عناوين ونصوص القصائد   أسماء الشعراء 
شعراء الفصحى في العصر الحديث > مصر > صالح الشرنوبي > أحلام الكوخ

مصر

مشاهدة
574

إعجاب
2

تعليق
0

مفضل
0

الأبيات
0
إغلاق

ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك

ادخل الكود التالي:
إرسال
انتظر إرسال البلاغ...

أحلام الكوخ

أحلام الكوخ
هدم الليل ما بناه النهارُ
واستكانت للظلمة الأنوارُ
ومضى الكونُ يشرب الليل كأساً
عبقريًّا حبابُه الأقمارُ
واستحال الضجيجُ صَمتا رهيباً
زحمته الأشباُ والأسرارُ
أين راح النهار كيف أتى اللّيْ
ل وفيم الإشراق فيم السرار
هي حرب البقاء تنتظم الخلْ
ق سواءً صغارهم والكبارُ
****
وتداعت في الخافقين قلوب
حين طارت في الخافقين قلوب
عالم جامح وحظٌّ مُشِتٌّ
وصراعٌ يشيبُ منه المشيب
فهنا قلبُ عابد الخبز والما
ء جراحٌ أحلامه وندوب
يتنزّى دما فلا يجد الدمْ
ع يعزّي به الغريبَ الغريب
فإذا اشتاق ما يعافُ سواه
فالرياض المنظّراتُ جُدُوب
****
وهناك المعربدُ النشوانُ
قد تولّى تربيبه الشيطانُ
مستحيلات غيره ممكناتٌ
في يديه وقولهُ الفرقان
ولديه الحياةُ كأسٌ وحورا
ءُ وبحرٌ أمواجه ألحانُ
وله الأمر كلّما شاءَ أمراً
وإراداتُ عَقْلِه سلطان
فإذا شاء فالحياة اضطراب
وإذا شاءَ فالحياة أمانُ
****
قلت يا نفسُ إن هذا قضاء
قدّرته قبل الوجود السماءُ
ما أردت الوجود قبل وجودي
وبرغمي بعد الوجود الفناءُ
وأرى القصر توأمَ الكوخِ لولا
أنَّ هذا فقرٌ وذاك ثراءُ
وأراني لصاحب القصر نورا
ولو أني في عينهِ ظلماءُ
أنا إن متُّ مات فنٌّ رفيعُ
وهو إن ماتَ مات طينٌ وماءُ
****
قالت النفس إنَّ دنيا الأماني
هي دُنيا الخلود للإنسانِ
عشْ بها تنسَ أنَّ عُمركَ ولَّى
في جحيمٍ من الهوى والهوانِ
وتُريكَ الكوخَ المحطَّمَ قصرًا
شائع الظِّلِّ سامقَ البنيانِ
والكساءَ الرديم يُمسي حريرًا
كِسرويَّ الظلال والألوانِ
قلتُ: والواقع المريرُ فقالت:
ذاك داءٌ يُطبُّ بالنسيانِ
****
فطويتُ الأعوام والأياما
حلمًا رائع السنا بسَّاما
وجهلت الزمانَ فهو هباءٌ
ونسيتُ المكان والأحجاما
حين شفَّت روحي فشاهدتٌ قصرًا
يتحدَّى جماله الأحلاما
ورياضًا تُغرِّدُ الطير فيها
وتريق الألحان تندى غراما
وعبيدًا يشدون لحونٍ
في حمى القصر سُجَّدًا وقياما
****
وتَبعتُ الحادي وكان خيالا
عاش في عالم المنى أجيالا
أيُّ فنٍّ سامٍ وأي ابتداعٍ
جملَّ من صاغ حسنه وتعالى
التماثيل كالأناسيّ كادت
تتهادى رشاقةً ودلالا
