أَناتكَ يا دَهري رُويدَ المَصائبِ | |
|
| رُوَيدكَ ما أَبقَيتَ لي مِن رَغائبِ |
|
وَما فَتَرَت كَفَّاكَ عَني وَلا وَنَت | |
|
| تُبَعثِرُ آمالي وَتَقَصى مَطالِبي |
|
وَما خِفتَني يا دَهر بَل زِدتَني أَذىً | |
|
| وَأَسرَفَتَ في دَفعي وَراءَ المَصاعبِ |
|
كَأَنَّكَ مِنّي طالبٌ ثَأرَ مَيِّتٍ | |
|
| تَردَّى قَتيلاً بي وَلَستَ بِطالِبي |
|
وَيا دَهرُ ما عَوَّدتُ نَفسي تَوَجُّعاً | |
|
| وَلا أَنا أَشكو مِن مَريرِ النَوائبِ |
|
وَلا جَزعَت نَفسي لِخَطبٍ مُرَوِعٍ | |
|
| وَإِن هُوَ أَعياني وَأَرهَقَ جانِبي |
|
وَلا بُدَّ لي يا دَهرُ مِن بَثِّ لَوعَتي | |
|
| وَلا بُدَ لي مِن ثاقبِ الرَأيِ صائبِ |
|
وَحَقِّكَ ماذيَّاكَ ضَعفٌ وَلا وَنى | |
|
| وَلا هُوَ شَكوى مِن زَمانٍ مُحاربِ |
|
وَلَكِنَّهُ قَلبٌ تَفَجَّرَ ساخِطاً | |
|
| بِما لَقِيَت أَحشاؤُهُ مِن مَتاعبِ |
|
يُكادُ يَذوبُ اليَومَ مِن فَرطِ ما حَوى | |
|
| مِن الأَلَم المُضني وَلَيسَ بِذائبِ |
|
تَقولُ كَربت اليَومَ أَترك عادَتي | |
|
| لِعَمرُكَ لَم تَكرب وَلَستُ بِكارِبِ |
|
وَما أَنتَ إِلّا جائرٌ وَاِبنُ جائرٍ | |
|
| تَداعَب لَكِن فَوقَ حَقِّ المُداعبِ |
|
لَقيتُ مِن الدُنيا وَمَن ظُلمِ أَهلِها | |
|
| نَضيضَ الأَفاعي في سُمومِ العَقاربِ |
|
صَحبتهمُ دَهراً طَويلاً فَما جَنَت | |
|
| يَدايَ فَتيلاً مِن قِطافِ التَحاببِ |
|
أَقامَ عَلى غَدرٍ وَدسَّ أَباعِدي | |
|
| وَقَلَّبَ لي ظَهرَ المِجَنِّ أَقارِبي |
|
وَما أَنصَفتَني إِخوتي في وِدادِهِم | |
|
| وَلَكن جَرُوا رَكضاً وَراءَ المَآربِ |
|
أَخدتُ مِنَ الدُنيا تَجاريبَ أَهلِها | |
|
| فَما نَفَعَت شَيئاً وَأَغنَت تَجارِبي |
|
وَيا وَطَني مازلتَ لي خَيرَ صاحبٍ | |
|
| إِذا خانَنَي خَيرُ الصَديقِ المُصاحبِ |
|
عَلى تُربِكَ الغالي نَثَرتُ قَلائِدي | |
|
| وَسَيَّرتُ أَمثالي مَسيرَ الكَواكبِ |
|
وَدوَّى قَصيدي في رُبوعِكَ مُعلِناً | |
|
| بِما في ضَميري مِن غَريبِ الغَرائبِ |
|
وَيا وَطَني عَقَّتكَ شِيبٌ وَفتيةٌ | |
|
| تَداعَوا كَثيراً في مَهاوي المَعاطبِ |
|
أَماتَهُمُ حبُّ الظُهورِ فَسوَّدوا | |
|
| صَحائِفَ لا يَرضى بِها نُصفُ كاتبِ |
|
أَلَمَّ بهم سخفٌ وَأَودى بِهُم هَوى | |
|
| فَمالوا لِمُنحَطِّ المُنى وَالرَغائبِ |
|
وَسَيَّرَهم في دَهرِهم كُلُّ كاذبٍ | |
