عناوين ونصوص القصائد   أسماء الشعراء 
شعراء الفصحى في العصر الحديث > لبنان > خليل مطران > يَا فَتَاةٌ يَجْلُو النُّبُوغُ حُلاَهَا

لبنان

مشاهدة
3820

إعجاب
0

تعليق
0

مفضل
0

الأبيات
0
إغلاق

ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك

إرسال
انتظر إرسال البلاغ...

يَا فَتَاةٌ يَجْلُو النُّبُوغُ حُلاَهَا

يَا فَتَاةٌ يَجْلُو النُّبُوغُ حُلاَهَا
وَلَهَا مِنْ كَرَامَةٍ مَا تَشَاءُ
أَتُرِيدِينَ فِي كِتَابِكِ شَعْراً
هُوَ سؤْرٌ بِمُهْجَتِي أَوْ ذَمَاءُ
ذَاكَ فَضْلٌ يَتِيحُ لأَسْمَى فَخْراً
أَحْرَزَتْهُ مِنْ قَبْلِهِ أَسْمَاءُ
فَاقْبَلِي هذِهِ القَوَافِي أُزْجِيَها
وَفِيَها تَحِيَّةٌ وَثَنَاءُ
لَيْسَ بِدْعاً وَأَنْتِ مَا أَنْتِ أَنْ
أَطْنَبَ فِيكِ الْكِتَابُ وَالشُّعَرَاءُ
أَدَبٌ رَائِعٌ ونَظْمٌ وَنَثْرٌ
كُلُّ لَفْظِ يَشِعُّ مِنْهُ ضِيَاءُ
وَلِسَانٌ طَلْقٌ وَلَحْظٌ يَرَى الغَيْ
بَ وَجَفْنٌ يَغِضُّ مِنْهُ الحَياءُ
كَيْفَ لا يَسْتَبِيهُمْ ذلِكَ الوَجْهُ
البَدِيعُ الحَلِّيُّ وَذَاكَ الذَّكَاءُ
مَا مَعَانِيهُمُ الحِسَانُ لَدَى
أَدْنَى مَعَانِيكِ أَيُّهَا الحَسْنَاءُ
جَادَ الأَمِيرُ بِصَيدِهِ
فَدَعَتْ هَدِيَّتُهُ ثنَائِي
يَا طِيبَهُنَّ حَمَائِمَاً
عَلَّمَتْنِي حُسْنَ الوَفَاءِ
آوَيتُهُنَّ إلى الحَشَا
فَمَلأْنَ رَأْسِي بِالغِنَاءِ
آنِسَاتُ الشَّواطِئْ
يَا لَها مِنْ خَوَاطِئْ
قَدْ أَصَابَت قُلُوبَنَا
بِالسِّهامِ الْخَواطِئْ
الْيَوْمَ يَوْمُ مَصَارِعِ الشُّهَدَاءِ
هَلْ في جَوَانِبِهِ رَشَاشُ دَمَاءِ
للهِ غُيَّابٌ حضُورٌ في النُّهَى
مَاتُوا فَبَاتُوا أَخْلَدَ الأَحْياءِ
أَبْطَالُ تَفْدِيَةٍ لَقُوا جُهْدَ الأَذَى
في اللهِ وَامْتَنَعُوا مِنَ الإِيذاءِ
بُعَدَاءُ صِيتُ مَا تَوَخَّوْا شُهْرَةً
لَكِنْ قَضَوْا فِي ذِلَّةٍ وَعَنَاءِ
لَبِثُوا عَلَى إِيمَانِهِمْ وَيَدُ الرَّدَى
تَهْوِي بِتِلْكَ الأَرْؤُسِ الشَّمَّاءِ
سَلِمَتْ مَشِيئَتُهُمْ وَمَا فِيهِمْ سِوَى
مُتَقَطِّعِي الأَوْصَالِ وَالأَعْضَاءِ
صَبَرُوا عَلَى جَبَرُوتِ عَاتٍ قَاهِرٍ
سَاءَ النُّهَى وَالدِّينَ كُلَّ مَسَاءِ
مَا كَانَ دِقْلِتْيَانَ إِلاَّ طَاغِياً
مَلَكَ الرِّقَابَ بِغِلْظَةٍ وَجَفَاءِ
لاَنَتْ لَهُ الصُّمُّ الصِّلاَدُ وَلَمْ تَلِنْ
شَيْئاً قُلُوبُ الصَّفْوَةِ الفُضَلاَءِ
حَاشَا الْحَقِيقَةِ كَمْ مِثَالٍ لا تَرَى
إِلاَّ الْبَقَايَا مِنْهُ عَيْنُ الْرَّائِي
ظَلَّتْ حَنَايَاهُ وَإنْ حُطِمَتْ عَلَى
مَا كَانَ فِيهَا مِنْ تُقىً وَرَجَاءِ
إِنَّ الْعَقِيدَةَ نِعْمَةٌ عُلْوِيَّةٌ
تَصْفُو عَلَى الْنِّقَمَاتِ وَالأَرْزَاءِ
تَجْنِي فَخَاراً مِنْ إِهَانَاتِ الْعِدَى
وَتُصِيبُ إِعْزَازاً مِنَ الإِزرَاءِ
بِكْرُ بِأًوجِ الْحُسْنِ غَالٍ مَهْرُهَا
لاَ تُشْتَرَى بِأَيَاسِرِ الأَشْيَاءِ
تُزْرَى النَّفَائِسُ دُونَهَا وَلَربَّمَا
بَذَلَ النُّفُوسَ حَمَاتُهَا بِسَخَاءِ
أَليَوْمَ بَدْءُ الْعَامِ عَامِ النِّيلِ فِي
إِقْبَالِهِ المُتَجَدِّدِ الَّلأْلاَءِ
مَا انْفَكَّ فِي أَقْسَامِهِ وفُصُولِهِ
شَرَعاً وَفي الأَوْضَاعِ وَالأسْمَاءِ
قَدْ أُحْكِمَتْ في كُلِّهِ أَجْزَاؤُهُ
فَبَدَا تَمَامُ الْكُلِّ بِالأَجْزَاءِ
عَجَبٌ لِقَوْمٍ لاَتَنِي آثَارُهُمْ
هِيَ أَعْظَمُ الآثَارِ في الْغَبْرَاءِ
قُصَّتْ حَوَاشِيهِمْ وَقُلِّصَ ظِلُّهُمْ
إِلاَّ كِفَاحَ بَقِيَّةٍ لِبَقَاءِ
وَعَفَتْ مَعَاهِدُ بَطشِهِمْ أَوْ أَوْشَكَتْ
وَهَوَتْ صُرُوحُ العِزَّةِ الْقَعْساءِ
إِلاَّ نِظَاماً فَصَّلُوهُ لِعَامِهِمْ
فَلَقَدْ أَقَامَ كَأَصْلِهِ المُتَنَائِي
كَمْ دَوْلَةٌ دَالَتْ بِمصْرَ وَحُكْمُهُ
مُتَوَارَثٌ عَنْ أَقْدَمِ الآباءِ
وَإذَا بَنَى الأَقْوَامَ فِكْراً صَالِحاً
فَالْفِكْرُ يَثْبُتُ بَعْدَ كُلِّ بِنَاءِ
أمهيئي هَذَا المقَامَ وَمُبْدِعِي
هَذَا النِّظَامَ لِحِكْمَةٍ غَرَّاءِ
إنْ أَرْجُ فَالإقْبَالُ مَا أَرْجُو لَكُمْ
وَإذَا دَعَوْتُ فَبِالرُّقِيِّ دُعَائِي
تِلْكَ الدُّجُنَّةُ آذَنَتْ بِجَلاَءِ
وَبَدَا الصَّبَاحُ فَحَيِّ وَجْهَ ذُكَاءِ
أَلعَدْلُ يَجْلُوهَا مُقِلاًّ عَرشَهَا
وَالظُّلمُ يَعْثُرُ عَثْرَةَ الظَّلْمَاءِ
يَا أَيُّهَا اليَومُ العَظِيمُ تَحِيَّةً
فُكَّ الأَسَارَى بَعْدَ طُولِ عَناءِ
أَوْشَكْتُ فيكَ وَقَدْ نَسَيتُ شَكِيَّتِي
أَنْ أُوسِعَ الأَيَّامَ طِيبَ ثَنَاءِ
حَسْبَي اعتِذَارُكَ عَن مَسَاءَةِ مَا مَضَى
بِمَبَرَّةٍ مَوْفُورَةِ الآلاَءِ
أَلشَّمْسُ يَزدَادُ ائتِلاقاً نُورُهَا
بَعدَ اعْتَكارِ اللَّيْلَةِ اللَّيْلاَءِ
ويُضَاعِفُ السَّرَّاءَ فِي إِقْبَالِهَا
تَذْكَارُ مَا وَلَّى مِنَ الضَّرَّاءِ
لاَ كَانَتِ الحِجَجُ الَّتِي كَابَدْتُهَا
مِنْ بَدْءِ تِلكَ الغارةِ الشّعوَاءِ
ألحزنُ حيثُ أبيتُ ملءُ جوانحي
والنارُ مِلءُ جَوَانِبِ الغَبْرَاءِ
دَامِي الْحُشَاشَةِ لَمْ أَخَلْنِي صَابِراً
بَعْدَ الفِرَاقِ فَظَافِراً بِلِقَاءِ
مُنْهَدُّ أَرْكَانِ العَزِيمَةِ لَمْ أَكدْ
يَأْساً أُمَنِّي مُهْجَتِي بِشِفاءِ
حجَج بَلَوْتُ المَوْتَ حِينَ بَلَوْتُهَا
مُتَعَرِّضاً لِي فِي صُنُوفِ شَقَاءِ
لَكِنَّهَا وَالْحَمْدُ لِلهِ انقْضَتْ
وَتَكَشَّفَتْ كَتكشفِ الغَمَّاءِ
وَغَدَا الْخَلِيلُ مُهَنِّئاً وَمُهَنَّأً
بَعْدَ الأَسَى وتَعَذُّرِ التَّأْسَاءِ
جَذْلاَنَ كَالطِّفْلِ السَّعِيد بِعِيدِهِ
مُسْتَرْسِلاً فِي اللَّفْظِ وَالإِيمَاءِ
يَقْضِي وَذلِكَ نَذْرُهُ فِي يَوْمِهِ
حَاجَاتِ سَائِلِهِ بِلاَ إِبْطَاءِ
مَا كَانَ أَجْوَدَهُ عَلَى بُشَرَائِهِ
بِثَرَائِهِ لَوْ كَانَ رَبَّ ثَرَاءِ
عَادَ الْحَبِيبُ الْمُفْتَدَى مِنْ غُرْبَةٍ
أَعْلَتْ مَكَانَتَهُ عَنِ الْجَوْزَاءِ
إِنَّ الأَدِيبَ وَقَدْ سَمَا بِبَلاَئِهِ
غيْرُ الأَدِيبِ وَلَيْسَ رَبَّ بَلاَءِ
فِي بَرْشَلُونَةَ نَازِحٌ عَنْ قَوْمِهِ
وَدِيَارِهِ وَالأَهْلِ وَالقُرْبَاءِ
نَاءٍ وَلَوْ أَغْنَتْ مِنَ المُقَلِ النُّهى
مَا كَانَ عَنْهُمْ لَحْظَةً بِالنَّائِي
بالأَمْسِ فِيهِ العَينُ تَحسُدُ قَلْبَهَا
وَاليَومَ يَلتَقِيَانِ فِي نَعْمَاءِ
أَهلاً بِنَابِغَةِ البِلاَدِ وَمَرْحَباً
بِالعَبْقَرِيِّ الفَاقِدِ النُّظَرَاءِ
شَوقِي أَمِيرِ بِيانِهَا شَوقِي فَتَى
فِتيانِهَا فِي الوَقْفَةِ النَّكْرَاءِ
شَوقِي وَهَلْ بَعْدَ اسمِهِ شَرَفٌ إِذَا
شَرُفَتْ رِجَالُ النُّبْلِ بِالأَسْمَاءِ
وَافَى وَمَنْ لِلفَاتِحينَ بِمِثلِ مَا
لاَقَى مِنَ الإِعْظَام وَالإِعْلاَءِ
مِصْرٌ تُحَيِّيهِ بِدَمعٍ دَافِقٍ
فَرَحاً وَأَحْدَاقٍ إِلَيْهِ ظِمَاءِ
مِصْرٌ تُحَيِّيهِ بِقَلْبٍ وَاحِدٍ
مُوفٍ هَواهُ بِهِ عَلَى الأَهْوَاءِ
جَذْلَى بعَوْدِ ذَكِيِّهَا وَسَرِيِّهَا
جَذْلَى بِعَوْدِ كَمِيِّهَا الأَبَاءِ
حَامِي حَقِيقَتَهَا وَمُعْلِي صَوتَهَا
أَيَّامَ كَانَ الصَّوتُ لِلأَعْدَاءِ
أَلمُنْشِيءِ اللَّبِقِ الحَفِيلِ نَظيمُهُ
وَنَثِيرُهُ بِرَوَائِعِ الأَبْدَاءِ
أَلْبَالِغِ الخَطَرَ الَّذِي لَمْ يَعْلُهُ
خَطَرٌ بِلاَ زَهْوٍ وَلاَ خُيَلاَءِ
أَلصَّادِقِ السَّمْحِ السَّريرَةِ حَيْثُ لاَ
تَعْدُو الرِّيَاءَ مَظَاهِرُ السُّمَحَاءِ
أَلرَّاحِمِ المِسْكِينَ وَالْمَلْهُوفَ وَالْ
مَظْلُومَ حِينَ تَعَذُّرِ الرُّحَمَاءِ
عِلْماً بِأَنَّ الأَقْوِيَاءَ لِيَوْمِهِمْ
هُمْ فِي غَدَاةِ غَدٍ مِن الضُّعَفَاءِ
أَلطَّيِّبِ النَّفَّسِ الكَريمِ بِمَالِهِ
فِي ضِنَّةٍ مِنْ أَنْفُسِ الكُرَمَاءِ
أَلكَاظِمِ الغَيْظَ الْغَفُورَ تَفَضُّلاً
وَتَطَوُّلاً لِجِهَالَةِ الْجُهَلاَءِ
جِدِّ الْوَفِيِّ لِصَحْبِهِ وَلأَهْلِهِ
وَلِقَوْمِهِ إِنْ عَزَّ جِدُّ وَفَاءِ
أَلمفْتَدِي الْوَطَنَ الْعزِيزَ بِرُوحِهِ
هَلْ يَرْتَقِي وَطَنٌ بِغَيْرِ فِدَاءِ
مُتَصَدِّياً لِلْقُدْوَةِ المُثْلَىَ وَمَا
زَالَ السَّرَاةُ مَنَائِرَ الدَّهْنَاءِ
هَذِي ضُرُوبٌ مِنْ فَضَائِلِهِ الَّتِي
