إبلاغ عن خطأ
ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك
انتظر إرسال البلاغ...
|
صورة |
هل أنا كنتُ طِفلاً.. |
أم انّ الذي كانَ طفلاً سوايْ؟ |
هذهِ الصوَرُ العائليةُ.. |
كان أبي جالساً، وأنا واقفٌ.. تتدلّى يداي! |
رفسَةٌ من فَرَسْ |
تَرَكتْ في جبينيَ شجّاً، وعَلَّمَتِ القلبَ أن يحتَرِس. |
أتذكّر.. |
سالَ دمي |
أتذكّر.. |
ماتَ أبي نازفاً. |
أتذكّر.. |
هذا الطريق إلى قَبْرِه.. |
أتذكّرُ.. |
أختي الصغيرةَ ذاتَ الربيعين، |
لا أتذكّرُ حتى الطريق إلى قبرِها المنطَمِس. |
أوَكان الصبيُّ الصغيرُ أنا؟ |
أم تُرى كانَ غيري؟ |
أحدِّقُ.. |
لكنّ تلكَ الملامحِ ذاتِ العذوبة |
لا تنتمي الآنَ لي |
والعيون التي تترقرقُ بالطيبةِ |
الآنَ لا تنتمي لي. |
صِرتُ عنّي غريباً |
ولم يتبقَّ من السنوات الغريبةِ |
إلا صدى اسمي.. |
وأسماء من أتذكّرُهم فجأةً |
بين أعمدةِ النعي، |
أولئك الغامضون: رفاقُ صباي |
يُقبِلون من الصمتِ وجهاً فوجهاً.. |
فيجتمعُ الشملُ كلّ صباحٍ، |
لكي نأتَنِسْ. |
وجه |
كان يسكنُ قلبي |
وأسكنُ غرفَتَهُ |
نتقاسمُ نصفَ السريرِ، |
ونصفَ الرغيفِ، |
ونصفَ اللفافةِ، |
والكُتُبَ المستعارةْ. |
هجرَتْهُ حبيبتُهُ في الصباحِ فمزّقَ شريانَهُ في المساء، |
ولكنّهُ بعدَ يومين مَزّقَ صورَتَها.. |
واندَهَشْ. |
خاضَ حربينِ بينَ جُنودِ المظلاتِ.. |
لم يَنخَدِشْ |
واستراحَ من الحربِ.. |
عادَ ليسكُنَ بيتاً جديداً |
ويكسبَ قوتاً جديداً |
يدخّن علبةَ تبغٍ بكاملها |
ويجادل أصحابَهُ حولَ أبخِرَةِ الشاي.. |
لكنّهُ لا يطيلُ الزيارة. |
عندما احتَقَنَتْ لوزَتاهُ، استشارَ الطبيبَ، |
وفي غرفةِ العمليات.. |
لَمْ يصطَحِبْ أحداً غيرَ خُفٍّ.. |
وأنبوبةً لقياسِ الحرارةْ، |
فجأةً مات! |
لم يحتَمِلْ قلبُهُ سريانَ المخدّر، |
وانسَحَبتْ من على وجهِهِ سنواتُ العذابات، |
عادَ كما كانَ طِفلاً.. |
يشارِكُني في سريري |
وفي كِسرةِ الخبزِ، والتبغ، |
لكنّهُ لا يشارِكُني .. في المرارة! |
وجه |
من أقاصي الجنوبِ أتى، عاملاً للبناء |
كانَ يصعدُ سقّالَةً ويُغنّي لهذا الفضاء |
كنتُ أجلِسُ خارجَ مقهى قريب، |
وبالأعينِ الشاردةْ.. |
كنتُ أقرأُ نصفَ الصحيفةِ، |
والنصفَ أخفي به وَسَخَ المائدةْ. |
لمْ أجِدْ غيرَ عينينِ لا تُبْصِران.. |
وخيطَ الدماءْ |
وانحنيتُ عليه.. أجُسُّ يَدَهْ |
قالَ آخرُ: لا فائدةْ. |
صارَ نصفُ الصحيفةِ كلَّ الغطاءْ |
وأنا.. في العَراء.. |
مرآة |
هل تريدُ قليلاً من البحر؟ |
إنّ الجَنوبيَّ لا يطمئنُّ إلى اثنينِ يا سيدي: |
البحر والمرأةِ الكاذبة. |
سوفَ آتيكَ بالرملِ منه |
.. وتلاشى بهِ الظِلُّ شيئاً فشيئاً، |
فَلَمْ أسْتَبِنْه. |
هل تريدُ قليلاً من الخمر؟ |
إنّ الجنوبيّ يا سيّدي يتهيّب شيئين: |
قنّينة الخمر والآلةَ الحاسبة. |
سوف آتيكَ بالثلجِ منه. |
.. وتلاشى بهِ الظِلُّ شيئاً فشيئاً، |
فَلَمْ أسْتَبِنْه |
بَعدَها لم أجِدْ صاحِبَيّ |
لم يعُدْ واحدٌ منهما بشيّ |
هل تريدُ قليلاً من الصبر؟ |
لا.. |
فالجنوبيّ يا سيّدي يشتهي أن يكون الذي لم يَكُنْه |
يشتهي أن يلاقي اثنتين: |
الحقيقةَ والأوْجُهَ الغائبَةْ. |