|
| وَما غالبَ الأَيّامَ منطقُ كاذبِ |
|
أَلا فَليَسيروا في ضَلالٍ وَذلةٍ | |
|
| فَلَستُ لإخوانِ الضلالِ بِصاحبِ |
|
عَليَّ لطلاّبِ الظُهورِ كَتائبٌ | |
|
| تُبَدِّدُ ما قَد جَمَّعوا مِن كَتائبِ |
|
حَلَفتُ يَميناً لا أُغادرُ جَمعَهم | |
|
| عَلى غيرِ أَشلاءٍ وَغَيرِ مَقانبِ |
|
سَأُعملُ حَدَّ السَيفِ في أَمِّ أرؤُسٍ | |
|
| خَرائبَ يا وَيحَ الرؤوسِ الخَرائبِ |
|
لَهُم مَن يُراعي كَلَّ سَيفٍ مُجربٍ | |
|
| يُريهِم سَريعاً كَيفَ فَعَل القَواضبِ |
|
سَأَسمَعُ نَوحَ الثاكِلاتِ مُحبّباً | |
|
| وَأَسمَعُ مَسروراً دَويَّ النَوائبِ |
|
كَذا عَوَّدتني النَفسُ أَن أُحطِّم الهَوى | |
|
| وَأَن أَتعالى فَوقَ أَعلى المَراكبِ |
|
كَذا خَلقتني للحَوادثِ هِمَّتي | |
|
| وَأوهبني عَزمي لجوبِ الغَياهبِ |
|
تَمَرَّستُ بِالأَيّامِ حَتّى عَرَكتُها | |
|
| وَعدتُ وَما أَحرَزتُ صَفقةَ خائبِ |
|
وَلا بُدَّ مِن يَومٍ أَغَرٍّ مُحجَّلٍ | |
|
| تَضيقُ بِهِ العَليا عَلى كُلِّ راغبِ |
|
تَرونَ بِهِ يَومَ الحِمى مَن بُزاتُهُ | |
|
| وَتَستَبقُ الآسادُ قَبلَ الثَعالبِ |
|
يُحَصحِصُ فيهِ الحَقُّ أَبيضَ ناصِعاً | |
|
| وَتَنهَزمُ الأَوغادُ مِن كُلِّ جانبِ |
|
سِجالاً تَدورُ الحَربُ بَيني وَبَينَكُم | |
|
| وَتُضرمُ ناراً في صَميمِ المَكاتبِ |
|
وَلَستُ أَخالُ النَصرَ إِلّا مُحالفي | |
|
| وَهَل أَنا إِلَا غالبٌ وَابنُ غالبِ |
|
لَئن فاتَني حَظٌّ مِن الدَهرِ وَافرٌ | |
|
| وَأَخطَأني صَوب الغَوادي السَواكبِ |
|
وَمالَ بِعِطفيَّ الشَقاءُ وَقَصَّفَت | |
|
| زُهورُ حَياتي مُضنياتِ المَتاعبِ |
|
فَما أَنا بِالمفجوعِ في حُسنِ مَنطقي | |
|
| وفي أَدَبي العالي وَنبلِ مَواهبي |
|
وإِن نَضَبَت مِنِّي يَنابيعُ ثَروَتي | |
|
| فَلَيسَ مَعينُ القَولِ منِّي بِناضبِ |
|
لي الأَطيبانِ اليَوم علمي وَمَنطِقي | |
|
| وَذيَّانِ ما أَرجوهُ قَبلَ المَراتبِ |
|
إِذا أَنا لَم أُدرِك بهذينِ مَطلَبي | |
|
| فَلا حَمَلتني في جِهادٍ مَناكِبي |
|
وَإِن أَنا أَعطَيتُ الزَمان مَنالَهُ | |
|
| فَلا ضَمَّني عَمي النَبيل وَلا أَبي |
|
هُوَ الدَهرُ يا نَفسي يُذِلُّ فيَنتَشي | |
|
| سُروراً بِأذلالِ الكُماةِ السَلاهبِ |
|
يَجورُ وَلَكِن في عماءٍ وَضلَّةٍ | |
|
| وَيَعدلُ لَكِن تَحتَ سَيفِ المُحاربِ |
