أَتَطلُبُ لَيلى وَهيَ فيكَ تَجَلَّت | |
|
| وَتَحسَبُها غَيراً وَغَيرُكَ لَيسَتِ |
|
فَذابلُهُ في مِلَّةِ الحُبِّ ظاهِرٌ | |
|
| فَكُن فَطِناً فَالغيرُ عَينُ القَطيعَةِ |
|
أَلَم تَرَها أَلقَت عَلَيكَ جَمالَها | |
|
| وَلَو لَم تَقُم بِالذاتِ مِنكَ اِضمَحَلَّتِ |
|
تَقولُ لَها اُدنُ وَهيَ كُلَّك ثُمَّ إِن | |
|
| حَبَتكَ بِوَصلٍ أَوهَمَتكَ تَدَلَّتِ |
|
عَزيزٌ لِقاها لا يَنالُ وِصالَها | |
|
| سِوى مَن يَرى مَعنىً بِغَيرِ هَوِيَّةِ |
|
كَلِفت بِها حَتّى فَنِيتُ بِحُبِّها | |
|
| فَلَو أَقسَمَت أَنّيَ إِيّاها لَبَرَّتِ |
|
وَغالَطتُ فيها الناسَ بِالوَهمِ بَعدَما | |
|
| تَبَيَّنتها حَقّاً بِداخِلِ بُردَتي |
|
وَغَطَّيتُها عَنّي بِثَوبِ عَوالِمي | |
|
| وَعَن حاسِدي فيها لِشِدَّةِ غيرَتي |
|
بَديعَة حُسنٍ لو بَدا نورُ وَجهِها | |
|
| إِلى أَكمَهٍ أَضحى يَرى كُلَّ ذَرَّةِ |
|
تحلّت بأنواع الجمال بأسرها | |
|
| فهام بها أهل الهوى حيثُ حلّت |
|
وَحَلَّت عُرى صَبري عَلَيها صَبابَة | |
|
| فَأَصبَحتُ لا أَرضى بِصَفوَةِ عُروَةِ |
|
وَمَن ذا مِنَ العُشّاقِ يَبلُغُ في الهَوى | |
|
| مَرامِيَ فيها أَو يُحاوِلُ رُتبَتي |
|
وَبي مِن هَواها ما لَو أُلقيَ في لَظى | |
|
| لَذابَت لَظى مِنهُ بِأَضعَفِ زَفرَتي |
|
وَبِالبَحرِ لَو يُلقى لَأَصبَحَ يابِساً | |
|
| وَبِالشَمِّ دَكَّت وَالسَحاب لَجَفَّتِ |
|
ذَهَلت بِها عَنّي فَلَم أَرَ غَيرَها | |
|
| وَهِمتُ بِها وَجداً بِأَوَّلِ نَظرَةِ |
|
وَلَمّا أَزَل مُستَطلِعاً شَمسَ وَجهِها | |
|
| إِلى أَن تَراءَت مِن مَطالِعِ صورَتي |
|
فَغابَ جَميعي في لَطافَةِ حُسنِها | |
|
| لأَن كُنتُ مَشغوفاً بِها قَبلَ نَشأَتي |
|
فَدَع عاذِلي فيها المَلامَ فَإِنَّما | |
|
| عَذابي بِها عَذبٌ وَناري جَنَّتي |
|
وَإِن شِئتَ لُم فيها فَلَستُ بِسامِعٍ | |
|
| دُهيتُ فَلَم يَكُن إِلَيكَ تَلفُّتي |
|
وَكَيفَ أُصيخُ لِلمَلامَةِ في الَّتي | |
|
| عَلَيها جُيوبي في الحَقيقَةِ زُرَّتِ |
|
وَكُنتُ بِها مُغرىً أراها حَبيبَةً | |
|
| إِذا أَنَّها وَاللَه عَينُ حَقيقَتي |
|
وَفيها اِدّعيت العَين في مَذهَبِ الهَوى | |
|
| وَقَطَّعتُ رَسمي كَي أُصحِّحَ حُجَّتي |
|
وَأَصبَحتُ مَعشوقاً وَقَد كُنتُ عاشِقاً | |
