عناوين ونصوص القصائد   أسماء الشعراء 
شعراء الفصحى في العصر الحديث > مصر > علي محمود طه > ميلاد شاعر

مصر

مشاهدة
2199

إعجاب
1

تعليق
0

مفضل
0

الأبيات
0
إغلاق

ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك

إرسال
انتظر إرسال البلاغ...

ميلاد شاعر

هبط الأرض كالشعاع السنيّ
بعصا ساحر وقلب نبيّ
لمحة من أشعّة الرّوح حلت
في تجاليد هيكل بشريّ
ألهمت أصغريه من عالم الحك
مه والنّور كلّ معنى سريّ
وحبته البيان ريّا من السح
ر به للعقول أعذب ريّ
حينما شارفت به أفق الأر
ض زها الكون بالوليد الصّبيّ
وسبى الكائنات نور محيّا
ضاحك البشر عن فؤاد رضيّ
صور الحسن حوّم حول مهد
حفّ بالورد والعمار الزّكيّ
وعلى ثغره يضيء ابتسام
رفّ نورا بأرجوان ندي ّ
وعلى راحتيه ريحانة تن
دى وقيثارة بلحن شجيّ
فحنت فوق مهده تتملّى
فجر ميلاد ذلك العبقريّ
وتساءلن حيرة: ملك جا
ء إلينا في صورة الإنسيّ؟
من ترى ذلك الوليد ه
شّ له الكون من جماد وحيّ؟
من تراه؟ فرّن صوت هتوف
من وراء الحياة شاجي الدّويّ
إنّ ما تشهدون ميلاد شاعر
***
كان وجه الثّرى كوجه الماء را
ئق الحسن مستفيض الضّياء
حين ولّى الدّجى وأقبل فجر
واضح النّور مشرق اللألاء
بهج في السّماء والأرض يهدى
من غريب الخيال والإيحاء
صفّقت عنده الخمائل نشوى
و شدا الطّير بين عود وناء
مظهر يبهر العيون وسحر
هزّ قلب الطّبيعة العذراء
وجلا من بدائع الفنّ روضا
نمّقته أنامل الإغراء
ما الرّبيع الصّناع أوفى بنانا
منه في دقّة وحسن أداء
نسق الأرض زينة وجلاها
قسمات من وجهه الوضّاء
ربوة عند جدول عند روض
عند غيض وصخرة عند ماء
فزها الفجر ما بدى وتجلّى
و ازدهى بالوجود أيّ ازدهاء
قال:لم تبد لي الطّبيعة يوما
حين أقبلت مثل هذا الرّواء
لا ولم يسر ملء عيني وأذني
مثل هذا السّني وهذا الغناء
أيّ بشر لها تجمّلت الأر
ض وزافت في فاتنات المرائي؟
علّها نبّئت من الغيب أمرا
حملته لها نجوم المساء
قال ماذا أرى؟ فردّد صوت
كصدى الوحي في ضمير السّماء
إنّ هذا يا فجر ميلاد شاعر
كان فجر وكان ثمّ صباح
فيه للحسن غدوة ورواح
بكرت للرّياض فيها عذارى
تزدهيهنّ صبوة ومراح
حين لاحت لهنّ رنّ هتاف
و علت بالدّعاء منهنّ راح
قلن: ما لأجمل الصّباح فما ح
لّ على الأرض مثل هذا صباح
فتعالوا بنا نغنّي ونلهو
فهنا اللّهو والغناء يتاح
وهنا جدول على صفحتيه
يرقص الظّلّ والسّني والوضّاح
وعلى حافتيه قام يغنّي
نا من الطّير هاتف صدّاح
وفراش له من الزّهر ألوا
ن ومن ريق الشّعاع جناح
دفّ في نشوة يناديه نوّا
ر وعطر من الثّرى فوّاح
وهنا ربوة تلألأ فيها
خضرة العشب والنّدى اللماح
ونسيم كأنه النّفس الحا
ئر تصغي لهمسه الأدواح
مثل هذا الصّباح لم يلد الشّر
ق ولم تنجب الشّموس الوضاح
لكأّنا بالكون أعلام ميلا
د وعرس قامت له الأفراح
أيّ حسن نرى؟ فردّد صوت
شبه نجوى تسرّها أرواح
إنّ هذا الصباح ميلاد شاعر
وتجلى المساء في ضوء بدر
و شفوف غرّ الغلائل حمر
وسماء تطفو وترسب فيها ال
سّحب كالرّغو فوق أمواج بحر
صور جمّة المفاتن شتّى
كرؤى الحلم أو سوانح فكر
لا ترى النّفس أو تحسّ لديها
غير شجو يفيض من نبع سحر
أفق الأرض لم يزل في حواشي
ه صدى حائر بألحان طير
وبأحنائه يرفّ ذماء
من سني الشّمس خافق لم يقرّ
وعلى شاطئ الغدير ورود
أغمضت عينها لمطلع فجر
وسرى الماء هادئا في حوا
فيه يغنّي ما بين شوك وصخر
وكأنّ النجوم تسبح فيه
قبلات هفت بحالم ثغر
وكأنّ الوجود بحر من النو
ر على أفقه الملائك تسري
هتفت نجمة: أرى الكون تبدو
في أساريره مخايل بشر
وأرى ذلك المساء يثير السّح
ر والشّجو ملء عيني وصدري
ترانا بليلة الوحي والتّن
زيل؟ أم ليلة الهوى والشّعر؟
ما لهذا المساء يشغفنا حبّ