رَفَعَتْهُ فَوْقَ مَنَازِلِ الأُمَرَاءِ
جَمَعَتْ حَوَالَيْهِ القُلُوبَ وَأَطْلَقَتْ
بَعْدَ اعْتِقَالٍ أَلْسُنَ الْفُصَحَاءِ
مَا كَانَ لِلإِطْراءِ ذِكْرَى بَعْضَهَا
وَهْيَ الَّتِي تَسْمُو عَنِ الإِطْرَاءِ
قُلتُ اليَسِيرَ مِنَ الكَثِيرِ وَلَمْ أَزِدْ
شَيْئاً وَكَمْ فِي النَّفْسِ مِنْ أَشْيَاءِ
أَرْعَى اتِّضَاعَ أَخِي فَأُوجِزُ وَالَّذِي
يُرْضِي تَوَاضُعَهُ يَسُوءُ إِخائِي
إِنَّ البِلاَدَ أَبا عَلِيٍّ كَابَدَتْ
وَجْداً عَلَيْكَ حَرَارَةَ البُرَحَاءِ
وَزَكَا إِلَى مَحبُوبِهَا تَحْنَانُهَا
بِتَبَغُّضِ الأَحْدَاثِ وَالأَرْزَاءِ
لاَ بِدْعَ فِي إِبْدَائِهَا لَكَ حُبَّهَا
بِنِهَايَةِ الإِبَدَاعِ فِي الإِبْدَاءِ
فَالْمُنْجِبَاتُ مِنَ الدِّيَارِ بِطَبْعِهَا
أحَنَى عَلَى أَبْنَائِهَا العُظَمَاءِ
أَلقُطْرُ مُهْتَزُّ الجَوانِبِ غِبْطَةً
فِيمَا دَنَا وَنَأَى مِنَ الأَرْجَاءِ
رَوِيَ العِطَاشُ إِلى اللِّقَاءِ وَأَصبَحُوا
بَعْدَ الجَوَى فِي بَهْجَةٍ وَصَفَاءِ
وَبِجَانِبِ الفُسْطَاطِ حَيٌّ مُوْحِشٌ
هُوَ مَوْطِنُ المَوْتَى مِنَ الأَحْيَاءِ
فِيهِ فُؤادٌ لَم يَقَرَّ عَلَى الرَّدَى
لأَبَرِّ أُمٍّ عُوجِلَتْ بِقَضَاءِ
لاَحَ الرَّجَاءُ لَهَا بِأَنْ تَلْقَى ابنَهَا
وَقَضَتْ فَجَاءَ اليَأْسُ حِينَ رَجَاءِ
أَوْدَى بِهَا فَرْطُ السَّعَادَةِ عِنْدَمَا
شَامَتْ لِطَلْعَتِهِ بَشِيرَ ضِيَاءِ
لَكِنَّمَا عَوْدُ الْحَبِيبِ وَعِيدُهُ
رَدَّا إِلَيهَا الْحسَّ مِنْ إِغْفَاءِ
فَفُؤادُهُا يَقِظٌ لَهُ فَرَحٌ بِهِ
وَبِفَرْقَدَيْهِ مِنْ أَبَرِّ سَمَاءِ
يَرْعَى خُطَى حُفَدَائِهَا وَيُعِيذُهُمْ
فِي كُلِّ نُقْلَةِ خُطْوَةٍ بِدُعَاءِ
فِي رَحْمَةِ الرِّحْمَنِ قَرِّي وَاشْهَدِي
تَمْجِيدَ أَحْمَدَ فَهْوَ خَيْرُ عَزَاءِ
وَلأُمِّهِ الكُبْرَى وَأُمِّكَ قَبْلَهُ
خَلِّي وَلِيدَكِ وَارْقدِي بِهَنَاءِ
مصْرُ بشَوْقِي قَدْ أُقِرَّ مَكَانُهَا
فِي الذُّرْوَةِ الأَدَبِيَّةِ الْعَصْمَاءِ
هُوَ أَوْحَدُ الشَّرقَيْنِ مِنْ مُتَقَارِبٍ
مُتَكَلِّمٍ بِالضَّادِ أَوْ مُتَنَائِي
مَا زَالَ خَلاَّقاً لِكُلِّ خَرِيدَة
تُصْبِي الْحَلِيمَ بِرَوْعَةٍ وَبَهَاءِ
كَالبَحْرِ يُهْدِي كُلَّ يَوْمٍ دُرَّةَ
أَزْهَى سَنىً مِنْ أُخْتِهَا الْحَسْنَاءِ
قُلْ لِلْمُشَبِّهِ إِنْ يُشَبِّهْ أَحْمَداً
يَوْماً بَمَعْدُودٍ مِنَ الأُدَبَاءِ
مَنْ جَال مِن أَهلِ اليَرَاعِ مَجالَهُ
فِي كُلِّ مِضْمارٍ مِنَ الإِنْشَاءِ
مَنْ صَالَ فِي فَلَكِ الخَيَالِ مَصَالَهُ
فَأَتَي بِكُلِّ سَبِيَّةٍ عَذْرَاءِ
أَصَحِبْتَهُ وَالنجْمُ نُصْبَ عُيُونِهِ
وَالشَّأْوُ أَوْجَ القُبَّةِ الزَّرْقَاءِ
إِذا بَاتَ يَسْتَوحِي فَأَوْغَلَ صَاعِداً
حَتَّى أَلمَّ بِمَصْدَرِ الإِيحَاءِ
أَقَرَأْتَ فِي الطَّيَرَانِ آيَاتٍ لَهُ
يَجْدُرْنَ بِالتَّرتِيلِ وَالإِقْرَاءِ
فَرَأَيتَ أَبدَعَ مَا يُرَى مِنْ مَنْظَرٍ
عَالٍ وَلَمْ تَرْكَبْ مَطِيَّ هَوَاءِ
وَشَهِدتَ إِفشاءَ الطَّبيعَةِ سِرَّهَا
لِلعَقلِ بَعدَ الضَّنِّ بِالإِفْشَاءِ
أَشَفَيْتَ قَلْبَكَ مِن مَحَاسِنِ فَنِّهِ
فِي شُكْرِ مَا لِلنِّيلِ مِنْ آلاَءِ
يَا حُسْنَهُ شَكراً مِنِ ابنٍ مُخِلصٍ
لأَبٍ هُوَ المَفْدِيُّ بِالآبَاءِ
أَغْلَى عَلَى مَاءِ الَّلآلِيءِ صَافياً
مَا فَاضَ ثَمَّةَ مِنْ مَشُوبِ المَاءِ
أَتَهَادَتِ الأَهْرَامُ وَهْيَ طَرُوبَةٌ
لِمَديحِهِ تَهْتَزُّ كَالأَفْيَاءِ
فَعَذَرْتُ خَفَّتَهَا لِشِعْرٍ زَادَهَا
بِجَمَالِهِ البَاقِي جَمالَ بَقَاءِ
أَنَظَرْتَ كَيْفَ حَبَا الْهَيَاكِلَ وَالدُّمَى
بِحُلىً تُقَلِّدُهَا لِغَيْرِ فَنَاءِ
فكَأَنَّها بُعِثَتْ بِهِ أَرْوَاحُهَا
وَنَجَتْ بِقُوَّتِه مِنَ الإِقْوَاءِ
أَتَمَثَّلَتْ لَكَ مِصْرُ فِي تَصْوِيرهِ
بِضَفَافِهَا وَجِنَانِهَا الْفيْحَاءِ
وَبَدَا لِوَهْمِكَ مِنْ حُلِيِّ نَبَاتِهَا
أَثَرٌ بِوَشْيِ بَيَانِهِ مُتَرَائِي
أَسَمِعْتَ شَدْوَ الْبُلْبُلِ الصَّدَّاحِ فِي
أَيْكَاتِهَا وَمَنَاحَةَ الَوَرْقَاءِ
فَعَجِبْتَ أَنَّي صَاغَ مِنْ تِلْكَ اللُّغَى
كَلِمَاتِ إِنْشَادٍ وَلَفْظَ غِنَاءِ
للهِ يَا شَوْقِي بَدَائِعُكَ الَّتِي
لَوْ عُدِّدَتْ أَرْبَتْ عَلَى الإِحْصَاءِ
مَنْ قَالَ قَبْلَكَ فِي رِثَاءٍ نِقْسُهُ
يَجْرِي دَماً مَا قُلْتَ فِي الْحَمْرَاءِ
فِي أَرضِ أَنْدُلُسٍ وَفِي تَارِيخِهَا
وَغَرِيبِ مَا تُوحِي إِلى الغُرَبَاءِ
جَارَيْتَ نَفْسَكَ مُبْدِعاً فِيهَا وَفِي
آثَارِ مِصْرَ فَظَلْتَ أَوْصَفَ رَائِي
وَبَلَغْتَ شَأْوَ الْبُحْتُرِيِّ فَصَاحَةً
وَشَأَوْتَهُ مَعْنىً وَجَزْلَ أَدَاءِ
بَلْ كُنْتَ أَبْلَغَ إِذْ تَعَارِضُ وَصْفَهُ
وَتَفُوقُ بِالتَّمْثِيلِ وَالإِحْيَاءِ
يَا عِبْرَةَ الدُّنْيَا كَفَانا مَا مَضَى
مِنْ شأْنِ أَنْدُلُسٍ مَدىً لِبُكَاءِ
مَا كَان ذَنْبُ الْعُربِ مَا فَعَلُوا بِهَا
حَتَّى جَلَوْا عَنْهَا أَمَرَّ جَلاَءِ
خَرَجُوا وَهُمْ خُرْسُ الْخُطَى أَكْبَادُهُمْ
حَرَّى عَلَى غَرْنَاطَةَ الْغَنَّاءِ
أَلْفُلْكُ وَهْيَ الْعَرْشُ أَمْسِ لِمَجْدِهِمْ
حَمَلَتْ جَنَازَتَهُ عَلَى الدَّأْمَاءِ
أَوْجَزْتَ حِينَ بَلَغْتَ ذِكْرَى غِبِّهِمْ
إِيجَازَ لاَ عِيٍّ وَلاَ إِعْيَاءِ
بَعْضُ السُّكُوتِ يَفُوقُ كُلَّ بَلاَغةٍ
فِي أَنْفُسِ الفَهِمِينَ وَالأُرَبَاءِ
وَمِنَ التَّنَاهِي فِي الْفَصَاحَةِ تَرْكُهَا
وَالْوَقْتُ وَقْتُ الخُطْبَةِ الْخَرْسَاءِ
قَدْ سُقْتَهَا لِلشَّرْقِ دَرْساً حَافِلاً
بِمَوَاعِظِ الأَمْوَاتِ لِلأحْيَاءِ
هَلْ تُصْلِحُ الأَقْوَامَ إِلاَّ مُثْلَةٌ
فَدَحَتْ كَتِلْكَ المُثْلَةِ الشَّنْعَاءِ
يَا بُلْبُلَ الْبَلَدِ الأَمِينِ وَمُؤنِسَ الْ
لَيْلِ الْحَزِينِ بِمُطْرِبِ الأَصْدَاءِ
غَبرَتْ وَقَائِعُ لَمْ تَكُنْ مُسْتَنْشَداً
فِيهَا وَلاَ اسْمُكَ مَالِيءَ الأَنْبَاءِ
لَكِنْ بِوَحْيِكَ فَاهَ كُلُّ مُفَوَّهٍ
وَبِرَأْيِكَ اسْتَهْدَى أُولُو الآرَاءِ
هِيَ أُمَّةٌ أَلْقَيْتَ فِي تَوحِيدَهَا
أُسًّا فَقَامَ عَلْيِه خَيْرُ بِنَاءِ
وَبَذَرْتَ فِي أَخلاَقِهَا وَخِلاَلِهَا
أَزْكَى البُذُورِ فَآذَنَتْ بِنَمَاءِ
أَمَّا الرِّفَاقُ فَمَا عَهِدْتِ وَلاَؤُهُمْ
بَلْ زَادَهُمْ مَا سَاءَ حُسنَ وَلاَءِ
وشَبَابُ مِصْرَ يَروَنَ مِنْكَ لَهُمْ أَباً
ويَرَوْنَ مِنْكَ بِمَنزِلِ الأَبنَاءِ
مِنْ قَوْلِكَ الحُرِّ الجَرِيءِ تَعَلَّمُوا
نَبَرَاتِ تِلْكَ العِزَّةِ القَعْسَاءِ
لا فَضلَ إِلاَّ فَضلُهُم فِيمَا انْتَهَي
أَمُر البِلاَدِ بَعْدَ عَنَاءِ
كانوا هُمُو الأشْيَاخَ وَالفِتْيَانَ وَال
قُوَّادَ وَالأَجْنَادَ فِي البَأْساءِ
لَمْ يَثْنِهِم يَومَ الذِّيَادِ عَنِ الحِمَى
ضَنٌّ بِأَموَالٍ وَلاَ بِدِمَاءِ
أَبطَالُ تَفْدِيَةٍ لَقُوا جُهْدَ الأَذَى
فِي الحَقِّ وَامْتَنَعُوا مِنَ الإِيذَاءِ
سَلِمَتْ مَشيِئَتُهُم وَمَا فِيهمْ سِوَى
مُتَقَطِّعِي الأَوصَالِ وَالأَعضَاءِ
إِنَّ العَقِيدَةَ شِيمَةٌ عُلْوِيَّةٌ
تَصفُو عَلَى الأَكْدَارِ وَالأَقْذَاءِ
تَجْنِي مَفَاخِرَ مِن إِهَانَاتِ العِدَى
وَتُصِيبُ إِعزازاً مِنَ الإِزرَاءِ
بكْرٌ بِأَوجِ الحُسْنِ أَغَلى مَهْرَهَا
شَرَفٌ فَلَيْس غَلاَؤُهُ بِغَلاَءِ
أَيُضَنُّ عَنْهَا بِالنَّفِيسِ وَدُونَها
يَهَبُ الحُمَاةُ نُفُوسَهُمْ بِسَخاءِ
تِلْكَ القَوَافِي الشَّارِدَاتُ وَهذِهِ
آثَارُهَا فِي أَنفُسِ القُرَّاءِ
شَوْقِي إِخَالُكَ لَمْ تَقُلْهَا لاَهِياً
بِالنَّظمِ أَوْ مُتَبَاهِياً بِذَكَاءِ
حُبُّ الحِمَى أَمْلَى عَلَيْكَ ضُرُوبَهَا
متَأَنِّقاً مَا شَاءَ فِي الإِملاَءِ
أَعْظِمْ بِآياتِ الهَوَى إِذْ يَرْتَقِي
مُتجَرِّداً كَالجَوهَرِ الوضَّاءِ
فَيُطَهِّرُ الوِجْدَانَ مِنْ أَدْرَانِهِ
وَيَزِينُهُ بِسَواطِعِ الأًضوَاءِ
وَيُعِيدُ وَجْهَ الغَيْبِ غَيْرَ مُحَجَّبٍ
وَيَرَدُّ خَافِيةً بِغَيرِ خَفَاءِ
أَرْسَلْتَها كَلِماً بَعِيدَاتِ المَدَى