|
| لِأَن ظُهوري صارَ أَعظَم زَلَّتي |
|
بِها سَمِعَت أُذني وَأَبصَرَ ناظِري | |
|
| فَعايَنتُها مِنها إِلَيها تَبَدَّتِ |
|
وَفي حالِها دارَت عَليّ كُؤوسها | |
|
| فَصِرتُ بِها أَسمو عَلى كُلِّ ذَروَةِ |
|
وَما أَبصَرَت عَينايَ لِلخَمرِ جامَها | |
|
| لِأَن جامَها مِنها لَها عَينُ حِكمَتي |
|
تَلَألَأَ مِنها كُلُّ شَيءٍ فَما أَرى | |
|
| سِوى نورِها الوَقّادِ في كُلِّ وُجهَتي |
|
أَباحَ ليَ الخِمارَ مِنهُ تَفَضُّلاً | |
|
| جَناها فَصارَ الشُربُ ديني وَمِلَّتي |
|
فَإِن شِئتُها صِرفاً شَرِبتُ وَأَن أَشأ | |
|
| مَزَجتُ لِأَنَّ الكُلَّ في طَيِّ قَبضَتي |
|
وَإِن شِئتُ أَطوي الكَونَ طَيّاً وَإِن أَشأ | |
|
| نَشَرتُ جَميعَ الكائِناتِ بِنَظرَتي |
|
شَرِبتُ صَفاءً في صَفاءٍ وَمَن يَرِد | |
|
| مِنَ القَومِ شرباً لَم يَجِد غَيرَ فَضلَتي |
|
تَقَدَّمَ لي عِندَ المُهَيمِنِ سابِق | |
|
| مِنَ الفَضلِ وَاِستَدعاهُ حُكمُ المَشيئَةِ |
|
فَلي عِزَّة المُلكِ القَديمِ لِأَنَّني | |
|
| بِعِزَّةِ رَبّي في العَوالِم عِزَّتي |
|
وَلي مَقعَدُ التَنزيهِ عَن كُلِّ حادِثٍ | |
|
| وَلي حَضرَةُ التَجريدِ عَن كُلِّ شِركَةِ |
|
جَلَستُ بِكُرسيِّ التَفَرُّدِ فَاِستَوى | |
|
| مِنَ اللَهِ عَرشٌ لي عَلى ماءِ قُدرَتي |
|
تَراني بِبَطنِ الغَيبِ إِذ أَنا ظاهِرٌ | |
|
| وَما ثمَّ غَيري ظاهِرٌ حينَ غَيبَتي |
|
تَجَلَّيتُ مِن لَوحِ البُطونِ وَلَم يَكُن | |
|
| تَجَلّى مِنهُ غَيرُ تَحقيقِ حِكمَتي |
|
لِأَنّيَ قَبل الكَونِ إِذ أَنا بَعدَهُ | |
|
| وَلَم يَكُ كَون غَيرُ تَلوينِ بَهجَتي |
|
تَجَلَّيتُ قَبل باِسمِ لوحِ القَضا كَما | |
|
| تَجَلَّيتُ بَعد بِاِسمِ ناري وَجَنَّتي |
|
تَرامَت بِأَنواري المَقاديرُ أَنَّني | |
|
| عَجيبٌ بَدَت في كَثرَتي أَحَدِيَّتي |
|
وَخَمري أَثارَت في الجَميعِ ضِياءها | |
|
| وَحَقّاً بِأَنواعِ الوُجودِ اِستَبدَّتِ |
|
مُدامٌ تُزيلُ الهَمَّ وَهيَ بِدَنِّها | |
|
| وَيَنشَطُ كُلُّ الكَونِ مِنها بِنَفخَةِ |
|
تَراها بِحَشوِ الكَأسِ وَهيَ زُجاجَةٌ | |
|
| وَلَو لَم تَكُن فيهِ لَذابَ بِسُرعَةِ |
|
بِها هُوَ مَمسوكٌ وَقَد مَسَكَت بِهِ | |
|
| تُلوِّنُ كَأسي مِن تَلوّن خَمرَتي |
|