ا ويروي بنا الفتون ويغري
أيّ سرّ ترى؟فرنّ هتاف
بنجيّ من الصدى مستسرّ
إنّ هذا المساء ميلاد شاعر
قمر مشرق يزيد جمالا
كلّما جدّ في السّماء انتقالا
وسكون يرقى الفضاء جناحا
ه على الأرض يضفوان جلالا
هذه ليلة يشفّ بها الحس
ن ويهفو بها الضّياء اختيالا
جوّها عاطر النّسيم يثير ال
شّجو والشّعر والهوى والخيالا
وإذا النّهر شاطئا ونميرا
يتبارى أشعّة وظلالا
وسرى فيه زورق لحبيب
ن شجيّين ينشدان وصالا
يبعثان الحنين في صدر ليل
ليس يدري الهموم والأوجالا
شهد الحبّ منذ كان روايا
ت على مسرح الحياة توالى
وجرت ملء مسمعيه أحادي
ث عفا ذكرها لديه ودالا
ذلك الباعث الأسى والمثير ال
نّار في مهجة المحبّ اشتعالا
لم يجب قلبه لميلاد نجم
لا ولم يبك للبدور زوالا
بيد أنّ القضاء أوحى إليه
ليذوق الآلام والآمالا
فأحسّ الفؤاد يخفق منه
و رأى النّور جائلا حيث جالا
واستخفّته من شفاه الحبي
بين شؤون الهوى فرقّ ومالا
وتجلّت له الحياة وما في
ها فراعته فتنة وجمالا
فجثا ضارعا: أرى الكون ربّي
غير ما كان صورة ومثالا
لم يكن يعرف الصّبابة قلبي
أو تعي الأذن للغرام مقالا
أتراها تغيّرت هذه الأر
ض أم الكون في خيالي حالا
ربّ ماذا أرى؟ فرنّ هتاف
مستسرّ الصّدى يجيب السّؤالا
إنّ هذا يا ليل ميلاد شاعر
***
وتجلّى الصّدى الحبيب السّاحر
في محيط من الأشعّة غامر
وسكون يبثّ في الكون روعا
وقفت عنده اللّيالي الّدوائر
وستكان الوجود والتف الدّه
ر وأصغت إلى صداه المقادر
لم يبن صورة ولكن راته
بعيون الخيال منّا البصائر
قال: يا شاعري الوليد سلاما
هزّت الأرض يوم جئت البشائر
فإليك الحياة شتّى المعاني
و إليك الوجود جمّ المظاهر
لا تقل كم أخ لك اليوم في الأ
رض شقيّ الوجدان أسوان حائر
إن تكن ساورته في الأرض آلا
م وحفّت به الجدود العواثر
فلكي يستشفّ من خلل الغي
ب جمالا يذكي شباب الخواطر
ولكي ينهل السّعادة من نب
ع شهيّ الورود عذب المصادر
فلكم جاء بالخيال نبيّ
و لكم جنّ بالحقيقة شاعر
إنّما يسعد الوجود وتشقو
ن وإنّي لكم مثيب وشاكر
ولكم جنّتي اصطفيتكم اليو
م لتحيوا بها جميل المآثر
فانسقوها جداولا ورياضا
و اجعلوها سرح النّهى والنّواظر
اجعلوا النّهر كيف شئتم ومدّوا
شاطئيه بين المروج النّواضر
ماؤه ذوب خمرة وسنا شم
س وريّا ورد وألحان طائر
وضعوا هضبة تطلّ عليه
ذات صخر منوّر العشب عاطر
واغرسوا النّخلة الجنيّة فوق النّب
ع في الموقف البديع السّاحر
واجعلوا جنّتي قصيدة شاعر
***
أدخلوا الآن أيّها المحسنونا
جنّة كنتم بها توعدونا
اجعلوها من البدائع زونا
و املأوها من الجمال فنونا
املأوها فنّا وليس فتونا
و انشروا الصّفو فوقها والسّكونا
غير لحن يرفّ فيها حنونا
تتغنّى به الطّيور وكونا
وسنا مشرق يضيء الدّجونا
سرمديّ الشّعاع يمحو المنونا
رائق النّور ليس يعشي العيونا
وتغنّوا بها كما تشتهونا
وصفوها جداولا وعيونا
وورودا نديّة وغصونا
لا تثيروا بها الهوى والمجونا
و احذروا أن تذكّروا المجنونا
فلقد ثاب من هواه شجونا
و خلا مهجة وجفّ شؤونا
وهو في جنّتيه أسعد شاعر
***
أيّها الشّاعر اعتمد قيثارك
و اعزف الآن منشدا أشعارك
واجعل الحبّ والجمال شعارك
و ادع ربّا دعا الوجود وبارك
فزها وازدهى بميلاد شاعر
علي محمود طه
بواسطة: سيف الدين العثمان
التعديل بواسطة: سيف الدين العثمان
الإضافة: الأربعاء 2007/02/07 01:19:57 مساءً
إعجاب
مفضلة

أضف تعليق

يجب تسجيل الدخول أو الاشتراك أو تفعيل الحساب اذا كنت مشترك لإضافة التعليق


أعلى القصائد مشاهدة للشاعر
أعلى القصائد مشاهدة خلال 24 ساعة الماضية
انتظر معالجة القصيدة ...
جميع الحقوق محفوظة لبوابة الشعراء .. حمد الحجري © 2005 - برمجة وتصميم
info@poetsgate.com