سلمت يمينكِ يا ربابْ إذ لوّحت خَللَ الضبابْ
|
سلمت عيونك تُمطرالآشواق في زمن السراب
|
قيكفُ رملٌ عن توجعه وتخرج نبتها أرضٌ يباب
|
أرباب قد ضاع الصبا مني وفارقني الشباب
|
ومضيتُ في الدرب الطويل أدقُ باباً إثر باب
|
كل المنافذ أوصدت دوني وأنكرني الصِحاب
|
أربابُ قد حار الدليلُ وغاب في بحرٍ عُباب
|
وطويت أشرعتي وما أمّلتُ من عيش لُباب
|
ورضيت في سفري الطويل من الغنيمة بالإياب
|
ولجأت منكِ إليك، لا تتعجليني بالعتاب
|
وعلى شواطىء مقلتيكِ أنختُ رحليَ والركاب
|
وغرقت في اليم الذي لا عَودَ منه ولا مآب
|
وعتا عليَّ الموج يغمرني، وليس سوى الهَداب
|
خيطٌ ألوذ به إذا ما الرمشُ أرخى أو أناب
|
آتٍ إليكِ يهزني شوقٌ ويُضنيني غياب
|
ومن الفراق يُمضُّني جرحٌ ويدميني خِضاب
|
ومن الزمان ذوائبٌ بيضُ النواصي يا رباب
|
فأنا أطلُ على الذي في هولهِ فصلُ الخطاب
|
وأنا أرى ما لا أريد وما أحاذر أو أهاب
|
إني أراني في ذهولي أذرع الأرض الخراب
|
وأنا أرى فيما أرى ويشِفُّ من خلف الحجاب
|
روعاً أنوءُ بحمله ويذيقني مُرّ المُصاب
|
إني أرى الخنساءَ عفَّر وجهها الدامي تُراب
|
لا مثل صخرٍ في الرجال ولا تدانيه الرقاب
|
وأرى ابن روميٍّ تطيّر ثم أدمن الاكتئاب
|
ويحنُّ مثل النوق ما أغفا دُجىً وهمى سحاب
|
أو كلما ناحت حماماتٌ على غصنٍ بغاب
|
هيجنهُ فتقاطرت عيناهُ بالشجن المُذاب
|
فإذا العصيُّ من الدموع غدا غزيرَ الانصباب
|
ولمحتُ طيف أبي فراسٍ عيَّ عن ردِّ الجواب
|
وعلى تخوم الروم أسرج خيلهُ وطوى كتاب
|
ومضى وفي جنبيهِ أشواقٌ وأحلام ٌعِذاب
|
ما غالها أسرٌ ولا موتٌ لهُ تُحنى الرقاب
|
بل ظلّ في سمع الزمان وفي حكايا تُستطاب
|
زينُ الشباب أبو فراسٍ لم يُمتّع بالشباب
|
يا حسرةً تُدمي القلوب وتملأ الدنيا عذاب
|
كأسٌ يغًصُ الشاربون ولا مفرّ من الشراب
|
ويجيء قبل أوانهِ متصيداً غضّ الإهاب
|
ويخلّف الثكل المُروّع والجراحات الرِغاب
|
وصدىً يُولول كلما ولَّى تأذن باقتراب
|
فإذا الشجيُّ بكل عصرٍ للشجيّ له انتساب
|