قَضى القَلبُ مِن عَهدِ الشَبابِ دُيونَهُ | |
|
| وَلِلشَّيبِ عَهدٌ يَنبَغي أَن نَصونَهُ |
|
وَقَد لاحَ وَالغاوي يَغُضُّ جُفونَهُ | |
|
| لِطَيبَةَ نُورٌ تَقصُرُ الشَمسُ دونَهُ |
|
تَطابَقَ في تَحقيقِهِ الحِسُّ وَالنَقلُ
|
لِمَن مِثلُهُ ما دانَ لِلَّهِ دائِنُ | |
|
| لِمَن فُتِحَت بِالوَعدِ مِنهُ المَدائِنُ |
|
لِمَن لَم يَكُن في غَيرِ حَقٍّ يُلاينُ | |
|
| لَخَيرُ الوَرى مَن كانَ أَو هوَ كائِنُ |
|
وَأَفضَلُ مَذخورٍ لَهُ الحُبُّ وَالوَصلُ
|
كَريمُ كِرامِ الصَيد وَالنُخَبِ الأُلى | |
|
| لَهُم قَدَمٌ يَعلو عَلى النَجمِ مَنزِلا |
|
أَجَلُّهُم قَدراً وَأَفضَلُهُم حُلى | |
|
| لُبابُ لُبابِ الجودِ والمَجدِ وَالعُلا |
|
فَقَد طابَ مِنهُ الطَبعُ وَالفَرعُ وَالأَصلُ
|
فَأَمّا عُقودُ المُشرِكينَ فَحَلَّها | |
|
| وَأَمّا دِماءُ المُعتَدينَ فَطَلَّها |
|
وَأَذهَبَ أَحقادَ الصُدورِ وَسَلَّها | |
|
| لَهُ جَمَعَ اللَهُ الفَضائِلَ كُلَّها |
|
فَمِقدارُهُ يَعلو وَتَذكارُهُ يَحلو
|
فَكَم باطِلٍ أَضحى بِهِ وَهوَ زاهِقُ | |
|
| وَإِن لَجَّ مُرتابٌ وَشَكَّ مُنافِقُ |
|
فَفي البَعثِ تَبدو لِلجَميعِ الحَقائِقِ | |
|
| لواءُ رَسولِ اللَهِ في الحَشرِ خافِقُ |
|
وَهَل تَحتَهُ إِلّا النَبيُّونَ وَالرُسلُ
|
لَهُ الكَوثَرُ المُروي بِفَضلِ مياهِهِ | |
|
| من اختَصَّهُ بِالسَعدِ حُكمُ إِلَهِهِ |
|
فَلَم يَنأَ عَن إِرشادِهِ لِسَفاهِهِ | |
|
| لِذَلِكَ لاذَ العالَمونَ بِجاهِهِ |
|
وَقَد طاشَتِ الأَلبابُ واِزدَحَمَ الحَفلُ
|
أَفي فَضلِهِ لِلمُستَبينِ اِستِرابَةٌ | |
|
| وَما لِلوَرى يَومَ الوَعيدِ مَثابَةٌ |
|
سِواهُ وَكُلٌّ قَد عَلَتهُ كآبَةٌ | |
|
| لِكُلِّ نَبيٍّ دَعوَةٌ مُستَجابَةٌ |
|
وَأَحمَدُ يَبدو في شَفاعَتِهِ الفَضلُ
|
وَمَن ذا الَّذي يَعلو هُناكَ كَأَحمدا | |
|
| يَقومُ مَقامَ الحَمدِ يَطلُبُ مَوعِدا |
|
قَضى اللَهُ في الدارَينِ أَن كانَ سَيِّدا | |
|
| لَياليهِ أَنوارٌ وَأَيّامُهُ هُدى |
|
وَأَلفاظُهُ حُكمٌ وَأَحكامُهُ عَدلُ
|
إِذا شُفِّعَ اِنزاحَت عَنِ الخَلقِ مِحنَةٌ | |
|
| وَحَلَّت لِأَصحابِ الكَبائِرِ جَنَّةٌ |
|
فَلُذ بِحِماهُ فَهوَ لِلكُلِّ جُنَّةٌ | |
|
| لِمِقدارِهِ بَينَ النَبيِّينَ مِكنَةٌ |
|
وَإِسراؤُهُ يَبدو بِهِ الفَضلُ وَالفَصلُ
|
وَلَمّا غَدا يَبغي الحَقيقَةَ جاهِداً | |
|
| وَشَمَّرَ عَن بَذلِ النَصيحَةِ ساعِداً |
|
وَلَم يَرضَ إِلّا قائِدَ الحَقِّ قائِداً | |
|
| لَقوهُ بِآفاقِ السَمواتِ صاعِداً |
|
إِلى مُستَوىً ما حَلَّهُ بَشَرٌ قَبلُ
