إن رمت عيشاً ناعماً ورقيقاً |
فاسلك إليه من الفنون طريقا |
واجعل حياتك غَضّة بالشعر والت |
مثيل والتصوير والموسيقى |
تلك الفنون المُشتهاة هي التي |
غصن الحياة بها يكون وريقا |
وهي التي تجلو النفوس فتَمتَلي |
منها الوجوه تلألُؤاً وبريقا |
وهي التي بمذاقها ومشاقها |
يُمسي الغليظ من الطباع رقيقا |
تَمضي الحياة طريّة في ظلها |
والعيش أخضر والزمان أنيقا |
إن الذي جعل الحياة رواعداً |
جعل الفنون من الحياة بروقا |
وأدَرّها غَيث اللذاذة مُنبتاً |
زهر المسرة سوسناً وشقيقا |
وأقام منها للنفوس حوافزاً |
تدع الأسير من القلوب طليقا |
فتحُلّ عقدة من تراه معقّداً |
وتفُكِ ربقة من تراه ربيقا |
تلك الفنون فطِر إلى سَعة بها |
إن كنت تشكو في الحياة الضيقا |
وإذا أردت من الزمان مضاحكاً |
فَتَحَسَّ منها قَرقَفاً ورحيقا |
ما فاز قط بوصلها من عاشق |
إلاّ وكان لعارفيه عشيقا |
فهي ابتسامات الدُنى وبغيرها |
ما كان وجه الحادثات طليقا |
رطِّب حياتك بالغناء إذا عرا |
هَمٌ يُجَفِّف في الحُلوق الريقا |
إن الغناء لمُحدث لك نَشوة |
في النفس تُطفىء في حشاك حريقا |
وأترك مجادلة الذين توَهّموا |
هَزَج الغناء خلاعة وفُسوقا |
أفأنت أغلظ مُهجةً من نوقهم |
فقد أستَحثّوا بالحُداء النوقا |
أرقى الشعوب تمدناً وحضارة |
من كان منهم في الفنون عريقا |
وأحَطُّهم من أن سمعت غناءهم |
فمن الضفادع قد سمعت نقيقا |
فالفنّ مقياس الحضارة عند مَن |
حازوا الرُقِيَّ وناطَحوا العَيُّوقا |
الشعر فَنٌ لا تزال ضُرُوبه |
تتلو الشعور بألْسُن الموسيقى |
ويُجيد تقطير العواطف للورى |
فتخاله لقلوبهم أنبيقا |
ومسارح التمثيل أصغر فضلها |
جَعْل الكليل من الشعور ذليقا |
وإذا رأى فيها الوقائع غافل |
من نوم غفلته يكون مُفيقا |
تنْمي الحميد من الخِصال وتنقي |
ما كان منها بالفَخار خَليقا |
وتَجيء من عِبَر الزمان بمَشْهَد |
يُلقي خشوعاً في النفوس عميقا |
ويكون مَنظرُه الرهيب مُمَهّداً |
لمُشاهديه إلى الصلاح طريقا |
أما المُصوِّر فهو فنّان يرى |
ما كان من صُوَر الحياة دقيقا |
تأتيك ريشته بشعر صامت |
ولقد يفوق الشاعر المِنْطيقا |
وبدائع التصوير من حسناتها |
أن يستفيد بها الشعور سموقا |
فهي الجديرة أن تكون ثَمينةً |
وتكون أنفق من سواها سوقا |
أن الحياة على الكُدورة لم تجد |
مثل الفنون لنفسها راووقا |