لا الغوطتان ولا الشباب أدعو هواي فلا أجاب
|
أين الشام من البحيرة والمآذن والقباب
|
وقبور إخواني وما أبقى من السيف الضراب
|
الصامتات وللطيور على مشارفها اصطخاب
|
الغافيات فلم ترع منها الزماجر والوثاب
|
أشتاق أحضنها وألثمها وللدمع انسكاب
|
تحنو الدموع على القبور فتورق الصمّ الصلاب
|
ولها إلينا لهفة ولطول غربتنا انتحاب
|
يا شام: يا لدة الخلود وضمّ مجدكما انتساب
|
من لي بنزر من ثراك وقد ألحّ بي اغتراب
|
فأشمّه وكأنّه لعس النواهد والملاب
|
وأضمّه فترى الجواهر كيف يكتنز التراب
|
هذا الأديم شمائل غرّ وأحلام عذاب
|
وأمومة وطفولة ورؤى كما عبر الشهاب
|
وتحيّة مسكيّة من سالفين هووا وغابوا
|
ومن الأبوّة والجدود لأهل ودّهم خطاب
|
هذا الأديم أبي وأمّي والبداية والمآب
|
ووسائدي وقلائدي ودمى الطّفولة والسخاب
|
ودد يباع له الوقار ولا ندامة والصواب
|
أغلى عليّ من النجوم ولا ألام ولا أعاب
|
الروح من غيب السماء ومنك قد نسج الإهاب
|
أشتاق شمسك والضحى أنا والبحيرة والضباب
|
ومضفّرات بالثلوج كأنّما نصل الخضاب
|
تعوي الرّياح فما القساور في الفلاة وما الذئاب
|
والثلج جنّ فلم تبن سبل ولم تعرف شعاب
|
أخفى المعالم لا السفوح هي السفوح ولا الهضاب
|
يا شمس غبت فكيف تمّ ولا طلوع لك الغياب
|
إن كنت مسلمة الهوى فتألّقي رفع الحجاب
|
ملّ السحاب من السماء وقرّ في الأرض السحاب
|
وكأنّ ملء الأرض ملء الأفق آلهة غضاب
|
حسن يهاب وما سما حسن يحبّ ولا يهاب
|
|
دوح البحيرة أين سامرك المعطّر والشراب
|
والراقصون ونوا فحين دعاهم النغم، استجابوا
|
والقاطفون شفاههم كورودهم حمر رطاب
|
ثغر على ثغر . تسرّب فيه، فاختلط الرضاب
|
قبل، أغاريد الشفاه فتستعاد وتستطاب
|
وتكاد تقطف كالرّياحين المجانة والدعاب
|
أهي العقود على الرّقاب بل المعاصم والرقاب
|
بيني وبين الدوح في أحزانه النسب القراب
|
من كلّ موحشة فأين الطيب والوهج المذاب
|
وغدا يعود لك الشباب ولن يعود لي الشباب
|
الدّهر ملك يمينه والشمس من يسراه قاب
|
طابت سلافته تدار على سكارها وطابوا
|
لهفي عليه فطالما أشقاه لوم واغتياب
|
نعم الملائك بالشباب فما لنعمته استلاب
|
ويزورنا لمع البروق فما للامعه اصطحاب
|
والعمر أيام قد اختصرت وآمال رحاب
|
ليت الملائك يشفقون على الألى عبثوا وخابوا
|
قدر تعجّل أن نعاقب مؤمنين وأن يثابوا
|
عد يا شباب ولن أطامن من جماحك يا شباب
|
|
في غربة أنا والإباء المرّ والأدب اللباب
|
كالسيف حلّته الفتوح وربّما بلي القراب
|
طود أشمّ فكيف ترشقني السّهام ولا أصاب
|
يخفي البغاث فلا تلمّ به ولا يخفى العقاب
|
الكبر عندي للعظيم إذ تكبّر لا العتاب
|
عندي له زهد يدلّ على الكواكب واجتناب
|
يزهو الكريم وقلبه قطع تمزّقها الحراب
