يَفْديكَ كلُّ جبانٍ في ثيابِ جَرِي |
نازَعْتَهُ الوِرْدَ واستأثرتَ بالصَّدَرِ |
لما رأى الخُبْرَ شيئاً ليسَ يَنْكِرُهُ |
أحالَ بالدينِ والدنيا على الأثر |
ولِّ السُّهى ما تولَّى من تكذُّبه |
إن المزيَّة عند الناس للقمر |
وهيَ الشِّفارُ إذا الإقدامُ جرَّدَها |
ألوتْ بما تَدَّعِيهِ العينُ للسَّهَر |
والناسُ كالناسِ إلا أن تجرِّبَهُمْ |
وللبصيرةِ حكمٌ ليس للبصر |
كالأيْكِ مُشْتَبِهاتٌ في منابتها |
وإنما يقعُ التفضيلُ بالثَّمر |
ولَّى رجالٌ غضاباً حين سُدْتُهُمُ |
لا ذنبَ للخيل إذ لا عُذْرَ لِلْحُمُر |
واستشرفوا كلما أحرزتُ طائلةً |
وللسنان مجالٌ ليسَ للإبر |
طُوْلُوا وإلا فَكُفُّو من تطاولكمْ |
إن المآثرَ أعوانٌ على الأثر |
مَلِلْتُ حمصَ وَمَلَّتني فلو نَطَقَتْ |
كما نطقتُ تَلاَحَيْنَا على قَدَر |
وَسَوَّلَتْ ليَ نَفْسي أنْ أُفارِقَها |
والماءُ في المزن أصْفَى منه في الغُدُر |
هيهاتِ بل ربّما كان الرحيلُ غداً |
كالمالِ أُحْيِي به فَقْراً من العمر |
كم ساهرٍ يستطيلُ الليلَ من دَنَفٍ |
لم يدرِ أن الرَّدَى آتٍ مع السحر |
أمَا اشْتَفَتْ منِّيَ الأيامُ في وطني |
حتى تُضَايِقَ فيما عَنَّ من وطر |
ولا قَضَتْ من سوادِ العين حاجَتَها |
حتى تَكُرَّ على ما كانَ في الشَّعَر |
كم ليلةٍ جُبْتُ ثِنْييْ طُولها بفتىً |
شتَّى المسالكِ بين النفع والضرر |
حتى بدا ذنبُ السرحانِ لي وله |
كأنما هو زَنْدٌ بالصَّبَاحِ يَرِي |
في فتيةٍ يُنْهِبُونَ الليل عَزْمَتَهم |
فليس يَطْرُقُهُمْ إلاَّ على حذر |
لا يَرْحَضون دُجَاه كلما اعتكَرَتْ |
إلا بمالٍ ضياعٍ أو دمٍ هَدَر |
لهم همومٌ تكادُ العيسُ تعرفها |
وربَّما اشتملتْ بالحادث النكر |
باتت تَخَطَّى النجومَ الزُّهْرَ صاعدةً |
كأنَّما تَفْتَليها عن بني زُهُر |
القائلي اقْدُمي والأرضُ قد رَجَفَتْ |
إلاَّ رُبىً من بقايا البيضِ والسُّمُر |
والهامُ تحتَ الظُّبا والبيضُ قد حَمِيَتْ |
فما تَطَايَرُ إلاَّ وهي كالشَّرر |
أثناءَ كلِّ سنان عُلَّ في زَرَدٍ |
كأنه جدولٌ أفْضَى إلى نَهَر |
والخيلُ شُعثُ النَّواصي فوقها بُهَمٌ |
حُمْسُ العزائمِ والأخلاقِ وَالمِرَر |
شابت من النقع فارتاب الشباب بها |
فَغُيِّرَتْ من دمِ الأبطالِ بالشَّقَر |
والشَّيبُ مما أظنُّ الدهرَ صحَّفَهُ |
معنىً من النّقصِ عمّاهُ عن البشر |
لو يعلمُ الأفْقُ أن الشيبَ مَنْقَصةٌ |
لم تَسْرِ أنجمه فيه ولم تَسِر |
وليس للمرء بعد الشيبِ مُقْتَبَلٌ |
نهايةُ الروضِ أن يعتمَّ بالزّهرِ |
أما ترى العِرْمِسَ الوجناء كيف شَكَتْ |
طولَ السّفار فلم تَعْجِزْ ولم تَخُرِ |
تسري ولو أنَّ جَوْنَ الليلِ معركةٌ |
من الرّدى كاشراً فيها عن الظُّفر |
باتتْ تَوَجَّى وقد لانت مواطئها |
كأنَّها إنّما تخطو على الإبر |
من كلِّ ناجيةِ الآمال قد فَصَلَتْ |
من الرّدَى فحسبناها من البُكُر |
تَخشى الزمام فتثني جِيدَها فَرَقاً |
كأنَهُ من تثنّي حَيَّةٍ ذكر |
تجري فللماءِ ساقاً عائمٍ دَرشبِ |
وللرياحِ جَنَاحا طائرٍ ذكر |
قد قَسّمتْهَا يدُ التدبيرِ بينهما |
على السَّواءِ فلم تَسْبَحْ ولم تطر |
أمْلَلْتُها فاستبانتْ نصفَ دائرةٍ |
لو كُلِّفَتْ شَأوَهَا الأَفلاك لم تَدُرِ |
بهيمةٌ لو تُوَفَّى كنه شِرَّتها |
لفاتتِ الخيلَ بالأَحْجَالِ والغُرَرِ |
أما إيادٌ فحازتْ كلَّ مَكْرُمَةٍ |
لولا مكانُ رسولِ اللهِ منْ مُضَر |
وأوقدوا ونجومُ الليل قد خَمَدَتْ |
في لجِّ طامٍ من الصنَّبْرِ مُعْتَكر |
ألقى المراسيَ واشتدتْ غَيَاطِلُهُ |
على ذُكَاء فلم تَطْلُعْ ولم تَغُرِ |
وَأتْرَعَ الوَهْدَ من إزبادِ لجته |
كالترس يَثْبُتُ بين القَوْسِ والوتر |
فالأرض مَلساءُ لا أمْتٌ ولا عِوَجٌ |
كنقطةٍ منْ سَرَابِ القاعِ لم تَمُر |
أفَادني حُبُّكَ الإبداعَ مكتهلاً |
وربما نَفَعَ التعليمُ في الكبر |
أين ابنُ بابَكَ أو مهيارُ من مِدَحٍ |
نَسَقْتُها فيك نَسْقَ الأنجم الزهر |
إذا رَمَيْتُ القوافي في فرائصها |
لم أرْمها مُتْلِجاً كفَّيَّ في قُتَر |
أبا العلاءِ وحَسْبي أن تُصيخَ لها |
إقرارَ جانٍ وإن شئتَ اعتذار بري |
أنا الذي أجتني الحرمانَ من أدبي |
إنّ النواظرَ قد تُؤتَى من النظر |