نَمَّتْ بأسرارِ لَيْلٍ كان يُخْفيها | |
|
| وأطْلَعتْ قَلْبَها للنّاسِ مِنْ فِيها |
|
قلبٌ لها لم يَرُعْنا وهْو مُكْتَمِنٌ | |
|
| ألاّ تَرى فيه ناراً مِن تَراقيها |
|
سَفيهةٌ لم يَزلْ طُولُ اللِّسانِ لها | |
|
| في الحَيِّ يَجْني عليها ضَرْبَ هَاديها |
|
غَريقةٌ في دموع وهَيَ تُحرِقُها | |
|
| أنفاسُها بدَوامٍ من تَلَظِّيها |
|
تَنَفّسَتْ نَفَسَ المَهْجورةِ ادَّكَرَتْ | |
|
| عَهْدَ الخَليطِ فباتَ الوَجْدُ يُبْكيها |
|
يُخْشَى عليها الرَّدَى مهما ألَمَّ بِها | |
|
| نَسيمُ ريحٍ إذا وافَى يُحيِّيها |
|
بدَتْ كنَجْمٍ هَوَى في إثْرِ عِفْرِيَةٍ | |
|
| في الأرضِ فاشْتَعَلَتْ منه نَواصيها |
|
نَجْمٌ رأى الأرضَ أولَى أنْ يُبوَّأَها | |
|
| منَ السّماء فأمسَى طَوْعَ أهليها |
|
كأنّها غُرّةٌ قد سالَ شادِخُها | |
|
| في وَجْهِ دَهْماءَ يَزْهاها تَجَلّيها |
|
أو ضَرّةٌ خُلِقَتْ للشّمْسِ حاسدةً | |
|
| فكلما حُجِبَتْ قامَتْ تُحاكِيها |
|
وَحيدةٌ بشَباةِ الرُّمْحِ هازمةٌ | |
|
| عساكرَ اللّيْلِ إن حَلَّتْ بِواديها |
|
ما طَنَّبَتْ قَطُّ في أرضٍ مُخَيِّمةً | |
|
| إلاّ وأقمرَ للأبصارِ داجيها |
|
لها غَرائبُ تَبدو من مَحاسِنها | |
|
| إذا تَفكّرْتُ يوماً في مَعانيها |
|
فالوجْنةُ الوَرْدُ إلاّ في تَناوُلِها | |
|
| والقامةُ الغُصْنُ إلاّ في تَثَنِّها |
|
قد أثمرَتْ وَرْدةٌ حَمْراءَ طالعةً | |
|
| تَجْني على الكَفِّ إن أهويتَ تَجْنيها |
|
وَرْدٌ تُشاكُ بها الأيدي إذا قُطِفَتْ | |
|
| وما على غُصْنِها شَوكٌ يُوقِّيها |
|
صُفْرٌ غَلائلُها حُمْرٌ عَمائمُها | |
|
| سُودٌ ذَوائبُها بيضٌ لَياليها |
|
كصَعْدةٍ في حَشا الظَّلْمَاءِ طاعنةٍ | |
|
| تَسْقى أسافِلَها رِيّاً أعاليها |
|
كَلوءةُ اللَّيْلِ إمّا أقبلَتْ ظُلَمٌ | |
|
| أَمسَتْ لها طَلْعةٌ للصَّحْبِ تُذْكيها |
|
وَصيفةٌ لستَ منها قاضياً وَطَراً | |
|
| إن أنت لم تَكْسُها تاجاً يُحَلّيها |
|
صَفْراءُ هِنديةٌ في اللَّوْنِ إن نُعِتَتْ | |
|
| والقَدِّ والدِّينِ إنْ أتْمَمْتَ تَشبيها |
|
فالهِنْدُ تَقْتُلُ بالنِّيرانِ أنْفُسَها | |
|
| وعندَها أنَّها إذْ ذاكَ تُحْييها |
|
ما إن تَزالُ تَبِيتُ اللَّيلَ لاهِبةً | |
|
| وما بِها غُلّةً في الصَّدْرِ تُظْميها |
|
تُحْيي اللّياليَ نُوراً وهْيَ تَقْتُلُها | |
|
| بئْسَ الجَزاءُ لعمْرُ اللهِ تَجْزيها |
|
وَرْهاءُ لم يَبْدُ للأبصارِ لابِسُها | |
