أَخلَّايَ أَينَ المُعوِلاتُ النوائِحُ | |
|
| وأَينَ النُعَى والمُثكَلاتُ الصوائحُ |
|
وأَينَ الذي يبكي بعينٍ سخينةٍ | |
|
| دِماءً تُلظِّيها الحَشَى والجوارحُ |
|
رُبوعٌ غدت في وَحشةٍ بعدَ أُنسِها | |
|
| لذا سَفَحَت في سَفحِهِنَّ السوافحُ |
|
تَضرَّمَتِ الأَحشاءُ حتَّى شُواظُها | |
|
| لسائِر مَحوَى ظاهر الجِسمُ لافحُ |
|
ولم يَبرَحِ التبريحُ يُضرِمُ في الحَشَى | |
|
| لهيبَ أَسىً أَذكَت صِلاةُ البوارحُ |
|
فهل يُمكِنُ الإِضمارُ والشأنُ ظاهرٌ | |
|
| وهل تُكتَمُ الأَسرارُ والشأن بائِحُ |
|
فبي كَمَدٌ وأراهُ ذَيلُ تَجَلُّدي | |
|
|
وأَجهَدتُ نفسي في استِتارِ مَصابها | |
|
| مَخافةَ أَن تَسطُو عليَّ المفاضحُ |
|
وناهيكَ دهرٌ شَوطُ كلِّ مُلِمَّةٍ | |
|
| وكلٌّ بهذا الشَوطِ سارٍ وسارحُ |
|
تَهدَّمَ رُكنٌ وانهَوَى شامخُ الذُرَى | |
|
| وقُوِّضَ صَرحٌ ما لعُلياهُ ماسحُ |
|
وغُيِّضَ بحرٌ زاخرٌ لا مُزاخِرٌ | |
|
| لذاخرهِ إذ أَفرَدَته الصوالحُ |
|
عَجِبتُ لرَمسٍ ضَمَّ بحراً عَرَمرَماً | |
|
| وكوكبِ أُفقٍ غَيَّبَتهُ الأَباطحُ |
|
حَنانَيكَ عبدَ اللَهِ غادرتَ صُحبةً | |
|
| لضِيقتها الجُلَّى تَضِيقُ الصحاصحُ |
|
أُحاشيكَ أَن أَدعُوكَ بحراً لأَنَّهُ | |
|
| وَرُودُكَ عَذبٌ والبُحورُ موالحُ |
|
فما الشرقُ إِلَّا شارقٌ ببُكائهِ | |
|
| عليكَ وغَربُ الغَربِ بِالدمعِ سافحُ |
|
فيا لَكَ خَطباً عَمَّ شرقاً ومَغرِباً | |
|
| فخُصَّ بهِ كلٌّ قريبٌ ونازحُ |
|
|
| قد انطفأ منه وعنا المصابح |
|
فأَغَرَبَتِ الشمسانِ واختَفَتا معاً | |
|
| فظَلنا ووَجهُ الكَونِ أَسفَعُ كالحُ |
|
ووُشِحَ بالأَكفانِ وجهٌ مكرَّمٌ | |
|
| عليهِ من الفضل السنيِّ وشائحُ |
|
لقد وجبت شمس الضحى قبل حينها | |
|
| وأوجب نجمٌ بالملامح لامحُ |
|
وغَلَّ الثُرَيَّا غائلُ الدهرِ في الثَرَى | |
|
| وغالت فُؤادَ الفَرقَدَينِ الفَوادحُ |
|
فهل سافت العَيُوقَ سيَّافةُ الرَدَى | |
|
| وهل رَمَحَ الجَبَّارَ بالموتِ رامحُ |
|
نَحا عن دِيارٍ وانتَحَى لِدِيارةٍ | |
|
| وما زالَ فيها وَهوَ للمجدِ طارحُ |
|
إلى أَن قَضَى ما بينَ رُهبانِها وهم | |
|
| لَدَيهِ وكلٌّ ناحبُ القلبِ نائِحُ |
|
كهالةِ بدرٍ جُثَّماً بِصَلاتِهِم | |
|
| بأَلسِنةٍ سُجٌ وأَيدٍ مسابحُ |
|
وسَلَّمَ طَوعاً في يَدِ اللَهِ رُوحَهُ | |
|
| بكلِّ أمانٍ وهو جَذلانُ فارحُ |
|
فهذا خِتامُ التاركِ العالَمَ الذي | |
|
| بِوادي بَوادِيهِ تَجُوحُ الجوائِحُ |
|
وعاشَ مع الأَبرارِ في الديرِ ناسكاً | |
|
| تُقدَّمُ بالإِمساكِ منهُ ذبائِحُ |
|
لقد كانَ لي سعدَ السُعودِ فمُذ قَضَى | |
|
| تَقاضانيَ السعدُ الذي ليَ ذابحُ |