والرسوم الخرساء تهتف بالرا
ئي فيجثو أمامهن جلالا
نفخ الفن روحه في حلاها
وكساها جلالةً وجمالا
****
عشت في الفقر كالأمير المطاع
شاعريَّ الرغاب والأطماعِ
كلُّ دنياي لذةٌ وجمالٌ
وانبعاثٌ إلى الهوى والمتاعِ
بين حورٍ عينٍ وأكواب خمرٍ
وأغانٍ علوية الإيقاعِ
وندامى كالزهر يرجون صفوي
ويخافون ثورتي واندفاعي
قاسموني مجدي وظنوا نعيمي
خالدًا غير مؤذنٍ بضياعِ
****
يا نداماي والليالي تجور
بي حنينٌ إلى البُكا وشعورُ
أفرغوا أكؤسَ المُدامِ فإنِّي
كاد قلبي مما يخاف يطيرُ
أنا أخشى انهيارَ مجدي وأرجو
أن يقينا أحداثه المقدورُ
يا نداماي يا لقلبي وعقلي
هاهي الأرضُ بالبناءِ تدورُ
يالقصري إذ عربد الريحُ في الجوّ
وشقَّتْ لساكنيه القبورُ
****
هبَّت الريح عاصفًا مكفهرًّا
فأحال القصرَ الممرَّدَ ذِكرى
ربِّ ما كان ذاك القصر إلا
حُلمًا لم يطل نعيمًا وعمرا
خدعتني نفسي بما قد تمنَّيْ
تُ فهل كان ما تمنيت شرَّا
أم تراني جبلت من طينة البؤ
سِ فروحي ترى الفراديس قفرا
أم تراني نهبت أحلام غيري
ولنفسي مُنًى على الدهر أخرى
****
وإذا هاتفٌ يهزُّ سكوني:
أنت أخطأت في التمني ظنوني
قلتُ يا نفس قالت النفس: دعني
ما تمنيت غير ماءٍ وطينِ
ذلك القصر والندامى هباءٌ
حين تصحو على صُراخِ المنونِ
فاسمُ عن بهرج الدُّنَى وتطَّهرْ
بألوهيَّةِ الهوى والفتونِ
إن في الفنِّ قوّتي وخلودي
ويقيني إذا افتقدتُ يقيني
****
وكما يحلم الصبا بالغرامِ
وتهيم الزهور بالأنسامِ
رحتُ أبني في عالم الوهمِ مجدي
فوق ما خلَّف الهوى من حُطامي
وسرت بي الأوهام تخترق الحجْ
بَ إلى عالمٍ من النور سامِ
حيث قام الأُولَمب تمرحُ فيه
آلِهَاتُ الأقداس والآثامِ
والقرابينُ من بني الفنِّ تُزجى
من بنات الأفكار والأحلامِ
****
يا مُناي اخلُدي ويا نفس طيبي
أصبح الفنُّ كله من نصيبي
أين لي بالإلهِ ربِّ الأغاريْ
دِ أبولّو يملأ من الخلد كوبي
ويتوِّج رأسي بما ضفَّرته
يده من أزاهرٍ وطيوبِ
فتناهى إليَّ من جانبِ الأُفْ
قِ نداءٌ كوسوساتِ الحبيبِ
يا غريبَ الفؤادِ لا قيتَ أهلاً
إنَّ ضيف الأولمبِ غير غريبِ
****
ردَّ هذا النداءُ في أُذُنيَّا
وسرى كاللهيب في أصغريَّا
فكأني مزقتُ ثوبَ تُرابي
وطويتُ السماءَ روحًا عليَّا
وكأني أصبحتُ في خاطرِ التَّا
ريخِ معنى مُجَنَّحا قُدُسيَّا
حين ألفيتني أنادم أحلا
مي رحيق الخلود طُهرًا نديَّا
وعذارى فينوي يرقصنَ حولي
ويُمجَّدنَ فنِّيَ الأبديَّا
****
ثمَّ يَمَّمنَ معبد الأربابِ
