائع السجائر، قلتَ له: إنَّكَ لا تدخن غيرَ أحزانكَ |
وبائعةُ الحبِّ أدركتْ يا لخيبتها أن آخرَ ما تفكرُ به هو جسدها |
وآخرُ شرطيٍّ ألقى عليكَ نظرةَ ارتيابٍ |
وعندما لمْ يجدْ في عينيكَ غيرَ الدموعِ والأحلامِ |
وفي حقائبكَ غيرَ الأرصفةِ.. |
أطلق صافرتَهُ واختفى في الظلامِ... |
ما الذي تريدُ أن ترى.. |
أكثر مما رأيتهُ |
رغم أنكَ، لمْ تسافرْ |
أو تدخن |
أو تضيع في سوهو مثل كولن ولسن |
حياتُكَ سفرٌ في الأحلام |
وضياعٌ على الورقِ |
وتسكّعٌ طويلٌ.. |
تحتَ أمطارِ القصائدِ والضفائرِ الطويلةِ |
ما الذي تريدُ أن ترى.. |
أكثرَ من هذا؟ |
كتبكَ تباعُ على الرصيف |
ورغم ذلك لا تجد في جيوبكَ المملوءةِ بالريحِ، ما تشتري به: |
كتاباً جديداً، |
أو قميصاً رخيصاً لطفلكَ |
أحزانك تتناسلُ كالقطط |
وأنتَ من نافذةِ غرفتك |
ترقبُ الفتياتِ الجميلاتِ |
متأففاً على نصفِ حياتكَ |
مشاريعكَ الكتابيةُ كالمصعدِ الكهربائي |
دائماً تعطل في الطابق الرابعِ |
قريباً من غرفةِ رئيسِ التحريرِ |
حيثُ مقصاته بانتظاركَ... |
ما الذي تريدُ أن تراه إذن!؟ أكثرَ من هذا الذي رأيتهُ |
ها قد انتظرتَ طويلاً
|
طويلاً جداً |
ولم يأتِ القطارُ الذي وعدوك به في طفولتك، |
محملاً بالحلوى وبالوناتِ السعادةِ والجواري والنقود |
مرت عشراتُ القطارات المملوءة بالجنودِ والبضائعِ والعرسانِ والنفطِ والأشجارِ والأجانبِ والمسافرين |
مرّتْ آلافُ الوجوه... وآلاف الأقنعة |
مرّتْ آلافُ الأنهارِ والطيور والمدن والكتب والهموم والشوارع |
وما زلتَ تنتظرُ قطارَ فرحك |
حتى أعشبتْ قدماك من الوقوفِ |
.. بائعُ السجائرِ هزَّ كتفيهِ ساخراً.. ومضى |
الشرطي اكتفى بشتيمةٍ عابرة |
بائعةُ الحبِّ التفتتْ مرتين... ثم بصقتْ |
مفتشُ المحطةِ... قال: |
لقد رأيتُ في حياتي كثيراً... من أمثاله: |
هؤلاء المجانين.. ماذا ينتظرون!؟ |
********** |