شَيخانِ قَد خَبَرا الوُجودَ وَأَدرَكا | |
|
| ما فيهِ مِن عِلَلٍ وَمِن أَسبابِ |
|
وَاِستَبطَنا الأَشياءَ حَتّى طالَعا | |
|
| وَجهَ الحَقيقَةِ مِن وَراءِ حِجابِ |
|
خَمسونَ عاماً في الجِهادِ كِلاهُما | |
|
| شاكي اليَراعَةِ طاهِرُ الجِلبابِ |
|
لا تَعجَبوا اِن خَضَّبا قَلَمَيهِما | |
|
| وَبَياضُ شَيبِهِما بِغَيرِ خِضابِ |
|
فَلِكُلِّ حُسنٍ حِليَةٌ يُزهى بِها | |
|
| وَأَرى اليَراعَةَ حِليَةَ الكُتّابِ |
|
إِنّي نَظَرتُ إِلى اليَراعَةِ في يَدي | |
|
| فَحَسِبتُها في القَدرِ عودَ ثِقابِ |
|
وَنَظَرتُها تَنقَضُّ مِن كَفَّيهِما | |
|
| فَوقَ الطُروسِ فَخِلتُها كَشِهابِ |
|
يُزهى مُدَجَّجُنا بِرُمحٍ واحِدٍ | |
|
| وَأَراهُما لا يُزهَيانِ بِغابِ |
|
مُتَواضِعانِ وَلا أَرى مُتَكَبِّراً | |
|
| غَيرَ الجَهولِ مُدَنَّساً بِالعابِ |
|
يَتَجاذَبُ القُطرانِ مِن فَضلَيهِما | |
|
| ذَيلَ الفَخارِ وَلَيسَ ذا بِعُجابِ |
|
فَهُما هُنا عَلَمانِ مِن أَعلامِنا | |
|
| وَهُما هُنالِكَ نُخبَةُ الأَنجابِ |
|
جازا مَدى السَبعينَ لَم يَتَوانَيا | |
|
| عَن وَصلِ حَمدٍ وَاِجتِنابِ سِبابِ |
|
نَسَباهُما قَلَماهُما فَليَسحَبا | |
|
| ذَيلاً عَلى الأَحسابِ وَالأَنسابِ |
|
قَلَمانِ مَشروعانِ في شِقَّيهِما | |
|
| وَحيٌ يُفيضُ عَلى أُولي الأَلبابِ |
|
مُتَسانِدانِ إِذا الخُطوبُ تَأَلَّبَت | |
|
| مُتَعانِقانِ تَعانُقَ الأَحبابِ |
|
نَفَحاتُ آذارٍ إِذا لَم يُظلَما | |
|
| فَإِذا هُما ظُلِما فَلَفحَةُ آبِ |
|
ما سَوَّدا بَيضاءَ إِلّا بَيَّضا | |
|
| بِالكاتِبَينِ صَحيفَةَ الإِعجابِ |
|
لِلمَقصِدِ الأَسمى لَدى حَرَمِ النُهى | |
|
| رَفَعا قِباباً حوجِزَت بِقِبابِ |
|
خَطّا بِمُقتَطَفِ العُلومِ بَدائِعاً | |
|
| وَرَوائِعاً بَقِيَت عَلى الأَحقابِ |
|
جاءا لَنا مِن كُلِّ عِلمٍ نافِعٍ | |
|
| أَو كُلِّ فَنٍّ مُمتِعٍ بِلُبابِ |
|
في كُلِّ لَفظٍ حِكمَةٌ مَجلُوَّةٌ | |
|
| وَبِكُلِّ سَطرٍ مَهبِطٌ لِصَوابِ |
|
فَاللَفظُ فيهِ مُقَوَّمٌ بِصَحيفَةٍ | |
|
| وَالسَطرُ فيهِ مُقَوَّمٌ بِكِتابِ |
|
داني القُطوفِ كَريمَةٌ أَفياؤُهُ | |
|
| عَذبُ الوُرودِ مُفَتَّحُ الأَبوابِ |
|
ذُلُلٌ مَسالِكُهُ فَأَنّى جِئتَهُ | |
|
| أَلفَيتَ نَفسَكَ في فَسيحِ رِحابِ |
|
تَتَسابَقُ الأَقلامُ فيهِ وَلا تَرى | |
|
| مِن عاثِرٍ فيها وَلا مِن نابي |
|
كَم مِن يَراعَةِ كاتِبٍ جالَت بِهِ | |
|
| وَلُعابُها في الطِرسِ حُلوُ رُضابِ |
|
كَم مِن سُؤالٍ فيهِ كانَ جَوابُهُ | |
|
| اِلهامَ نابِغَةٍ وَفَصلَ خِطابِ |
|
كَم فيهِ مِن نَهرٍ جَرى بِطَريقَةٍ | |
|
| تَرِدُ النُهى مِنهُ أَلَذَّ شَرابِ |
