مَاذا أَقُولُ وقدْ هَوَى بُنياني | |
|
| والآهُ مِنْ بينِ الورَى تَغْشاني؟! |
|
قلبي يَئِنُ وما أَصَبْتُ دَواءَهُ | |
|
| وتَماسَكَتْ إذْ ما تَئِنُ بَناني |
|
فَلَكَمْ تَخُطُّ من السُّطورِ جَريحةً | |
|
| ترثي بها عُمرًا بلا عُنوانِ |
|
والدَّهرُ صَوَّبَ سَهْمَهُ مُتعَمِّدًا | |
|
| قلبي، ولَمَّا قد ضَعُفْتُ رَماني |
|
مِنْ كُلِّ لَوْنٍ لِلجراحِ يُذيقُني | |
|
| وب كلِّ كَأْسٍ للهُمومِ سَقاني |
|
لَوْ يَشْعرُ الحَجَرُ الأَصَمُّ بِحُرقَتي | |
|
| لَتَحَرَّكَتْ أَحْشَاؤُهُ وَبَكاني |
|
مَنْ لِي بَهَذِي البِيدِ يُؤْنِسُ وَحْشَتي | |
|
| ويَصُبُّ في قَلبي مِنَ الرَّيَّانِ |
|
الكَائناتُ تَشَابَهَتْ في ناظِرِي | |
|
| حتى كَأنّي قد صُلِبْتُ مَكاني |
|
وتوقّفَتْ بيَدِي عَقارِبُ سَاعَتي | |
|
| والأرضُ لا تَهْفُو إلى الدّوَرانِ |
|
والليلُ يَعْجزُ عن بُلوغِ نَهارِهِ | |
|
| فالصبحُ أَبْعَدُ من مَنالٍ دَانِ |
|
وظلامُ هذا الليلِ يَحْجُبُ رُؤيتي | |
|
| فكأنَّهُ سِجْنٌ بلا قُضْبانِ |
|
لكنّهُ كَشَفَ العَنانَ لخاطري | |
|
| لِيَدُورَ فوقَ مَشاعرِ الوِجدانِ |
|
فأَراهُ يَسْبحُ في الفضاءِ ولو دَنَا | |
|
| مِنِّي لَعَايَنَ ثَورةً بِكَياني |
|
ثارَتْ تُحَدِّثُ ما بِهِ لكنَّها | |
|
| لم تَلْقَ إلا وَحْشَةَ الوِدْيَانِ |
|
تُلْقِي حديثَ الرُّعْبِ في نفسي ولَمْ | |
|
| تَرْفَقْ بحالِ فُؤادِيَ اللهْفانِ |
|
لَمَّا سألْتُ عنِ الأحبَّةِ أَيْنَ هُمْ؟ | |
|
| إِنِّي أَتُوقُ لِرؤيةِ الْخِلِّانِ |
|
قالتْ وكيفَ لنَا بِهمْ يا صَاحبي؟! | |
|
| أَخْطَأْتَ فينا سَاحةَ الإحسانِ |
|
وطُمُوحُكَ المهزُومُ أن تَلْقاهُمُ | |
|
| يا صاحبي ضَرْبٌ من الْهَذَيَانِ |
|
فرَجَعْتُ مَطْعونًا بِخِنْجَرِ وَحدَتي | |
|
| أَبْكي وأَرْقُبُ شَافيًا لِطِعَاني |
|
هَمَسَ السُّكونُ بخاطري أولا تَرَى | |
|
| أنَّ الشِّفاءَ بروضَةِ القُرْآنِ؟ |
|
أَسرعْتُ مدفوعًا بلهفةِ ظامئٍ | |
|
| وبدأتُ أَقرأُ سُورةَ (الرَّحْمَنِ) |
|
فرأيتُني في جَنّةٍ قد أَنْبتَتْ | |
|
| نَخْلاً وفاحَتْ نَسْمَةُ الرَّيْحانِ |
|
ورأيتُني حُرًّا وأَمْرحُ لاهِيًا | |
|
| وَسطَ الرُّبا وتَمايُلِ الأفنانِ |
|
وأَرَى الجَوارِي الْمُنْشَآتِ جَرَى بِها | |
|
| في البحْرِ سِرٌّ طالَما أَعْيَاني |
|
وبِمُلْتقَى البحْرَينِ قَاعٌ زاخِرٌ | |