|
فَكَم غايَةٍ قَد حازَها بَعدَ غايَةٍ | |
|
| إِلى أَن رأى لِلرَّبِّ أَكبَرَ آيَةٍ |
|
فَأَصبَحَ مَخصوصاً بِعِلمِ دِرايَةٍ | |
|
| لِغُرَّتِهِ الغَراءِ نورُ هِدايَةٍ |
|
بِهِ أَبصَرَ العُميانُ واِنتَظَمَ الشَملُ
|
بِأَطيَبِ مَن زَكّاهُ طيبُ الأَطايبِ | |
|
| بِمَن جَلَّ عَن ذامٍ وَعَن عَيبِ عائِبِ |
|
بِأَروعَ بادي البِشرِ مُعطي الرَغائِبِ | |
|
| لِكَفَّيهِ في اللاواءِ عَشرُ سَحائِبِ |
|
وَمِن بِشرِهِ بَرقٌ وَمِن بَذلِهِ وَبلُ
|
أَفاضَ بِهِ المَولى عَلَينا اِمتِنانَهُ | |
|
| وَخَوَّلَنا إِحسانَهُ وَحَنانَهُ |
|
فَأَصبَحَ مِمّا عَظَّمَ اللَهُ شانَهُ | |
|
| لَوِ اِستَلَمَت كَفُّ الغَمامِ بَنانَهُ |
|
لما صَوَّحَ المَرعى وَلا ذَبَلَ البَقلُ
|
خَرَجنا بِهِ مِن كُلِّ ضيقٍ وَغُمَّةٍ | |
|
| دَخَلنا بِهِ في ظِلِّ أَمنٍ وَعِصمَةٍ |
|
أَتَتنا بِهِ لِلَّهِ أَسبَغُ نِعمَةٍ | |
|
| لَحِقنا بِهِ السُبّاقَ مِن كُلِّ أُمَّةٍ |
|
وَلَولاهُ كانَ البَعضُ يَسبِقُهُ الكُلُّ
|
صَدَمنا بِهِ الإِشراكَ أَعظَمَ صَدمَةٍ | |
|
| دَفَعنا بِهِ في صَدرِ كُلِّ مُلِمَّةٍ |
|
رَفَعنا إِلى إِرشادِهِ كُلَّ هِمَّةٍ | |
|
| لَجأنا إِلَيهِ أُمَّةً بَعدَ أُمَّةٍ |
|
فَأَحسَبَنا الإِحسانُ وَالنائِلُ الجَزلُ
|
جَرى حُبُّهُ في القَلبِ مِنّي مَعَ الدَمِ | |
|
| وَذَنبيَ يأبى في الرِفاقِ تَقَدُّمي |
|
وَما بانَ عَن فِكري وَلا زالَ عَن | |
|
| فَمي لَدى يَثرِبٍ أَضحى هَوى كُلِّ مُسلِمِ |
|
فَهُم نَحوَها دَبّاً كَما دَبَّتِ النَملُ
|
مِنَ اللَهِ أَرجو أَن يُسَنّي قُربَهُ | |
|
| وَإِن عاقَ وَقتٌ كَدَّرا اللَهُ شِربَهُ |
|
نُراوِدُهُ سِلماً فَيوثِرُ حَربَهُ | |
|
| لَثَمنا بِأَفواهِ الخَواطِرِ تُربَهُ |
|
فَيا لَيتَنا مِمَّن مُقَبَّلُهُ النَعلُ
|
نأى غَيرَ نآءٍ عَن فُؤادي وَفِكرِهِ | |
|
| وَغايَةُ مِثلي أَن يَفوزَ بِذِكرِهِ |
|
وَلَو سِرتُ نَحوَ القَبرِ فُزتُ بِبِرِّهِ | |
|
| لَقَد حالَ تَسويفي بِزَورَةِ قَبرِهِ |
|
وَفازَ بِهِ قَومٌ هُمُ لِلرضا أَهلُ
|
عَسى رَحمَة المَولى تُقَرِّبُ بَينَهُ | |
|
| فَيَقضي فُؤادي لِلهَوى فيهِ دَينَهُ |
|
وَيُذهِبُ نَقصَ البُعدِ عَنهُ وَشَينَهُ | |
|
| لَحى اللَهُ وَقتاً حالَ بَيني وَبَينَهُ |
|
فَمَربَعُهُ قَيظٌ وَصَيِّبُهُ مَحلُ
|
وَلِلَّهِ دَمعٌ فيهِ فاضَت غُروبُهُ | |
|
| وَقَلبٌ بِنارِ الشَوقِ يُذكى لَهيبُهُ |
|
وَعَيشٌ لِبُعدِ الدارِ لا أَستَطيبُهُ | |
|
| لَئِن كُنتُ مِمَّن خَلَّفَتهُ ذُنوبُهُ |
|
فَإِنّيَ مِنَ طُولِ التَشَوُّقِ لا أَخلو
|