تَلَطَّف مِنها إِذ سَرى مِنهُ نورُها | |
|
| فَتَحسَبُها شَمساً عَلى البَدرِ دَرَّتِ |
|
وَمِن عَجَبٍ كَأسٌ هُوَ الخَمرُ عَينُها | |
|
| وَلكِنَّهُ يَبدو عَلى شَكلِ دُرَّةِ |
|
فَيَحسَبُهُ الراؤونَ غَيرُ مُدامَةٍ | |
|
| لِشِدَّةِ آفاتٍ بِعَينِ البَصيرَةِ |
|
وَلَو صَفَتِ الأَسرارُ مِنهُم لَأَبصَروا | |
|
| لَطائِفَ أَنوارٍ بِأَشكالِ قُدرَةِ |
|
بَدَت بِرِياضِ المُلكِ أَزهارُ مائِها | |
|
| وَبِالوَهمِ يَبدو الزَهرُ غَير المائِيَّةِ |
|
فَإِن شِئتَ أَن تَنفيهِ فَاِترُك خَواطِراً | |
|
| تَجول لِفِكرٍ لَم تَكُن في الحَقيقَةِ |
|
وَلكِن أَتَت مِن عالَمِ الحُسنِ فَاِستَوَت | |
|
| عَلى القَلبِ عَيناً وَهوَ عالمُ غَفلَةِ |
|
وَطِر عَن حبالاتِ التَفكيرِ في الوَرى | |
|
| لِكَي لا تُرى مُستَوثِقا لَم تَفلَت |
|
وَكُن بِمَقاماتِ الرِجالِ بِظاهِرٍ | |
|
| وَلا تَكُ يَوماً حذوَ كُلٍّ بِفِكرَةِ |
|
فَكَم زاهِدٍ أَلقاهُ في اللَيلِ زُهدُهُ | |
|
| تفكّرهُ فيهِ أَتاهُ بِظُلمَةِ |
|
وَذى طاعَةٍ قَصّت جَوانِحُهُ بِها | |
|
| وَعيقَ عَلى المَولى بِلَحظِ الفَضيلَةِ |
|
وَلَم يَصفُ زُهدٌ لا وَلا عَملٌ لِمَن | |
|
| يَرى نَفسَهُ في زُهدِها قَد تَرَقَّتِ |
|
لِأَنَّ الَّذي يَأتي بِبرّ وَلا يرى | |
|
| بِهِ اللَهُ آت فاتِح باب فِتنَةِ |
|
وَلَم يَصف أَي يُخلِص مِنَ الجَهلِ أَمرَهُ | |
|
| وَلَم يُلفَ إِلّا في غَياهِبِ رَيبَةِ |
|
لإِن فَعَلنا ما لَم نَرَ اللَهَ فاعِلاً | |
|
| على الشَكِّ بِالمَعبودِ في كُلِّ وُجهَةِ |
|
لِفُقدانِ إِخلاص بِهِ اللَهُ آمِرٌ | |
|
| وَذلِكَ إِفراد الإِله بِخِدمةِ |
|
وَلَم يَكُنِ الإِفرادُ يَوماً لِعامِلٍ | |
|
| إِذا نَفسهُ في ذلِكَ الفِعلِ عَنَّتِ |
|
لِأَنَّ إِلاهَ العَرشِ عَمَّ وُجودُهُ | |
|
| وَلَمّا يَكُن شَيءٌ سِواهُ بِمُثبتِ |
|
وَلَم يُخصصِ الأَعمالَ بِاللَهِ مِن يَرى | |
|
| شَريكاً لَهُ فيها بِمِثقالِ ذَرَّةِ |
|
وَيا عَجَباً كَم تَدّعي أَحدِيَة | |
|
| وَهيَ عَلى التَحقيقِ غايَةُ وَحدَةِ |
|
وَلَمّا تَكُن في اِثنَينِ وَاللَهُ غايَةٌ | |
|
| فَكَيفَ إِذا أَثبَتَ نِسبَة كَثرَةِ |
|
أَلَم تَرَهُ يَنهى عَنِ اِثنَينِ خَلقهُ | |
|
| وَشِركُ ذَوي التَثليثِ بادٍ بِحُجَّةِ |
|
