لِهَذا العالمِ الأعمَى .. يدٌ لا تعرفُ الدعما
|
وأُذْنٌ ماتَ فيها السمعُ عن أنَّاتِنا صَمَّا
|
وقلبٌ مِن جليدِ الصخرِ لا يُلقي لنا همَّا
|
ورُوحٌ فارقتْها الروحُ فهْي الجيفةُ الرَّمَّا
|
وخُلْقٌ مِثلُ خَلْقِ الثوب يكسُو العارَ والذَّمَّا
|
وإنسانيَّةٌ كم أُرضِعَت في الغابةِ السُّمّا
|
رأَتْ ما بي وألوَت لا .. تُحسُّ الضيقَ والغمَّا
|
ولم تعبأْ بآهاتي .. وقد زيدَت بها عِلما
|
ولم تُهرَعْ لإنجادي .. ولم تعقِدْ لهُ عزما
|
ولا رقَّت لسنِّي أو .. لوَجْهي الشاحبِ المُدمَى
|
ولا لحمي الذي قد باتَ كَلْمًا جاورَ الكَلْما
|
ودمعي البحرِ يسقي رُوحَها الظمآى لهُ سَجْما
|
فزادتْ رقَّتي قتلًا .. وزادت قاتلي حِلْما
|
وقالتْ أيُّها السَّفاحُ زِد أوجاعَهُم سوْما
|
فليسَ المنعُ مِن فعلي .. فعَربِدْ فيهمُ ظُلما
|
متى لم تُخرج الكِمياءَ لم نستبدل السِّلما
|
وليسَت هذه الأطفالُ تعنينا فطِب حُكما
|
|
تركتُ البيتَ والألعابَ رَدْمًا يحتوي ردما
|
وكُرَّاسي وفصلي بعد أن أبصرتُهُ هدْما
|
وفُتُّ الشارعَ المأنوسَ يشكو الوحشةَ العُظمَى
|
وعُمرًا هانئًا ولَّى .. ولمَّا أشتَكِ الهمَّا
|
أتتني فيه آمالي .. تقولُ اطلُبْ تَجِدْ حتما
|
وأهدَتْ ضِعفَها عشقًا .. لِحُسني كي ترى البَسْما
|
فأينَ الصحبُ إذ نلهُو .. ونرمي بالحصَى النجما
|
ونعدُو لا نخافُ الدهرَ رُوحًا تسبقُ الجِسْما
|
ونَوْمي في سريري الغضِّ يحبُو جسميَ النوْما
|
فلا أخشَى إذا ما نِمتُ أن يمحُو الغدُ اليوْما
|
وصوتُ الطير في صَحْوي .. يُحيِّي مَشرقي نغْما
|
وحلْوَى جدَّتي في فيَّ لم أعدِلْ بها طَعْما
|
وتقبيلٌ على خديَّ منها يَعقُبُ الضَّمَّا
|
مضَى هذا كأنِّي كنتُ في نومي أرى حُلْما
|
وحلَّ القتلُ والتهجيرُ عن آمالِنا رغما
|
ودقَّ القصفُ عَظْمَ القلب رَجْمًا يَتبعُ الرجما
|
كأنَّ الشُّهبَ قد خرَّت .. علينا تحرقُ الغيْما
|
ومدَّت موكبًا في الأفْقِ غَيْبَ المُنتهَى ضخما
|
كأني بالسَّما لم تُبقِ في أنحائِها جِرْما
|
ومات الأمنُ كالعصفورِ لما استقبلَ السهما
|
أزِلزالٌ أم اليومُ الأخيرُ الفصلُ قد حُمَّا؟
|
وهذي الأرضُ هل مُدَّت .. وألقى بطنُها العظْما؟
|
رأيتُ الأرضَ ما ألقَت .. ولكنْ حُمِّلَت لَحْما
|
وعمَّ الموتُ مثل الريحِ أهوَتْ قِمَّةً شَمَّا
|
وشاهدتُّ الخرابَ الصِّرفَ يُبدي سحنةً سَحما
|
وفُتُّ البيتَ روحي فيهِ لم تَهجُر لهُ رسما
|
وصرتُ اللاجئَ المطرودَ يبغي السقفَ والطُّعْما
|
ويبكي سالفَ الأيام أخفَتْ حُسنَها الغُمَّى
|
وأستجدِي الورَى السُّكنَى .. فيبني لي الورى الخَيْما
|
قُماشٌ ليس يُغني مِن .. شتاءٍ وَبْلُهُ طَمَّا
|
ويفري البردُ فيها لحميَ المهزولَ والعَظْما
|
وأبكي صاحبي الماضي .. شهيدًا خالدًا أسمَى
|
سلامٌ حمزةَ المقتولَ طفلًا لم يُصِب إثما
|
ولو أنِّي إليك اشتقتُ شوقًا جارفًا جمَّا
|
وهذا صاحبي الباقي .. أواسيهِ مُذ اغتمَّا
|
وصاد القصفُ أهليه .. وذاقَ الفقدَ واليُتْما
|
أسيفٌ دائمُ الإطراقِ يبكي قلبُهُ الأُمَّا
|
ويرثي قلبَها الحنَّانَ والصدرَ الذي ضَمَّا
|
وأُختًا كان منها الوجهُ بدرًا مُشرقًا تِمَّا
|
غدا في الأرض مثواها .. ومثواهُ غدا الهَمَّا
|
|
سئِمتُ النوحَ والشكوَى .. وكلَّت رُوحيَ الكَلْمَى
|
وملَّ الصوتُ أن يدعُو .. صُخورَ الطينة الصَّمَّا
|
إذا كان الورَى موتَى .. فهل يشفِي الدُّعا كَلْما
|
وأنَّى تُسمِعُ الموتَى .. وأنى تُسمع الصُّمَّا
|
ولو أني إذا ضاعفتُ بذلي أظهَروا رُحْما
|
لأهديتُ الورى عيني .. عسى أن يُبصروا الضَّيْما
|
|
ولكنِّي دعوتُ اللهَ أرجو الفضل والنُّعمَى
|
وكشفَ الكُربة الدَّهْما .. ورفعَ الغُمة العَتْما
|
وقصمَ المُعتدي الطاغي الذي أودَى بنا قصْما
|
ورفعَ الموتِ عن شعبي الذي مَلَّ الرَّدَى قَسْما
|
وإنَّ اللهَ للداعي .. مُجيبٌ واسِعُ الرُّحمَى
|
لَهُ نصرٌ سيأتينا .. سيُعْيِي كُنهُهُ الفهما
|
عزيزٌ يَعجبُ التاريخُ مِن آياتِهِ العُظمَى
|
يغيظُ الشامتينَ الزُّرقَ إن عُرْبًا وإن عُجْما
|
يراهُ الآنَ قلبي مُوشكَ الإشراقِ قد هَمَّا
|
لَهُ جُندٌ مِن الأَمْلاكِ تُفنِي دُونَها العَزْما
|
وجُندٌ من رجالِ الشامِ يُردي بأسُها الخَصْما
|
أرى هذا ولا يرآهُ ذاكَ العالمُ الأعمَى
|
لأنَّ الظُّلمةَ احتلَّتْهُ لمَّا ساندَ الظُّلْما
|
ونورُ اللهِ في قلبي .. يُريني عدلَهُ الأسْمَى
|
ونصرًا في رُبوعِ الشام يطوي أرضَهُ لَثْما
|