تَرْمِي مَرَامِيَهَا بِلاَ إِخْطَاءِ
بيْنَا بَدَتْ وَهْيَ الرُّجُومُ إِذ اغْتَدَتْ
وَهْيَ النُّجُومُ خَوَالِدَ اللَّأْلاَءِ
مَلأَتْ قُلُوبَ الْهائِبِينَ شَجَاعَةً
وَهَدَتْ بَصائِرَ خَابِطِي العَشْوَاءِ
مِنْ ذلِكَ الرُّوحِ الكَبِيرِ وَمَا بِهِ
يَزدَانُ نَظْمُكَ مِن سَنىً وَسَنَاءِ
أَعْدِدْ لِقَوْمِكَ وَالزَّمَانُ مُهَادِنٌ
مَا يَرتَقُونَ بِهِ ذُرَى العَليَاءِ
أَلْيَوْمَ يَوْمُكَ إِنَّ مِصرَ تَقَدَّمَتْ
لِمَآلِهَا بِكَرَامَةٍ وَإبَاءِ
فَصغِ الحُليَّ لَهَا وَتَوِّجْ رَأْسَهَا
إِذْ تَسْتَقِلُّ بِأَنْجُمٍ زَهْرَاءِ
لِعَلِيٍّ قَرَارَةٌ بِالعَرَاءِ
هِيَ فِي الأَرْضِ قَطُعَةٌ مِنْ سَمَاءِ
بَاتَ فِيها وَقَدْ تَوَجَّهَ للهِ
حَنِيفاً بِوَجْهِهِ الوَضَّاءِ
وَافِرَ الأُنْسِ حَيْثُ قَرَّ وَحِيداً
بِاخْتِلاَفِ الملائِكِ الأُمَنَاءِ
جَسَدٌ عِنْدَ مُنْتَهَى ظُلَمِ الدّهْرِ
وَرُوحٌ في مُزْدَهَي الأَضْوَاءِ
يَا أبَا صِيرَ مِنْ قُرَى غَرْبِ مِصْرٍ
بِتِّ سِرّاً للهِ في الوُدَعَاءِ
بَيْنَ مَا فِيكِ مِنْ زَرِيِّ المَغَانِي
شِيدَ بَيْتٌ سَمَا إلى الُجَوْزاءِ
بِعَليٍّ غَدَوْتِ دارَ المَعَالي
وَمَزَارَ العُفَاةِ والأُمَرَاءِ
بِالنَّبِيهِ النَّزِيهِ عَنْ كلِّ كِبْرٍ
بِتِّ أَحْرَى البِلاَدِ بِالكِبْرِيَاءِ
كَرَّمَ اللهُ في الحَيَاةِ عَلِيّاً
وَبِهِ قدْ كَرُمْتِ في الأَرْجَاءِ
بِالسَّرِيِّ المُبَجَّلِ المنزلاوِ
يِّ سَرِيِّ الأَجْدَادِ وَالآباءِ
بِالتَّقِيِّ النَّقِيِّ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ
كعْبَةِ الفَضْلِ قُدْوِةِ الأَتقياءِ
بِالَّذِي لَمْ يَجِئْهُ وَحْيٌ وَلَكِنْ
لَمْ تَفُتْهُ خَلائقُ الأَنبياءِ
كَرَمٌ جَاوزَ الأَمَانيَّ حَتَّى
قَصُرَتْ عَنْهُ سَابِقَاتُ الرَّجَاءِ
وَحَيَاءٌ عَلى الشَّجَاعَةِ نَاهِيكَ
بِخُلْقَيْ شَجَاعَةٍ وَحَياءِ
كَانَ فِي قَوْمِهِ صَلاَحاً وَإِصْلاَحاً
فَعَاشُوا في عِفَّةٍ وَرَخَاءِ
صَانَ أَعَرَاضَهُمْ وَصَانَ حِمَاهُمْ
مِنَ فَسَادٍ وَضَلَّةٍ وَشَقَاءِ
عَاشَ فِيهم كَأَنَّما هُو مِنْهُمْ
وَهْوَ لُوْ شَاءَ عُدَّ فِي الأُوْلِيَاءِ
أرَصَدَ العُمْرَ لِلْهُدَى وَتَوَلَّى
كَاغْتِمَادِ الشِّهَابِ فِي الظَّلْماءِ
مُخْلِفاً نَجْلَهُ الكَرِيمَ عَلِيّاً
لِلْمُرُوءَاتِ والنَّدَى وَالوَفَاءِ
يَا أَبَا المَجْدِ لَيْسَ مِثْلُكَ مَيْتاً
وَعَليٌّ فَتَاهُ فِي الأَحْيَاءِ
فَتَمَلَّ النِعُمَاءَ خَالِدَةً فِي
جَنَّةٍ صُبْحُهَا بِغَيْرِ مَسَاءِ
قَبَسٌ بَدَا مِنْ جَانِبِ الصَّحْرَاءِ
هَلْ عَادَ عَهْدُ الْوَحْيِ فِي سِيناءِ
أَرْنُو إِلى الطُّورِ الأَشَمِّ فَأَجْتَلِي
إيماضَ بَرْقٍ وَاضِحَ الإِيمَاءِ
حَيْثُ الْغَمَامَةُ وَالْكَلِيمُ مَرَوَّعٌ
أَرْسَتْ وَقُوراً أَيَّمَا إِرْسَاءِ
دَكْنَاءُ مُثْقَلَةُ الْجَوَانِبِ رَهْبَةً
مَكْظُومَةُ النِّيرَانِ فِي الأَحْشَاءِ
حَتَّى تَكَلَّمَ رَبُّهَا فَتَمَزَّقَتْ
بَيْنَ الصَّوَاعِبِ فِي سَنىً وَسَنَاءِ
وَتَنَزَّلَتْ أَحْكَامُهُ فِي لَوْحِهَا
مَكْتُوبَةً آيَاتُهَا بِضِيَاءِ
أَتْرَى الْعِنَايَةَ بَعْدَ لأْيٍ هَيَّأَتْ
للشَّرْقِ مَنْجَاةً مِنَ الْغَمَّاءِ
فَأُتِيحَ فِي لَوْحِ الْوَصَايَا جَانِبٌ
خَالٍ لَمُؤْتَنَفِ مِنَ الإِيصَاءِ
وَتَخَلَّفَتْ بَيْنَ الرِّمَالِ مَظِنَّةٌ
لِتَفَجُّرٍ فِي الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ
قَدْ آنَ لِلْعَاشِينَ فِي ظَلْمَائِهِمْ
حِقْباً خُرُوجُهُمُ مِنَ الظَّلْمَاءِ
إِنَّي لِمَيْمُونُ النَّقِيبَةِ مُلْهَمٌ
إِبْرَاءُ زَمْنَاهُمْ وَرِيُّ ظِمَاءِ
إِنْ لَمْ يَقُدْهُمْ قَائِدٌ ذُو مِرَّةٍ
وَالبَأْسُ قَدْ يُنْجِي مِنَ البْأْسَاءِ
هَلْ مِنْ بَشِيرٍ أَوْ نَذِيرٍ قادِرٍ
مُتَبَيِّنٍ مِنْهُمْ مَكَانَ الدَّاءِ
يَهْدِيهُمُ سُبُلَ الرُّقِيِّ مُلاَئِماً
لِزَمانِهِمْ وَطَرائِقَ الْعَلْيَاء
أَلشَّاعِرِيَّةُ لاَ تَزَالُ كَعَهْدِها
بَعْدَ النُّبُوَّةِ مَهْبِطَ الإِيحَاءِ
وَالصَّوْتُ إِنْ تَدْعُ الْحَقِيقَةُ صَوْتُهَا
وَالنُّورُ نُورُ خَيَالِهَا الْوَضَّاء
يَا شَيْخَ سِينَاءَ الَّتي بُعِثَ الْهُدَى
مِنْ تِيهِهَا فِي آيَةٍ غَرَّاءِ
سَنَرَى وَأَنْتَ مُعَرِّبٌ عَنْ حَقِّهَا
كَيْفَ الموَاتُ يَفُوزُ بِالأَحْيَاءِ
هَذِي النِّيَابَةُ شَرَّفَتْكَ وَشَرَّفَتْ
بِكَ فِي الْبِلاَدِ مكَانَةَ الأُدَبَاءِ
قَأَهْنَأْ بِمَنْصِبِهَا الرَّفِيعِ وَإِنْ تَكُنْ
أَعْبَاؤُهَا مِنْ أَفْدَحِ الأَعْبَاءِ
حَسْبُ القَرِيضِ زِرَايَةً فَاثْأَرْ لَهُ
وَارْفَعْ بِنَاءَكَ فَوْقَ كُلِّ بِنَاءِ
وَأَرِ الأُلى جَارُوا عَلَى أَرْبَابِهِ
آفَاتِ تِلْكَ الخُطَّةِ العَوْجَاءِ
إِنَّ التَّوَاكُلَ وَالتَّخَاذُلَ وَالقِلَى
لأَقَلُّ مَا جَلَبَتْ مِنَ الأَرْزَاءِ
وَتَنَزُّلِ الأَقْوَامِ عَنْ أَخْطَارِهَا
وَتَعَسُّفِ الحُكِّامِ وَالكُبَرَاءِ
أَبْنَاءُ يَعْرُبَ فِي أَسىً مِنْ حِقْبَةٍ
شَقِيتَ بِهَا الآدابُ جِدَّ شَقَاءِ
جَنَفَ البُغَاةُ بِهَا عَلَى أَهْلِ النُّهَى
وَاسْتُعْبِدَ العُلَمَاءُ لِلْجُهَلاَءِ
وَتَخَيَّلَ السَّادَاتُ فِي أَقْوَامِهِمْ
شُعَرَاءَهَا ضَرْباً مِنَ الأُجرَاءِ
وَهُمُ الَّذِينَ تَنَاشَدُوا أَقْوَالَهُمْ
لِلْفَخْرِ آوِنَةً وَلِلتَّأْسَاءِ
وَبِفَضْلِهِمْ غُذِيَتْ غِرَاثُ عُقُولِهِمْ
مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ أَلَذَّ غِذَاءِ
وَبِنفحَةٍ مِنْهُمْ غَدَتْ أَسْمَاؤُهُمْ
مِنْ خَالِدَاتِ الذِّكْرِ فِي الأَسْمَاءِ
أصْلِحْ بِهِمْ رَأْيَ الأُولَى خَالُوهُمُ
آلاتِ تَهْنِئَةٍ لَهُمْ وَعَزَاءِ
وَلْتَشْهَدِ الأَوْطَانُ مَا حَسَنَاتُهُمْ
فِي المَنَصِبِ الْعَالِي وَفِي الإِثْرَاءِ
وَلْتَعْلَمِ الأَيَّامُ مَا هُوَ شأْنُهُمْ
فِي كُلِّ مَوْقِفِ عِزَّةٍ وَإِبَاءِ
يَا بَاعِثَ المَجْدِ الْقَدِيمِ بِشِعْرِه
وَمُجَدِّدَ الْعَرَبِيَّةِ الْعَربَاء
أَنْتَ الأَمِيرُ وَمَنْ يَكُنْهُ بِالْحِجَى
فَلَهُ بِهِ تِيهٌ عَلَى الأُمَرَاءِ
أَلْيَوْمَ عِيدُكَ وَهْوَ عِيدٌ شَامِلٌ
لِلضَّادِ فِي مُتَبَايَنِ الأَرْجَاءِ
فِي مِصْرَ يُنْشِدُ مِنْ بَنِيها مُنْشِدٌ
وَصَدَاهُ فِي الْبَحْرَيْنِ وَالزَّوْرَاءِ
عِيدٌ بِهِ اتَّحَدَتْ قُلُوبُ شُعُوبِهَا
وَلَقَدْ تَكُونُ كَثِيرَةُ الأَهْواءِ
كَمْ رِيمَ تَجْدِيدٌ لِغَابِرِ مَجْدِهَا
فَجَنَى عَلَيْهَ تَشَعُّبُ الآرَاءِ
مَا أَبْهَجَ الشَّمْسَ الَّتِي لاَحَتْ لَهَا
بَعْدَ الْقُنُوطِ وَطَالَعَتْ بِرجَاءِ
أَلشِّعْرُ أَدْنَى غَايَةً لَمْ يَسْتَطِعْ
إِدْنَاءَهَا عَزْمٌ وَحُسْنُ بَلاَءِ
مَا السِّحْرُ إِلاَّ شِعْرُ أَحْمَدَ مَالِكاً
مِنْهَا الْقِيَادَ بِلُطْفِ الاسْتِهْوَاءِ
قَدْ هَيَّأَتْ آيَاتُهُ لِوُفُودِهَا
فِي مِصْرَ عَنْ أُمَمٍ أَحَبَّ لِقَاءِ
لاَ يُوقِظَ الأَقْوَامَ إِلاَّ مُنْشِدٌ
غَردٌ يُنَبِّهُ نَائِمَ الأَصْدَاءِ
كَلاًّ وَلَيْسَ لَهَا فَخَارٌ خَالِصٌ
كَفَخَارِهَا بِنَوَابِغِ الشُّعَرَاءِ
يا مِصْرُ بَاهِي كُلَّ مِصْرٍ بِالأولَى
أَنْجَبْتِ مِنْ أَبْنَائِكِ الْعُظَمَاءِ
حَفَلُوا لأَحْمَدَ حَفْلَةً مَيْمُونَةً
لَمْ تَأْتِ في نَبَإٍ مِنَ الأَنْبَاءِ
مَا أَحْمَدٌ إلاَّ لِوَاءُ بِلاَدِهِ
فِي الشَّرْقِ يَخْفُقُ فَوْقَ كُلِّ لِوَاءِ
عَلَمٌ بِهِ الوَادِي أَنَافَ عَلَى ذُرىً
شُمِّ الْجِبَالِ بِذُرْوَةٍ شَمَّاءِ
بَسَمَتْ ذُؤَابَتُهُ وَمَا زَانَ الرُّبَى
فِي هَامَهَا كَالحِلْيَةِ الْبَيْضَاءِ
هَلْ فِي لِدَاتٍ أَبِي عَلِيٍّ نِدُّهُ
إِنْ يَصْدُرَا عَنْ هِمَّةٍ وَمَضَاءِ
أَوْ شَاعِرٍ كَأَبِي حُسَيْنٍ آخِذٍ
مِنْ كُلِّ حَالٍ مَأْخَذَ الْحُكَمَاءِ
فَهِمَ الحَيَاةَ عَلَى حَقِيقَةِ أَمْرِهَا
فأَحَبَّهَا مَوْفُورَةَ النَّعْمَاءِ
يَجْنِي دَوَانِيهَا وَلاَ يَثْنِيهِ مَا
دُونَ القَواصِي مِنْ شَدِيدِ عَنَاءِ
يقْضِي مُنَاهُ أَنَاقَةً فِي عيْشِهِ