فَدَع عَنكَ أَقوالاً تَرى إِن أَتَيتَها | |
|
| أَخا ظَمَإٍ يَوماً سَراباً بِقيعَةِ |
|
وَأَلقِ لَنا أُذنَ الفُؤادِ مُصيخَةً | |
|
| وَعي القَولُ مِنّي وَاِستَمع لِنَصيحَتي |
|
إِذا شِئتَ أَن تَلقى السَعادَة وَالمُنى | |
|
| وَتَبلُغَ ما عَنهُ الرِجالُ تَوَلَّتِ |
|
فَطَهِّر بِماءِ الذِكرِ قَلبَكَ جاهِداً | |
|
| بِصِدقِ اللجا وَاِغسِلهُ مِن كُلِّ عِلَّةِ |
|
وَفَكِّر بِأَمرِ الشَرعِ أَمرَكَ كُلَّهُ | |
|
| فَدونَكَ إِن لَم تَفعَل البابُ سُدَّتِ |
|
وَدَع ما مَضى إِن تُبتَ لا تَكتَرِث بِهِ | |
|
| وَلا تَلتَفِت في طاعَةٍ لِمَثوبَةِ |
|
وَشَمِّر ذُيولَ الحَزمِ لِلَّهِ طالِباً | |
|
| وَلا تَقصِدن حَظّاً بِسَيرِ الطَريقَةِ |
|
فَمَن عَمَّهُ القُصّادُ بَل مَن عَماهُمُ | |
|
| تَوَجُّهُهُم نَحوَ الحُظوظِ الدَنِيَّةِ |
|
وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإِلَهَ بِسَيرِهِ | |
|
| إِلَيهِ تَراهُ راجِعاً أَيّ رَجعَةِ |
|
بِأَن يَنتَهي لِلوَهمِ وَالباطِلِ الَّذي | |
|
| لَهُ نَفسُهُ عِندَ البِدايَة أَمَّتِ |
|
وَمِن ثمَّ كانَت عادَةُ اللَهِ في الَّذي | |
|
| يَؤُمُّ سِواهُ دائِماً نَيل خَيبَةِ |
|
فَيَحرِمُهُ ما أَمّ إِذ هُوَ لَم يَكُن | |
|
| وَلا يَصِلنَ لِلَّهِ مِن فَقدِ نِيَّةِ |
|
فَذا عَدمٌ مَحضٌ وَذا لَم يَؤمّه | |
|
| فَصَفقتُهُ وَاللَهِ أَخسَرُ صَفقَةِ |
|
فَسِر في أَمانِ اللَهِ لِلحَقِّ مُسرِعاً | |
|
| وَكُن مُعرِضاً عَن ذي الأُمورِ الشَنيعَةِ |
|
كَحِرصٍ عَلى مالٍ وَحُبِّ وِلايَةٍ | |
|
| وَكَثرَةُ أَصحابٍ وَنَيل المَزيَّةِ |
|
وَغِب عَن شُهودِ الذاتِ مِنكَ وَوَصفِها | |
|
| وَصِلّ عَلى كُلٍّ تَنَل كُلَّ رِفعَةِ |
|
وَكُن مُفلِساً مِن رُؤيَةِ الكَونِ كُلِّهِ | |
|
| تَكُن بِإِلاهِ العَرشِ أَغنى البَرِيَّةِ |
|
فَلَم يَفتَقِر مَن جاءَ بِالفَقرِ ذا الغِنى | |
|
| وَلَن يَغن مَن يَأتي إِلَيهِ بِثَروَةِ |
|
وَكُلُّ مَقامٍ لا تَقُم بِهِ فِكرَةٌ | |
|
| وَدَع كُلَّ حالٍ فيهِ نَفسُكَ حَلَّتِ |
|
إِلى أَن تَرى ما كُنتَ مِن قَبل هارِباً | |
|
| بِفِكرِكَ مِنهُ نَفس عَينِ الحَقيقَةِ |
|
وَتُبصِرُ رَبّاً قَد أَحاطَ بِما تَرى | |
|
| وجوداً عَلى التَحقيقِ مِن غَيرِ مَرِيَّةِ |
|