|
وأَودَعَني إذ لم يَكُن لي مُودِّعاً | |
|
| وديعةَ نارٍ أُودِعَتها الجوانحُ |
|
تَنازعَ عقلي الحالتانِ فنادبٌ | |
|
| عَوارفَهُ طَوراً وطَوراً فمادحُ |
|
فلم أَدرِ هل تَنعَى عليهِ المنايِح | |
|
| مَدَى الدهرِ أم تُثنِى عليهِ المدائحُ |
|
أَما إِنَّهُ بحرُ المَجَرَّةِ بالحِجَى | |
|
| فضائِلُهُ فيهِ الدراري السوابحُ |
|
ونُقطةُ بيكار بدائِرَةِ العُلَى | |
|
| خُطوطُ التُقَى كلٌّ بهِ لا يُبَارِحُ |
|
حديدُ النُهَى والعَزمِ والحَزمِ والقُوَى | |
|
| وسَهلُ اللِقا سَمحُ الأَكُفِّ مُسامحُ |
|
يُقطّبُ لكن لا غَضُوبٌ ونافرٌ | |
|
| ويَبسُمُ لكن لا لَعُوبٌ ومازحُ |
|
تُقادُ إليه كلُّ نفسٍ أبيةٍ | |
|
| كأن بُرَةٌ منهُ عليها النصائح |
|
فما زالَ مأهولَ المغاني لأنهُ | |
|
| مُشيرٌ عجيبٌ صائِبُ الرأي ناصحُ |
|
يُبادِرُهُ إن فاهَ عقلٌ ومِسمَعٌ | |
|
| وإِن صَمَّمَ الآراءَ صَمَّ المُطارِحُ |
|
فكم من نُفُوسٍ قد دَهاها عُتُوُّها | |
|
| غَدَت ولَها عن غَيِها منهُ كابحُ |
|
بتأنيِبِه آضَمت نُفوسٌ شواردٌ | |
|
| وتهذيبِهِ ارتاضَت رُؤسٌ جوامحُ |
|
بتِرياقِهِ الشافي المجرَّبِ كم شَفَى | |
|
| لديغَ هوامِ الإِفكِ والحقُّ واضحُ |
|
وفَنَّدَ بالتفنيدِ كلَّ عضيهةٍ | |
|
| وأَرتَقةٍ فَهوَ الكَمِيُّ المُكافحُ |
|
وبَرهَنَ بالبُرهانُ كلَّ يقينةٍ | |
|
| فدانَ لها هامُ العنيدِ المُناطِحُ |
|
وكم رَدَّ بالرَدِّ الخطيرِ نُهىً لها | |
|
| جَماحٌ إلى مَهوَى الرَدَى ومَطامِحُ |
|
معاني جِدالٍ جَدلُهُنَّ قد انفَرَت | |
|
| بهِ جُدُلٌ ما صافَحَتها الصفائِحُ |
|
وكَم ضاقَ صَدرٌ من معانٍ ضُئيلةٍ | |
|
| أَبانَ خوافيا بما هُوَ شارحُ |
|
ورَدَّ على عَجزِ الأَضاليل صَدرَها | |
|
| ففاءَت بعجزٍ ذَيَّلتهُ الفواصحُ |
|
أزالَ رِتاج المُشكِلاتِ كأَنَّهُ | |
|
| لأَقفالِ أَغلاقِ المعاني مفاتحُ |
|
وأَلقَحَ عقماءَ الفُهُوم بناتجٍ | |
|
| من العِلمِ فانصاعت بهِ وهي لائحُ |
|
حَوَى مَنطِقاً عِلماً ولفظاً تَجانَسَا | |
|
| فان فاهَ قلتَ الطيبُ والمسكُ فائِح |
|
ونحواً وصرفاً صارفاً فيهِ نحوَهُ | |
|
| إلى اللَه لم يَجنَح لهُ عنهُ جانحُ |
|
ونظماً وإِنشاءً ونثرَ رسائِلٍ | |
|
| تُراسِلُ رَيَّاها العُطورُ النوافحُ |
|
وحازَ بمَيدانِ اليَراعِ بَراعةً | |
|
| أَبَت أَن تُجاريهِ الفُحولُ القوارحُ |
|
وإِعرابَ أَسفارِ تَمنَّعَ خِدرُها | |
|
| جَلاها بَيانٌ منهُ للمنعِ فاتحُ |
|
ووعظاً نَهِيٌّ الأمرِ والنَهيِ في النُهَى | |
|
| تَناهت بهِ فالجهلُ عنهنَّ زائِحُ |
|
واصح صنعاً في اصطناع ضائع | |
|
| وتلك اختصاصات لها اللَه مانح |
|