وَيَفِيَ بِحَقِّ المَجْدِ أَيَّ وَفَاءِ
عَظُمَتْ مَوَاهِبُهُ وَأَحْرَزَ مَا اشْتَهَى
مِنْ فِطْنَةٍ خَلاَّبَةٍ وَذَكَاءِ
إِنْ تَلْقَهُ تَلْقَ النُّبُوغَ مُمَثَّلاً
فِي صُورَةِ لَمَّاحَةِ اللَّأْلاَءِ
طُبِعَتْ مِنَ الحُسْنِ العَتِيقِ بِطَابَعٍ
وَضَّاحِ آيَاتٍ بَدِيعِ رُوَاءِ
زَانَ الخَيَالُ جَمَالَهَا بِسِمَاتِهِ
وَأَعَارَهَا قَسَمَاتِهِ لِبَقَاءِ
واليَوْمَ إِذْ وَلَّى الصَّبَا لَمْ يَبْقَ مِنْ
أَثَرٍ عَلَيْهَا عَالِقٍ بَفَنَاءِ
لاَ شَيءَ أَرْوَعُ إِذْ تَكُونُ جَلِيسَهُ
مِنْ ذلِكَ الرَّجُلِ القَرِيبِ النَّائِي
أَبَداً يُقَلَّبُ نَاظِرَيْهِ وَفِيهِمَا
تَقْلِيبُ أَمْوَاجٍ مِنَ الأَضْوَاءِ
يرَنْو إِلى العَلْيا بِسَامي طَرْفِهِ
وَيُلاَحِظُ الدُّنْيَا بِلاَ إِزْرَاءِ
يُغْضِي سَمَاحاً عنْ كَثِيرٍ جَفْنُهُ
وَضَمِيرُهُ أَدْنَى إِلى الإِغْضَاءِ
فَإِذَا تُحَدِّثُهُ فَإِنَّ لَصَوْتَهَ
لَحْناً رَخِيمَ الْوَقْعِ في الْحَوْبَاءِ
فِي نُطْقِهِ الدُّرُّ النَفِيسُ وَإِنَّمَا
تَصْطَادُهُ الأَسْمَاعُ بِالإِصْغَاءِ
لَكِنَّ ذَاكَ الصَّوْتَ مِنْ خَفْضٍ بِهِ
يَسْمُو الْحِفَاظُ بِهِ إِلى الْجَوْزَاءِ
أَعْظِمْ بِشَوْقِي ذَائِداً عَنْ قَوْمِهِ
وَبِلاَدِهِ فِي الأَزْمَةِ النَّكْرَاءِ
لَتَكَادُ تَسْمَعُ مِنْ صَريرِ يَرَاعِهِ
زأْراً كَزَأْرِ الأُسْدِ فِي الْهَيْجَاءِ
وَتَرَى كَأّزْنِدَةٍ يَطِيرُ شَرَارُهَا
مُتَدَارِكاً فِي الأَحْرُفِ السَّوْدَاءِ
وَتُحِسُّ نَزْفَ حُشَاشَةٍ مَكْلُومَةٍ
بِمَقَاطِرِ الْياقُوتَةِ الحُمْرَاءِ
فِي كُلِّ فَنٍ مِنْ فُنُونِ قَرِيضِهِ
مَا زَالَ فَوْقَ مَطَامِعِ النُّظَرَاءِ
أَمَّا جَزَالَتُهُ فَغَايَةُ مَا انْتَهَتْ
شَرَفاً إِليْهِ جَزَالَةُ الفُصَحَاءِ
وَتَكَادُ رِقَّتُهُ تَسِيلُ بِلَفْظِهِ
فِي المُهْجَةِ الظَّمْأَى مَسِيلَ المَاءِ
لَوْلاَ الْجَديدُ مِنَ الْحَلَى فِي نَظْمِهِ
لَمْ تَعْزُهُ إِلاَّ إِلى الْقُدَمَاءِ
نَاهِيكَ بِالْوَشْيِ الأَنِيقِ وَقَدْ زَهَا
مَا شَاءَ فِي الدِّيبَاجَةِ الْحَسْنَاءِ
يَسْرِي نَسِمُ اللُّطْفِ فِي زِينَاتِهَا
مَسْرَى الصِّبَا فِي الرَّوْضَةِ الْغَنَّاءِ
هَتَكَتْ قَريحَتُهُ السُّجُوفَ وَأَقْبَلَتْ
تَسْبِي خَبَايَا النَّفْسِ كلَّ سِبَاءِ
فَإِذَا النَّوَاظِرُ بَيْنَ مُبْتَكرَاتِهِ
تُغْزَى بِكُلِّ حَيِية عَذْرَاءِ
فِي شدْوِهِ وَنُوَاحِهِ رَجْعٌ لِمَا
طَوِيَتْ عَلَيْهِ سَرَائِرُ الأَحْيَاءِ
هَلْ فِي السَّمَاعِ لِبَث آلامِ الْجَوَى
كَنُوَاحِهِ وَكَشَدْوِهِ بِغِنَاءِ
يشْجِي قَدِيمُ كَلاَمِهِ كَجَدِيدهِ
وَأَرَى الْقَدِيمَ يَزِيدُ فِي الإِشْجَاءِ
فَمِنَ الْكَلاَمِ مُعَتَّقٌ إِنْ ذُقْتَهُ
ألْفَيْتَهُ كَمُعَتَّقِ الصَّهْبَاءِ
مَلأَتْ شَوَارِدُهُ الْحَوَاضِرَ حِكْمَةً
وَغَزَتْ نُجُوعَ الْجَهْلِ فِي البَيْدَاءِ
وَتُرَى الدَّرَارِي فِي بُحُورِ عَرُوضَهِ
وَكَأّنَّهُنَّ دَنَتْ بِهِنَّ مَرَائِي
كَمْ فِي مَوَاقِفِهِ وَفِي نَزَعَاتِهِ
مِنْ مُرْقِصَاتِ الْفَنِّ وَالإِنْشَاءِ
كَمْ فِي سَوَانِحِهِ وَفِي خَطَرَاتِهِ
مِنْ مُعْجِزَاتِ الْخَلْقِ وَالإِبْدَاءِ
رَسَمَ النُّبُوغُ لَهُ بِمُخْتَلِفَاتِهَا
صُوَراً جَلاَئِلَ فِي عُيُون الرَّائِي
أَلمَمْتُ مِنْ شَوْقِي بِنَحُوٍ وَاحِدٍ
وَجَلاَلُهُ مُتَعَدِّدُ الأَنْحَاءِ
مَلأَتْ مَحَاسِنُهَا قُلُوبَ وَلاَتِهِ
وَتَثَبَّتَتْ فِي أَنْفْسِ الأَعْدَاءِ
لِلهِ شَوْقِي سَاجِياً أَوْ ثَائِراً
كَاللَّيْثِ وَالْبُرْكَانِ وَالدَّأْمَاءِ
لِلهِ شَوْقِي فِي طَرَائِقِ أَخْذِهِ
بِطَرَائِفِ الأَحْوَالِ وَالأَشْيَاءِ
فِي لَهْوِهِ وَسُرُورِهِ فِي زُهْوِهِ
وَغُرُورِهِ فِي الْبَثِّ وَالإِشْكَاءِ
فِي حُبِّهِ للِنِّيلِ وَهْوَ عِبَادَةٌ
للِرَازِقِ الْعُوَّادِ بِالآلاَءِ
فِي بِرِّهِ بِبِلاَدِهِ وَهِيَامِهِ
بِجَمَالِ تَلْكَ الْجَنَّةِ الْفَيْحَاءِ
فِي وَصْفَهِ النْعَمَ التِي خصت بِهَا
مِن حُسْنِ مُرْتَبُعٍ وَطِيبِ هَوَاءِ
فِي ذِكْرِهِ مُتَبَاهِياً آثَارَهَا
وَمَآثِرَ الأَجْدَادِ وَالآباءِ
فِي فَخْرِهِ بِنُهُوضِهَا حَيْثُ الرَّدَى
يَهْوِي بِهَامِ شَبَابِهَا النُّبَهَاءِ
فِي شُكْرِهِ لِلْمَانِعِينَ حِياَضَهَا
وَحُمَاةِ بَيْضَتِهَا مِنَ الشُّهَدَاءِ
فِي حَثَّهِ أَعْوَانَ وَحْدَتِهَا عَلَى
وُدٍّ يُؤَلِّفُ شَمْلَهُمْ وَإِخَاءِ
مَتَثَبِّتِينَ مِنَ الْبِنَاءِ برُكْنِهِ
لِتَمَاسُكِ الأَعْضَادِ وَالأَجْزَاءِ
فِي نُصْحِهِ بِالعِلْمِ وَهْوَ لأَهْلِهِ
حِرْزٌ مِنَ الإِيهَانِ وَالإِيهَاءِ
فِي وَصْفِهِ الآيَاتِ مِمَّا أبْدَعَتْ
أُممٌ يَقِظْنَ وَنَحْنُ فِي إِغْفَاءِ
وَصْفٌ تَفَنَّنَ فِيهِ يُغْرِي قَوْمَهُ
بِالأَخْذِ عَنْهَا أشْرَفَ الإِغْراءِ
لَمْ يُبْقِ مِنْ عَجَبٍ عُجَابٍ خَافِياً
فِي بَطْنِ أَرْضٍ أَوْ بِظَهْرِ سَمَاءِ
هَذَا إِلى مَا لاَ يُحِيطُ بِوَصْفِهِ
فِكْرِي وَدُونَ أَقَلَّهِ إِطْرَائِي
بَلَغتْ خِلاَلُ الْعَبْقَرِيَّةِ تِمَّهَا
فِيهِ وَجَازَتْ شَأْوَ كُلِّ ثَنَاءِ
فَإذَا عَيِيتُ وَلَمْ أَقُمْ بِحُقُوقِهَا
فَلَقَدْ يَقُومُ الْعُذْرُ بالإِبْلاءِ
مَاذَا عَلَى مُتَنَكِّبٍ عَنْ غَايَةٍ
وَالشَّوْطُ لِلأَنْدادِ والأَكْفَاءِ
أًعَلِمْتَ مَا مِنّي هَوَاهُ وَإِنَّهُ
لَنَسِيجُ عُمْرٍ صَدَاقَةٍ وَفِدَاءِ
أَيْ حَافِظَ الْعَهْدِ الَّذِي أَدْعُو وَمَا
أَخْشَى لَدَيْهِ أَنْ يَخِيبَ دُعَائِي
أَدْرِكْ أَخاكَ وَأَوْلِهِ نَصْراً بِمَا
يَنْبُو بِهِ إِلاَّكَ فِي الْبُلَغَاءِ
جل المَقَامُ وقَدْ كَبَتْ بِي هِمَّتي
فَأَقِلْ جَزَاكَ اللهُ خَيْرَ جَزَاءِ
يَأْبَى عَلَيْكَ النُّبْلُ إِلاَّ أَنْ تُرَى
فِي أَوَّلِ الْوَافِينَ لِلزُّمَلاَءِ
وَالشَّرْقُ عَالِي الرَّأْسِ مَوْفُوُرُ الرِّضَى
بِرِعَايَةِ النُّبَغَاءِ لِلنُّبَغَاءِ
يَا مَنْ صَفَا لِي وُدُّهُ وَصَفَا لَهُ
وُدِّي عَلَى السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ
فَأَعَزَّنِي يَوْمَ الْحِفَاظِ وَلاَؤُه
وَأَعَزَّهُ يَوْمَ الْحِفَاظِ وَلاَئِي
وَعَرَفْتُ فِي نَادِي الْبَيَانِ مَكَانَهُ
وَمَكَانُهُ الأَسْنَى بِغَيْرِ مِرَاءِ
يَهْنِيكَ هَذَا الْعِيدُ دُمْ مُسْتَقْبِلاً
أَمْثَالَهُ فِي صِحَّةِ وَصَفَاءِ
حَيِّ الرِّفَاقَ الأَكْرَمِينَ وَقُلْ لَهُمْ
إِنَّا لَكُمْ فِي عِيدِكُمْ شُرَكَاءُ
مَا بَيْنَ مِصْرَ وَبَيْنَ لُبْنَانَ مَدَىً
نَاءٍ وَقَدْ أَدْنَى الْقُلُوبَ إِخاءُ
إِنَّ الَّذِي أَجْمَعْتُمُ إِكْرَامَهُ
لَمْ تَخْتِلفْ فِي حُبِّهِ الأَهْوَاءُ
فِي عِيدِهِ الْفِضِّيِّ زَمْرٌ تَنْجَلي
بِبَيَاضِهِ أَخْلاَقُهُ العَزَّاءُ
خَدَمَ المُوَاطِنَ خِدَمَةً لَمْ يَأْتِهَا
إِلاَّ الرُّعَاةُ الْجِلْسَةُ العُظَمَاءُ
وَبَنَى لأُمَّتِهِ فَخَاراً بَعْدَ أَن
كَادَتْ تَلُمُّ بِعِرْضِهَا الأَرْزَاءُ
مُسْتَنْصِراً إِيمانَهُ وَثَبَاتَهُ
وَخُلُوصَهُ إِنْ فَاتَهُ النُّصَرَاءُ
يَرْعَى مَدَارِسَهَا وَيَكْلأُ نِشْأَهَا
وَالنِّشْءُ لِلْعَهْدِ الجَدِيِدِ بِنَاءُ
وَيَعِمُّ كُلَّ مَبَرَّةٍ بِعِنَايَةٍ
مِنْهُ فَلَمْ يُخْصِصْ بِهَا الْفُقَرَاءُ
مُتُعَهِّداً أَبَداً رَعِيَّتَهُ فَلاَ
سَأْمٌ يُثَبِّطُهُ وَلاَ أَعْيَاءُ
زُهِيَتْ مَوَاعِظُهُ بِكُلِّ يَتِيمَةٍ
فِي كُلِّ دَاجِيَةٍ لَهَا لأْلاَءُ
إنْ أكْبَرَ الْعُلَمَاءُ حِكْمَتَهُ فَقَدْ
فُتِنَتْ بِحُسْنِ بَيَانِهَا الأُدَبَاءُ
تَقْوَى وَعَقْلٌ رَاجِحٌ وَطَوِيَّةٌ
لاَ تَلْتَوِي وَكِيَاسَةٌ وَذَكَاءُ
وَعَزِيَمَةٌ غَلاَّبَةٌ وَفَصَاحَةٌ
خَلاَّبَةٌ وَكَرَامَةٌ وَإِبَاءُ
هَذِي مَنَاقِبُهُ وَحَسْبِي ذِكْرُهَا
حَتَّى يُخَيِّلَ أَنَّهُ إِطْرَاءُ
إنْ لَمْ يَكُنْ شُكْرُ العَدَولِ جَزَاءَهَا
فَعَلاَمَ في الدُّنْيَا يَكُونُ جِزَاءُ
لَمْ تُطِيقِي بَعْدَ الأَلِيفِ الْبَقَاءَ
وَكَرِهْتِ الْحَيَاةَ أَمْسَتْ شَقَاءَ
