أَلا طالَما خانَ الزَمانُ وَبَدَّلا |
وَقَسَّرَ آمالَ الأَنامِ وَطَوَّلا |
أَرى الناسَ في الدُنيا مُعافاً وَمُبتَلى |
وَمازالَ حُكمُ اللَهِ في الأَرضِ مُرسَلا |
مَضى في جَميعِ الناسِ سابِقُ عِلمِهِ |
وَفَصَّلَهُ مِن حَيثُ شاءَ وَوَصَّلا |
وَلَسنا عَلى حُلو القَضاءِ وَمُرِّهِ |
نَرى حَكَماً فينا مِنَ اللَهِ أَعدَلا |
بِلا خَلقَهُ بِالخَيرِ وَالشَرِّ فِتنَةً |
لِيَرغَبَ فيما في يَدَيهِ وَيَسأَلا |
وَلَم يَبغِ إِلّا أَن نَبوءَ بِفَضلِهِ |
عَلَينا وَإِلّا أَن نَتوبَ فَيَقبَلا |
هُوَ الأَحَدُ القَيومُ مِن بَعدِ خَلقِهِ |
وَما زالَ في دَيمومَةِ الخَلقِ أَوَّلا |
وَما خَلَقَ الإِنسانُ إِلّا لِغايَةٍ |
وَلَم يَترُكِ الإِنسانَ في الأَرضِ مُهمَلا |
كَفى عِبرَةً أَنّي وَأَنَّكَ يا أَخي |
نُسَرَّفُ تَصريفاً لَطيفاً وَنُبتَلى |
كَأَنّا وَقَد صِرنا حَديثاً لِغَيرِنا |
يُخاضُ كَما خُضنا الحَديثَ بِمَن خَلا |
تَوَهَّمتُ قَوماً قَد خَلَوا فَكَأَنَّهُم |
بِاجمَعِهِم كانوا خَيالاً تَخَيَّلا |
وَلَستُ بِأَبقى مِنهُمُ في دِيارِهِم |
وَلَكِنَّ لي فيها كِتاباً مُؤَجَّلا |
وَما الناسُ إِلّا مَيِّتٌ وَابنُ مَيِّتٍ |
تَأَجَّلَ حَيٌّ مِنهُمُ أَو تَعَجَّلا |
فَلا تَحسَبَنَّ اللَهَ يَخلُفُ وَعدَهُ |
بِما كانَ أَوصى المُرسَلينَ وَأَرسَلا |
هُوَ المَوتُ يا ابنَ المَوتِ وَالبَعثُ بَعدَهُ |
فَمِن بَينِ مَبعوثٍ مُخِفّاً وَمُثقِلا |
وَمِن بَينِ مَسحوبٍ عَلى حُرِّ وَجهِهِ |
وَمِن بَينِ مَن يَأتي أَغَرَّ مُحَجَّلا |
عَشِقنا مِنَ اللَذاتِ كُلَّ مُحَرَّمٍ |
فَأُفٍّ عَلَينا ما أَغَرَّ وَأَجهَلا |
لَقَد كانَ أَقوامٌ مِنَ الناسِ قَبلَنا |
يَعافونَ مِنهُنَّ الحَلالَ المُحَلَّلا |
رَكَنّا إِلى الدُنيا فَطالَ رُكونُنا |
وَلَسنا نَرَ الدُنيا عَلى ذاكَ مَنزِلا |
فَلِلَّهِ دارٌ ما أَحَثَّ رَحيلُها |
وَما أَعرَضَ الآمالَ فيها وَأَطوَلا |
أَبى المَرءُ إِلّا أَن يَطولَ اغتِرارُهُ |
وَتَأبى بِهِ الحالاتُ إِلّا تَنَقُّلا |
إِذا أَمَّلَ الإِنسانُ أَمراً فَنالَهُ |
سَما يَبتَغي فَوقَ الَّذي كانَ أَمَّلا |
وَكَم مِن ذَليلٍ عَزَّ مِن بَعدِ ذِلَّةٍ |
وَكَم مِن رَفيعٍ كانَ قَد صارَ أَسفَلا |
وَلَم أَرَ إِلّا مُسلِماً في وَفاتِهِ |
وَإِن أَكثَرَ الباكي عَلَيهِ وَأَعوَلا |
وَكَم مِن عَظيمِ الشَأنِ في قَعرِ حُفرَةٍ |
تَلَحَّفَ فيها بِالثَرى وَتَسَربَلا |
أَيا صاحِبَ الدُنيا وَثِقتَ بِمَنزِلٍ |
تَرى المَوتَ فيهِ بِالعِبادِ مُوَكَّلا |
تُنافِسُ في الدُنيا لِتَبلُغَ عِزَّها |
وَلَستَ تَنالُ العِزَّ حَتّى تَذَلَّلا |
إِذا اصطَحَبَ الأَقوامُ كانَ أَذَلُّهُم |
لِأَصحابِهِ نَفساً أَبَرَّ وَأَفضَلا |
وَما الفَضلُ في أَن يُؤثِرَ المَرءُ نَفسَهُ |
وَلَكِنَّ فَضلَ المَرءِ أَن يَتَفَضَّلا |