|
| يوماً ولم يَحْتَجِبْ عنهُنَّ عاريها |
|
قُدَّتْ على قَدِّ ثَوْبٍ قد تَبَطَّنَها | |
|
| ولم يُقَدَّرْ عليها الثّوبَ كاسِيها |
|
غَرّاءُ فَرعاءُ ما تَنْفَكُّ فاليةً | |
|
| تَقُصُّ لِمّتها طَوراً وتَفْلِيها |
|
شَيْباءُ شَعْثاءُ لا تُكسَى غَدائرُها | |
|
| لَوْنَ الشَّبيبةِ إلاّ حينَ تُبْليها |
|
قناةُ ظَلْماءَ ما تَنْفَكُّ يأكُلها | |
|
| سِنانُها طُولَ طَعْنٍ أو يُشَظّيها |
|
مفْتوحةُ العَيْنِ تُفْني ليلَها سَهَراً | |
|
| نعَمْ وإفْناؤها إيْاهُ يُفْنيها |
|
ورُبمَّا نالَ من أطْرافِها مَرَضٌ | |
|
| لم يُشْفِ منه بغَيْرِ القَطْعِ مُشْفيها |
|
وَيلُ امِّها في ظلامِ اللَّيلِ مُسعِدةً | |
|
| إذا الهمومُ دعَتْ قلبي دَواعيها |
|
لولا اختلافُ طباعَيْنا بواحدةٍ | |
|
| وللطِّباعِ اخْتلافٌ في مَبانيها |
|
بأنّها في سَوادِ اللَّيْلِ مُظهِرةٌ | |
|
| تلك الَّتي في سوادِ القَلْبِ أُخْفيها |
|
وَبَيْنَنا عَبَراتٌ إن هُمُ نَظَروا | |
|
| غَيّضْتُها خَوْفَ واشٍ وهْي تُجْريها |
|
وما بها مَوهناً لو أنّها شَكَرَتْ | |
|
| ما بي من الحُرَقِ اللاّتي أُقاسيها |
|
ما عانَدتْها اللّيالي في مَطالبها | |
|
| ولا عَدتْها العوادي عن مَباغيها |
|
ولا رمَتْها ببُعْدٍ من أحِبَّتها | |
|
| كما رَمتْني وقُرْبٍ من أعاديها |
|
ولا تُكابِدُ حُسّاداً أُكابِدُها | |
|
| ولا تُداجي بني دَهْرٍ أُداجيها |
|
ولا تَشكَّى المَطايا طُولَ وِحْلَتها | |
|
| ولا لأرجُلِها طَرْداً بأيديها |
|
إلى مَقاصدَ لم نَبْلُغْ أدانيَها | |
|
| مَعْ كَثْرَةِ السَّعْي فَضْلاً عن أقاصيها |
|
فَلْيَهْنِها أنّها باتَتْ ولا هِمَمي | |
|
| ولا هُمومي تُعَنّيها وتَعْنيها |
|
أبدَتْ إليِّ ابتِساماً في خلالِ بُكاً | |
|
| وعَبْرتي أنا مَحْضُ الحُزْنِ يَمْريها |
|
فقلتُ في جُنْحِ ليلٍ وهْي واقفةٌ | |
|
| ونحن في حَضْرة جَلَّتْ أَياديها |
|
لو أنّها عَلِمتْ في قُرْبِ مَن نُصِبَتْ | |
|
| من الورَى لَثنَتْ أعطافَها تِيها |
|
وخَبَّرتْ أنّها لا الحُزْنُ خامَرَها | |
|
| بَلْ فَرحةُ النّفْسِ أبكاها تَناهيها |
|
مَنْ مِثْلُها حينَ ردَّتْ عَيْنَها فرأتْ | |
|
| خِدْنَ النَّدى وهْو مُحتلٌّ بِناديها |
|
وأنّها قُدِّمَتْ في حيثُ غُرَّتُه | |
|
| تُهْدي سَناها فزادَتْ في تَلاليها |
|
في ليلةٍ جَاورَتْ شَمْساً فمزَّقَها | |
|
| نُورٌ تضاعَفَ فابْيَضَّتْ دَياجيها |