فَوَهَى قَلْبُكِ الْكَسِيرُ الْمُعَنَّى
وَتَعَجَّلْتِ لِلرَّحِيلِ الْقَضَاءَ
مَا الَّذِي يَفْعَلُ الدَّوَاءُ إِذَا لَمْ
يَبْقَ في الْجِسْمِ مَا يُعِينُ الدَّوَاءِ
خِيلَ أَنَّ الْوَفَاءَ أَكْدَى إلىَ أن
شَهِدَ النَّاسُ مِنْكِ هَذَا الْوَفَاءَ
كَمْ رَجَوْنَا لَكِ الشِّفَاءَ وَخَارَ اللَّ
هُ في غَيْرِ مَا رَجَوْنَا الشِّفَاءَ
هَكَذَا شَاءَ وَالْمَصِيرُ إِلَيْهِ
وَلَهُ الأَمْرُ فَلْيَكُنْ مَا شَاءَ
أسَفٌ أَنْ يُغَيِّبَ الْقَبْرُ رُوحاً
مَلَكِيّاً وَطَلْعَةً زَهْرَاءَ
أَيْنَ ذَاكَ الْبَهَاءُ يُجْرِي عَلَى مَا
حَوْلَهُ بَهْجَةً وَيُلْقِي بَهَاءَ
أَيْنَ ذَاكَ السَّخَاءُ يَكْفِي الْيَتَامَى
وَالأَيَامَى ويَنْصُرُ الضُّعَفَاءَ
أَيْنَ ذَاكَ الْحَيَاءُ عَنْ عِزَّةٍ لاَ
عَنْ تَعَالٍ وَحَيِّ ذَاك حَيَاءَ
عَرَفَتْهَا مَعَاهِدُ الْعِلْمِ وَالآدا
بِ وَالْبِرِّ لاَ تَمَلُّ عَطَاءَ
كَانَ صَدْرُ النَّدِيِّ يَهْتَزُّ تِيهاً
حِينَ تَحْتَلُّهُ وَيَزْهُو رُوَاءَ
أَفْضَلُ الأُمَّهَاتِ جَفَّ حَشَاهَا
مَنْ يُعَزِّي الْبَنَاتِ وَالأَبْنَأءَ
نَشَّأَتْهُنَّ صَالِحَاتٍ وَرَبَّتْهُمْ
كُرَمَاءً أَعَزَّةً نُجَبَاءَ
غَانِيَاتٍ فُقْنَ اللِّدَاتِ جَمَالاً
وَكَمَالاً وَرِقَّةً وَذَكَاءَ
وَشَبَاباً هُمْ نُخْبَةٌ في شَبَابِ الْعَصْ
رِ عِلْماً وَحِكْمَةً وَمضَاءَ
آلَ سَمْعَانَ إِنَّ رُزْءًا دَهَاكُمْ
تِلْوَ رُزْءٍ قَدْ هَوَّنَ الأَرْزَاءَ
لَمْ يَكُنْ بِالْكَثِيرِ لَوْ كَانَ تُجْدِي
أَنْ تَسِيلَ النُّفُوسُ فِيهِ بُكَاءَ
غَيْرَ أَنَّ الَّتِي إلىَ اللهِ آبَتْ
خَلَّفَتْ لِلْمُفْجَعِينَ عَزَاءَ
مَا تَوَلَّتْ عَنْكُمْ وَقَدْ تَرَكَتْ آ
ثَارَهَا النَّاطِقَاتِ وَالأَنْبَاءَ
ذِكْرَيَاتٍ تَهْدِي إلى الْخَيْرِ مَنْ ضَ
لَّ سَبِيلاً وَتَنْفَعُ الأَحْيَاءَ
شَيَّعَتْ مِصْرُ نَعْشَهَا بِاحْتِفَالٍ
قَلَّما شَيَّعَتْ بِهِ الْعُظَمَاءَ
وَقَضَتْ وَاجِبَ الْوَدَاعِ لِفَضْلٍ
لاَ يُسَامِي بِهِ الرِّجَالُ النِّسَاءَ
جَارَةَ الْخُلْدِ لَيْسَ في الْخُلْدِ نَأْيٌ
بَعْدَ أَنْ يُدْرِكَ الْمُحِبُّ اللِّقَاءَ
فُزْتِ مِنْهُ بِطَيِّبَاتِ الأَمَانِي
فَاغْنَمِيهَا مَثُوبَةً وَجَزَاءَ
إِنَّ في الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ لَسِرّاً
أَبَدِيّاً يُحَيِّرُ الْعُقَلاَءَ
نَحْنُ مِنْهُ في ظُلْمَةٍ تَتَدَجَّى
وَلَقَدْ جُزْتِهَا فَعَادَتْ ضِيَاءَ
فَدَحَ الْخَطْبُ يَا عَفِيفَةُ في هِجْ
رَانِكِ الأَقْرِبَاءَ وَالأًوْلِيَاءَ
فاعْذِرِي حُزْنَنَا فَإِنَّا عَلَى الأَرْ
ضِ وَطُوبَاكِ أَنْ بَلَغْتِ السَّمَاءَ
في هُجْرَةٍ لاَ أُنْسَ فِيهَا
لِلْغَرِيبِ وَلاَ صَفَاءْ
تَتَقَاذَفُ الآفَاقُ بِي
قَذْقَ العَوَاطِفِ لِلْهِبَاءْ
وَتُحيطُ بِي لُجَجُ الصَّرُوفِ
فَمِنْ بَلاَءٍ فِي بَلاَءْ
يَا عَزِيزَيْنَا اللَّذَيْنِ اقْتَرَنَا
لِيَكُنْ عَيْشُكُمَا عَيْشَ صَفَاءْ
خَيْرَ مَا يَدْعُو الْمُحِبُّونَ بِهِ
لَكُمَا نَسْلَ كَرِيمٍ وَرِفَاءْ
أَنَّ أَدْلِينَ عَرُوسٌ كَمُلَتْ
بِمَعَانٍ خَيْرِ مَا فيها الوَفَاءْ
وَدِمِتْرِي ذُو خِصَالٍ يُزْدَهَى
بِحِلاَهَا الصَّادِقُونَ الشُّرَفَاءْ
قُلْ لِلَّذِينَ طَلَوْهُ
فَزَيَّفُوهُ طلاَءَ
تِلْكَ الْجَلاَلَةُ كَانَتْ
صِدْقاً فَصَارَتْ رِيَاءَ
يَا حَائِنِينَ صَبَاحاً
فَبَائِدِينَ مَسَاءَ
وَوَارِدِينَ المَنَايَا
فِي الأَعْجَلِينَ فَنَاءَ
بِاي شَيْءٍ إِلَيْكمْ
ذاكَ الْخُلُودُ أَسَاءَ
أَدُمْيَةٌ فِي يَدَيْكُمْ
بِالصِّبْغِ تُعْطَى رُوَاءَ
يَا حَسْرَةَ الفَنِّ مِمَّنْ
يَسْطُو عَلَيْه ادْعَاءَ
وَلاَ يَرَى الْحُسْنَ إِلاَّ
نَظَافَةً رَعْنَاءَ
وَجِدَّةً تَتَشَظَّى
تَلَمُّعاً وَازْدِهَاءَ
تَفْدِي التَّلاَوِينُ أَبْقَى
مَا كَانَ مِنْهَا حَيَاءَ
وَمَا عَصى فِي سَبيلِ
الْحصَافَةِ الأَهْوَاءَ
وَمَا أَلَى وَفْقَ أَسْمَى
مَعْنَىً أُرِيِدَ أَدَاءَ
وَمنَ عَلَى مَتَمنىً
سَلاَمَةِ الذَّوْقِ جَاءَ
يَا كُدْرَةً حَقَرُوهَا
إِذْ حَوَّلُوهَا صَفَاءَ
وَغُبْرَةً يَكْرَهُ الْفَ
نُّ أَنْ تَكُونَ نَقَاءَ
وَصَدْأَةً يَأْنَفُ الْحُسْ
نُ أنْ تَعُودَ جَلاَءَ
لَيْسَ الْعَتِيقُ إِذَا جَا
دَ وَالْجَدِيدُ سَوَاءَ
خَمْسُونَ عَاماً تَقَضَّيْ
نَ ضَحْوَةً وَعِشَاءَ
فِي صُنْعِ وَشْيٍ دَقِيقٍ
لَقِينَ فِيهِ الْعَنَاءَ
وَاهِي النَّسِيلِ دَقِيقِ النَّ
سِيجِ مَا اللُّطْفُ شَاءَ
لَكِنْ مَتِينٌ عَلَى كَوْ
نِهِ يُخَالُ هَبَاءَ
يَزِيدُهُ الدَّهْرُ قَدْراً
بِقَدْرِ مَا يَتَنَاءَى
وَيَسْتَعِيرُ لأَبْقَى الْ
فَخَارِ مِنْهُ رِدَاءَ
نَظَمْنَهُ لُحُمَاتٍ
وَصُغْنَهُ أسْدَاءَ
وَالنُّورَ سَخَّرْنَ كَيْمَا
يُبْدِعْنَهُ وَالْمَاءَ
وَالحَرَّ وَالْبَردَ أَعْمَلْ
نَ وَالثَّرَى وَالهَواءَ
حَتَّى كَسَوْنَ حَدِيدَ التِّ
مْثَالِ ذَاكَ الْغِشَاءَ
مُزَرْكَشاً بِرُمُوزٍ
بَدِيَعَةٍ إِيحَاءَ
مِمَّا تَخُطُّ المَعَالِي
عَلَى الرِّجَالٍِ ثَنَاءَ
غَيْرَ الْحُرُوفِ رُسُوماً
وَغَيْرَهُنَّ هِجَاءَ
مَا زِلْنَ يَأْبَيْنَ إِلاَّ
أُولِي النُّهَى قُرَّاءَ
ذَاكَ الْغِشَاءُ وَقَدْ تَ
مَّ حُسْنُهُ اسْتِيفَاءَ
بِمَا تَخَيَّلَهُ مُنْكِ
رُ الحُلَى أَقْذَاءَ
عَلاَ غُلاَمٌ إِلَيْهِ
بِمَسْحَةٍ سَوْدَاءَ
وَجَرَّ جَهْلاً عَلَى آ
يَةِ الجَلاَلِ الْعَفَاءَ
فَبَيْنَمَا النُّصُبُ الْفَخْ
مُ يُبْهِجُ الْحُوْباءَ
إِذْ عَادَ بِالدَّهْنِ وَالصَّقْ
لِ صُورةً جَوْفَاءَ
نَضَّاحَةً مَاءَ قَارٍ
مَنْفُوخَةً كِبْريَاءَ
لَيْلاَءَ تُرْسِلُ مِنْ كُ
لِّ جَانِبٍ لأْلاَءَ
كَأّنَّهَا لَفَتَاتُ التَّ
ارِيخِ يَرنُو وَرَاءَ
وَلَيْسَ يَأْلو المُدَاجِي
نَ بَيْنَنَا إِزْرِاءَ
نَظَرْتُ والشَّعْبُ يأْسَى
والْخَطْبُ عَزَّ عَزَاءَ
وَالفَنُّ يَسْتَنْزِفُ الدَّمْ
عَ حُرْقَةً وَاسْتِياءَ
وَمِصْرُ فِرْعَوْنَ مِنْ أَوْ
جِ مَجْدِهَا تَتَرَاءَى
غَضْبَى تُقَبِّحُ تِلْ
كَ الأُفْعُولَةَ النَّكْرَاءَ
فَقُلْتُ لِلْجَهْلِ وَالغَ
مُّ يَفْطِرُ الأَحْشَاءَ
يَا قَاتِلَ الشَّرْقِ بِالتُّرَّ
هَاتِ قُوتِلْتَ دَاءَ
أَمَالِيءٌ الْكَوْنِ فِي وَقْ
تِهِ سِنىً وَسَنَاءَ
رَبُّ الْكِنَانَةِ مُحْ
يِي مَوَاتَهَا إِحْيَاءَ
أَمْضَى مَلِيكٍ تَوَلّى
إِدَارَةً وَقَضَاءَ
وخَيْرُ مَنْ رَدَّ بِالْعَدْ
لِ أَرْضَ مِصْرَ سَمَاءَ
وَكَانَ صَاعِقَةَ اللَّ
هِ إِنْ رَمَى الأَعْدَاءَ
وَكَانَ نَوْءَ المُوَا
لِينَ رَحْمَةٌ وَسَخَاءَ
يَمُدُّ فَدْمٌ إِلى شَخْ
صِهِ يَداً عَسْرَاءَ
تَكْسُوُه حُلَّةَ عِيدٍ
وَالْعِزُّ يَبْكِي إِبَاءَ
فَبَيْنَمَا كَانَ مَرْآ
هُ يَبْعَثُ الْخُيَلاءَ
إِذاَ الْجَوَادُ وَرَبُّ الْ
جَوَادِ بِالْهُونِ بَاءَا
فِي زِينَة لَسْتَ تَدْرِي
زَرْقَاءَ أَوْ خَضْرَاءَ
تَرُدُّ هَيْبَةَ ذَاكَ الْ
غَضنْفَرِ اسْتِهْزَاءَ
أَكْبِرْ بِذَاكَ افْتِرَاءً
عَلَى الْعُلَى وَاجْتِرَاءَ
ذَنْبٌ جَسِيمٌ يَقِلُّ الْ
تَّأْنِيبُ فِيهِ جَزَاءَ
مِنْ فِعْلِ زُلْفَى عَلَى الْ
قُطْرِ جَرَّتِ الأَرْزَاءَ
وَالْيَوْمَ تَغْسِلُ أَعْلاَ
قَهَا الْبِلاَدُ بُكَاءَ
أَيهَا الفُرْسَانُ رُوَّادَ السَّمَاءْ
إِنَّنَا قَوْم إلى المَجْدِ ظِمَاءْ
خَبِّرُونَا وَانْقَعُوا غُلَّتَنَا
كَيْفَ جَوُّ السَّائِدِينَ العُظَمَاءْ
كَيْفَ جُوُّ الفَتْحِ فِيمَا سَخَّرَتْ
مِنْ قُرَى الدُّنْيَا عُقُولُ العُلَمَاءْ
كَيْفَ جَوُّ العَبْقَرِيَّاتِ وَقَدْ
شَالَتِ الأَطْوَادُ فِيهِ كَالْهَبَاءْ
خَفَقَتْ أَلْوِيَةُ الغَرْبِ وَلَمْ
يَكُ بِالأَمْسِ لَنَا فِيهِ لِوَاءْ
فَلَنَا اليَوْمَ بِهِ أَجْنِحَةٌ
وَلَنَا أَبْطَالُنَا وَالشُّهَدَاءْ
هَبَطَ النَّسْرُ بِفَرْخَيْهِ وَمَا
كَانَ صَيَّادُهُمَا غَيْرَ القَضَاءْ
أَيَّ سَطْرٍ فِي المَعَالِي كَتَبَا
بِالزَّكِيِّ الحُرِّ مِنْ تِلكَ الدِّمَاءْ
قُتِلاَ فِي حُب مِصْرٍ وَلَهَا
كُلُّنَا بِالمَالِ وَالرُّوحِ فِدَاءْ
