تُريد ليَ الأيام أن أتقيّد |
وأطلُب فيها أن أكون المُجِّددا |
وتقعد بي دون المدى في خطوبها |
وغاية همّ النفس أن أبلغ المدى |
كفى بصريح العقل قيداً لمطلَق |
من الناس يَبغي أن يكون مقيَّدا |
لعمر الهدى أن النُهى ليس من صُوىً |
سواها لمن ضلّوا الطريق إلى الهدى |
فما بال هذا العقل أمسى معطَّلاً |
لدينا كأن الله أوجده سُدى |
أيُخلقنا كرّ الجديدَيْن ضِلّةً |
ولم نتقمّص فيهما ما تِجدّدا |
فيا مُنجِدي فيما أريد من العلا |
ولولا العلا لم أطلُب الدهرَ منجدا |
أعنّي على ما لو تحقَّق كونُه |
لما كان لي بل للأناسِيّ مُسعدا |
تَجهّز من الحُسنى بما أنت قادر |
عليه ولا تَقبل سوى العقل مُرشدا |
وأحسِن إلى من قد أساء تكرُّماً |
وإن زاد بالإحسان منك تمرُّدا |
وحِبَّ الذي عاداك ان رمت قتله |
فإني رأيت الحبّ أقتل للعدى |
فليس مُضرّاً بالعلا في الذي أرى |
على كلّ حال أن تحبّ من اعتدى |
إذا دُفِع الشرُّ القبيحُ بمثله |
تَحصَّل شرّ ثالث وتَوَلَّدا |
وأمست دواعي الشرّ ذات تسَلسُل |
مَديد وصار الشرّ في الناس سرمدا |
فما الرأيُ عندي أن تمّحضت الوغى |
سوى أن يَظَلَّ السيف في الغِمْد مُغمَدا |
وأن تُجمِع الدنيا على ردّ طامع |
أشار إلى أسيافه مُتَهدِّدا |
فإن كان هذا في العصور التي خَلَت |
عسيراً ففي هذا الزمان تمهّدا |
فإنّ جميع الأرض أمست كبلدة |
بها كل جمع عُدَّ في الحكم مفردا |
ولي خُلُق يأبى عليّ انطباعه |
على الخير تسليمي إلى الشرّ مِقْوَدا |
واضرب عن جهل الجهول ولم أكُنْ |
لأضرب في الأيام للغدر موعدا |
إذا أيقظتني للعِداء اعتداءة |
شربت لها من خالصِ العَفوِ مُرْقِدا |
وتكرهُ نفسي كل عبد مُذَلَّل |
فقد كرِهت حتى الطريق المُعبَّدا |
إذا ما اتَّقَت نفس رداها بذِلّة |
فعنديَ نفس تتّقي الذُلّ بالردى |
ولو طلَبت نفسي الغنى بامتهانها |
لأصبحتُ في المثرين أطولهم يدا |
ولكنّني آليتُ أن لا أذيقَها |
من العيش إلاّ ما استُطِيب وحُمّدا |
سجَّية نفس لم أحُل عن عهودها |
وأن لامني الأعمى عليها وفنّدا |
وما ضرّني إذ عضّني مُتشادق |
شَحا بفم قد كان في العضّ أدردا |
ولي وطن أفنَيْت عمري بحبّه |
وشتَّتُّ شملي في هواه مُبدّدا |
ولم أر لي شيئاً عليه وإنما |
عليّ له في الحبّ أن أتشدّدا |
تعلَّقته منذ الصبا مُغرَماً كما |
تعلّق ليلى العامريُّ مُعَمَّدا |
وسَيَّرت فيه الشعر فخراً فطالما |
شدوت به في مَحفِل القوم منشدا |
وكم رام اسكاتي أناس أبى لهم |
خَنى الطبع إلاّ أن يروا لي حُسّدا |
ومن عجب أن يَعشَقَ الروض بلبل |
ويمنعه ذِبّانه أن يُغرِّدا |
وما الناس إلاّ اثنان في الشرق كلِّه |
جهول تَلَهّى أو حليم تَبَلَّدا |
ولم أر مثل الفضل في الشرق مُخفِقاً |
ولا مثل جدّ المرء للمرء مُسعدا |
تأمَّل قليلاً في بَنيه مفكّراً |
لتَشهد منهم للعجائب مَشهدا |
فتُبصِرَ أيقاظاً يُطيعون هُجَّداً |
وتبصرَ أحراراً يخافون أعُبدا |
وكم فأرة في الشرق تُحسَب هرّة |
وكم عَقعَق في الشرق سُميَ هدهدا |
ألا ربّ شاك قال لي وهو آسف |
أما آن للتهذيب أن يتبغددا |
فقلت له أبْشِر بخير فإنه |
ببغداد للتهذيب اسس منتدى |