|
إحدى ثلاثينَ مِثْلِ العِقْدِ قد نُظِمَتْ | |
|
| غُرّاً تبارى بأنوار تُجَليِّها |
|
تَرى المصابيحَ زُهراً في جَوانبِها | |
|
| وقد جَلا صَفْحَةَ الغَبْراءِ ذاكيها |
|
كأنّهنَّ نُجومُ الأُفْقِ نازلةً | |
|
| جاءتْ تُقبِّلُ أرضاً أنت واطيها |
|
شَرائفٌ في اللّيالي رُصِّعَتْ عَجَباً | |
|
| منها ذَوائبُ للظَّلْماء تُرْخيها |
|
لك القراءةُ فيها والقِرَى جُمِعا | |
|
| فأنت قارِئُها نُسْكاً وقاريها |
|
ما لَيْلُها بصَلاةٍ منكَ أشْغَلَ مِن | |
|
| نَهارِها بصِلاتٍ فيه تُسْديها |
|
شَهْرٌ يُعَدُّ من الأيّامِ مثْلَكَ في ال | |
|
| أنامِ فَرْداً إذا عُدَّتْ مَعانيها |
|
كأنّ ضَوْءَ هلالٍ لاحَ فابْتدَرَتْ | |
|
| زُهْرُ النُجوم تَبدَّى مِن نَواحيها |
|
قُضاةُ فارسٍ التَفّتْ مَواكبُها | |
|
| تُخبُّ مُسرِعَةً في إثْرِ قَاضيها |
|
يا ماجداً لم يُنِرْ شَمسٌ ولا قَمَرٌ | |
|
| إلاّ بفَضْلةِ نُورٍ منه يُهْديها |
|
يَعُدُّ آباءَ صِدْقٍ كلّما افْتَخَروا | |
|
| يَفوقُ أوّلَها في المَجْدِ ثانيها |
|
تَخَيّروا فارِساً داراً وظِلُّهمُ | |
|
| على البسيطة قاصيها ودانيها |
|
كالعَيْنِ تَخْتَرِقُ الآفاقُ ناظرةً | |
|
| أجَلْ ومَحْجِرُها للصَّونِ يَحْويها |
|
كأنّها غابَةٌ تَغْدو مُمَنَّعةٌ | |
|
| ما أصبحَتْ وأبو الأشبالِ يَأويها |
|
ألا فَدامَ تَحلِّيها بهمْ أَبَداً | |
|
| ولا أُتيحَ لها منهم تَخَلّيها |
|
أمّا الشّريعةُ مُذْ فاءتْ إليكَ فقد | |
|
| ضَرَحْتَ عن عَيْنها ما كانَ يُقْذِيها |
|
وما أرَى كالفَزارِيّينَ مِن عُصَبٍ | |
|
| مُشْتَقَة من مَعانيها أساميها |
|
من آل بَدْرٍ وحِصْنٍ رَشّحوكَ لَها | |
|
| بَدْراً هَداها وحِصناً ظَلَّ يَحميها |
|
لك العُلُو لعَمْري والعلومُ معاً | |
|
| إرْثاً جُدودُ بني العَلْياء بانيها |
|
مِن سِرِّ قَيْسٍ مُلوكٌ لا يُقاسُ بهم | |
|
| في العزِّ حاضِرُ أحياءٍ وباديها |
|
لقد جَلا أُفُقَ الإسلامِ شمسُ هُدىً | |
|
| تَهْدي إلى طُرُقِ المعروفِ هاديها |
|
طَوْدٌ وقارٌ ونارٌ في الذَّكاء معاً | |
|
| والنّارُ تَزْدادُ فوقَ الطّوْدِ تَنْويها |
|
مُحدِّثٌ بصَوابِ الرَّأْيِ خاطرُه | |
|
| خافي الأُمورِ لدَيْهِ مثلُ باديها |
|
نَفْسٌ مُوفّقةٌ في كُلِّ ما شَرَعَتْ | |
|
| من أمرِها حُمدَتْ فيه مُساعيها |
|
لم يُوطِها زَلّةً يوماً تَسرُّعُها | |
|
| ولم يُفِتْ سابقةً والحَقُّ تاليها |
|