|
وَقَفَت سُقاةُ الفَضلِ في جَنَباتِهِ | |
|
| تُروي النُفوسَ بِمُترَعِ الأَكوابِ |
|
ماذا أَعُدُّ وَهَذِهِ آياتُهُ | |
|
| في العَدِّ تُعجِزُ أَمهَرَ الحُسّابِ |
|
قَد نُسِّقَت وَتَآلَفَت فَكَأَنَّها | |
|
| في الحُسنِ مِثلَ تَآلُفِ الأَحزابِ |
|
وَتَرى تَهافُتَنا عَلَيهِ وَحِرصَنا | |
|
| فَتَخالُ فيهِ مَقاعِدَ النُوّابِ |
|
يا ثَروَةَ القُرّاءِ مِن عِلمٍ وَمِن | |
|
| فَضلٍ وَمِن حِكَمٍ وَمِن آدابِ |
|
الشَرقُ أَثبَتَ يَومَ عيدِكَ أَنَّهُ | |
|
| مازالَ في رِيٍّ وَخِصبِ جَنابِ |
|
عادَت سَماءُ الفَضلِ فيهِ فَأَطلَعَت | |
|
| زُهراً مِنَ الأَعلامِ وَالأَقطابِ |
|
العِلمُ شَرقِيٌّ تَغافَلَ أَهلُهُ | |
|
| عَنهُ فَعاقَبَهُم بِطولِ غِيابِ |
|
وَتَنَبَّهوا لِمُصابِهِم فَتَضَرَّعوا | |
|
| فَعَفا وَعاوَدَهُم بِغَيرِ عِتابِ |
|
فَتَذَوَّقوا طَعمَ الحَياةِ وَأَدرَكوا | |
|
| ما في الجَهالَةِ مِن أَذىً وَتَبابِ |
|
العِلمُ في البَأساءِ مُزنَةُ رَحمَةٍ | |
|
| وَالجَهلُ في النَعماءِ سَوطُ عَذابِ |
|
وَلَعَلَّ وِردَ العِلمِ مالَم يَرعَهُ | |
|
| ساقٍ مِنَ الأَخلاقِ وِردُ سَرابِ |
|
إِنّي قَرَأتُكَ في الكُهولَةِ وَالصِبا | |
|
| وَمَلَأتُ مِن ثَمَرِ العُقولِ وِطابي |
|
وَأَتَيتُ أَقضي بَعضَ ما أَولَيتَني | |
|
| وَأَقولُ فيكَ الحَقَّ غَيرَ مُحابي |
|
لَو كُنتُ في عَهدِ الفُتُوَّةِ لَم أَزَل | |
|
| لَوَهبتُ لِلشَيخَينِ بُردَ شَبابي |
|
لَكِنَّني أَبلَيتُهُ وَطَوَيتُهُ | |
|
| وَتَخِذتُ مِن نَسجِ المَشيبِ ثِيابي |
|
وَأَرى رِكابي حينَ شابَت لِمَّتي | |
|
| يَحتَثُّها سَفَرٌ بِغَيرِ إِيابِ |
|
يَعقوبُ إِنَّكَ قَد كَبِرتَ وَلَم تَزَل | |
|
| في العِلمِ لا تَزدادُ غَيرَ تَصابي |
|
لاحَت بِرَأسِكَ هِزَّةٌ وَلَعَلَّها | |
|
| مِن وَقعِ فِكرِكَ لا مِنَ الأَعصابِ |
|
فِكرٌ سَريعٌ كَرُّهُ مُتَدَفِّعٌ | |
|
| كَتَدَفُّعِ الأَمواجِ فَوقَ عُبابِ |
|
لا يَستَقِرُّ وَلا يُحَدِّثُ نَفسَهُ | |
|
| أَن يَنثَني عَن جَيئَةٍ وَذَهابِ |
|
أَو أَنَّها طَرَبٌ بِنَفسِكَ كُلَّما | |
|
| وُفِّقتَ في بَحثٍ وَكَشفِ نِقابِ |
|
أَو أَنَّها اِستِنكارُ ما شاهَدتَهُ | |
|
| في الناسِ مِن لَهوٍ وَسوءِ مَآبِ |
|
لَم يُلهِكَ الإِثراءُ عَن طَلَبِ العُلا | |
|
| بِالجِدِّ لا بِتَصَيُّدِ الأَلقابِ |
|
لَكَ في سَبيلِ العِلمِ أَجرُ مُجاهِدٍ | |
|
| وَالصَبرُ أَجرُ مُلازِمِ المِحرابِ |
|
وَإِلَيكَ مِن جُهدِ المُقِلِّ قَصيدَةً | |
|
| يُغنيكَ موجَزُها عَنِ الإِسهابِ |
|
لَولا السَقامُ وَما أُكابِدُ مِن أَسىً | |
|
| لَلَحِقتُ في هَذا المَجالِ صِحابي |
|