أَهكَذا البَدرُ تُخفي نورَهُ الحَفرُ |
وَيُفقَدُ العِلمُ لا عَينٌ وَلا أَثَرُ |
خَبَت مَصابيحُ كُنّا نَستَضيءُ بها |
وَطَوَّحَت لِلمَغيبِ الأَنجمُ الزُهُر |
وَاِستَحكَمَت غُربَةُ الإِسلامِ وَاِنكَسَفَت |
شَمسُ العُلومِ التي يُهدى بها البَشرُ |
تُخُرِّمَ الصالحونَ المُقتَدى بهمُ |
وَقامَ منهُم مقامَ المُبتَدا الخَبَرُ |
فَلَستَ تَسمَعُ إِلّا كان ثمَّ مَضى |
وَيَلحَقُ الفارِطُ الباقي كما غَبَروا |
وَالناسُ في سَكرَةٍ من خَمرِ جَهلِهِمُ |
وَالصَحوُ في عَسكَرِ الأَمواتِ لَو شَعَروا |
نَلهو بِزُخرُفِ هذا العَيشِ من سَفهٍ |
لَهوَ المُنَبِّتِ عوداً ما لهُ ثَمَرُ |
وَنَستَحثُّ منايانا رَواحِلُنا |
لِمَوقِفٍ ما لنا عَن دونهِ صَدَرُ |
إِلّا إِلى مَوقِفٍ تَبدو سَرائِرُنا |
فيهِ وَيَظهَرُ لِلعاصينَ ما سَتَروا |
فَيا لهُ مَصدراً ما كانَ أَعظَمَهُ |
الناسُ مِن هو لهِ سكرى وَما سَكِروا |
فكُن أخي عابِراً لا عامِراً فَلَقد |
رَأَيتَ مَصرَعَ من شادوا وَمن عَمَروا |
اِستُنزِلوا بَعد عزٍّ عن مَعاقِلِهم |
كَأَنَّهُم ما نَهَوى فيها وَلا أَمَروا |
تُغَلُّ أَيديهِمُ يومَ القِيامةِ إن |
بَرّوا تُفَكُّ وفي الأَغلالِ إن فَجروا |
وَنُح على العِلمِ نوحَ الثاكلاتِ وَقُل |
وَالهفَ نفسي على أَهلٍ لهُ قُبِروا |
الثابتينَ على الإيمانِ جُهدَهُمُ |
وَالصادِقينَ فما مانوا وَلا خَتَروا |
الصادِعينَ بِأَمرِ اللَهِ لَو سَخطوا |
أَهلُ البَسيطَةِ ما بالوا وَلو كثُروا |
وَالسالِكينَ على نَهجِ الرَسولِ على |
ما قَرَّرَت مُحكَمُ الآياتِ وَالسوَرُ |
وَالعادِلينَ عن الدُنيا وَزَهرَتِها |
وَالآمرينَ بخيرٍ بعدَ ما اِئتُمِروا |
لَم يَجعَلوا سُلَّما لِلمالِ عِلمَهُم |
بَل نَزَّهوهُ فَلَم يَعلُق بهِ وَضَرُ |
فَحيَّ أَهلاً بهِم أَهلاً بِذِكرهِمُ |
الطَيّبينَ ثَناءً أَينَما ذُكِروا |
أَشخاصهُم تَحتَ أَطباقِ الثَرى وَهُمُ |
كَأَنَّهُم بَينَ أَهلِ العِلمِ قَد نُشِروا |
هذي المَكارمُ لا تَزويقُ أَبنِيَةٍ |
وَلا الشُفوفُ التي تُكسى بها الجدُرُ |
وابك على العَلَمِ الفَرد الذي حَسُنَت |
بِذِكرِ أَفعالِهِ الأَخبارُ وَالسِيَرُ |
مَن لم يُبالِ بحقِّ اللَهِ لائِمَةً |
وَلا يُحابي امراءً في خدِّهِ صَعَرُ |
بَحرٌ من العِلمِ قد فاضَت جداوِلهُ |
أَضحى وَقد ضَمَّهُ في بَطنهِ المَدرُ |
فَلَيتَ شِعريَ مَن لِلمُشكِلات إِذا |
حارَت بِغامِضِها الأَفهامُ وَالفِكَرُ |
مَن لِلمَدارس بِالتَعليمِ يَعمُرُها |
يَنتابُها زُمرٌ من بَعدِها زُمَرُ |
هذي رُسومُ عُلومِ الدينِ تَندبهُ |
ثَكلى عَليهِ وَلكن عَزَّها القَدرُ |
طَوَتكَ يا سَعدُ أَيّامٌ طَوت أُمَماً |
كانوا فَبانوا وَفي الماضينَ مُعتَبَرُ |
إِن كان شَخصُكَ قد واراهُ مُلحِدهُ |
فَعِلمُكَ الجَمُّ في الآفاقِ مُنتَشِر |
وَالأُسوَةُ المُصطَفى نَفسي الفِداءُ لهُ |
بِمَوتهِ يَتَأَسّى البَدرُ وَالحَضَرُ |
بَنى لكُم حمدٌ يا لِلعَتيقِ عُلا |
لم يَبنِها لكمُ مالٌ وَلا خَطَرُ |
لكنَّهُ العِلمُ يَسمو من يَسودُ بهِ |
عَلى الجهولِ وَلو من جدُّهُ مُضرُ |
وَالعِلمُ إن كان أَقوالاً بلا عملٍ |
فَلَيتَ صاحبهُ بِالجَهل مُنغَمِرُ |
يا حامِلَ العِلمِ وَالقُرآنِ إِنَّ لَنا |
يَوماً تُضَمُّ بهِ الماضونُ وَالأُخرُ |
فَيَسأَلُ اللَهُ كلّاً عَن وَظيفَتهِ |
فَلَيتَ شِعري بماذا منهُ تَعتَذِرُ |
وَما الجَوابُ إِذا قالَ العَليمُ أَذا |
قالَ الرَسولُ أَو الصَدّيقُ أَو عُمَرُ |
وَالكُلُّ يَأتيهِ مَغلولَ اليَدينِ فمن |
ناجٍ وَمن هالكٍ قَد لَوَّحَت سَقَرُ |
فَجَدِّدوا نِيَّةً لِلَّهِ خالِصَةً |
قوموا فُرادى وَمَثنى وَاِصبِروا وَمُروا |
وَناصِحوا وَاِنصَحوا مَن وَليَ أَمرَكمُ |
فَالصَفوُ لا بُدَّ يَأتي بَعدهُ كَدرُ |
وَاللَهُ يَلطُفُ في الدُنيا بِنا وَبكُم |
وَيومَ يَشخَصُ مِن أَهوالهِ البَصَرُ |
وَصَفِّ رَبِّ على المُختارِ سَيِّدِنا |
شَفيعِنا يَومَ نارُ الكَربِ تَستَعِرُ |
محمدٍ خيرِ مَبعوثٍ وَشيعَتِهِ |
وَصَحبِهِ ما بَدا من أُفقِهِ قَمَرُ |