وَتَنظُر نوراً فائِضاً مِن حَقيقَةٍ | |
|
| تلَوِّن أَلواناً لِإِظهارِ حِكمَةِ |
|
وَتَعلَم أَنَّ الكَونَ لَيسَ بِكائِنٍ | |
|
| لِأَجلِ دُخولِ الكُلِّ تَحتَ الماهِيَّةِ |
|
وَتوقِنُ أَنَّ الكَأسَ خَمراً وَلا تَرى | |
|
| سِواهُ فَما أَحلى لِقاءَ الأَحِبَّةِ |
|
وَإِنَّكَ سِرّاً لِكُلٍّ وَالسِرُّ ذاتُهُ | |
|
| وَإِنَّكَ أَنتَ العَينُ في بَينِ صنعَةِ |
|
وَإِنَّكَ وصول وَلا ثمَّ واصِلٌ | |
|
| وَلكِن مَعاني الذاتِ بِالذاتِ حفَّتِ |
|
تَناهَت إِلَيها بَعدَما اِحتَجَبَت بِها | |
|
| وَمِنها التَناهي كانَ أَوَّلَ مَرَّةِ |
|
أَبَت أَن تَراها عَينها وَهيَ عَينها | |
|
| وَفي ذا كَمالُ القُدرَةِ الأَزَلِيَّةِ |
|
وَتَظهَر إِن شاءَت إِلَيهِ بِحال ما | |
|
| بِهِ اُحتِجِبَت عَنها بِسَطوَةِ عزَّةِ |
|
بَدَت بِجَمالٍ مِن كَمالِ صِفاتِها | |
|
| فَأَهدَت بِهِ مَن بِالعِنايَةِ خُصَّتِ |
|
وَلَو لَم تَجل بِالصِفاتِ لَما اِهتَدى | |
|
| لِعِرفانِها وَاللَه فَهم الخَليفَةِ |
|
لِأَنّ تَجلِّي الذاتِ بِمَحقِ نورِهِ | |
|
| جَميعَ الَّذي يَبدو لَهُ بِالذَتِيَّةِ |
|
أَلَم تَرَها لَمّا تَجَلَّت بِذاتِها | |
|
| لِطورِ كَليمِ اللَهِ لِلصَخرِ دَكَّتِ |
|
وَخرَّ لِذاكَ الدَكِّ موسى كَليمهُ | |
|
| فَعَوَّضَ صَعقَ الطورِ عَن صَعقِ نَفخَةِ |
|
لِأَنَّ تَجلّي الذاتِ نَفخَةُ صورِها | |
|
| بِهِ تبدّل التَلطيف كُلّ كَثيفَةِ |
|
وَمِن ثمَّ كانَت نَشأَةُ الخَلقِ أَوَّلاً | |
|
| تَهدُّ وَنَشأ العَرض نَفخَةُ بَعثَةِ |
|
فَتُدرِكُ ما لَم تَدرِ مِن قَبلِ بَعثِها | |
|
| وَيَعلَمُ مِنهُ الغَيبُ نَفسَ البَديهَةِ |
|
لِأَنَّ مُدرِكَ الأَنوارِ مِن عَينِ نورِهِ | |
|
| عَلى قَدرِهِ يَبدو لَهُ في الحَقيقَةِ |
|
أَلَم تَرَ خَيرَ الخَلقِ أَبصَرَ خَلقَهُ | |
|
| تَنَزَّلَ حَتّى كانَ في المُلكِيَّةِ |
|
وَأَصحابُهُ لَمّا عَلَو بِاِتِّصالِهِ | |
|
| فَلَم يَعُد مِنهُم واحِدٌ حُسنُ دَحيَةِ |
|
وَإِن لَم يَروا جِبريلَ إِلّا عَشيرَهُم | |
|
| عَلى أَنَّهُم في الناسِ أَفضَلُ أُمَّةِ |
|
فَكَيفَ يَرى خَلق حَقيقَةِ أَحمَد | |
|
| وَلكِن يَرى ظِلّاً مِنَ البَشَرِيَّةِ |
|
لِأَنَّهُ صونُ السِرِّ بَل سِرُّ صَونِهِ | |
|