|
| باللُّؤلؤِ المكنُونِ والْمَرْجَانِ |
|
وعلى الشُّطوطِ مَلاعِبُ الغِلمانِ قدْ | |
|
| حُفَّتْ بنُورِ مَلائِكٍ وحِسَانِ |
|
وبَصُرْتُ عن جَنْبٍ بَنِيَّ فَهاهُما | |
|
| قَصَدَا أمَامي مَرْتَعَ الغِلْمانِ |
|
وعلَى جبينِهِما ابْتِسَامةُ آَمِلٍ | |
|
| وبَرَاءةُ الأَطفالِ تَلْتَقِيانِ |
|
تَنْسابُ من بينِ الأناملِ فيهِما | |
|
| شِيَمُ المكارمِ ... صُورةٌ ومَعَانِ |
|
(عُمَرٌ) يُقَبِّلُ مِن (أُسَامَةَ) رَأْسَهُ | |
|
| سُبْحانَ مَنْ حَلَّاهُما بِحَنَانِ |
|
هَلا تَعَلَّمَ مِنْ صَغِيرِي عَالَمٌ | |
|
| أَمْسَى يُعانِي جَفْوَةَ الإِخْوانِ |
|
وأَرَاكِ يا أُمَّاهُ قَلْبُكِ دَامِعٌ | |
|
| وتُسَائِلينَ الْخَلقَ عن عُنْواني |
|
هُمْ يَعلمُونَ وأنتِ أَعْلَمُ مِنْهُمُ | |
|
| أَنِّي نَزلتُ منازلَ الحِرْمانِ |
|
لا شيءَ آَلَفُهُ فيألَفُني هُنا | |
|
| فأَنَا وهَذا الوضعُ مُختلِفانِ |
|
لكنَّهُ قَدَرُ الإلهِ وحُكْمُهُ | |
|
| أَنَّا إلى المجْهُولِ مُفْترِقَانِ |
|
ويَدُ النَّوَى راحَتْ تُشتِّتُ شَمْلَنا | |
|
| وتَحُولُ بينَ الفُلْكِ والرُّبَّانِ |
|
فتَقاسَمَتْنا لَوْعَةٌ مِنْ فِعْلِها | |
|
| وغَدَتْ تُهدِّدُ عِصْمَةَ البُنْيانِ |
|
وتَمزَّقَتْ أَوْصَالُنا وتَباعَدَتْ | |
|
| والصَّرْحُ باتَ مُهَلْهَلَ الأركانِ |
|
فَسَلي الأحبَّةَ كيفَ كان صَبَاحُهمْ | |
|
| في (العِيدِ) حينَ أَصَابَهم فُقْداني |
|
كيفَ اسْتطابوا العيدَ مِنْ دُوني؟ ومَنْ | |
|
| في (مَجْلِسِ الإفطارِ) حَلَّ مَكَاني؟ |
|
أَمْ كيفَ طابَ طعامُهم وشَرابُهم؟! | |
|
| أَوَ لا يَدورُ بِخُلْدِهِم حِرمَاني؟! |
|
ومَنِ الذي يا أُمُّ قامَ مُصافِحًا | |
|
| ومُهَنّئًا للصَّحبِ والجِيرانِ؟ |
|
وسَلِي العُيونَ ورَقْرَقاتِ دُمُوعِها | |
|
| وهَلِ اسْتباحتْ لَحظةً نِسْياني؟! |
|
وأَنَا الغريبُ فلَيْسَ يَعرِفُني هُنا | |
|
| إلا أوامِرُ جَيْشِنا الْمَيداني |
|
أَنَا لَنْ أَفَسِّرَ فيهِ قَوْلاً إِنَّني | |
|
| أَخْشَى انتقامًا منْ فَصِيحِ بَياني |
|
ولَذَاكَ خَيرٌ مِنْ كتابةِ أَحْرُفٍ | |
|
| تَمضِي بِصَاحِبِها إلى الخُذْلانِ |
|
أَسْرارُه تَبقَى أَسِيرةَ خَاطري | |
|
| وأَخُونُ إن هَمَسَتْ بِها الشَّفَتانِ |
|
فأَنَا أَصُونُ العَهْدَ، والقَسَمَ الذي | |
|
| أَقْسَمْتُ أَنْ أَرْعَى حِمَى الأوطانِ |
|