|
فَما بَخِلَت كَفَّاهُ شُحّاً وَلا هَمَت | |
|
| لِجودٍ وَلا قامَت بِاسداءِ واجبِ |
|
مُرِي قَلبِيَ الدامي يَثِب مِن ضُلوعِهِ | |
|
| وَيَضرِب عَلى الأَيّامِ ضَربَةَ غاضبِ |
|
يَشتِّتُ شَملَ الدَهرِ تَشتيتَ قادرٍ | |
|
| وَيَجعلُ مِن دُنياه لُعبَةَ لاعبِ |
|
وَما هِيَ إلّا جَولةٌ إِثرَ جَولةٍ | |
|
| وَضَربٌ يَفُلُّ العَزمَ مِن كُلِّ ضاربِ |
|
تَرينَ فَتاكِ الشَهمَ رُبَّانَ قَومِهِ | |
|
| إِذا اِفتقِدَ الرُبانُ مِن كُلِّ قاربِ |
|
يَصولُ وَلَكِنَّ صَولَهُ بنت عَزمةٍ | |
|
| تُحشرِجُ مِنها الروحُ بَينَ التَرائبِ |
|
وَيقدِمُ إِقداماً تَرى المَوتَ تَحتَهُ | |
|
| يَعُجُّ وَيَطوي راكِباً بَعد رَاكبِ |
|
ليَ الحَقُّ أَن أَستَلَّ أَحشاءَ سِفلةٍ | |
|
| إِذا نَبَحوا دوني نُباحَ الأَكالبِ |
|
وَأَن أَتروَّى مِن دَمٍ غَير طاهرٍ | |
|
| إِذا اِرتَفَعت يَوماً وَقاحةُ ناعبِ |
|
إِلى مَذهَبي أَدعوهمُ أَن يَشرِّقوا | |
|
| وَيَعتَنِقوا طَوعاً وَقَسراً مَذاهِبي |
|
فَقَد غَصَّ حَلقي الغَربُ بِالسَخفِ وَالهَوى | |
|
| وَآلمتموني أنتمُ بِالتكالبِ |
|
فَمَن هُوَ يُدني للأَعاربِ مَجدَهُم | |
|
| إِذا أَنا لَم أَثأر لِمَجدِ الأَعاربِ |
|
وَكَيفَ يَسامُ الذُلُّ شَعبٌ جَرَت بِهِ | |
|
| وَتَجري دِماءٌ مِن عَلي بن طالبِ |
|
لَئِن تَكُنِ الدُنيا أَضرَّت بِمُهجَتي | |
|
| فَحَظِّي مِنَ الأُخرى فَسيح الجَوانبِ |
|
وَأن تَكُنِ الأَيّامُ أَوسَعَنَنِي قَلىً | |
|
| فَما أَنا للأَيّامِ سِبحةَ راهبِ |
|
يُعدِّدُ فيها ما قَضى مِن طُقوسهِ | |
|
| وَيَعبَثُ أَنَّى شاءَ غَيرَ مُحاسَبِ |
|
وَلِكِنَّني أَرهَقتُها في مَطالِبي | |
|
| وَيا رَب ما أَحلى وَأَسمى مَطالِبي |
|
وَيا رَب كادَ البُؤسُ يُثني عَزيمَتي | |
|
| كَأَنَّ عَلى البُؤسِ ضَربةَ لازبِ |
|
تَحبَّبني فَقري فَلَو مَرَّ بي الغِنى | |
|
| لَما مَرَّ إِلّا في اِحتشامِ المُجانبِ |
|
وَلَستُ أُبالي أَن أَروحَ وَأَغتَدي | |
|
| وَقَد صَغَرت مِني وأَلوت أطائبي |
|
أَلا إِنَّ راياتِ العُلا فوقَ هامَتي | |
|
| أَلا إِنَّ صَوتَ المَجد حُرّاً أَهابَ بي |
|
الهي أَعِنِّي في جِهادي وَطِلَبتي | |
|
| وَأَمطِر رُبوعي وابِلاتِ السَحائبِ |
|
وَيا رَب لَم أَخضَع لَحي وَلَم أَسَل | |
|
| سِواكَ فَما حَيٌّ سِواكَ بِواهبِ |
|