حيث توَّجنَ بالخلودِ شبابي
وتَغنَّيْنَ للإلهِ أبولُّو
آيةً خلَّدت على الأحقابِ
كلُّ ما في الوجودِ آياتُ فنٍّ
سوف تفنى والملكُ للوَّهابِ
غير أنَّ الحياةَ بالفكرِ ربَّا
نيَّةٌ طَلْقةٌ بغير حجابِ
كلُّ عبدٍ فيها إلهٌ صغيرٌ
يتسامى ما جدَّ في الأسبابِ
****
لتمنَّيتُ أن أعيش حياتي
بين تلك الفرادس الوارفاتِ
بيد أنَّ القيدَ الترابيَّ أضنا
ني فخلَّفتُ عالمَ الآلهاتِ
وهبطتُ الأرضَ الشَّقيةَ كالنَّا
سكِ يَغشى مواطنَ الشهواتِ
وبدأت الصراع في زحمةِ الأحْ
ياءِ سعيًا وراء هذا الفُتاتِ
وعبادي خواطرٌ عبقريَّا
تٌ ووحيٌ من السماواتِ آتِ
****
لم يكن يخطر الشقاءُ ببالي
لا ولا الخوف من صروفِ الليالي
كنت كالطفل رقةً وحياءً
ونزوعا إلى سماء الخيالِ
أحسب الأرض جنَّتي أنا وحدي
ليَ فيها ما شئتُ من آمالِ
فإذا جنَّتي سرابٌ وآما
لِيَ بيدٌ تضجُّ بالأهوالِ
وإذا بي أُجابِهُ الدهرَ فردًا
أرهقته الأيام بالأثقالِ
****
هذه الأرض لم تزد بوجودي
غير طيرٍ يسمو على التقييدِ
همُّه الحَبُّ والينابيعُ والوَكْ
رُ ونجوى رفيقه الغِرِّيدِ
وأنا طائرُ الفنون فَمَا ذَنْ
بيَ حتى أحيا حياة الطريدِ
اَلأَنِّي أعيشُ لِلفنِّ أعرى
وأخو الطين ناعمٌ في البرودِ
ما أذلَّ الحياةَ إن كان ذنبي
هو وزُهدي في الجوهرِ المعبودِ
****
روَّعَتْ هذه التهاويلُ حسِّي
فاستوى عندها عندها رجائي ويأسِي
وانتبهنا أنا ونفسي من الحُلْ
مِ وكم ضاع فيه يومي وأمْسِي
ليت يا نفسُ والحقائقُ تبْكيْ
نا وجدنا في الحلم ما كان يُنسى
ليت يا خاطري ودنياي بحرٌ
كنتَ تُرسي حيث الحقائقُ تُرسي
رُبَّ حلمٍ وَدِدْتُ لو عاشَ دهرًا
ثم ولَّى فكان ميلاد بُؤس
****
أنتِ يا نفسُ سرُّ هذا الشقاءِ
شدتَ مجدي على أساسٍ هباءِ
من سماء الخيال عُدْتُ لأَقْتَا
تَ تُرابَ الحقيقةِ النكراءِ
وهنا الكوخ فانعمي بحماه
بجمال الطبيعةِ العذراءِ
إنَّ هذا الوجود قصرٌ بناه اللَّ
هُ ما بين أرضهِ والسماءِ
فدعيني أعشْ كما شاءتْ الأق
دارُ حيًّا بقاؤُهُ للفناءِ
صالح الشرنوبي
التعديل بواسطة: السيد عبد الله سالم
الإضافة: الجمعة 2013/02/22 02:49:40 مساءً
إعجاب
مفضلة

أضف تعليق

يجب تسجيل الدخول أو الاشتراك أو تفعيل الحساب اذا كنت مشترك لإضافة التعليق


أعلى القصائد مشاهدة للشاعر
أعلى القصائد مشاهدة خلال 24 ساعة الماضية
انتظر معالجة القصيدة ...
جميع الحقوق محفوظة لبوابة الشعراء .. حمد الحجري © 2005 - برمجة وتصميم
info@poetsgate.com