الدَهرُ يوعِدُ فُرقَةً وَزَوالا |
وَخُطوبُهُ لَكَ تَضرِبُ الأَمثالا |
يا رُبَّ عَيشٍ كانَ يُغبَطُ أَهلُهُ |
بِنَعيمِهِ قَد قيلَ كانَ فَزالا |
يا طالِبَ الدُنيا لِيُثقِلَ نَفسَهُ |
إِنَّ المُخِفَّ غَداً لَأَحسَنُ حالا |
إِنّا لَفي دارٍ نَرى الإِكثارَ لا |
يَبقى لِصاحِبِهِ وَلا الإِقلالا |
أَأُخَيَّ إِنَّ المالَ إِن قَدَّمتَهُ |
لَكَ لَيسَ إِن خَلَّفتَهُ لَكَ مالا |
أَأُخَيَّ كُلٌّ لا مَحالَةَ زائِلٌ |
فَلِمَن أَراكَ تُثَمِّرُ الأَموالا |
أَأُخَيَّ شَأنَكَ بِالكَفافِ وَخَلَّ مَن |
أَثرى وَنافَسَ في الحُطامِ وَغالى |
كَم مِن مُلوكٍ زالَ عَنهُم مُلكُهُم |
فَكَأَنَّ ذاكَ المُلكَ كانَ خَيالا |
وَالدَهرُ أَلطَفُ خاتِلٍ لَكَ خَتلُهُ |
وَالدَهرُ أَحكَمُ مَن رَماكَ نِبالا |
حَتّى مَتى تُمسي وَتُصبِحُ لاعِباً |
تَبغي البَقاءَ وَتَأمُلُ الآمالا |
وَلَقَد رَأَيتُ الحادِثاتِ مُلِحَّةً |
تَنعى المُنى وَتُقَرِّبُ الآجالا |
وَلَقَد رَأَيتُ مَساكِناً مَسلوبَةً |
سُكّانُها وَمَصانِعاً وَظِلالا |
وَلَقَد رَأَيتَ مَنِ اِستَطاعَ بجَمعِهِ |
وَبَنى فَشَيَّدَ قَصرَهُ وَأَطالا |
وَلَقَد رَأَيتُ مُسَلَّطاً وَمُمَلَّكاً |
وَمُفَوَّهاً قَد قيلَ قالَ وَقالا |
وَلَقَد رَأَيتُ الدَهرَ كَيفَ يُبيدُهُم |
شيباً وَكَيفَ يُبيدُهُم أَطفالا |
وَلَقَد رَأَيتُ المَوتَ يُسرِعُ فيهِمُ |
حَقّاً يَميناً مَرَّةً وَشِمالا |
فَسَلِ الحَوادِثَ لا أَبا لَكَ عَنهُمُ |
وَسَلِ القُبورَ وَأَحفِهِنَّ سُؤالا |
فَلتُخبِرَنَّكَ أَنَّهُم خُلِقوا لِما |
خُلِقوا لَهُ فَمَضَوا لَهُ أَرسالا |
وَلَقَلَّ ما تَصفو الحَياةُ لِأَهلِها |
حَتّى تُبَدَّلَ مِنُهُم أَبدالا |
وَلَقَلَّ ما دامَ السُرورُ لِمَعشِرٍ |
وَلَطالَما خانَ الزَمانُ وَغالا |
وَلَقَلَّ ما تَرضى خِصالاً مِن أَخٍ |
آخَيتَهُ إِلّا سَخِطتَ خِصالا |
وَلَقَلَّ ما تَسخو بِخَيرٍ نَفسُهُ |
حَتّى يُقاتِلَها عَلَيهِ قِتالا |
أَأُخَيَّ إِنَّ المَرءَ حَيثُ فِعالُهِ |
فَتَوَلَّ أَحسَنَ ما يَكونُ فِعالا |
فَإِذا تَحامى الناسُ أَن يَتَحَمَّلوا |
لِلعارِفاتِ فَكُن لَها حَمّالا |
أَقصِر خُطاكَ عَنِ المَطامِعِ عِفَّةً |
عَنها فَإِنَّ لَها صَفاً زَلّالا |
وَالمالُ أَولى بِاِكتِسابِكَ مُنفِقاً |
أَو مُمسِكاً إِن كانَ ذاكَ حَلالا |
وَإِذا الحُقوقُ تَواتَرَت فَاِصبِر لَها |
أَبَداً وَإِن كانَت عَلَيكَ ثِقالا |
فَكَفى بِمُلتَمِسِ التَواضُعِ رِفعَةً |
وَكَفى بِمُلتَمِسِ العُلُوِّ سِفالا |
أَأُخَيَّ مَن عَشِقَ الرِئاسَةَ خِفتُ أَن |
يَطغى وَيُحدِثَ بِدعَةً وَضَلالا |
أَأُخَيَّ إِنَّ أَمامَنا كُرَباً لَها |
شَغبٌ وَإِنَّ أَمامَنا أَهوالا |
أَأُخَيَّ إِنَّ الدارَ مُدبِرَةٌ وَإِن |
كُنّا نَرى إِدبارَها إِقبالا |
أَأُخَيَّ لا تَجعَل عَلَيكَ لِطالِبٍ |
يَتَتَبَّعُ العَثَراتِ مِنكَ مَقالا |
فَالمَرءُ مَطلوبٌ بِمُهجَةِ نَفسِهِ |
طَلَباً يُصَرِّفُ حالَهُ أَحوالا |
وَالمَرءُ لا يَرضى بِشُغلٍ واحِدٍ |
حَتّى يُوَلِّدَ شُغلُهُ أَشغالا |
وَلَرُبَّ ذي عُلَقٍ لَهُنَّ حَلاوَةٌ |
سَيَعُدنَ يَوماً ما عَلَيهِ وَبالا |
وَأَرى التَواصُلَ في الحَياةِ فَلا تَدَع |
لِأَخيكَ جُهدَكَ ما حَيِيتَ وِصالا |
أَأُخَيَّ إِنَّ الخَلقَ في طَبَقاتِهِ |
يُمسي وَيُصبِحُ لِلإِلَهِ عِيالا |
وَاللَهُ أَكرَمُ مَن رَجَوتَ نَوالَهُ |
وَاللَهُ أَعظَمُ مَن يُنيلُ نَوالا |
مَلِكٌ تَواضَعَتِ المُلوكُ لِعِزِّهِ |
وَجَلالِهِ سُبحانَهُ وَتَعالى |
لا شَيءَ مِنهُ أَدَقُّ لُطفَ إِحاطَةٍ |
بِالعالَمينَ وَلا أَجَلُّ جَلالا |