نَحْنُ فِي دَارِ الأَسَى نَبْكِيهِمَا
وَهُمَا فِي الخَالِدِينَ السُّعَدَاءْ
شَرَفٌ لَوْ بَذَلَ المَرْءُ بِهِ
عُمْرَهُ لَمْ يَكْنِ العُمْرُ كِفَاءْ
بيْنَ مَنْ يَرْثِي وَمَنْ يُرْثَى لهُ
أَكْثَرُ الأَحْيَاءِ أَوْلَى بِالرِّثَاءْ
أيُّهَا السِّرْبُ المُوَافِي وَبِهِ
عَن فَقِيدَيْهِ العَزِيزَيْنِ عَزَاءْ
هَاتِ نَسِّمْنَا نَسِيماً طَاهِراً
لَمْ يُكّدَّرْ بِقَذىً مِنْهُ الصَّفَاءْ
خَالصِاً مِنْ أَثَرِ السُّمِّ الَّذِي
يُفْسِدُ الذُّلُّ بِهِ طَلْقَ الْهَوَاءْ
مَا شَعُورُ المَرْءِ فِي تِلْكَ العُلَى
حِينَ يَرْقَى وَلَهُ مُلْكُ الفَضَاءْ
أَيَرَىَ فِي الشَّامِخَ المُنْدَاحِ مِنْ
دُونِهِ كَيْفَ مَآلُ الكِبْرِيَاءْ
أَيَرَى وَالبَحْرُ مَرْدُودٌ إِلى
مُلْتَقَى حَدَّيْهِ مَا حَدُّ البَقَاءْ
أَيَرَى الضِّدَّيْنِ مِنْ خَفْضٍ وَمِنْ
رِفْعَةٍ صَارَا إِلى شَيْءٍ سَوَاءْ
جَوْلَةٌ لِلْمَرْءِ إِنْ يَسْمُ بِهَا
فَبِهَا كُلُّ الرِّضَى قَبْلَ الفَنَاءْ
نَزَلَ الأُسْطُولُ فِي أَعْيُنِنا
مَنزِلَ القُوَّةِ مِنْهَا وَالضِّيَاءْ
وَتَلَقَّتْهُ الحَنَايَا هَابِطاً
مَهْبِطَ اليَقْظَةِ مِنْهَا وَالرَّجَاءْ
فَرِحَ الأَحْيَاءُ فِي مِصْرَ بِهِ
فَرَحاً لَمْ يَنْتَقِصْ مِنْهُ مِرِاءْ
وَاسْتَقَرَّتْ مِنْ مُنىً مَقْلِقَةٍ
لَمَثَاوِيَهَا بَقَايَا القُدَماءْ
شَرَفاً يَا سِرْبُ لاَ يَكْرُثْكَ فِي
عَزَّةِ الفَوْزِ نَكِيرُ السُّفَهَاءْ
هَلْ تَنَالُ الصَّائِلَ الجَائِلَ فِي
فَلَكِ النَّسْرِ سِهَامٌ مِنْ هَوَاءْ
قُسِمَ العَيْشُ وَأَدْنَى قِسْمَةٍ
فِيهِ لِلمُسْتَسْلِمِينَ الضُّعَفَاءْ
منْذ أَزْمَعْتَ مَآباً وَعَدَتْ
دُونَهُ الأَخْطَارُ فِي تِلْكَ الجِوَاءْ
كُلُّ نَفْسٍ وَجَمَتْ مِنْ خَشْيَةٍ
وَأَحَسَّتْ مَا تُعَانِي مِنْ بَلاَءْ
إِنِّمَا البُعْدُ عَنِ القَلْبِ نَوىً
لَيْسَ مِنْ يَنْأَى عَنِ العَيْنِ بِنَاءْ
مَنْ تَرَاهُ يَصِفُ الوَجْدَ الَّذِي
وَجَدُوهُ إِنْ دَنَا يَوْمُ اللِّقَاءْ
أَلْقَوُا السَّمْعَ إِلى الغَيْبِ وَقَدْ
حَبَسُوا الأًنْفَاسَ حَتَّى قِيلَ جَاءْ
فَتَمَثَّلتَ لَهُمْ فِي صُورَةٍ
مَا رَأَتْ أَرْوَعَ مِنْهَا عَيْنُ رَاءْ
مِصْرُ فِي الوَجْهَيْنِ شَطْراً مُهْجَةٍ
خَفَقَتْ لِلْعَائِدِينَ البُسَلاَءْ
وَتَمَلَّتْ غِبْطَةً ضَاعَفَهَا
بَاعِثُ العُجْبِ وَدَاعِي الخُيَلاَءْ
البحر أقرب أن يصير هواء
والأرض أقرب أن تحول ماء
من أن يفارق حسن وجهك مهجتي
أو أن يحرك بي سواك رجاء
ذَاكَ الهَوَى أَضْحَى لِقَلْبِي مَالِكا
وَلِكُلِّ جانِحَةٍ بِجِسْمِي مَالِئا
فَبِمُهْجَتِي ثَوَرَانُ بُرْكَانٍ جَوَى
وَبِظَاهِري شَخْصٌ تَراهُ هَادِئاً
الغَيْثُ جِدّاً في نِهَايَةِ أَمْرِهِ
مَا خِلْتُهُ إِحْدَى المَهَازِلِ بَادِئا
طَرَأَتْ عَليَّ صُرُوفُهُ مِنْ لَحْظَةٍ
في حِين أَحْسَبُنِي أَمَنْتُ لَطَارِئا
وَلَقَدْ َأَرَاهُ مَسْتَزِيداً شَقْوَتِي
لَوْ كَانَ لِي بَدَلُ الْمَحَبَّةِ شَانِئا
إنِّي لأَسْأَلُ بَارِئِي وَلَعَلَّهَا
أَوْلى ضِراعَاتِي أٌرَجِّي البَارئَا
أُمْنِيَتِي قُرْبِي لِشَمْسِي سَاعَةٌ
فَأَبِيدُ مُحْتَرِقاً وَلَكِنْ هَانِئَا
بَيْتَ سَمعَانَ دُمْ رَفيعَ البِنَاءِ
فِي ظِلاَلَ الآبَاءِ وَالأَبْنَاءِ
وَاسْلَمِ الدَّهْرَ فَائِزاً بِمَزِيدٍ
فَمزِيدٍ مِنْ سَابِغِ الآلاَءِ
إِنَّ نَسْلاً إِلَى العَفِيفَةِ يُنْمَى
لَجَدِيرٌ بِأَوْفَرِ النَّعْمَاءِ
غَادَةٌ بَلْ قِلاَدَةٌ مِنْ مَعَانٍ
جُمِعَتْ في فَرِيدَةٍ زَهْرَاءِ
صُورَةٌ مِنْ بَشَاشَةٍ تَتَجَلَّى
فِي حُلِيِّ الشَّمَائِلِ العَصْمَاءِ
نِعْمَتِ الأُمُّ أَنْجَبَتْ خِيرَةَ الأُوْ
لاَدِ لِلبِرِّ وَالنَّدَى وَالْوَفَاءِ
نِعْمَتِ الزَّوْجُ عِفَّةُ وَوَلاَءً
لِلْقَرِينِ الْحُرِّ الصَّدُوقِ الْوَلاَءِ
إِنَّ سَمْعَانَ شَيْخُنَا وَحَبِيبُ اللَّ
هِ وَالخَلْقِ كُلِّهِمْ بِالسَّواءِ
هُوَ مِقْدَامُنَا الكَبِيرُ وَأَكْرِمْ
بِكَبِيرٍ خَلاَ مِنَ الكِبْرِيَاءِ
أَبَداً بَيْنَهُ وَبَيْنِي دَعَاوَى
نَتَقَاضَى بِهَا لِغَيْرِ الْقَضَاءِ
أَنَا أُثْنِي عَلَيْهِ وَهْوَ عَلَى الْعَهْ
دِ بِهِ غَيْرُ مُغْرَمٍبِالثَّنَاءِ
وَلَهُ الْحَقُّ إِنَّ فِي النَّفْسِ لا فِي
قَوْلِ مُثْنِ حَقِيقَةَ الْعَلْيَاءِ
وَلِيَ العُذْرُ هَلْ يَصِحُّ سُكُوتٌ
عَنْ فِعَالٍ تَدْعُو إِلى الإِطْرَاءِ
هذِهِ لَيْلَةٌ وَنَاهِيكَ فِي الدَّهْ
رِ بِهَا مِنْ يَتِيمَةٍ غَرَّاءِ
خَلَعَتْ حُلَّةَ السَّوَادِ وَلاَحَتْ
فِي دِثاَرِ مِنْ بَاهِرِ الَّلأْلاَءِ
فَمَصَابِيحُ تَمْلأُ الأَرْضَ نُوراً
وَمَصَابِيحُ مِثْلُهَا فِي السَمَاءِ
وَمَشِيدٌ مِنَ الصُّرُوحِ رَحِيبٌ
جَمَعَ المَجْدَ كُلَّهُ فِي فِنَاءِ
تَاهَ بِالعِلْيَةِ السَّرَاةِ مِنَ القَوْ
مِ وَبَاهَى بِالنُّخْبَةِ النُّبَلاَءِ
جَادَهُ كُلُّ مَغْرِسٍ مُسْتَحَادٍ
بِحِلىً مِنْ فُروعِهِ الخَضْرَاءِ
وَإلَيْهِ أَهْدَتْ أَفَانِينَ مِن أَز
هَارِهَا كُلُّ رَوْضَةٍ غَنَّاءِ
عَقَدَ السَّعْدُ فِيهِ عَقْداً جَمِيلاً
ضَمَّ رَبَّ الحُسْنَى إِلى الْحَسْنَاءِ
وَشَدَا سَاجِعُ الأَمَانِيِّ فِيهِ
يُوسُفَ الخَيْرِ فُزْ بِخَيْرِ النِّسَاءِ
فُزْ بِغَيْداءَ أُوتِيَتْ فَضْ
لاً عَلَى كُلِّ حُرَّةٍ غَيْدَاءِ
سَمْحَةِ القَلْبِ ظَاهِرٍ لُطْفُ مَا
تُضْمِرُهُ فِي جَبِينِهَا الوَضَّاءِ
عَفَّةٌ فِي تَأَدُّبِ وَعُلُوٌّ
فِي اتِّضَاعٍ وَرِقّةٌ فِي إِبَاءِ
حُسْنُ مَبْنَىً أَحَبُّ مَا في حُلاَهُ
أَنَّ حُسْنَ المَعْنَى بِهِ مُتَرَاءِ
وَكَمَالُ الْجَمَالِ مِنْ كُلِّ وَجهٍ
أَنْ يُرَى فِي الوُجُوهِ صِدْقُ المَرَائِي
يَا لَها مِنْ فَتَاةِ عِزٍّ نَمَاهَا
عُنْصُرٌ يَرْتَقِي إِلَى الجَوْزَاءِ
فِي بُنَاةِ العُلَى أَبُو شَنَبٍ
شَادُوا صُرُوحاً لِلعِزَّةِ القَعْسَاءِ
حَسَبٌ زَادَهُ سَنى وَسَنَاءً
نَسَبٌ جَامِعُ السَّنَى وَالسِّنَاءِ
زَفَّ عَذْرَاءَهُمْ إِلَى كُفُؤٍ لَي
سَ لَهُ فِي السَّرَاةِ مِنْ أَكْفَاءِ
هُوَ فَخْرُ الشَّبَابِ وَهْوَ الفَتَى
يَحْفَظُهُ اللهُ فَاقِدُ النُّظَرَاءِ
يَا حَكِيماً عَلَى الحَدَاثَةِ فِي السِّ
نِّ تَقَدَّمْتَ سُنَّةَ الحُكَمَاءِ
لَمْ نُحَدَّثُ عَنْ مُبْتَ
كِرٍ مَا ابتَكَرْتَهُ فِي العَطَاءِ
أَكْثَرُ الجُودِ عَنْ هَوىً غَيْرَ أَنَّ ال
رَّيْبَ يَقْفُو مَسَالِكَ الأَهوَاءِ
وَبَدِيعٌ فِي مَأْثَرَاتِكَ دَامَتْ
أَنَّهَا مِنْ وَلاَئِدِ الآرَاءِ
فَهْيَ تُغْنِي مِنْ فَاقَةٍ وَتُدَاوِي
مِن سَقَامٍ وَتَفْتَدِي مِن عَنَاءِ
كَمْ نُفُوسٍ مَلَكْتَهُنَّ بِنُعْمَى
وَصَلَتْ مَا قَطَعْنَهُ مِنْ رَجَاءٍ
هَلْ يَحُلُّ السَّوَادَ فِي كُلِّ قَلْبٍ
غَيْرُ مَنْ جَادَ بِاليَدِ البَيْضَاءِ
وَحُلَى العَقلِ فِيكَ شَتَّى وَأَحْلاَ
هَا لَدَى الأَزْمَةِ ابتِدَارُ الذَّكَاءِ
تَنْظُرُ النَّظْرَةَ البَعِيدَ مَدَاهَا
فَتَرَى مَا بُكِنُّ قَلْبُ الْخَفَاءِ
تَتَّقِي الخَطْبَ فِي مَظِنَّتِهِ وهْ
وَ جَنِينٌ فِي مُهْجَةِ الظَّلْمَاءِ
هَكَذَا هَكَذَا الرِّجَالُ أُولُو العَزْ
مِ فَعِشْ سَائِداً وَدُمْ فِي صَفَاءِ
وَابْلُغِ الغَايَةَ التِي تَبتْغِيها
مِنْ فَخَارٍ حَقٍّ وَمِنْ عَلْيَاءِ
صَانَكَ اللهُ وَالعَرُوسَ مَدِيداً
فِي سُرُورٍ وَنِعمَةٍ وَرِفاءِ
جَمَعَ الصِّحَابَ علَى هَوىً وَإِخَاءِ
نَجْمَانِ مِنْ صَدْنَايَا وَالشَّهْبَاءِ
طَلَعَا بِأُفْقِ النِّيلِ وَانْجَلَيَا بِهِ
فِي هَالَةٍ مِنْ سُؤْدِدٍ وَعَلاَءِ
فَلَكُ الكَنَانَةِ وَهْوَ جَوْهَرَةُ الْعُلَى
يَجْلُو سَنَاهُ كَوَاكِبَ الأَحْيَاءِ
تَتَلَفَّتُ الدُّنْيَا إلى أَضْوَائِهَا
مَبْهُورَةً بِسَواطِعَ الأَضْوَاءِ
فَرَنَا إِلَيْهَا حَبرُ رَوُمَةَ وَانْثَنَى
يَهْدِي إلى النِجْمَينِ طِيبَ ثَنَاءِ
شَغَفَتْهُ آياتُ المآثِرِ منْهُمَا
فَجَزَى عَلَى الآلاءِ بالآلاءِ
وَدَعَا إِلى الرِّحْمَنِ فِي صَلَوَاتِهِ