جَيشُ العُبورِ إذا يُنَادِي لِلفِدَا | |
|
| أَمْضِي أُجيبُ نِدَاءَهُ بِتَفَانِ |
|
هُوَ حِصْنُ إسلامي ودِرعُ عُروبتي | |
|
| ويَرُدُّ عَنّا بَطْشَةَ العُدْوانِ |
|
وبِخَيرِ أَجْنادِ البَريّةِ سابقٌ | |
|
| في سَاحةِ النُّبلاءِ والفُرْسَانِ |
|
سَنَظَلُّ جُنْدَ الحقِّ في مَيدانِهِ | |
|
| نَغْزُو فنَصْرَعُ هامَةَ الطُّغيانِ |
|
فَهُنا أَرَانَا لا يَنامُ سِلاحُنا | |
|
| والفَخرُ والإيمانُ يَمْتَزِجانِ |
|
قدْ بِتُّ أَحْرُسُ في سبيلِ اللهِ في | |
|
| شَرَفٍ أُغازِلُ صَرْحَهُ وعَسَاني |
|
ولأَنَّني أَهْفُو لِوعْدِ مُحَمّدٍ | |
|
| بَاعَدتُّ بينَ النومِ والأجْفانِ |
|
فإِذا حُشِرْتُ إلى القِيامةِ خَائِفًا | |
|
| أَمِنَتْ هُنالكَ وارْتَضَتْ عَيْنانِ |
|
حَسْبي هُنا أَنِّي أَتَيْتُ بِنِيَّةٍ | |
|
| تَصْبُو إلى فَضْلٍ مِنَ الْمَنَّانِ |
|
وإذا العِبادُ تَآلَفَتْ نِيَّاتُهم | |
|
| والدِّينُ، ذابَتْ حُرْقَةُ الأحزانِ |
|
فيهِ شِفاءُ النفسِ مِن هَمٍّ بِها | |
|
| وبهِ تَتِمُّ نَضَارةُ الأَبدانِ |
|
ولَهُ اسْتقامَ الكَوْنُ يطلبُ مَخْرَجًا | |
|
| للناسِ مِنْ مُسْتَنقَعِ الأَوثانِ |
|
فترَاهُ بالشَّرعِ الحكيمِ وفضلِهِ | |
|
| يَسْمُو بِهمْ في واحةِ الإيمانِ |
|
ويصُونُهمْ بالوَحْي مِنْ وَحْلِ الهوَى | |
|
| واللَّهُ يَمْنَحُهمْ مِنَ الغُفْرانِ |
|
فيُقابلُ الذَّنبَ العظيمَ بتوبةٍ | |
|
| ويقابلُ الإحسَانَ بالإحسَانِ |
|
لكنني بَشَرٌ وقلبي مُثْقَلٌ | |
|
| ويَدُورُ في فَلَكٍ مِنَ الأشْجانِ |
|
ورأيتُني أَمْسَى يُؤَرِّقُ مَضْجَعي | |
|
| هَمٌّ يَنُوءُ بِحَمْلِهِ الثَّقَلانِ |
|
لَمَّا رأيْتُ حَبِيبتي مَكلُومَةً | |
|
| والكَوْنُ يَبْكيها بِدَمْعٍ قَاني |
|
مِصْرَ التي كانتْ جَوَادًا طامِحًا | |
|
| مُتَحَرِّرًا مِنْ فَارِسٍ وعِنانِ |
|
كانتْ تُسَطِّرُ لِلْوجُودِ حَضارةً | |
|
| في العلمِ والأخْلاقِ والعُمْرانِ |
|
والله زكّاها فأحْسَنَ ذِكْرَها | |
|
| أُمَّ البلادِ ودُرَّةَ الأَزْمانِ |
|
باتتْ أَسِيرةَ جُرحِها وأَنِينِها | |
|
| وإذا بِها في الحَادِثاتِ تُعاني |
|
ومُصِيبةُ الأَوطانِ جُرْحٌ غَائِرٌ | |
|
| ومُصِيبتي فيها لَجُرْحٌ ثَانِ |
|
مَنْ لِلْجَوَادِ يُجِيرُهُ مِنْ كَبْوَةٍ | |
|
| عَصَفَتْ بِهِ في غَيْهَبِ التَّيَهَانِ؟ |
|
مَنْ لِلْبلادِ يَقُودُهُ عِشْقٌ لَها؟ | |