ولم يلف بطالاً ولو عمر ساعةٍ | |
|
|
تًصدَّر بالتقديمِ كُلاً كمثلِ ما | |
|
| تُصدِّرُ أبوابَ الكِتابِ الفواتحُ |
|
فأَثن ولا تنثنِ فيهِ مَبَرَّةً | |
|
| فما صالحٌ يأبى الثنا عنهُ صالحُ |
|
ذكا حاسدٌ من نشرِ معروفهِ وقد | |
|
| طَوَى كَشحَهُ منهُ على النارِ كاشحُ |
|
فأَتَّى تَوارَى نشرُ طِيبِ صنيعِهِ | |
|
| وهل تختفي الأَطيابُ والعَرفُ نافحُ |
|
وهل يُنكَرَنَّ البدرُ والضوءُ شاهدٌ | |
|
| وهل تُجحَدَنَّ الشمسُ والنُورُ لائِحُ |
|
فتىً لم يَخَل إلَّا الصنيعةَ مَربَحاً | |
|
| فلم يَألُ عنها فَهيَ نِعمَ المرابحُ |
|
غديقُ الحِبا لكِنَّهُ لا مُرحِّبٌ | |
|
| غديقُ الأَيادي للمكارمِ مائحُ |
|
خِلالٌ كالإِغريضِ حُسناً ونَضرةً | |
|
| بغيرِ ابتِذالٍ وَهيَ طَلعٌ وبالحُ |
|
وطبعٌ كماءِ المُزنِ صَفواً ورِقَّةً | |
|
| مَدَى العُمرِ بالإِحسانِ وافٍ وسانحُ |
|
ومستأثرٌ طبعاً بكلِّ فضيلةٍ | |
|
| لهُ سَعَةٌ فُضلَى بها ومَنادِحُ |
|
أَضاقَ نِطاقَ النُسكِ حِفظاً لِعفَّةٍ | |
|
| جوارحُهُ منها هِزالٌ طِلائحُ |
|
طويلُ أَيادٍ وافرُ الجُودِ كاملٌ | |
|
| وفي كل وزنٍ مستقيمٌ وراجحُ |
|
أمينٌ على حِفظِ السرائِرِ لم يكن | |
|
| بفيهِ لسانٌ بالسرائِرِ بائحُ |
|
كأَنَّ وراءَ القلبِ منهُ لِسانَهُ | |
|
| فلا كاشفٌ سِتراً ولا هُوَ قادح |
|
ولا ناكثٌ عهداً ولا ناهكٌ حِمَى | |
|
| وِدادٍ ولو أَن طَوَّحَتهُ الطوائِحُ |
|
ومنتبهُ الطَرفَينِ قلباً وناظراً | |
|
| على الخيرِ مِقدامٌ عن الشرِّ جانحُ |
|
نجا بنجيح الرأيِ من مقَتِصَ العِدَى | |
|
| وأُنجِحَ سعياً فَهوَ ناجٍ وناجحُ |
|
وصَرَّدَ سهمَ اليأس رَغفُ رَجائهِ | |
|
| وكَسَّرَ فَخّاً هَيَّأَتهُ الكواشحُ |
|
وراعَ الأَعادي والحواسدَ جَمَّةً | |
|
| كما رَوَّعَت قلبَ البُغاثِ الجوارحُ |
|
فَتىً لم يهله نزغٌ حاسدِ نعمةٍ | |
|
| كما لم تَهُل ليثَ العرينِ النوائِحُ |
|
فيرثيهِ بالأَشعار بادٍ وحاضرٌ | |
|
| ويبكيهِ في الأَسفارِ غادٍ ورائحُ |
|
وتَنعاهُ أَعماقُ المعاني على المدى | |
|
| وراموزُها ما عامَ فيهِنَّ سابحُ |
|
ولو أَن تَوارَى الذِهنُ من جَزَع الأَسَى | |
|
| لأَورَى بهِ زَندٌ من الوجدِ قادحُ |
|
قَدِ اقتَرَحَت مدحاً علينا نِكاتُهُ | |
|
| فغِرنا لهُ لكن غَرَتنا القرائحُ |
|
لَئن دامتِ الآثارُ تَندُبُ فَقدَهُ | |
|
| فلا غرو أن دامت عليهِ المنايِحُ |
|
فوُرقُ الحِمَى كُلٌّ عليهِ بأَيكِها | |
|
| نَعاءً ونعتاً نائحاتٌ صوادحُ |
|
تَغمَّدهُ الرَحمنُ في ظلِّ رحمةٍ | |
|
| وبلَّ ثَراهُ وابلُ الغيثِ ناضحُ |
|
وجازَت لهُ فينا وحازَت شَفاعةٌ | |
|
| من اللَه حُسنَ الصفحِ فاللَهُ صافحُ |
|