|
في ليلةٍ من باهرِ الأضواءِ
|
فاحتْ بعطرِ الروضةِ الغنَّاءِ
|
وترنَّمَتْ فيها عصافيرُ الهوى
|
تشدو بلحنٍ رائعِ الأصداءِ
|
خَفَقَتْ لهُ كلُّ القلوبِ، تمايَلَتْ
|
من سكرةِ الألحانِ والصهباءِ
|
لكنَّ قلبي لم يزل في ذِكرةٍ
|
أقصَتْهُ عن نورٍ وعن ضوضاءِ
|
مُتنحياً في ركنِهِ عن عالمٍ
|
مُتغيِّرِ الألوانِ كالحرباءِ
|
في عزلةٍ أصبو لها كالعاشقينَ
|
وزُمرةِ الزُهّادِ والشعراءِ
|
قد كنتُ فيها شارداً، وكأنني
|
عادتْ بيَ السنواتُ ألفَ وراءِ
|
يومَ التقينا ها هنا، فتسللتْ
|
كفّي لتقطِفَ نجمةَ الإمساءِ
|
وتداعب البدرَ المنيرَ فتصطلي
|
بالنارِ مثل فراشةٍ حمقاءِ
|
أو تمسح الدمعَ الذي أَهْرَقْتِهِ
|
فوقَ الخدودِ يتيهُ في خُيلاءِ
|
|
لا زلتُ أشكو لوعةَ الغُرَباءِ
|
ومخاطباً نفسي، وما بي جِنَّةٌ
|
حتّامَ تبقى حَيْرتي وشقائي
|
فتجيبني: يا صاحبي عِشْ واقعاً
|
لا تلتحِفْ في الليلِ بالظلماءِ
|
اُخرجْ، فإنَّ حياتنا كخميلةٍ
|
مرويَّةٍ بالماءِ لا بدماءِ
|
فيها أزاهيرٌ تباين لونُها
|
وتنوَّعَت في الحُسنِ والأسماءِ
|
فيها من الأطيارِ أسرابٌ، فما
|
نعبُ الغرابِ كرقةِ الورقاءِ
|
يا صاحبي، إن الحياةَ كمسرحٍ
|
والكلُّ أدى دورَهُ بسخاءِ
|
|
ليس الغِنى بجواهرٍ وكساءِ
|
إنَّ الغِنى أن تطمئنَّ، وترتدي
|
ثوبَ العفافِ مُرَصَّعاً بإباءِ
|
يا صاحِ دع عنكَ الهمومَ، فإنها
|
تسري كَسُمِّ الحيّةِ الرقطاءِ
|
نحِّ التشاؤمَ جانباً، فكأنَّهُ
|
|
تمضي السنونُ بحُلوِها وبمُرِّها
|
وبما حَوَتْ من راحةٍ وعناءِ
|
ويظلُّ أمرُ اللهِ فينا نافذاً
|
بالحقِّ، لا بشريعةِ الغوغاءِ
|
فاقنع بحكم اللهِ في عليائِهِ
|
لا يملكُ الإنسانُ ردَّ قضاءِ
|