|
أغلى المروءة شيمة طبعت وأرخصها اكتساب
|
|
أنا ما عتبت على الصحاب فليس في الدنيا صحاب
|
خرس ولكن قد تفاصحت الخواتم والثياب
|
عقمت مروءتهم وتطمع أن يدغدغها احتلاب
|
واعفّ عن سبّ اللئيم وربّما نبل السباب
|
حيّا فبشر سلامه نزر وبسمته اغتصاب
|
يا من يمنّ بودّه والشهد . حين يمنّ صاب
|
أنا كالمسافر لاح لي أيك وأغرتني قباب
|
وتفتّحت حولي الرياض الخضر واصطفق العباب
|
ووثقت أنّ النهر ملك يدي ففاجأني السراب
|
|
أنا لا أرجّي غير جبّار السماء ولا أهاب
|
بيني وبين الله من ثقتي بلطف الله باب
|
أبدا ألوذ به وتعرفني الأرائك والرّحاب
|
لي عنده من أدمعي كنز تضيق به العياب
|
|
يا ربّ: بابك لا يردّ اللائذين به حجاب
|
مفتاحه بيديّ يقين لا يلمّ به ارتياب
|
ومحبّة لك لا تكدّر بالرّياء ولا تشاب
|
وعبادة لا الحشر أملاها عليّ ولا الحساب
|
وإذا سألت عن الذنوب فإن ّ أدمعي الجواب
|
هي في يميني حين أبسطها لرحمتك الكتاب
|
إنّي لأغبط عاكفين على الذنوب وما أنابوا
|
لو لم يكونوا واثقين بعفوك الهاني لتابوا
|
منهم غدا لكنوز رحمتك اختطاف وانتهاب
|
ولهم غدا بيقينهم من فيء سدرتك اقتراب
|
وسقيت جنّتك الدموع فروّت النطف العذاب
|
وسكبت في نيرانك العبرات فابترد العذاب
|
تنهل في عدن فنوّر كوكب ونمت كعاب
|
قرّبتها زلفى هواك فلا الثواب ولا العقاب
|
أنت المرجّى لا تناخ بغير ساحتك الركاب
|
الأفق كأسك والنجوم الطافيات به حباب
|
أنا من بحارك قطرة مّما تحمّله الرباب
|
ألقى بها بعد السّفار فضمّها قفر يباب
|
ألبحر غايتها فلا واد يصدّ ولا عقاب
|
يا دمعة المزن اغتربت وشطّ أهلك والجناب
|
حثّي خطاك فللفروع إلى أرومتها انجذاب
|
حثّي خطاك فشاهق يرقى وموحشة تجاب
|
ألبحر معدنك الأصيل وشوق روحك والحباب
|
وغدا للجّته وإن بعدت يتمّ لك انسياب
|
|
أنا لا أطيل إذا ابتهلت وقد تحدّتني الصّعاب
|
لا أشتكي وبمهجتي ظفر يمزّقها وناب
|
مسح الحياء على الدموع وأكرم الشكوى اقتضاب
|
تكفي ببابك وقفة وأسى تجمّل واكتئاب
|
|
يا شام عطر سريرتي حبّ لجمرته التهاب
|
أنت اللبانة في الجوانح لا النوار ولا الرباب
|
لك مهجتي وقبولها منك الهديّة والثواب
|
والنور في عيني ولا منّ عليك ولا كذاب
|
أنا من عرفت: تجلّد عند النوائب واحتساب
|
ولئن عثرت فربّما عثرت مجليّة عراب
|
يعيا بحقّك من يسوّفه ولا يعيا الطلاب
|
غالبت أشواقي إليك ويضرم الشوق الغلاب
|
ووددت لو عمرت رباك وألف عامرة خراب
|
أنا طيرك الشادي وللأنغام من كبدي انسراب
|
سكبت أغاريدي وللأمواج زأر واحتراب
|
فصغت تسمعها الريّاح وقرّ في الموج اضطراب
|
أنا والربيع مشرّدان وللشذا معنا ذهاب
|
لا الأيك بعد غيابنا غرد الطيوب ولا الرباب
|
والنور يسأل والخمائل والجمال متى الإياب؟
|