يَا رَبِّ بَارِكْ دَارَةَ الكُرَمَاءِ
حَفْلٌ جَلاَهُ الفَرْقَدَانِ كَمَا جَلاَ
نَجْمُ المَجُوسِ مَغَارَةَ العَذْرَاءِ
جِئْنَا إِليَهِ وَفِي الوِطَابِ نَفَائِسٌ
عَلَوِيِّةٌ قَصُرَتْ عَلَى الأٌمَرَاءِ
المُرُّ فِيهَا وَاللُّبَانُ نَثِيرُنَا
وَالتِّبْرُ بَعْضُ خَوَاطِرِ الشُّعَرَاءِ
الشِّعْرُ سِفْرُ الْمَكْرُمَاتِ يَصُونُهَا
حِرْصاً وَيَنْقُلُهَا إِلى الأَبْنَاءِ
لَوْلاَهُ لَمْ تُعْرَفْ عَلَى طُولِ المَدَى
غِرَرُ وَلاَ رُهِنَتْ بِطُولِ بَقَاءِ
غَنَّتْ بَلاَبِلُهُ بِأَيْكَةِ نَدْوَةٍ
مُتَصَدِّرٌ فِيهَا أَبُو الآبَاءِ
النُّورُ فِي قَسَمَاتِهِ وَالحَقُّ فِي
كَلِمَاتِهِ وَالطُّهْرُ فِي الحَوَبَاءِ
مُتَهَجِّدٌ للهِ مُضْطَّلِعٌ عَلَى
وِقَرِ السِّنِينَ بِفَادِحِ الأَعْبَاءِ
مُسْتَمْطِرٌ لِلنَّاسِ رَحْمَةَ رَبِّهِ
مُتَشَفِّعٌ لَهُمُ مِنَ الأَخْطاءِ
وَإِذَا عَلَى العَرْشِ اسْتَوى فَكَأَنَّهُ
موسَى الكَليمُ عَلَى ذُرَى سيناءِ
بَسَطَ اليَدَ البَيْضَاءَ جَمَّلَهَا التُقَى
لِيزِينَ صَدْرُ ذَوِي يَدٍ بَيْضَاءِ
نَعْمَاءَ جَادَ بِهَا خَلِيفَةُ بُطْرُسَ
وَاللهُ فِيهَا الوَاهِبُ النُّعْمَاءِ
هذِي الرَّصِيعَةُ بَعْضُ مَا زَخَرَتْ بِهِ
كُتُبُ المَلاَئِكِ مِنْ سَنِيِّ جَزَاءِ
تَرَحَّلتْ عَنْ زَمَنِي عَائِداً
خِلاَلَ القُرُونِ إِلىَ مَا وَرَاءْ
وَمَا طِيَّتِي غَيْرَ أَنِّي وَقَفْ
تُ بآثَارِ فَنٍّ عَدَاهَا الفَنَاءْ
هَيَاكِلُ شَيَّدَهَا لِلخُلُو
دِ نُبُوغُ جَبَابِرَةٍ أَقْوِيَاءْ
فَجِسْمِيَ فِي دَهْرِهِ مَاكِثٌ
وَقَلْبِيَ فِي أَوَّلِ الدَّهْرِ نَاءْ
أَجَلْتُ بِتِلْكَ الرُّسُومِ لِحَاظاً
يُغَالِبُ فِيهَا السُّرُورَ البُكَاءْ
فَمَا ارْتَهَنَ الطَّرفَ إِلاَّ مِثَالٌ
عَتِيقُ الجَمَالِ جَدِيدُ الرُّوَاءْ
مِثَالٌ لإِيزِيسَ فِي صَلْدِهِ
تُحَسُّ الحَيَاةُ وَتَجْرِي الدِّمَاءْ
يَرُوعُكَ مِنْ عِطْفِهِ لِينُهُ
وَيُرْوِيكَ مِنْ رَوْنَقِ الوَجْهِ مَاءْ
بِهِ فُجِرَ الحُسْنُ مِنْ مَنْبِعٍ
فَيَا عَجَباً لِلرِّمَالِ الظِّمَاءْ
فتون الدَّلاَلِ وَرَدْعُ الجَلاَلِ
وَأَمْرُ الحَيَاةِ وَنَهْيُ الحَيَاءْ
فَأَدْرَكْتُ كَيْفَ اسْتَبَتْ عَابِدِيهَا
بِسِحْرِ الجَمَالِ وَسِرِّ الذَّكَاءْ
وَبَثِّ العُيُونِ شُعَاعَ النُّهَى
يُبِيحُ السَّرائِرَ مِنْ كُلِّ رَاءْ
لَقَدْ غَبَرَتْ حِقَبٌ لاَ تُعَدُّ
يِدُولُ النَّعِيمُ بِهَا وَالشَّقَاءْ
تَزُولُ البِلاَدُ وَتَفْنَى العِبَادُ
وَإِيزِيسُ تَزْهُو بِغَيْرِ ازْدِهَاءْ
إِذَا انْتَابَهَا الدَّهْرُ مَا زَادَهَا
وَقَدْ حَسَرَ المَوْجُ إِلاَّ جَلاَءْ
لَبِثْتُ أُفَكِّرُ فِي شَأْنِهَا
مُطِيفاً بِهَا هَائِماً فِي العَرَاءْ
فَلَمَّا بَرَانِيَ حَرُّ الضُّحَى
وَأَدْرَكَنِي فِي الطَّوَافِ العَيَاءْ
أَوَيْتُ إلَى السَّمْحِ مِنْ ظِلِّهَا
وَفِي ظِلِّهَا الرَّوْحُ لِي وَالشِّفَاءْ
يَجُولُ بِيَ الفِكْرُ كُلَّ مَجَالٍ
إِذا أَقْعَدَ الجِسْمَ فَرْطُ العَنَاءْ
فَمَا أَنَا إِلاَّ وَتِلْكَ الإِلهَةُ
ذَاتُ الجَلاَلَةِ وَالكِبْرِيَاءْ
قَدِ اهْتَزَّ جَانِبُهَا وَانْتَحَتْ
تَخَطَّرُ بَيْنَ السَّنَى وَالسَّنَاءْ
وَتَرمُقُنِي بِالعُيُونِ الَّتِي
تَفِيضُ مَحَاجِرُهَا بِالضِّيَاءْ
بِتِلْكَ العُيُونِ الَّتِي لمْ تَزَلْ
يُدَانُ لِعِزَّتهَا مِنْ إِبْاءْ
فَمَا فِي المُلُوكِ سِوَى أَعْبُدٍ
وَمَا فِي المَلِيكَاتِ إِلاَّ إِمَاءْ
وَقَالتْ بِذاكَ الفَمِ الكَوْثَرِيِّ
الَّذِي رَصَّعَتْهُ نُجُومُ السَّمَاءْ
أَيَا نَاشِدَ الحُسْنِ فِي كُلِّ فَنٍّ
رَصِينِ المَعَانِي مَكِينِ البِنَاءْ
لَقَدْ جِئْتَ مِنْ آهِلاَتِ الدِّيَارِ
تَحُجُّ الجَمَالَ بِهذَا العَرَاءْ
فَلاَ يُوحِشَنِّكَ فَقْدُ أَنِيسٍ
سِوَى الذِّكْرِ يَعْمُرُ هذَا الخَلاَءْ
وَإِنَّ الرُّسُومَ لَحَالٌ تَحُولُ
وَلِلْحُسْنِ دُونَ الرُّسُومِ البَقَاءْ
لَهُ صُوَرٌ أَبَداً تَسْتَجِدُّ
وَجَوْهَرُهُ أَبَداً فِي صَفاءْ
بِكُلِّ زَمَانٍ وَكُلِّ مَكَانٍ
يُنَوَّعُ فِي الشَّكْلِ لِلأَتْقِياءْ
فَلَيْسَ القَدِيمُ وَلَيْسَ الحَدِيثُ
لَدَى قُدْرَةِ اللهِ إِلاَّ سَوَاءْ
رَفَعْتُ لَكَ الحُجُبَ المُسْدَلاَتِ
وَأَبْرَحْتُ عَنْ نَاظِرَيْكَ الخَفَاءْ
تَيَمَّمْ بِفِكْرِكَ أَرْضاً لَنَا
بِهَا صِلَةٌ مِنْ قَدِيمِ الإِخَاءْ
بِلاَدَ الشَّآمِ الَّتِي لَمْ تَزَلْ
بِلاَدَ النَّوَابِغِ وَالأَنْبِياءْ
فَفِي سَفْحِ لُبْنَانَ حُورِيَّةٌ
تَفَنَّنَ مُبْدِعُهَا مَا يَشَاءْ
إِذَا مَا بَدَتْ مِنْ خِبَاءِ العَفَافِ
كَمَا تَتَجَلَّى صَبَاحاً ذُكَاءْ
تَبَيَّنْتَهَا وَهْيَ لِي صُوَرةٌ
أُعِيدَتْ إلىَ الخَلْقِ بَعْدَ العَفَاءْ
فَتَعْرِفُهَا وَبِهَا حِلْيَتَايَ
سِحْرُ الجَمَالِ وَسرُّ الذَّكَاءْ
يَا أَخَا النُّبْلِ وَالنُّهَى وَالمَعَالي
زَادَكَ اللهُ نِعْمَةً وَعَلاَءَ
وَأَدَامَ الأعْيَادَ فِي بَيْتِكَ العَا
مِرِ بِالبِرِّ وَالنَّدَى مَا شَاءَ
إِنَّ يَوْماً فِيهِ فَتَاتُكَ أَمْسَتْ
وَهِيَ البَدْرُ بَهْجَةً وَبَهَاءَ
تَمُّهُ تَمُّهَا وَغِرُّ لَيَاليهِ س
نُوهَا تَتَابَعَتْ غَرَّاءَ
عُدُّهَا أَرْبَعٌ وَعَشْر وَعُمْرُ الحُ
وْرِ هَذَا يُخَلَّدن فِيِهِ صَفَاءَ
لَهْوَ اليومُ أَوْجَبَ السعدُ فِيهِ
أَنْ تُعَمَّ المَسْرَّةُ الأَصْدِقَاءَ
فَالْتَقّى الأَصْفِياءُ فِيهِ وَمَا
مِثْلُكَ مِمَّنْ يَسْتَكْثِرُ الأَصْفِياءَ
يَشْرَبُونَ الصَّهْبَاءَ فَوّارةً
ثَوَّارَةً بُورِكَتْ لَهُمْ صَهْبَاءَ
يَأْكُلُونَ النُّقُولَ قَضْماً وَكَدْماً
وَسَلِيقاً مُعلَّلاً وَشَواءَ
يَغْنَمُونَ الحَدِيثَ أَشْهَى مِنَ الشَّهْدِ
وَأذْكَى مِنَ السِّلافِ احْتِسَاءَ
يَجِدُونَ الأَزْهَارَ بَاهِرَةَ الأَبْصَارِ
نَبْتاً وَأَوْجُهَاً حَسْنَاءَ
شَهِدُوا لِلذَّكَاءِ وَالطُّهْرِ عِيداً
رَأَوْا النُبْلَ عِفَّةً وَذَكَاءَ
نَظَرُوا فِي فَريدَةَ مُجْتَلَى عَلْوَ
إذا الرُّوحُ في التُّرابِ تَرَاءَى
صَدَقَتْ مَا عَنَى اسْمُهَا وَقَلِيلٌ
فِي القَوَافِي مَنْ صَدَّقَ الأَسْمَاءَ
كَيْفَ حَالِي أَنَا المَدِينُ وَدَيْنِي
فَوْقَ مَا أَسْتَطِيعُهُ مِنْ وَفَاءِ
لِلْرِّفَاقِ الَّذِينَ أَعَلَوْا مَكَانِي
مِنْ كِبَارِ الكُتَّابِ وَالشُّعَرَاءِ
وَالكِرَامِ الَّذِينَ يُسْعَى إِلَيْهِمْ
وَسَعَوا عَنْ تَفَضُّلٍ وَسَخَاءِ
يَا وَزيراً لَهُ مِنَ الْفَضْلِ مَا يُغْنِيهِ
عَنْ كُلِّ مَدْحَةٍ وَثَنَاءِ
وَأَحَلَّ البَيَانَ وَالعِلْمَ في الأَوْجِ
الَّذِي حَلَّهُ مِنَ العلْيَاءِ
أَنْتَ أَكْرَمْتَنِي لِيُكْرِمْكَ رَبُّ
الْعَرْشِ هَذَا شُكْرِي وَهَذَا دُعَائِي
أَنَا أَبْكِيكَ يَا حُسَيْنُ وَمَا
أَوْلَى خَلِيلاً فَارَقْتَهُ بِالبُكَاءِ
وَإِذَا مَا رَثَاكَ كُلُّ أَدِيبٍ
كُنْتُ أَحْرَى مُوَدِّعٍ بِالرِّثاءِ
فُجِعَتْ مِصْرُ إِذْ تَوَلَّيْتَ عَنْهَا
في المَبَرَّاتِ وَالتُقَى وَالوَفَاءِ
وَأُصِيبَتْ بِفَقْدِ أَيِّ عَمِيدٍ
أُسْرَةُ المَجْدِ وَالنَّدَى وَالذِّكَاءِ
عِشْتَ في خَلْوَةٍ زَمَاناً فَخِيلَتْ
عُزْلَةٌ وَهِيَ مُهْجَةُ العَلْيَاءِ
وَإِذَا مَا تَنَزَّهَتْ نَفْسُ حُرٍّ
رَدَّتِ الأَرْضُ قِطْعَةً مِنْ سَمَاءِ
فَامْضِ مُسْتَخْلِفاً بِكُلِّ كَرِيمٍ
مِنْ بَنيكَ الأَعِزَّةِ النُجَبَاءِ
نَفَرٌ مِنْ نَوابِغِ الجِّيلِ فِيهِ
طَلَعَوْا كَالكواكِبِ الزَّهْرَاءِ
وَالْقِ قَدَّمَتْ يَداكَ مِنَ الْخيْرِ
فَعِنْدَ الرِّحْمَنِ خَيْرُ الجَزَاءِ
يا فاقد الولد الوحيد عجبت من
داء عصاك وطالما أخضعته
لو كان طب شفاياً لشفيته
أو كان حب نافعاً لنفعته
أو شكت من علم ومن بر به
أن تمطل الأقدار ما استودعته
لكن أطلت بالاتبداع بقاءه
فأطال فيه السقم ما أبدعته
ولقد سما خلقاً وعز نقيبه
وغلا حلى فلأجل ذاك أضعته
وفرت به عز الصفا فقصرت
كلم المؤبن إن توفي نعته
واليوم آمال الفضائل والعلى
يحلفن في تشييع من شيعته
يا أيها المتغرب الفطن الذي
بك ضاق دهرك ظلماً ووسعته
