ونبئتُ ذاك الوجهَ غَيّرَهُ البِلى |
على قُرْبِ عَهْدٍ بالطّلاقة والبِشْرِ |
بكيتُ عليه بالدُّموعِ ولو أبَتْ |
بكيتُ عليه بالتجلُّدِ والصبر |
فليتهم واروا ذكاء مكانه |
ولو عرفت في أوجه الأنجم الزهر |
وليتهمُ وارَوْهُ بين جَوَانحي |
على فَيْضِ دَمْعي واحْتدامِ لظى صدري |
أمُخْبِرَتي كيفَ استقرّتْ بكِ النّوَى |
على أنّ عندي ما يزيدُ على الخبر |
وما فعلتْ تلك المحاسنُ في الشّرى |
فقد ساءَ ظنّي بينَ أدري ولا أدري |
يهوِّنُ وَجْدِي أن وَجْهَكِ زَهْرةٌ |
وأن ثَرَاها من دموعي على ذِكْرِ |
وَيَحْزُنني أني شُغِلْتُ ولم أكنْ |
أسائلُ عمّا يفعلُ الدمعُ بالزّهر |
دَعينيْ أعلّللْ فيكِ نفسيَ بالمنى |
فقد خفتُ ألا نلتقي آخرَ الدهر |
وإن تسْتَطيبي فابْدَئيني بزورةٍ |
فإنك أولى بالزيارةِ والبر |
مُنىً أتمناها ولا يدَ لي بها |
سوى خطراتٍ لا تريش ولا تبري |
وأحلامُ مذعورِ الكرى كلما اجْتلى |
سُروراً رآهُ وهو في صورةِ الذُّعْر |
أآمِنَ أن أجزعْ عليك فإنني |
رُزِئتُكَ أحْلى مِنْ شبابي ومن وفْري |
أآمِنَ لا والله ما زلتُ موقناً |
ببينك لو أني أخذتُ له حِذْري |
خُذِي حدِّثيني هل أطقتِ على النّوى |
أُحَدِّثْكِ أني قد ضَعُفْتُ عن الصبر |
مغالطةً لولا الأسى ما حملتُها |
على مركبٍ مما وصفت به وعر |
ونيتهم قد أجْمعُوا عنكِ سَلْوةً |
لعشرينَ مَرّتْ من فراقك أو عشر |
وأذهلهمْ حبُّ التُراثِ فكفكفوا |
به زفرةً تعتادُ أو عَبْرةً تجري |
ولم يبقَ إلا ذكرةٌ ربما امترتْ |
بقية دمعِ الشوقِ في أكؤوس الخَتْر |
وأمّا أنا فالتَعْتُ واللهِ لوعةً |
هي الخمرُ لو سامحتِ في لَذَةِ السكر |
أهزُّ لها عطفيّ منْ غيرِ نشوةٍ |
على ما بجسمي من كلال ومن فَتْر |
وأودِعُها عينيّ لا لِصَبَابةٍ |
ولكن لِتَمْرِي دَمْعَ عيني كما تمري |
فلا تبعدي إن الصبابة خطه |
لشخصك في قلبي وإن كان في القلب |
ولا تَبْعَدي إني عليكِ لواجدٌ |
ولكنْ على قدرِ الهَوَى لا على قدري |
ذكرتُكِ ذكرَ المرءِ حاجةَ نفسهِ |
وقد قيل إن الميتَ مُنْقَطِعُ الذكر |
ووالله ما وَفّيْتُ رُزْءَكِ حَقّهُ |
ولكنه شيء أقمتُ به عذري |
أصيخي إلى الدّاعي فليس بنازحٍ |
وما بكِ عنه من وقارٍ ولا وَقْرِ |
ولا تبعثي طيفَ الخيالِ فإنه |
سميرُ همومٍ لا يُضيفُ ولا يَقْري |
متى يَسْرِ نحوي يلقَ دوني كتائباً |
من السُّهْدِ آلتْ لا تسيرُ ولا تَسْري |
وعهدي به إنْ لم تُحِلْهُ يدُ البِلى |
جديراً بأن يَشْكو الوَنَى وهي في الخِدْرِ |
إذا أجْرَسَ الحليُ استُطيرَ وقلّما |
مشى فيه إلا ريث يختال للزهر |
فإن يأبَ إلا برّه فابعثي به |
على رقْبَةٍ مما هناك وفي سشتْر |
وكان الأسى نذراً عليكِ نَذَرْتُهُ |
ولكن أراد الشوقُ أكبرَ مِنْ نذري |
ومن لي بعينٍ تحملُ الدمعَ كلّهُ |
فأبكيكِ وحدي لا اقَرُّ ولا أدري |
ولي مقلةٌ أفضتْ بها لحظاتها |
إلى عَبَرَاتٍ جَمّةٍ وكرىً نَزْر |
وكان حراماً أن تجودَ بدمعةٍ |
وقد تركتْها الحادثاتُ بلا شَفر |
ولكنْ حداها الحُزْنُ فاستوسقتْ به |
وأكبرُ ما يُعِطي البخيلُ على قسر |
فإنْ أنا لم استسقها لك نجدتي |
فلا عرك الورَّاد من سَبَل القطر |
أنمضِي الليالي لا أراكِ وربّما |
عَدَتْنِي العَوَادي عنْ طِلابِكِ في الحَشْر |
في عَزْمَةٌ لو خِفْتُها لَسَبَقْتُها |
إليكِ ولو بين السماكينِ والنسر |
ألا ليتَ شِعْري هل سمعتِ تأوهي |
فقد رعْتُ لو أسْمعتُ قاسيةَ الصخر |
وهل لعبتْ تلك المعاطفُ بالنُّهى |
كسالفِ عهدي في مجاسِدِها الحمرِ |
ونبئتُ ذاك الجيدَ أصبحَ عاطلاً |
خذي أدمعي إن كنتِ غضبي على الدر |
خُذي فانظميها فهيَ كالدرِّ إنني |
أرى علتي أوْرى بها وهي كالجمر |
خذي اللؤلؤَ الرطب الذي لَهِجوا به |
مَحارَتُهُ عيني ولُجّتُه صَدْري |
لعلكِ يَوْماً أن تَرَيْهِ فتذكري |
وسائلَ لم تَعْلَقْ بلومٍ ولا عُذْر |
خُذِي فانظميه أو كليني لِنَظْمِهِ |
حليّاً على تلكَ الترائبِ والنحر |
ولا تخبري حُوْرَ الجنانِ فربما |
غَصَبْنَكِهِ بين الخديعةِ والمكر |
أيا قُرّةَ العينِ اعتباراً وَحَسْرَةً |
أَجِدَّكِ قد أصبحتِ قاصمةَ الظهر |
برغميَ خُلّي بين جِسْمِكِ والثَّرى |
وإن كنتُ لا أخْشى الترابَ على التبر |
هنيئاً لقبرٍ ضمّ جسمَكَ إنه |
مَقَرُّ الحيا أو هالةُ القمر البدر |
وإنك فيه كلما عَبَثَ البلى |
بأرجائهِ كالغُصْن في الورق النضر |
إذا جئتِ عدناً فاطلبينا فقلَّما |
تقدمتنِي إلا مشيتُ على الأثر |
ولا تَعْذُليني إن أَقمتُ فربَّما |
تأخَّر بي سعيي وأَثْقَلني وِزْري |