|
| والعِشْقُ يَسْمُو في هَوَى الأَوطانِ |
|
إِني نَهَلْتُ العِشقَ لِلأوطانِ مِنْ | |
|
| هَدْيِ الكتابِ وسِيرَةِ العَدْنانِ |
|
في فِتيْةٍ قَامُوا إلى غَسَقِ الدُّجَى | |
|
| يَتَنافَسونَ الدِّينَ بالأَيْمانِ |
|
يُحْيُونُ مَوْتَ ظلامهِ وسُكونِهِ | |
|
| بنوافلِ الصلواتِ، والقُرآنِ |
|
ومعَ الصباحِ تَراهُمُ يَسْعَوْنَ في | |
|
| أَمَلٍ يُسابِقُ سُرعةَ الرُّكْبانِ |
|
هُمْ ثُلَّةٌ عَشقَوا الحياةَ لأَنَّها | |
|
| سَبَبٌ ومَرْكَبُهُمْ إلى الرَّحمَانِ |
|
فهُوَ الذي خَلَقَ الحيَاةَ جَميلةً | |
|
| وهو الذي مِن أَجلِها أَحياني |
|
طَرَقَتْ على أُذنِي هُنالِكَ بَغْتةً | |
|
| أصْواتُ أقدامٍ فقُلْتُ لِجَانِ |
|
والجنُّ ويْلٌ من فِعالِ شِرارِهم | |
|
| إِنْ هُمْ أَرَادُوا السُّوءَ بالإنسانِ |
|
واسْتَيْقظَتْ فِيَّ الجَوارحُ رَهْبَةً | |
|
| مَنْ ذا الذي اسْترَقَتْ خُطاهُ أَماني؟! |
|
وتَصَلَّبتْ فِيَّ النَّوَابِضُ كُلُّها | |
|
| مَاذا -وكُنْتُ الْمُطمَئِنَ- دَهَاني؟! |
|
يَدْنُو فيَدْنُو الخَوفُ في خُطُواتِهِ | |
|
| وانْسَابَ يَلْهَجُ بالدُّعاءِ لِسَاني |
|
رُحْمَاكَ ربي إِنَّما هِيَ نَفْحَةٌ | |
|
| أَنْجُو بها مِنْ سَطوَةِ الشيطانِ |
|
لولا اكْتساءُ النفسِ مِن أسرارِها | |
|
| لانْهَارَ في الرَّيْبِ الْمُخِيفِ جَناني |
|
وإذا بهِ بَشَرٌ فقلتُ أَيَا تُرَى | |
|
| أَمُبَشِّرٌ هُوَ؟ أَمْ نَذِيرُ هَوانِ؟! |
|
أَلْقَى التّحيّةَ ثُمَّ قال: أَيَا أَخي | |
|
| لا تأْخُذنَّكَ رَوْعَةُ الحَيْرانِ |
|
دَعْ يا أَخِي عنْكَ الْمَخَاوِفَ إِنّها | |
|
| لا تَصْحَبَنَّ مُرَتِّلَ القُرآنِ |
|
وامْنَحْ فُؤادَكَ ما يُهَدِّئُ رَوْعَهُ | |
|
| والْجَأْ لِرَبٍّ واهبٍ مَنَّانِ |
|
إنْ كُنتَ قدْ أَيْقَنْتَ أَنَّ عَطاءَهُ | |
|
| لِلْمَرءِ مَقْدُورٌ على الميزانِ |
|
فَلْتطمئنْ لِحُكمهِ واخْضَعْ لَهُ | |
|
| فالنَّاسُ عندَ قضَائِهِ صِنْفانِ |
|
فيَنالُ مَنْ يَرضَى الثوابَ وحُسْنَهُ، | |
|
| ويَبُوءُ مَنْ لم يَرضَ بالخُسْرانِ |
|
فَرَضِيتُ غَيرَ مُعَقِّبٍ لِحَدِيثهِ | |
|
| وعَلِمْتُ أَنَّ الفَوزَ في إِذعاني |
|
إذْ بالقُيودِ الآَسِرَاتِ تَكَسَّرَتْ | |
|
| وسَرَى شُعورُ الْحُرِّ في وِجْداني |
|
وتَزَحْزَحَ الليلُ الكئيبُ وأقْبَلَتْ | |
|
| نَسَماتُ فَجْرٍ مُؤْنِسٍ بِأَذانِ |
|