حارَ قَلبي في أَرضِهِ وَسَمائهِ | |
|
| في عُلاهُ في جوِّهِ في هَوائهْ |
|
سئمَ الكَونَ في جَلالِ بَهائهِ | |
|
| وَقَضى وَهُوَ صارمٌ في مَضائهْ |
|
أَن يذل الزَمان في كبريائه | |
|
| وَيَميتُ الغُرور مِن أَحيائهْ |
|
وَيبينُ الظَلامُ تَحتَ ضيائِهِ | |
|
| فَحَبا الكَونَ قَطرةً مِن دِمائهْ |
|
وَرَمى الجَهل وَالهَوى مِن وَرائه | |
|
| مُستَمد مِن عَزمِهِ وَمَضائهْ |
|
هُوَ ذا يَدخلِ الحَياةَ غَريباً | |
|
| سالِكاً مَسلكاً بَعيداً قَريبا |
|
صاعِداً هابِطاً يَدُبُّ دَبيبا | |
|
| فَرَأى الخَصم بَينَها وَالحَبيبا |
|
وَرَأى الحُزنَ وَالبُكا وَالنَحيبا | |
|
| وَرَأى الضاحكَ السَعيدَ الطَّروبا |
|
وَرَأى مَظهرَ الحَياةِ عَجيبا | |
|
| يُحرجُ الحاذقَ الذكيَّ اللَبيبا |
|
ضَمَّ في نَفسهِ فُنوناً ضُروبا | |
|
| يَقِفُ العَقلُ دونَها مُستَريبا |
|
هي هَذي الحَياةُ تَبدو أَمامي | |
|
| في ثيابٍ قُدَّت مِنَ الأَوهامِ |
|
فَلَها ظاهرٌ كَبَدرِ التَمامِ | |
|
| وَلَها باطنٌ عَميقُ الظَلامِ |
|
أَخذتَني بِرَوعةٍ وَنِظامِ | |
|
| وَخِداعٍ في ثَغرِها البَسّامِ |
|
وَرواء في خَدها وَالقَوامِ | |
|
| وَتَثنَت كَأَجمَلِ الآرامِ |
|
ثُمَ مَدَت اليَّ كَفَّ السَلامِ | |
|
| أَتَراها تُنيلُني أَحلامي |
|
أَيُّها القَلبُ سِر معَ السائِرينا | |
|
| وَانظر الكَونَ ما عَسى أَن يَبينا |
|
وَتَفَهَّم سِرَّ الحَياةِ الدَفينا | |
|
| وَالتَفت أَنتَ يَسرةً وَيَمينا |
|
وَابتَعِث عَزمكَ القَويَّ الكَمينا | |
|
| وَانشدِ الحَقَّ وَالرُؤى وَالظُنونا |
|
وَاطلبِ الشَكَّ واستَحِثِّ اليَقينا | |
|
| لا تَدَع في الحَياةِ مَعنىً ثَمينا |
|
أَو حَقيراً أَو عالياً أَو دونا | |
|
| أَيُّها القَلبُ سِر وَكُن لي مُعينا |
|
فَمَضى سالِكاً مَسالكَ كُثراً | |
|
| مُرهِفاً أَذْنهُ لِيَسمَعَ خَيرا |
|
مُرسَلاً عينه يُحاول أَمرا | |
|
| فاتِحاً حَولَهُ ذِراعاً وَصَدرا |
|
لِيَضُمَّ الحَياةَ طَوعاً وَقَسرا | |
|
| وَيَجوبَ البِلادَ بَراً وَبَحرا |
|
قَلَّبَ الحادِثاتِ بِطناً وَظَهرا | |
|
| قَدح الزَّندَ لِلحَياةِ وَأَورى |
|
ثُم أَلقى بِنَفسهِ وَاسبَطرَّا | |
|
| مُقبِلاً مُدبراً مُكرّا مُفِرّا |