أكبرت منك نهى وعاج خبرةً
أن تزمع السفر الذي أزمعته
وحققة في العمر أنك مخسرٌ
بشرائه وموفق أن بعته
لكنني أبكي لأم ثاكلٍ
فجعتها ولوالد فجعته
ولسوف أنظر كل غصنٍ زاهرٍ
فأراك عدت به وقد نوعته
النِّيلُ وَالْمَلِكُ المُنِيلُ كِلاَهُمَا
بَحْرٌ يَفِيضُ بِسَابِغِ الْبَرَكَاتِ
أَذْكَى العُقُولِ يَسُوسُ أَذْكى تُرْبَةٍ
فَيُرِيكَ مُعْجِزَتَيْنِ فِي الإِنْبَاتِ
بِمَدْرَسَةِ التَّجَلِّي وَهْيَ دَارٌ
بَنَاهَا لِلْهُدَى خَيْرُ البُنَاةِ
بَدَتْ لِلْدِّينِ وَالدُّنيَا مَعَانٍ
يُحَقِّقْهُنّ تَثْقِيفُ البَنَاتِ
وَلَيْسَ بِمُصْلِحٍ للْنَّاسِ شَيْءٌ
كَزَوْجَاتٍ صُلِحْنَ وَأُمَّهَاتِ
إِذَا مَا المَأْثُرَاتُ غَلَتْ فَهَذِي
لِعُمْرِ الحَقِّ أَغْلَى المَأْثَرَاتِ
بِهَا كِيرَللُّسُ أَرْضى تُقَاهُ
كَمَا أَرْضَى العَلِيِّ وَالمَكْرُمَاتِ
فَبُورِكَ فِيهِ مِنْ حِبْرٍ جَلِيلٍ
وَمِنْ رَاعٍ نَبيلٍ فِي الرُّعَاةِ
وَمِنْ عَلاَّمَةٍ لُسُنٍ أَدِيبٍ
لَهُ فِي الَفضْلِ أَبْقَى الذِّكْرَيَاتِ
آيَةٌ فِي تَسَلْسُلِ الذِّكْرَيَاتِ
أَنْ تَعُودَ الحَيَاةُ بَعْدَ الحَيَاةِ
لَيْسَ فِي عَالَمِ الخُلُودِ فَنَاءٌ
لاَ وَلاَ فِي الفَوَاتِ كُلِّ الفَوَاتِ
أَكْرِمِ العِلْمَ حَيْثُ كَانَ وَفِي كُ
لِّ مكَانٍ فِي الحَيِّ أَوْ فِي الرُّفَاتِ
وَتَنَزَّهْ إِنْ رُمْتَ مَا هُوَ أَبْقَى
عَنْ هَنَاتٍ سَتَنْقَضِي وَهَنَاتِ
قوَّةُ العِلمِ أَنَّهُ مُلهِمُ الحُسْ
نَى وَحَلاَّلُ أَعْقَدِ المُعْضِلاَتِ
فَهْوَ فِي أَقْطَعِ الصُّرُوفِ وَصُولٌ
وَهْوَ فِي أَمْنَعِ الظُّرُوفِ مُوَاتِي
كُلُّ وَقْتٍ يُمَدَّدُ العِلْمُ فِيهِ
هُوَ لاَ رَيْبَ أَسْمَحُ الأَوْقَاتِ
رَأْيُ هَذَا الوَزِيرِ أَعْلَى وَفِي حَضْ
رَتِهِ شَاهِدٌ جَلِيُّ الإِيَاةِ
وَالهِلاَلِيُّ كَانَ أَجْدَرَ مَنْ يَجْ
لُو بِنُورٍ غَيَاهِبَ الظُّلُمَاتِ
يَا مُعِيدِي مُوسى إِذَا مَا جَلَوْتُمْ
وَجْهَ مَاضْ لَمْ يَخْفَ وَجْهُ الآتِي
أُنْظُرُوا حينَ تَرْجِعُ العَيْنُ أَدْرَا
جَ اللَّيَالِي تُطَالِعُ البَاقِيَاتِ
كَيْفَ يَلْقَى الإِنْسَانُ فِيهَا أَخَاهُ
وَكَأّنَّ العَهْدَيْنِ فِي مِرْآةِ
قَدْ تَقَضَّتْ مِنَ السَّنِينَ مِئَاتٌ
مَا الَّذِي جَدَّ بَعْدَ تِلْكَ المِئَاتِ
بَيْنَ جِيلٍ خَلاَ وَجِيلٍ تَلاهُ
لَمْ تُبَدَّلْ جَوَاهِرُ الحَالاَتِ
كَانَ مُوسَى وَلِيدُ قُرْطُبَةٍ يَنْ
شَأُ في صَعْبَةٍ مِنَ البِيئَاتِ
فَتَوَلَّى عَنْهَا يُطَوِّفُ فِي الآ
فَاقِ بَيْنَ الأَمْصَارِ وَالفَلَوَاتِ
لَمْ يَسَعْهُ مِنَ البِلاَدِ سِوَى رَوْ
ضِ المَعَالِي وَمَنْبِتِ المَكْرُمَاتِ
مِصْرُ كَهْفُ الأحْرَارِ فِي كُلِّ عَصْرٍ
وَمَلاَذُ المُرَوَّعِينَ الأَبَاةِ
وَإِلَى ذَاكَ مَوْئِلُ العِلمِ إِنْ لَمْ
تَرْحَبِ الأَرْضُ بِالهُدَى وَالهُدَاةِ
هُوَ غَرْسٌ آوَتْ فَكَانَ أَفَانِ
نَ تَسُرُّ النُّهَى مِنَ الثَّمَرَاتِ
نَضِجَتْ حِكْمَةُ الخَلاَئِقِ مِنْهَا
فِي أَوَانٍ بَدِيعَةِ الزِّينَاتِ
ذَاتِ صَوْغٍ مُنَمَّقٍ عَرَبِيٍّ
رَصَّعَتْهُ جَوَامِعُ الكَلِمَاتِ
ذَاكَ وَافَى بِاللَّوْح مِنْ طُورِ سِينِي
نَ إِلى اليَوْمِ حَمِلَ المِشْكَاة
صَوْلَةُ الرَّيْبِ لَمْ يَخَفْهَا عَلَيْهِ إِنَّ
مَّا خَافَ صَوْلَةَ التُّرَهَاتِ
فَنَفَ فِي شُرُوحِهِ لِمُتُونِ ال
وَحْي مَا رَابَهُ بِغَيْرِ افْتِئَاتِ
وَمَضَى فِي تَخَيُّرِ السُّنَنِ المُثْ
لَى وَلَمْ يَثْنِهِ اعْتِرَاضُ الغُلاَةِ
وَابْنُ مَيْمُونَ كضانَ فِي خُطَّةٍ أُخْ
رَى مِنَ الرَّاسِخِينَ أَهْلِ الحَصَاةِ
رَاجَعَ العَقْلَ فِي الحَقَائِقِ وَاسْتَهْ
دَى بِهِ فِي غَيَاهِبِ المُشْكِلاَتِ
سَلْ أُوْلِي الذِكْرِ فِي الفِرِنْجَةِ عَمَّا قَبَ
سُوا مِنْ أَحْكَامِهِ النَّيِّرَاتِ
وَتَتَبَّعْ صُنُوفَ مَا اَثَرُوا عَنْ
هُ وَمَا دَوَّنُوا بِشَتَّى اللُّغَاتِ
كَانَ لِلعُرْبِ فِي دَلِيلِ الحَيَارَى
قِسْطَهُمْ مِنْ فُصُولهِ القِّيمَاتِ
أَبْرَزَ العِليَةَ المُجَلِّينَ مِنْ
هُمْ فِي مَجَالِ العُلومِ وَالفَلْسَفَاتِ
فَدَرَى الغَرْبُ فَصْلَُهُمْ حِينَ كَانَتْ
فِيهِ أَعْلَمُهُمْ مِنَ النَّكِرَاتِ
إِن فِي ذَلِكَ الكِتَابِ لَخَوَضاً
مُطْمَئِنَّا فِي أَخْطَرِ الغَمَرَاتِ
وَمِزَاجاً مَا بَيْنَ مَعْنَى وَحِسٍّ
لَمنْ يَكُنْ إِنْ يُرَمْ مِنَ الهَيِّنَاتِ
عَجَبٌ كُلُّ مَا تَضَمَّنَ فِي اللَّ
هِ وَفِي كَوْنِهِ وَفِي الكَائِنَاتِ
فِي مَفَاعِيلِ حَوْلِهِ أَوْ مَرَامِي
طَوْلِهِ أَوْ مُقَوِّمَاتِ الذَاتِ
وَمَعَانِي هَذَا الوُجُودِ وَمَا فِي
كُلًّ أَجْزَائِهِ مِنَ المُعْجِزَاتِ
وَمَغَازِي مَا قَرَّبَتْهُ مِنَ السُّبْ
لِ وَمَا بَعَّدَتْ مِنَ الغَايَاتِ
نَظَرَاتٌ إِنْ حُقِّقَتْ فَهْيَ فِي جُمْ
لَتِهَا مِنْ صَوَادِقِ النَّظَرَاتِ
تِلكَ بِالفَيْلَسُوفِ إِْمَامَةٌ عَجْلْ
لَى أَتَقْضِيهِ حَقّهُ هَيْهَاتِ
كَيْفَ تُرْوِي الأُوَامَ وَالمَاءُ يَجْرِي
عَبَباً رَشْفَةٌ مِنَ الرَّشَفَاتِ
فَلْنُيَمِّمْ شَطْرَ الطَّبِيبِ وَفِي الرَّوْ
ضَةِ مَا يُجْتَنَى بِكُلِّ التِفَاتِ
أَيُّ وَصْفٍ أَوْفَى وَاَبْلَغُ مِمَّ
قَالَ فِي وَصْفِهِ كَبِيرُ الأُسَاةِ
قَدْ سَمِعْتُمْ فِيهِ عَليّاً وَهَلْ يَعْ
رِفُ إِلاَّ الثِّقَاتُ قَدْرَ الثِّقَاتِ
وَقَدِيماً تَجَوَّدَ ابْنُ سَنَاءِ ال
مُلكِ مَا صَاغَ فِيهِ مِنْ أَبْيَاتِ
سَأُعِيدُ المَعْنَى عَلَيْكُمْ وَإِنْ كَا
نَتْ مَعَانِيهِ جِدَّ مُخْتَلِفَاتِ
لَوْ شَكَا دَهْرُهُ الجَهَالَةَ مَا اسْتَعْ
صَى عَلَيْهِ إِبْرَاءُ تِلكَ الشَّكَاةِ
وَلَوِ البَدْرُ يَسْتَطِبُّ إِلَيْهِ
لَشَفَى مَا بِهِ مِنَ العِلاَّتِ
مَا الَّذِي أَحْدَثَ ابْنُ مَيْمُونَ فِي الطِّ
بِّ وَمَا شَأنُ تِلكُمُ المُحْدَثَاتِ
لَمْ يَقِفْ طِبُّهُ عَلَى المَلِكِ الأَفْ
ضَلِ وَالأَرْفَعِينَ فِي الطَّبَقَاتِ
أَنْفَعُ العِلْمِ مَا يُوَجِّهُهُ العَقْ
لُ إِلَى البِرِّ لاَ إِلى الشَّهَوَاتِ
سَخَّرَ الطِّبَّ لِلأَنَامِ جَمِيعاً
فَتَقَرَّاهُ فِي جَمِيعِ الجِهَاتِ
يَتَوَخّى قَيْدَ الأَوَابِدِ فِي بَا
بٍ َبَابٍ مِنْهُ وَجَمْعِ الشَّتَاتِ
وَيُقِرُّ السَّلِيمَ مِنْ كُلِّ زَيْفٍ
بَعْدَ لأْيٍ فِي المَحْوِ وَالإِثْبَاتِ
آخِذاً مِنْ تَجَارِبِ العُرْبِ وَاليُونَا
نِ وَالهُودِ نَاجِعَاتِ الصِّفَات
وَمُضِيفاً إِلَى الثَّوَابِتِ مِنْهَا
مُحْكَمَاتِ الأصُولِ وَالتَّجْرِبَاتِ
وَأَمَاطَ اللِّثَامَ عَنْ كُلِّ بُرْءٍ
سِرُّهُ فِي الجَمَادِ أَوْ فِي النَّبَاتِ
فَتَقَضَّى جِيلٌ فجِيلٌ وَلِلدَّا
ءِ دَوَاءٌ بِفَضْلِ تِلكَ الدَّوَاةِ
هَذِهِ مِصْرُ هَلْ تَرَى يَا أَبَا عِمْ
رَانَ فَرْقَ المِئِينَ فِي السَّنَوَاتِ
عَهْدُهَا عَهْدُهَا كَمَا كضانَ وَالما
ضِي بِمَا بَعْدَهُ وَثِيقُ الصِّلاةِ
لَمْ تكُنْ مُخْطِيءَ ارَّجَاءِ بِمَا اسْتَسْ
لَفْتَ مِنْ مَجْدِ هَذِهِ التَّكْرِمَاتِ
مِصْرُ كَانَتْ مِنْ بَدْئِهَا وَسَتَبْقَى
آخِرَ الدَّهْرِ مَبْعَثَ العَظَمَاتِ
إِذَا أَنِسَتْ بِصُورَتِهِ عُيُونٌ
وَأَوْحَشَ قَوْمَهُ مِنْهُ السُّكُوتُ
فَإِنَّ لَهُ حَدِيثاً لَيْسَ يُبَلَى
تُحَدِّثُهُ مَآثِرُ لاَ تَفُوتُ
سَيَبْقَى الذِّكْرُ جيلاً بَعْدَ جِيلٍ
وَسَعْدُ اللهِ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ
فِي رِيَاضِ النِّيلِ كَمْ مُسْتَنْزَهٍ
تَمْلأُ العَيْنَ حَلاَهُ الشَّائِقَاتْ
لاِعْتِدَالِ الجَوِّ فِيهِ عِزَّةٌ
بِالْتِوَاءِ الشَّجَرَاتِ البَاسِقَاتْ
خليل مطران
بواسطة
المشرف العام
الإضافة: الأحد 2007/09/09 06:14:36 مساءً
إعجاب
مفضلة

أضف تعليق

يجب تسجيل الدخول أو الاشتراك أو تفعيل الحساب اذا كنت مشترك لإضافة التعليق


أعلى القصائد مشاهدة للشاعر
أعلى القصائد مشاهدة خلال 24 ساعة الماضية
انتظر معالجة القصيدة ...
جميع الحقوق محفوظة لبوابة الشعراء .. حمد الحجري © 2005 - برمجة وتصميم
info@poetsgate.com