| وَالأَنوارُ طرّاً مِن سَناهُ اِستَمَدَّتِ |
|
عَلَيهِ يَدورُ القُطبُ وَهوَ بِسِرِّهِ | |
|
| يَدورُ عَلَيهِ الكَونُ في كُلِّ لَمحَةِ |
|
تَرى حُكمَهُ بِاللَهِ في الخَلقِ نافِذاً | |
|
| لِأَنَّهُ صارَ فيهِم أَصلُ نَشأَةِ |
|
تَرقّى إِلى أَن صارَ لِلكُلِّ جامِعاً | |
|
| لِسِرٍّ أَتى مِن هِمَّةٍ أَحمَدِيَّةِ |
|
وَأَصلُ وُجودِ الشَيءِ رَحمَةُ نَفسه | |
|
| لِذلِكَ كانَ رَحمَةً لِلبَشَرِيَّةِ |
|
وَرَحمَتُهُ مِن رَحمَةِ المُصطَفى أَتَت | |
|
| لِأَن سِرُّهُ مِن سِرِّ عَينِ الرَحمَةِ |
|
لِذلِكَ كانَ القُطبُ يُبصِرُ دائِماً | |
|
| لَهُ سِرُّ الاِستِخلافِ في كُلِّ بَرزَةِ |
|
لِأَنَّهُ عَن خَيرِ الأَنامِ خَليفَةً | |
|
| وَهوَ عَنِ الرَحمنِ خَيرُ خَليفَةِ |
|
فَنورٌ سَرى في الكَونِ صورَة أَحمَدٍ | |
|
| بِهِ تَهتَدي لِلَّهِ كُلُّ بَصيرَتي |
|
فهوّ الهدى والنور من حيث إنه | |
|
| على ذاته تجلى معاني الحقيقة |
|
فَلا مُهتَدٍ إِلّا بِأَضواءِ نورِهِ | |
|
| لِأَنَّ نُعوتَ النورِ بابُ الأَدِلَّةِ |
|
وَهوَ عَلى التَحقيقِ وَاللَه وَصفه | |
|
| وَمِن ثمَّ كانَ الفَتحُ مِنهُ لِحَضرَتي |
|
فَمَن حَفَّهُ نورُ الرَسولِ يَخوضُ مِن | |
|
| بِحارِ شُهودِ الذاتِ في كُلِّ لُجَّةِ |
|
وَتنهى إِلَيهِ في الأَنامِ رِياسَةٌ | |
|
| قَدِ اِستَسلَفَت في عِزِّها كُلّ رُتبَةِ |
|
وَمَن قَد أَتى مِن غَيرِ نورِ مُحَمَّدٍ | |
|
| فَإِقدامُهُ في مَهوَةِ الغَيّ زَلَّتِ |
|
يَرومُ دُخولَ الدارِ مِن غَيرِ بابِها | |
|
| وَيَطلُبُ هَدياً بِالأُمورِ المُضِلَّةِ |
|
وَلَولا سَنى مِنها لَما وَصَلَت بِنا | |
|
| سَنابِكَ أَفراسِ القُلوبِ المُجِدَّةِ |
|
لِنَحوِ حِماها وَهيَ في مَنعَةِ الهَوى | |
|
| وَصَونِ شُفوفٍ مِن سُيوفٍ أَعِزَّةِ |
|
فَلِذا اِغتِرابي في اِقتِرابي حَبائِبي | |
|
| وَهانَ عَذابي إِذ عَذابي شِقوَتي |
|
أواري غَرامي عَن هَواجِسِ عاذِلي | |
|
| فَتَكشِف عَن سَرّي حَقائِقَ سيرَتي |
|
وَيَعذُرُني مِنهُ صَوانُ تَجَلُّدي | |
|
| فَتَعذرُني مِن سُرعَةِ السَكبِ عَبرَتي |
|
وَما كُنتُ أَدري حينَ أَدري مَدامِعي | |
|
| بِأَنَّ سَرايا الطَرفِ مِن جَيشِ رقبَتي |
|
وَإِن شُؤوني عَن شُؤوني عَبَّرَت | |
|
| إِذا غَبّرَت في التيهِ أُخدودُ وَجنَتي |