|
خَبَّرَ الناسَ عالياً وَحَقيرا | |
|
| وَغَنياً وَبائِساً وَأَميرا |
|
وَكَبيراً وَيافِعاً وَصَغيرا | |
|
| كُلَهُم يَلفُظونَ لَفظاً كَثيرا |
|
وَيَبثُّون في الحَياةِ الشُرورا | |
|
| فَقَدوا العَقلَ وَالهُدى وَالضَميرا |
|
رَكِبوا مَركِباً ذَميماً خَطيرا | |
|
| وَأَماتوا مِنَ القُلوبِ الشُعورا |
|
وَدَعتهم نُفوسُهُم أَن يَخورا | |
|
| وَدَعا الجَهلَ فيهمُ أَن يُغيرا |
|
|
| قَيَّدَ القَومَ كُلَهُم في وثاقِ |
|
وَمَناهم بِالذُل وَالإرهاقِ | |
|
| فَهُمُ في الثَراءِ وَالاملاقِ |
|
رائدو ضَلةٍ وَأَهلو شَقاق | |
|
| وَعَبيدٌ لِلأَصفرِ البَراقِ |
|
وَرَأى زُمرَةً مِنَ العُشاقِ | |
|
| دَمعَهُم لا يَزالُ ملءَ المَآقي |
|
هَلِكوا في العُيونِ وَالأَحداقِ | |
|
| وَاِستَماتوا في قُبلةٍ أَو عِناقِ |
|
وَرَأى الكَونَ كُلَّهُ مَحَضُ فَوضى | |
|
| لا سَماءٌ أَبقى وَلَم يُبقِ أَرضا |
|
كُلُّ ما في الحَياةِ طولا وَعَرضا | |
|
| هائِماتٌ مِنَ السَوائمِ مَرضى |
|
بَعضَها يَوردُ المَهالكَ بَعضا | |
|
| لا حَياء تَخشى وَلَم يَخشَ عَرضا |
|
وَرَأى في ضَمائرِ الناسِ بُغضا | |
|
| ينقضُ الودَّ وَالمَصالحَ نَقضا |
|
وَرَأى الناسَ بِالتَفَرُّقِ تَرضى | |
|
| نَقَضوا سُنَّةَ التَعاونِ نَقضا |
|
عاد لي القَلبُ وَهُوَ يَكبو وَيَعثُرْ | |
|
| قَلبُ ماذا فَقالَ لي اللَهُ أَكبرْ |
|
قَد دَرَستَ الحَياةَ في كُلِّ مَنظَرْ | |
|
| وَخَبرت الأَنامَ في كُلذِ مَظهَرْ |
|
فَوَجَدتَ النِفاقَ يَنهي وَيَأمُرْ | |
|
| وَشهِدْتَ الأخلاصَ وَلَّى وَأَدبرْ |
|
وَرَأَيتَ الزَمانَ يَفنى وِيَقهَرْ | |
|
| وَالمَنايا أَكولةٌ لَيسَ تَفترْ |
|
وَبَنو الأَرضَ بِالمَهازلِ تَزخرْ | |
|
| ما يَزالونَ في ضِلالِ التَأخُّرْ |
|
قالَ قَلبي وَلِلقُلوبِ اِزدِهاءُ | |
|
| وَلَها حكمةٌ وَفيها مَضاءُ |
|
ان عُرسَ الحَياةِ عُرسٌ خواءُ | |
|
| لعِبَ الجَهلُ فيه وَالجهلاءُ |
|
ما لِمثلي عَلى الحَياةِ ثَواءُ | |
|
| أَنا مِن هَذهِ الحَياةِ بَراءُ |
|
عادَ قَلبي وَكلُّه خُيَلاءُ | |
|
| تَزدَهيهِ الحُريةُ البَيضاءُ |
|
ضاقتَ الأَرضُ حَولَهُ وَالسَماءُ | |
|
| لَم تَسَعهُ الحَياةُ وَالأَحياءُ |
|