إبلاغ عن خطأ
ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك
انتظر إرسال البلاغ...
|
... قرأت خبراً عن طفل حديث الولادة وُجد في مغسلة للموتى، فتأملت صورته المرفقة بالخبر، وخُيل إليّ أني سمعته يقول: |
عمتمْ مساء أيها الأمواتُ .. إني أعتذرْ |
أزعجتكم! أنا آسف |
أنا لم أخطط للقدوم أحبتي |
أنا مجهد قد تاه عن أولى محطات السفر |
قد جئت لا أدري أكانت صدفة |
أم موعد بين احتفالات الحياة وأبجديات الضجر |
أم أن ثَمّ رسالة للعالمين |
مفادها أن الطفولة تحتضر!! |
ردوا التحية وافتحوا أحضانكم |
وتلطفوا إني غريب عابر أوطانكم |
مترجل عن موطني لم أختبر حجم الفضاء |
متدثر بالصمت لم أرفع يدي مطالباً بالخبز أو بالكبرياء |
لا تأبهوا لقدوم إنسانٍ صغير |
قد جاءكم إذ لم يسعه الكون |
مرتاح الضمير |
نبضٍ تهيأ للتشرد في لفافات الحرير |
ما كنت أعرف مثل هذا البرد أو هذا الجمود |
مع أن أمي مهدت لي وهي توصيني مراراً بالصمود |
خطواتها المرتجة الوجلى ورائحة التعب |
أناتها كلماتها ورفيف مسجون بقربي ينتحب |
والخوف في دمها وأمواج اللهب |
ومرارة من بين جنبيها تفوح |
وبرودة في جثة من غير روح |
وطلاسم |
ما كنت أدري أنها كانت تهيئني لمأساة الوجود |
ربتت على رأسي وقالت: لن تضيع .. و غادرتني للفناء |
لفت عليّ وشاحها |
وبكت طويلاً ثم ألقتني لناصية الخواء |
ومضت تكرر: لن تضيع! |
سأضيع يا أمي فليس سوى الضياع |
وأنا أسافر مجهداً رث المتاع |
تتصاعد الأرواح من حولي وأهوي في فضاء البؤس من قاع لقاع |
قد جئت محمولاً إلى الموتى أهلل للوجود |
متطفلاً أتلمس النبضات في أحضانهم |
فاستعصموا بالصمت مني واستكانوا للجمود |
لم يأبهوا لحرارة الشكوى على صوتي وإطراق الرجاء |
هم يسكنون البرد يا أمي ويخشون الضياء |
قد جئتكم بهواجس شتى ونفس مثقلة |
وعلى جبيني قبلتان وفي عروقي زلزلة |
لم أحترف بعدُ الكلام |
والموت حولي لا ينام |
فهناك موتى يصرخون |
وهنا تجمد آخرون |
وعلى الطريق رأيت موتى يعبرون |
ويثرثرون |
ضوضاؤهم ما حركتكم لحظة |
وكأنكم تتجاهلون وجودهم |
مع أنكم متشابهون تُطاوِلون الأرض تنتظرون أمراً بالقيام |
أنا لست أدري مثلكم كيف انتهيتُ إلى هنا |
ونصبت ساريتي ولا أدري ابتداءً من أنا |
لكنني في أحسن الأحوال مبعوث لكم |
فلتقبلوني بينكم ولتسمحوا لي بالعبور |
موتان ينتظرانني |
لكنني أختار موتكم الوقور |
كفني عليّ وصفحتي بيضاء ناصعة وجثماني طهور |
لا أنتمي لفصيلة فتقبلوني كيفما شئتم |
أقيموا أي طقس نحو أية قبلة |
فأنا بأمر الله محسوم المصير |
أنا لن أكلفكم سوى ركن صغير في الجوار |
سأظل فيه مغمّض العينين محبوك الدثار |
لا تخجلوا مني لدى كشف الحساب |
أنا لا أريد هناك شيئاً غير حضن من تراب |
أنا لست معنياً بكم |
أخطاؤكم أوزاركم أسراركم |
لا تستثير تطفلي |
فأنا سأتركها لكم |
وأعود مسروراً لبيتي الأول |
يا أيها الأموات هيا عجلوا |
فقد اكتفيت من الحياة بكل ما فيها .. بجزء من نهار |