وهِمّةً بمَناطِ النّجمِ ساميةٌ | |
|
| تَبغي العُلا والعَطايا من مَراقيها |
|
نالَ المَعالي فقالوا تلْكَ غايتُها | |
|
| فقلتُ لا تَغْلَطوا هذي مَباديها |
|
وإنّما أكْبَروا منه تَملُّكَهُ | |
|
| مَراتباً قَصَروا هُمْ عَنْ تَمَنّيها |
|
خِرْقٌ إذا زادَ جُوداً زادَ مَقْدرةً | |
|
| وفَعلَةُ الخيرِ يَجْزيها جَوازيها |
|
وما عَوارِفُ يُوليها بمُقْنعةٍ | |
|
| فِعالُها في الوَرى حتّى يُواليها |
|
فَحاطَهُ اللهُ من مَلْكٍ خَزائنُه | |
|
| أيدي العُفاةِ إذا جاءتْ تُرَجيِّها |
|
أموالُه في رقابِ النّاسِ يَكْنِزُها | |
|
| للذُّخْرِ لا في بُطون الأرض يُلْقيها |
|
يُزْهَى بفَضْل غَناءٍ لا بفَضْلِ غنىً | |
|
| والنّفْسُ عزَّتُها لا غَيْرُ تُغنيها |
|
ما اسْتَكفَتِ الدَّولةُ الغّراءُ في زَمَنٍ | |
|
| إلاّ ونُصْحُ عمادِ الدِّينِ يَكْفيها |
|
ولا اشْتَكَتْ مَرْضةً من حادثٍ جَلَلٍ | |
|
| إلاّ نِطاسيُّ رَأْيٍ منه يَشْفيها |
|
ذو همّةٍ تَحسُدُ الأفلاكُ رِفْعَتها | |
|
| فما لَها كَوكبٌ أمسى يُساميها |
|
سَماءُ مجدٍ سَجاياهُ كواكبُها | |
|
| يُعيدُها للوَرى زُهْراً ويُبْديها |
|
تُريكَ شَمْلَ العُلا والمَجْدِ مُنتظِماً | |
|
| له شَمائلُ قد رَقَّتْ حَواشيها |
|
كُلٌّ غدا من بَني الدُّنْيا أَخا خُدَعٍ | |
|
| يَبْغي لباطِله بالحَقِّ تَمْويها |
|
وطاهِرٌ طاهِرٌ مِثْلُ اسْمِه أَبداً | |
|
| من كُلِّ ما شان تَهْذيباً وتَنْزيهاً |
|
خُذْها إليك عمادَ الدِّين سائرةً | |
|
| ما النَّجْمُ في الأفُقِ الأعلَى يُباهيها |
|
أَردْتُ مدْحَ فتىً نَدْبٍ أَغرَّ بها | |
|
| فأقبلَتْ كلُّها غُرّاً قَوافيها |
|
كأنَّهنَّ كؤوسٌ راحَ يُتْرِعُها | |
|
| راحٌ ولكنْ بلا راحٍ تُعاطيها |
|
راحٌ إذا طافَتِ الأيدي بمُشْبِهها | |
|
| عَزَّتْ فكانَ بأفواهٍ تَهاديها |
|
يا خَيْرَ مَنْ راحَ من قُرْبٍ ومِنْ بُعُدٍ | |
|
| إلى مَغانيهِ يَحدو العِيسَ حاديها |
|
صَبيحةُ الصَّومِ ما أدْري وقد وفَدَتْ | |
|
| بها نُهَنّيكَ فَخْراً أَم نُهَنِّيها |
|
أَيّامُ عامِكَ فيما عِندَها شَرَعٌ | |
|
| فاسْعَدْ ببَهْجةِ ماضِيها وباقيها |
|
مُمَتَّعاً بِبَنيكَ الغُرِّ تَكْنُفُهمْ | |
|
| في دولةٍ لا يَخيبُ الدَّهْرَ راجيها |
|
يَبْقونَ في نِعمةٍ كالقَطْرِ دائمةٍ | |
|
| مَقْرونةٍ بهَواديها تَواليها |
|
لم يُدْرَ أَيُّهما أَوفَى بها تَعَباً | |
|
| فُؤادُ حاسدِها أَم كَفُّ مُحْصِيها |
|