|
تَوَسَّدت مِن جِسمي الأَمان لِأَنَّهُ | |
|
| إِذا ما فَنى في الحُبِّ في زيِّ مَيِّتِ |
|
وَإِنّ حَياةَ الروحِ عَنهُ خِفيَّةٌ | |
|
| إِذا أَنَّهُ لَما فَنى فيهِ حَلَّتِ |
|
وَصارَ بِسِرِّ الذَوقِ مِن عَينِ ذاتِها | |
|
| وَنالَ بَقاءً إِذ رَمى بِالبَقِيَّةِ |
|
وَوافَقَها فيما يَعُمّهُما مَعاً | |
|
| وَداما جَميعاً بَينَ خَفضٍ وَرِفعَةِ |
|
فَهذا بِعَينِ الذاتِ نافى دائِماً | |
|
| وَهذا بِنورِ العَينِ في العَينِ مُثبَتِ |
|
فَأَضحى الوَرى لَمّا رَوى كُلُّ واحِدٍ | |
|
| رِوايَتَهُ قِسمَينِ في نَوعِ عِشقَتي |
|
فَمِن قائِلٍ هذا يُحِبُّ بُثَينَة | |
|
| وَمِن قائِلٍ هذا كثيرُ عَزَّةِ |
|
رَأَوا مِن ثِيابي في ثَباتِ تَوَلُّهي | |
|
| فَأَوقَعَهُم في الوَهمِ فَهم تَثَبُّتي |
|
وَلَمّا أَبى كَنِّي يَكنُّ هَوايَ بَل | |
|
| يُذيعُ جَميعاً لِلوُشاةِ سَريرَتي |
|
وَأَصبَحَ أَفواهاً تُناجي بِكُلِّ ما | |
|
| لَهُ صارَ إِسماعاً عَلى خَلفِ إِمرَتي |
|
فَإِن أَنهَ نطقي أَنهَ ما كانَ مُودعاً | |
|
| سِواهُ وَذاعَ السِرَّ مِن كُلِّ جُملَتي |
|
تَيَقَّنتُ إِذ لَم يَبقَ مِنّي كاتِمٌ | |
|
| بِأَنّ اِستَتاري في الغَرامِ فَضيحَتي |
|
وَصِرتُ إِذا لَم يَستُرِ الشَمسَ ظِلُّها | |
|
| أُصانِعُ عَن دَرءِ الهَوى بِصَنيعَتي |
|
وَأَعلَمُ أَنّي بِالمَعالِمَ جاهِلٌ | |
|
| وَأُنكِرُ في كُلِّ اِختِباري خِبرَتي |
|
وَأَسأَل أَهلَ الحَيِّ عَن جيرَةٍ لَها | |
|
| لِتَبريدِ تَبريحي وَإِطفاءِ لَوعَتي |
|
أُغالِطُهُم في فِتنَةِ الفَرقِ إِن فِت | |
|
| نَةُ الجَمعِ لَيسَت في الصَبابَةِ فُرقَتي |
|
بَدا غَيُّهُم مِن عَينِهِم فَتَواتَرَت | |
|
| عَلَيهِم سِهامُ البَينِ مِن عَينِ نُقطَةِ |
|
وَلَو جَرَّدوا مِن نُقطَةِ الغَينِ عَينهُم | |
|
| لَفازوا بِتَفريدٍ بِهِ الذاتُ جَلَّتِ |
|
وَشاهَدَ كُلّ عَينه عَين حُبِّهِ | |
|
| وَأَفضَلُ خَلقِ اللَهِ عَينُ الوَسيلَةِ |
|
وَلكِن إِلى أَنوارِهِ الكُلُّ يَنتَهي | |
|
| فَفيهِ حَقائِقُ الكِرامِ تَرَقَّتِ |
|
عَلَيهِ صَلاةُ اللَهِ ثُمَّ سَلامُهُ | |
|
| وَآلِه وَالأَصحابِ في كُلِّ لَحظَةِ |
|
وَأَزواجِه وَالتابِعينَ جَميعِهِم | |
|
| وَأُمَّتِه الغَرّاءِ أَفضَلُ أُمَّةِ |
|